الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرق البحث في علم نفس النمو
الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة cross - sectional study
…
طرق البحث في علم نفس النمو:
عادة تستخدم أربعة تخطيطات لطرق البحث في علم نفس النمو، وسنبحث حدودها، وفوائدها وعيوبها، ونقدّم أمثلة لكل نوع.
1-
الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة cross - sectional study
ونعرِّفها بأنها التقييم المنهجي لعدة مجموعات من الأفراد في فئة عمر واحدة في نفس الوقت تقريبًا بهدف تحديد الخصائص التي تميز هذا العمر أو هذه المرحلة العمرية التي يدرسها الباحث، ويمكن إجراء مثل هذه الدراسة في المعمل أو في إطار طبيعي. ومن أهم خصائص الدراسة المستعرضة للفئات المختلفة أن كل المجموعات تختبر في وقت واحد قصير نسبيًّا، وتختبر مرة واحدة فقط، وثَمَّة خاصية أخرى هي أنها تشمل عادة تشكيلات المتغيرات، وبذلك تسمح بتقديرات علاقات السبب والنتيجة، وفيما يختص بالأبعاد الواردة بالجدول رقم "3" فإن دراسة الفئات المختلفة في معظم الحالات تكون نظرية وتشكيلية. وفيما يختص بأبحاث النمو تهتم أيضًا بفروق السن، ولو أن الأمر لا يتطلَّب أكثر من مجموعة سن واحدة. وأهم ما تسهم به أبحاث الفئات المختلفة في فهمنا لنمو الطفل يكمن في اختبار النظريات وإبراز نتائج عن أسباب السلوك، كما أن فروق السن في تأثيرات مختلف التشكيلات يمكن أن تبحث هي الأخرى. ومن أهم مزايا تجربة الفئات المختلفة "البحث المستعرض" أنها توفر نسبيًّا من الوقت والأفراد المستخدمين. فتجربة واحدة تشتمل عدة فئات من الأفراد يمكن أن تجرى في أيام قليلة، ويمكن تجميع قدر كبير من النتائج بالنسبة للجهد المبذول.
والدراسة المستعرضة أو تجربة الفئات المختلفة القياسية تجربة تشكيلية، وبعبارة أخرى: يفترض صاحب التجربة أن هناك متغيرًا مستقلًا معينًّا له صلة بالسلوك بطرق محددة، وهو يشكله بقصد اختبار ما إذا كان يؤثر على السلوك بالطرق المتنبأ بها، وبعض أفراد التجربة يكوّنون مجموعة تجريبية experimental group هم الأفراد الذين تجرى عليهم التجربة، أما الباقون فيشكلون مجموعة ضابطة control group، ولا يخضعون لأي تشكيل، وسلوك جميع
الأفراد يقاس عن واجب معين، والنقط التي يسجلونها هي المتغير التابع، والتشكيلات الخاصة التي تجرى تحدد شروط المعالجة، وتسمح لصاحب التجربة بتحديد أي المعالجات "تشكيلات على المتغير المستقل" هي التي تنتج تغيرات في سلوك أفراد التجربة، وبهذه الطريقة فإن الفئات المختلفة يمكن أن تمكننا من تقديم بيانات سبب ونتيجة تربط تشكيلات معينة للمتغير التابع "شكل: 39".
ومن ثَمَّ فإن إجراءات التجربة التي بهذا الشكل تستخدم لاختبار افتراضات مشتقة من نظريات، ولتحديد أسباب السلوك الكامن وراءها، وفي إطار البحث الخاص بالنمو، ويعتبر السن بصفة خاصة من أهم المتغيرات المستقلة. وفي كثير من المجالات يفترض أن المعالجة التجريبية تؤثر على أفراد التجربة تأثيرات مختلفة بالنسبة لسنهم، أي: إن تفاعل السن والمعالجة يعتبر هامًّا، وتقييم التأثيرات التفاضلية لتشكيلٍ ما على مختلف مجموعات السن قد تبرز إدراكًا عميقًا لعمليات النمو، مثال ذلك: ما أوضحه ديسك، كيرمز، ميرجلر dusek & kermis & mergler "1976" من أنَّ ترقيم المعلومات التي سنحتاج لتذكرها قد سهل التذكر فيما بعد نسبة أكبر لمن هم
قبل سن المراهقة بالمستوى الرابع والسادس عن المراهقين بالمستوى الثامن. ويقترح هذا البحث أن المراهقين يستخدمون طرقًا أكثر فاعلية في التذكير أو فهرسة المعلومات عن الأطفال الأصغر سنًّا.
مزايا وعيوب الطريقة المستعرضة:
تتلخص مزايا طريقة البحث المستعرضة في أنها تقصر الوقت اللازم للحصول على المعلومات اللازمة فيما يختص بالنمو، فلا يكون علينا أن ننتظر عشرين عامًا مثلًا حتى ندرس النمو من الميلاد حتى سن العشرين، بل يمكن أن نحصل على مجموعات من الأفراد عند نقاط معينة على طول هذه الفترة، ونقوم بدراستها في وقت واحد، فتختصر بذلك الوقت اختصارًا شديدًا.
أما عيوب هذه الطريقة فتتلخص في:
أ- عدم توفّر العينة المتطابقة التي تكفي للبحث الدقيق "كما يحدث عنه دراسة سلوك الرضع، أو المسنين، أو أبناء المسنين من الأطفال.. إلخ".
ب- قد يرفض بعض الأفراد صغارًا أو كبارًا مقابلة الباحث، أو أن يكونوا موضوعًا للدراسة.
ج- تخوّف بعض أفراد العينة من أسلوب الدراسة: إما من نتائجها، أو عدم توافر السرية التامّة مما يشعرهم بتهديد حاجتهم للأمن.
د- قد لا يمكن في الطريقة المستعرضة تثبيت كل العوامل التي توثر في سلوك فئات العمر المختلفة.
2-
الدراسة الطولية A longirudinal:
هي الدراسة المنهجية لمجموعةٍ ما "أو مجموعات" من أفراد على فترات زمنية طويلة، وبعبارة أخرى: فإنه في الدراسة الطولية يكون لدينا أكثر من قياس لسلوك نفس الأفراد؛ وحيث إن سلوك المجموعة الواحدة "أو المجموعات" يجرى تقييمها في أوقات مختلفة، فإن الدراسة الممتدة "الطولية" تقدّم نتائج حول اتجاهات النمو. إن التناسق والتباين في أنماط النمو على مرِّ الزمن يمكن تحديده، مثال
ذلك: إننا نستطيع دراسة النمو في الأداء في اختبارات الذكاء كما فعل "تيرمان" حين تتبع نمو مجموعة من الأطفال الموهوبين على مدى 18 سنة، أو القدرة على حل المشاكل، أو السمات الجسمية، كما فعل ذلك "جيزل" حين تتبع نمو الأطفال من الميلاد إلى الخامسة ثم العاشرة، ومقارنة اتجاهات النمو "التغير في السن" بالفروق البسيطة في السن. وبالنسبة للأبعاد الأربعة الواردة بالجدول رقم "3"، فإن الدراسة الطولية الممتدة تكون دائمًا دراسة "تغير في السن"، وقد تقع عند أيٍّ من أقطاب الأبعاد الثلاثة الباقية.
وللدراسة الطولية عدة مزايا أخرى، فهي لا يمكن استخدامها لفحص العوامل التي تؤثر على السلوك على مدى فترة فترات زمنية طويلة فقط، وبعبارة أخرى: فإن الدراسة الممتدة تعتبر مثالية لبحث تأثيرات العوامل الثقافية التي تحتاج لمرور وقت قبل التمكُّن من معرفة آثارها على السلوك، وثانيًا: إن الدراسة الطولية توضح أيضًا الاستمراريات والعموميات في السلوك على مر الزمن، فهي تكون بالغة الأهمية إذا أراد الباحث اكتشاف ما إذا كانت الخصائص من قبيل الذكاء، أو العدوانية أو الاتكالية أو المشكلات السلوكية ثابتة ومستقرة عبر الفترات الطويلة من الزمن؛ إذ أنها قابلة للتقلب والتذبذب.
ولاستخدام الدراسات الطولية بعض القصور والعراقيل، فهي كثيرة التكاليف، وتحتاج لزمن طويل، وعدد كبير من العاملين. والباحث قد لا يتيسر له سوى فترة
زمنية محدودة للتفرُّغ لدراسة ممتدة، وكذلك قدر محدود من المال لمتابعة أفراد المجموعة وإجراء عمليات الاختبار ومواصلتها، والمحافظة على اهتمام الأفراد.
هذا، وقد يكون إرهاق العينة مشكلة شديدة في الدراسات الطولية الممتدة، وخاصة عندما تتضمن أفرادًا متقدمين في السن، كما أن الأفراد قد يفقدون الاهتمام، أو يتحرَّكون وينتقلون إلى مكان آخر أو يموتون، ونتيجة لذلك، ففي كل مرة من مرات الاختبار يتعامل الفرد مع عينة مختلفة، وبالتالي فإن عمومية النتائج قد تتعرض للشك. وثَمَّة عيب آخر وهو أنَّ الدراسات الممتدة "الطولية" يصعب تكرارها؛ وحيث إن الإعادة هي إحدى طرق التأكد من أنَّ النتائج التي يتم التوصُّل إليها يمكن الاعتماد عليها، وهذا السبب بالغ الخطورة، وأخيرًا فإن إدخال إجراءات اختبار جديدة في دراسة ممتدة قائمة لكونه عادة يكون صعبًا. مثال: إننا لا نستطيع إجراء دراسة ممتدة "طويلة" عن نمو معامل الذكاء "iq" inteligence quotient باستخدام اختبار ذكاء ستانفورد بينيه stanford binet مثلًا، ثم الانتقال إلى معيار الذكاء للكبار الخاص بوكسلر wecksler، ذلك لأنَّ الاختبارين لا يقيسان الذكاء بطريقة واحدة، ولذلك فإن النقط التي يتمّ الحصول عليها من اختبار الذكاء لا يمكن مقارنتها من اختبار إلى اختبار آخر.
إن الجمع بين التخطيطات الطولية "الممتدة" وذات الفئات المختلفة "المستعرضة" تستخدم للتغلب على بعض المشاكل الكامنة في كلٍّ من التخطيطات الطولية الممتدة، وذات الفئات المختلفة "الطريقة المستعرضة" التي تجعلها في بعض الأحيان غير صالحة لتقييم ظواهر النمو، وفي التخطيط الطولي الممتد التقليدي نجد أن التأثيرات الناجمة عن السن تختلط بتلك الناجمة عن زمن الولادة، وهو ما يسمَّى بالفيلق "schae، 1965" وبعبارة أخرى: حيث إن أعمار افراد المجموعة تختلف في نفس الوقت "وقت الاختبار"، فلا بُدَّ أنهم ولدوا في سنين مختلفة؛ وحيث إنهم ولدوا في سنين مختلفة، فقد يسلكون بطرق ولكنها لا تتعلق بالسن في حد ذاته، إن ما قد يظهر في النتائج كان اختلاف سن، وقد يكون في الواقع اختلاف في وقت الميلاد، والتأثيران يختلطان "يلتبسان تمامًا".
وأحيانًا لا نستطيع الحكم منطقيًّا بأن أحدهما وليس الآخر هو الذي أدى لنتائج التجربة، وربما تحدث هذه الظاهرة بوضوح تامٍّ عندما يؤثِّر عامل ثقافي ذو دلالة على النمو، كما في حالة الأفراد الذين من مستويات سن مختلفة، الذين ولدوا قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية. إن أفرادًا في سن الأربعين قد يعطون نتائج مختلفة عن أفراد في سن العشرين، بصرف النظر عن فارق السن بين المجموعتين، ذلك لأن الذين في سن الأربعين قد عاصروا حربًا عالمية، الأمر الذي قد يجعلهم يؤدون أداء مختلفًا عن أداء أفراد المجموعة الأصغر سنًّا.
وفي الدراسة الطولية الممتدَّة يلتبس الأمر تمامًا بين قياس السن والزمن "schate 1965"، وبعبارة أخرى فإن سنَّ أفراد التجربة يتعلّق مباشرة بالوقت الذي يؤخذ فيه القياس، وإذا تدخلت أحداثًا ثقافية ذات دلالة بين اختبار وآخر، فإن تغيرات السن التي تلاحظ قد تعكس أو لا تعكس فروقًا بسبب الوقت المعين للمقياس "أي: الأحداث الثقافية التي تدخلت". ومرة ثانية لنعتبر أفراد الأربعينات حيث إنهم ولدوا في عام 1939 مثلًا، فإنهم عاصروا حربًا عالمية، وحربين محدودتين تورطت فيها الولايات المتحدة1، ولنا أن نتوقع أن قياسًا ممتدًا لاتجاهات أفراد هذه المجموعة نحو الحرب قد تعكس التورط الجاري في الحرب بعيدًا عن عمليات النضج النفسي، يعكسها بصفة عامَّة سن الفرد، وكما هو الحال في اللبس في حالة الدراسة الطولية الممتدة، فإنه من النادر أن نستطيع منطقيًّا فصل هذا اللبس. ولفظة اللبس بالمعنى الذي نستخدمه هنا يعني أنه من المتعذَّر علينا أن نحدد ما إذا كانت فروق السن أو تغيرات السن "حقيقية"، أو إذا كانت راجعة إلى تداخل أحداث ثقافية، أما إذا لم تتداخل أحداث ثقافية ذات دلالة، فإن التخطيطات التقليدية لن تشكل أي صعوبة.
1 بالنسبة للأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة.