الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الأولى: المرحلة الفمّية: oral stage
وتنقسم إلى مرحلتين فرعيتين: المرحلة الفمّية السلبية، والمرحلة الفمّية السادية.
1-
المرحلة الفمية السلبية:
تقع هذه المرحلة في النصف الأول من السنة الأولى، وفي هذه المرحلة يكون المصدر الرئيسي للذة اللبيدية متضمنًا تنبيهًا لمسيًّا للشفتين وللتجويف الفمي، ويكون الفم هو مركز التفاعل مع البيئة الخارجية، ويكون النمط السائد من السلوك المشبع هو ذلك النمط المبني على الإدماج، ولا تقتصر عملية الإدماج على مص ثدي الأم فحسب، بل تشاهد أيضًا في امتصاص أي شيء يقع في مجال الطفل الحسِّي، ففي فترات الحرمان والانتظار والتوتر يلجأ الطفل إلى جسمه هو لكي يحصل منه على الإشباع عن طريق المص، ويغلب أن يكون ذلك العضو هو أصبعه، وبذلك يمنح نفسه إشباعًا شهوانيًّا ذاتيًّا. "هول ولندرزي: 1979". بالإضافة لذلك: يتضمَّن النشاط الفمِّي الابتلاع والرفض إذا كان الطعام غير سار، ومن ثَمَّ يكون الطفل في هذه المرحلة نرجسيًّا تمامًا لا يحب إلّا نفسه، وليس لديه في ذلك الوقت أي وعي ببيئته أو بالناس الآخرين؛ إذ ليس لديه سوى إحساساته الداخلية على الرغم من أنه يستجيب بالتدريج للصوت والضوء
…
إلخ.
التكوين النفسي الغالب:
التكوين النفسي الغالب على شخصية الطفل خلال المرحلة الفمّية السلبية، وهو ما نسميه بالهو Id. واصطلاح الهو وضعه فرويد ليشير إلى مجمل الدوافع البيولوجية عند الفرد، أو إلى حاجاته التي تسعى إلى اللذة، ومن ثَمَّ فإن الجوع والعطش والراحة والابتعاد عن الألم.. إلخ، تعتبر كلها من حاجات الهو، بمعنى أن الهو منبع الطاقة البيولوجية والنفسية التي يولد الفرد مزودًا بها، أو يمثل طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يتناولها المجتمع بالتحوير والتهذيب، ويندفع إشباع الدوافع اندفاعًا عاجلًا بكل صورة وبأي ثمن. "مصطفى فهمي: 1969، 123".
2-
المرحلة الفمية السادية:
وتقع في النصف الثاني من السنة الأولى، وفيها يحل العض محل الإدماج بالمص، ذلك أن التوتر الناتج عن عملية التسنين تلزم الطفل أن يعض، وبذلك يجد نفسه في موقف صراعي في بعض الأحيان:
- فهو ملزم بالحصول على الطعام عن طريق الامتصاص للثدي بدون عض، وإلّا عرَّضه ذلك للعقاب في صورة الضرب أو سحب الثدي.
- ولما كانت الرغبة في العض تظل مع ذلك قوية وفعالة، لذلك يقع الطفل في صراع بين الرغبة في العض والخوف من العقاب.
ومهما كانت عناية المحيطين بالطفل في هذه المرحلة، فلا مناص "في رأي فرويد" من نشوب الصراع؛ فألم التسنين، والنقمة على الأم، والغضب، مع العجز، كل ذلك يلقي بالطفل في خبرات مؤلمة توصف بأنها خبرات سادية مازوكية، أي: خليط من القسوة والرغبة في التحطيم، مع الخنوع والرغبة في الاستسلام. وقد يترتَّب على هذه الخبرات أثر هام في حياة الطفل النفسية فيما بعد، وهو الإحساس الغامض بأن سند الطفل "وهو الأم" قد انهار من تحته؛ إذ أنَّ اتزانه النفسي الذي يقوم على وحدته مع أمه واعتماده عليها يبدأ يتزعزع.
- وهنا يصبح الطفل في هذه الفترة ثنائي العاطفة، أي: يحب ويكره معًا "هول ولندزي: 1979" خاصة أن ظاهرة استجلاب اللذة من العض تأتي عادة مع سن الفطان عند معظم الأطفال، ويبدو أنها تأتي مع نمو القدرة على العدوان والرغبة في اغتصاب الإشباع من البيئة المحيطة.
وهكذا:
فإن النمطان السابقان من النشاط الفمي: ابتلاع الطعام والعض، يكونان هما النمطان الأوليان لكثير من سمات الشخصية التي تنمو مع الطفل فيما بعد:
فاللذة المستمدة من الابتلاع الفمي قد تزاح إلى أشكال أخرى من الابتلاع أو الإدماج كاللذة المستمدة من اكتساب المعرفة أو الامتلاك، والشخص الساذج شخص مثبت على المستوى الفمي الاستدماجي للشخصية، فهو يكاد يبتلع كل شيء يذكر له.
يضاف إلى ذلك: بأنه لما كانت هذه المرحلة تقع في وقت يعتمد الطفل فيها على أمه اعتمادًا كليًّا لكي ترعاه وتحميه، فإن الطفل تتكون لديه مشاعر الاعتماد على الأم وعلى غيرها من الناس، وتميل مشاعر الاعتماد هذه إلى البقاء
والاستمرار طوال الحياة بالرغم من ضروب النمو والتطور التالية للأنا. فإذا فشل في هذه المرحلة لأيِّ سبب من الأسباب من الخروج منها، فسوف يكتسب اتجاهًا اتِّكاليًّا نحو العالم، فيصبح في رشده شخصًا معتمدًا تمامًا على الآخرين، ويرى أن العالم مدين له، ويرقد منتظرًا إياه ليضع في فمه، ولا يتعلم أن يشبع حاجاته بمجهوده، وإنما يتوقَّع من غيره أن يزوّده بحاجاته إذا أحسن التصرّف، وأن يسلبه إياها إذا أساء، ويطلق على أمثال هؤلاء الأشخاص:"ذوي الشخصيات الاتِّكالية الفمية". ويعتقد فرويد: أن أكثر أعراض الاعتماد تطرفًا هي النكوص إلى المرحلة الفمية، والرغبة في العودة إلى الرحم، وهي ما تميز الذهانيين.
ولعل كثير من البالغين في ثقافاتنا يظهر لديهم شيء من الشبقية الفمية كالتقبيل مثلًا، وهو بقايا من المرحلة الفمية السلبية، إذ في بعض الثقافات لا يعتبر التقبيل شكلًا من أشكال الحب، ولكن لديهم أشكالًا أخرى من النشاط الودي تقوم بنفس الوظيفة كالابتسام والإيماءات والكلمات.. إلخ.
كذلك قد يزاح العض أو العدوان الفمي ليأخذ صورة السخرية أو حب الجدال والمناقشة.
التكوين النفسي الغالب:
أ- نمو الأنا:
الأنا Ego هي الذات النامية في الطفل، ويعرف بأنَّه ذلك الجزء من الشخصية الذي يحول إشباع دفعات الهو، وهو يتكوّن من جانب شعوري وآخر لا شعوري:
- يكون الجانب الشعوري على صلة بالبيئة التي يدركها بالحواس، ويتكون بالتدريج منذ اتصال الطفل بالعالم الخارجي الواقعي، فالطفل الصغير يتعلّم عن طريق صلته بالوالدين وخبراته الحسية أنه لا يستطيع أن يظفر بما يريد متى أراد، وأنَّ هناك ضروربًا من السلوك تجلب له السرور وأخرى تجلب له الألم، كما يدرك أن الإرضاء الفوري يجلب له المتاعب، فيبدأ في تعلّم الانتظام.
- أما الجانب اللاشعوري: فهو يشرف على غرائز "الهو"، فيحاول أن يكبح جماح
رغباته ودوافعه التي لا يتأتَّى لها الإشباع، ويظل يماطلها ويقاومها حتى يضطر "الهو" إلى التنازل عن رغباته، فيتم كبت هذه الرغبات والدوافع في أعماق اللاشعور.
ويرى فرويد أن "الأنا" عند الميلاد يكون صغيرًا ضعيفًا، ثم ينمو بالتدريج مع نمو القدرات الحسية الحركية للطفل، وعندما تزداد معرفته بكيفية الحصول على الإشباع، ومن ثَمَّ يبدأ نموّ الأنا مع بداية المرحلة الفمية السادية.
ب- السادية:
تشير كلمة السادية sadism إلى الميل للحصول على اللذة من إيقاع الألم بالآخرين، ولم يشر فرويد بالطبع إلى أنَّ الطفل في المرحلة الفمية السادية يقصد شعوريًّا إيقاع الألم بالعض، أو أن هناك إحساس شعوري باللذة إذا عضَّ شيئًا، ولكن ذلك ليس إلّا نتاجًا للطرائق التي وضعها الطفل في ذلك الوقت. فأسنانه قليلة "مضافًا إلى ذلك بعض الأكلان الذي يهدأ إذا عضَّ أشياء لينة"، كما يصبح له في هذه المرحلة قوة عضلية تساعده على نموّ أسلوب العض.
وفي السنوات التالية "على الأقل في سن الثانية" يحل محل العض أشكال أخرى من الألعاب العدوانية: كالسب والشتائم، وكثير من المحادثات البذيئة المتبادلة بين الناس، والسخرية، وحب الجدال والمناقشة التي تستخدم كأساليب دفاعية حيال الدفعات الفمية البدائية التي تندرج تحت بقايا السادية الفمية، كما أن الاندماج في اللذة الجنسية بتوقيع الأذى البدني على شخص آخر تعد لونًا من ألوان الانحراف الجنسي.