الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الرابعة:
اكتساب حاسَّة الاجتهاد "الإنجاز" مقابل تجنّب الإحساس بالنقص sence of mastry vs، inferioritty:
المدى الزمني لهذا المرحلة: تبدأ هذه المرحلة في حوالي السادسة من العمر، وتمتد لفترة خمس أو ست سنوات.
ولقد أطلق إريكسون على هذه المرحلة حاسَّة "الاجتهاد"؛ لأن الطفل ننتيجة احتكاكه بتجارب جديدة كثيرة سرعان ما يدرك أنه في حاجة إلى أن يجد له مكانًا بين الأطفال الآخرين الذين هم في سنه. ولذلك فإنه يوجِّه كل طاقاته نحو معالجة المشاكل الاجتماعية المحيطة به، والتي يحاول أن يسيطر عليها بنجاح حتى لا يكون متخلفًا عن رفاق سنه أو أقل منهم، بل له مكان بارز بينهم.
كما يعتبر إريكسون هذه المرحلة مرحلة الاجتهاد مقابل الإحساس بالنقص؛ لأن الطفل يوجّه نشاطًا متزايدًا لتحديد مكانته بين رفاقه، فيبذل كل جهد ممكن في الإنتاج والعمل وسط رفاقه في المدرسة أو الفصل.. إلخ خوفًا من أن يصبح إنتاجه وعمله في مستوى أقل من مستوى عمل رفاقه وإنتاجهم، ويصبح الخوف من هذا المستوى الأقل في الجودة سببًا في خوفٍ مستمر يدفعه للعمل الأفضل، حتى لا ينظر إليه الكبار على أنه ما يزال طفلًا أو شخصًا غير كامل؛ لأن هذه النظرة الأخيرة تؤدي إلى إحساسه بالنقص.
النمو العضوي:
يبدو أن النمو الجسمي يبطئ في هذه المرحلة، وأنه يدعم ما سبق تحقيقه من نضج جسمي في المراحل السابقة، وفي نفس الوقت يهيئ إمكاناته للنضج الجسمي السريع الذي سيحدث في المرحلة التالية، بمعنى: إن النمو العضوي يعبِّر عن حالة من الكمون.
العلاقات الاجتماعية:
1-
علاقة الطفل بالأطفال الآخرين: يحاول الطفل التميّز عن أقرانه في كل شيء يحاوله، مثل: "إجاباته في الفصل، نشاطه الفني، لعبه ونشاطه في حصص التربية الرياضية
…
إلخ"، ومع ذلك فهو يريد التعاون، ويحتاج إلى المشاركة المستمرَّة مع الآخرين.
ويعتمد لعب الطفل على المظهر الاجتماعي، ويميل الجنسان إلى الانفصال فيما يختص بعادات اللعب، وإن كانا في بعض الأحيان يتطرَّق كلٌّ منهما إلى عالم الآخر.
ومن ناحية أخرى: يتخذ عالم الأقران موضعًا ذا أهمية خاصّة عند الطفل، فهم ضروريون لاحترام الذات، وهم يصلحون كمعيار لقياس مدى نجاح أو فشل الولد أو البنت، ومن بينهم يجد الطفل مصدرًا آخر لتحقيق الذات خارج الأسرة.
ومن هنا كان لجماعات الأقران والرفاق أهمية خاصة وكبيرة في حياة الطفل.
2-
علاقة الطفل بالوالدين:
يكون الطفل في هذه السن قد تغلَّب ولو مؤقتًا على صراع القوة الأوديبي، وتبدأ علاقاته بالوالدين تتطور إلى مستوى واقعي من الاعتمادية في تلك الأوقات التي لا تزال الاعتمادية فيها ضرورية أو مرغوبًا فيها، في حين أن الطفل في أوقات أخرى يميل للتقرُّب من والديه وغيرهما من الكبار، لقد بدا بأنه لا بُدَّ له أخيرًا من الانفصال عن حياته الأسرية التي تعوَّد عليها.
فالطفل الذي يريد أن يستمرَّ مع أمه متلعقًا بها، يكتشف أن الأم قد تتخلَّى عنه بعد أن وصل إلى سن المدرسة، وأصبحت تفضل زوجها كرفيق، وإزاء هذا الإحباط، فإن الطفل بواسطة صلحه مع أبيه يؤجل معركته معه إلى حين يكتسب خبراته ويصبح ندًّا له، فهو بواسطة التوحُّد معه، وجعله مثله الأعلى يتحبَّب له كما فعل أبوه وأمه، ومن ثَمَّ تكون اعتماديته على الوالدين اعتمادية واقعية، ويجد أن الانفصال عن الاعتمادية الأسرية أصبحت ضرورية.
3-
العلاقة بالأخوة والأخوات:
وفي هذه السن لم يعد الأخوة والأخوات منافسين للطفل، بل يصبحون ذوي دلالة إذا كانوا قريبين من نفس السن، وكانوا ضمن جماعة رفاق الطفل، أي: في نفس سنه أو سنهم قريبة من سنه.
4-
علاقة الطفل بالكبار:
وحيث إن الطفل يرى في والديه متمثلين للمجتمع الذي يجب عليه أن يعمل فيه، فإنه الآن يبدأ في قياسهما على ضوء غيرهما من ممثلي هذا المجتمع، ومن هنا يتَّخذ الطفل أصدقاء والديه ومعمليه وأبائه وأصدقائه أهمية جديدة لديه.
ويبحث الصبية والبنات عن بالغين آخرين لتحقيق ذواتهم معهم؛ حيث إن الوالدين لم يعد باستطاعتهما تحقيق متطلبات الطفل من هذه الأوقات، وطالما ظلَّ الصبية والبنات خالين من الالتزامات الشخصية فإن باستطاعتهم أن يحوّلوا مُثُلهم ومعتقداتهم الشخصية إلى شخص أو إلى مجموعة من الكبار، وهم سيحققون ذاتيتهم بمظاهر الناس التي لها دلالة خاصَّة لديهم، دون اعتبارٍ للشخصية الكاملة وموقف الشخص.
واجبات المربين لإرساء حاسَّة الاجتهاد والإنجاز:
إن إحساس الطفل بالإنجاز وإجادة العمل وبأنه الأقوى أو الأحسن أو الأذكى أو الأسرع، هو النجاح الذي يسعى إليه. إن الطفل يدرأ الفشل بأي ثمن.
وباكتساب حاسَّة الاجتهاد واتِّقاء الإحساس بالنقص، فإن الطفل يعمل جاهدًا على تحسين نفسه والأنصار على الناس وعلى الأشياء؛ ليأخذ مكانه بينهم.
وإن دافعه للنجاح يتضمَّن إدراكًا بالتهديد الكامن في الفشل، وهذا الخوف الكامن يضطر الطفل لمضاعفة الجهد في العمل كي ينجح، ذلك لأنَّ أي إجراء ناقص، أو أي إهمالٍ سوف يقوده إلى الاقتراب من الإحساس بالنقص، وهو إحساس يجب أن يحاربه لكي يتقدَّم واثقًا في نفسه نحو اكتمال نموه.
ففي المنزل: يجب أن تتاح كثير من الفرص التي يتمكَّن الطفل فيها أن يجد النجاح ويحس بقدرته على العمل والإنجاز، وأن يقوم بمحاولات قيمة ومفيدة لنموه السوي، ويجب ألّا يعطى أعمالًا فيها تعجيز له، أو أعمالًا تفوق مستوى قدراته، بل يعطى ما يمكن أن ينجزه، ثم يكون التدرج معه في مستوى الأعمال والخبرات؛ بحيث لا يتكرَّر فشله فيصبح لقمة سائغة للنقص.
وفي المدرسة: من المهم للصحَّة الشخصية وسلامتها أن تدار المدراس إدارة حسنة، وأن تتيح طرق التدريس ومواد الدراسة لكلِّ تلميذ أن يشعر بالإنجاز الناجح والتحصيل المرضي، ويمكن أن يتمَّ ذلك من خلال مراعاة الفروق بين الأطفال في الفصل الواحد، حتى لا يشعر طفل بالفشل المستمر.
فلقد تبيِّنَ من دراسة مشكلات الجانحين أنَّهم كرهوا المدرسة؛ لأن معلميهم كثيرًا ما كانوا يصفوهم بالغباء، ولأنَّهم لم يبلغوا من النجاح والصلاح ما بلغه الآخرون، بالإضافة إلى الإحساس بالإخفاق وعدم الشعور بالأمن، ولذلك فهم يستجيبون للشرود والسلوك الجانح بطريقة أهدأ، وبالتقبُّل السالب لدونيتهم وشعورهم بالنقص، وقد يكونوا قد تعرَّضوا لضرر نفسي أبلغ مما يظهره سلوكهم.