الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنماط التغير في النمو:
يتألَّف النمو من مجموعة من التغيُّرات، ولكن ليست كل التغيرات من نفس النوع، كما أنها لا تؤثر في عملية النمو بنفس الطريقة، ويمكن أن نقسِّم التغيرات الحادثة في النمو إلى أربع مجموعات أساسية على النحو التالي:
1-
التغيرات في الحجم:
ويتضح هذا النمط من التغيرات في النمو الجسمي بصفة خاصة، وإن كان يمكن ملاحظته بالفعل في النمو إذا استخدمنا اختبار مقنَّن لقياس الذكاء؛ فالطول والوزن والمقاييس المحيطة تأخذ في الزيادة مع نمو الطفل في كل فترة من فترات عمره، إلّا إذا تداخلت بعض الظروف اللاسوية مع النمو السوي، كذلك تأخذ الأعضاء والتركيبات الداخلية المختلفة؛ كالقلب والرئتين والأمعاء والمعدة، في الكبر لكي تحقق الحاجات المتزايدة للجسم، ويتضح النمو العقلي في تغيرات مشابهة بهذا القدر: فالحصيلة اللغوية للطفل تتزايد كل عام، كما تتَّسع قدرته على التفكير، والتذكر، والإدراك، وتزداد مدة الانتباه وعدد الأشياء التي يمكن الانتباه إليها، وزيادة زمن الرجع واستخدام الخيال المبدع خلال سنوات النمو.
2-
التغيرات في النسب:
يتضح من الشكل رقم "7" أن النمو الجسمي غير محدَّد بالتغيرات في الحجم؛ فالطفل ليس مجرد "شخص راشد مصغَّر". miniature adult كما كان يعتقد من قبل، ولكن تكوينه الجسمي الكلي يبدي نسبًا مختلفة عن نسب الشخص الراشد، ويتَّضح هذا على وجه الخصوص حينما نقوم بتكبير جسم الطفل إلى حجم جسم الشخص الراشد، ولا تبدأ هذه النسب في الاقتراب من الشخص الراشد إلّا حينما يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ في حوال الثالثة عشر من العمر.
فإذا عمدنا إلى الموازنة بين جسم الرضيع وبين جسمي الطفل والرجل نرى في جلاء أن التباين غير مقصور على الحجم وحده، بل يتعداه إلى النسب بين مختلف الأعضاء؛ فحجم رأس الطفل الوليد يماثل ضعف الحجم النسبي لرأس الرجل، وساقاه ثلاثة أرباع الطول النسبي في الرجل، وذراعاه أطول بكثير بالنسبة لجسمه، ويتضح من ذلك أن النمو ليس مجرَّد ازدياد في الحجم الكلي، بل هو ازدياد متفاوت في أجزاء الجسم المختلفة، وليس
يوجد صورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شكل "7": النسب الجسمية لدى الطفل الصغير والشخص الراشد
يوجد صورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شكل "8" لقد سويت الأشكال في الرسم بنفس الطول لكي نوضِّح نسب التغيرات في الجسم.
هذا حادثًا عرضيًّا، ولكنه متصل بحاجات الجسم -كوحدة- في كل مرحلة من مراحل النمو؛ فالمولود الجديد مثلًا لا يستطيع أن يهضم غذاء غير اللبن، وأما
عيناه وأذناه فلم تبلغ من النمو والكمال درجة تمكنه من العناية بنفسه، وهو لا يقوم إلّا بما يحتاج إليه، أي: أن يتعلق بأمه ويرضع. وهو لا يحتاج إلى ساقين طويلتين، ولهذا تظل ساقاه مدة منثنيتين على نحو ما كانتا في الرحم، وإلى جانب هذه الفروق في الشكل الخارجي توجد بعض الفروق الفسيولوجية: فالعظام مثلًا تكون في أول أمرها لينة جدًّا، كما أن اعتدال الساقين لا يحدث إلَّا تدريجيًّا، وأما نموهما في الطول فإنه يساير ازديادهما في الصلاة وفي غلظة عظامهما حتى استطاعتا حمله وحفظ جسمه منتصبًا، وفي الوقت نفسه يكون الطفل قد اكتسب قوة في البصر والسمع واللمس، وزادت قوته العضلية العامة، واستطاع التوازن الذي يجعل المشي ممكنًا حوالي آخر السنة الأولى، وحوالي هذا الوقت أيضًا يبدأ الطفل في هضم المواد النشوية، فيكتسب بذلك مصدرًا جديدًا للنشاط المتزايد الذي يحتاج إليه عندئذ أكثر من ذي قبل، فإن حركاته الحرة تزداد عند ذلك قوة وتكون أكثر وأطول مدة.
جدول "1"
التغيرات التي تعتري النسب الجسمية خلال سنوات النمو
وتتضح أيضًا التغيرات في النسب في النمو العقلي؛ ففي الطفولة المبكرة يسيطر الخيال الذي يرتبط بالواقع ارتباطًا ضئيلًا على حياة الطفل العقلية، ويأخذ العنصر الخيالي -بالتدريج مع تطور نمو الطفل- في أن يفسح المجال لذلك النوع من الخيال القائم على الواقعية، وعلى موضوع حقيقي، وعلى الإحساس العام، ومن ثَمَّ يكون موجَّهًا ومضبوطًا؛ بحيث يفيد في التخطيط وفي كل أشكال العمل المبدع لنشاط الطفل.
ويحدث تغير كذلك في ميول الطفل واهتماماته: ففي البداية تكون هذه الميول متمركزة حول ذاته وحول لعبه، ثم ينتقل هذا الميل بالتدريج إلى الأطفال الآخرين من معارفه، وإلى المناشط التي تقوم بها جماعات الأطفال المحيطين به، وفي مرحلة المراهقة تتركز الاهتمامات حول الجنس الآخر، والملابس، والسعي إلى الحصول على تقدير جماعات الأقران، بالإضافة لذلك يحدث التغيُّر في نسبة البكاء كوسيلة للتعبير؛ فهي تقل بشكل جوهري عند المراهقين عمَّا كانت عليه في الطفولة، كما تقل نسبة المخاوف في الطفولة المتأخرة عنها في الطفولة المبكرة
…
وهكذا.
3-
اختفاء معالم قديمة:
من بين المعالم الجسمية الأكثر أهمية والتي تأخذ في الاختفاء تدريجيًّا كلما أخذ الطفل في النمو: الغُدَّة التيموسية thymus gland، التي تعرف غالبًا "بغُدَّة الطفولة" وموضعها في الصدر، والغدة الصنوبرية pineal gland وموضعها أسفل الدماغ، وبعض الانعكاسات السائدة في مرحلة الطفولة والتي تعرف بانعكاسات "بابينكسي ودارون" babinski & darwiniain reflexes" والشعر الطفلي، والمجموعة الأولى من الأسنان المعروفة بالأسنان الطفلية "اللبنية".
ومن بين السمات العقلية التي تفقد بالتدريج جدواها، وبالتالي تأخذ في الاختفاء الثرثرة وغير ذلك من أشكال الكلام الطفلي، الاندفاعات الطفلية للأداء والعمل قبل التفكير، الأشكال الطفلية للحركة كالزحف والمشي مستندًا، والتسلق، والتلهُّف الحسي، وخاصَّة فيما يتعلَّق بالتذوق والشم، كما يختفي الصراخ كوسيلة للحصول على الأشياء، ويختفي الاعتماد على الآخرين، ويختفي الالتصاق بالأم، وما إلى ذلك.
4-
اكتساب معالم جديدة:
وبالإضافة إلى اختفاء بعض المعالم القديمة التي استنفذت جدواها، يلاحظ نمط رابع من التغيُّر النمائي في اكتساب معالم جديدة جسمية وعقلية، وبعض هذه المعالم تُكْتَسَب خلال التعلُّم، ولكن الكثير منها ينتج من نضج أو تفتُّح السمات الكامنة التي لم تنمُ على نحوٍ كامل عند الميلاد. من بين المعالم الجسمية الهامة التي تُكْتَسَب خلال فترة النمو: الأسنان الأولى والثانية، والخصائص الجنسية الأولية والثانوية، ويظهر المشي والكلام، وتناول الطعام الجاف، ومخالطة الآخرين بعد العزوف عنهم، ومن بين الخصائص النفسية التي يكتسبها الفرد أيضًا: التطلُّع والشغف، وخاصة فيما يتعلَّق بالموضوعات الجنسية، الحافظ الجنسي، المعرفة، المعايير الخلقية، المعتقدات الدينية، الأشكال المختلفة للغة، وكل أنماط الميول العصابية. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976".