الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا
"
مدخل
…
ثانيًا: نظرية تشكيل الهوية: "جيمس مارشيا"
بدأت دراسة هوية الأنا Ego identity كمحاولة لاختيار صدق المرحلة الخامسة لإريك إريكسون Erik Erikson "1959" التي تقع ضمن إطار نظريته الخاصَّة بالنمو النفسي الاجتماعي، تلك المرحلة هي مرحلة المراهقة. ولقد طوَّر جمس مارشيا james e. marcia مفهوم تشكيل الهوية كمحاولة لدراسة الشخصية في هذه المرحلة، بما يتيح القياس في جوهر نظرية إريكسون، وهو يرى أن هناك أربعة أشكال من الهوية تنشأ في فترات الذروة لنموِّ الشخصية، وهي أربعة أمزجة مختلفة في عملية تشكيل الهوى، تلك التي تتشكَّل في المراهقة المتأخرة بين 18-22سنة، ويتمّ تحديد هوية الفرد من خلال مقابلة شخصية يتغيِّر محتواها طبقًا لتغيُّر الظروف الاجتماعية التي يعايشها الفرد، كما أنها تتيح للباحث التنوُّع في الأسئلة تبعًا لما يخبره المراهق في المجتمعات المختلفة.
ويتضمَّن محتوى المقابلة مجالات الاختيار المهني، المعتقدات الفكرية: الدينية، السياسية، والجنسية، والاتجاهات نحو الدور الجنسي. هذا المحتوى يعكس السمات المميزة للمراهقة المتأخِّرة بالتحديد، والتي يظهر أهم عناصر الهوية ومتغيراتها طبقًا لدرجة الاستكشاف للبدائل exploration of alternatives، ومدى الالتزام commitment بها، وتتركَّز أشكال الهوية الأبعة فيما يلي:
1-
تحقق الهوية identity achievement: والتي تعبّر عن تكامل تطور ونمو الشخصية في هذه المرحلة، بما يعني: مرور الفرد بفترة استكشاف البدائل، وأنه استطاع أن يحقق نوعًا من الالتزام المحدد.
2-
توقُّف الهوية أو التأجيل المسبَّق moratorium: وهي المرحلة السابقة على تحقق الهوية؛ حيث يكون الفرد في فترة الاستكشاف، مع غموض تكوّن الالتزام.
3-
إعاقة تكوين الهوية أو الانغلاق foreclosure: وهي تشير إلى عدم قدرة الفرد ولو بدرجة ضئيلة على الاستكشاف، واستمراره في الالتزام بقيم ومعايير الطفولة.
4-
تشتُّت الهوية identity diffusion: وهي أقلّ مستويات نمو الشخصية في تلك الفترة، وتشير إلى الشخص غير الملتزم بأيّ اتجاه محدَّد، سواء حدث له استكشاف للبدائل أم لا.
ولقد قدَّم مارشيا معاييرًا لتقدير مراتب الهوية، قصد منها أن تستخدم مع أفراد المراهقة المتأخِّرة ما بين 18-22 سنة. ذلك أن العمليات المزدوجة في الاستكشاف والالتزام هي اعتبارات التقدير الأولية، وهذه المعايير تكاد تنطبق على هذه السن أكثر من انطباقها على المراهقة المبكِّرة والمتوسطة، وترجع أسباب ذلك إلى أنها ترتبط مباشرة بالنظرية النمائية في تشكيل الهوية؛ حيث ينظر إلى المراهقة المبكرة والمتوسطة على أنها تلك الفترة التي تتَّسم بأنها على نقيض ما قبلها من نموٍّ معرفي ونفسي واجتماعي وبدني في إطار ما قبل البلوغ، كذلك فإنه يُنْظَر إلى المراهقة المتوسطة على أنها مرحلة إعادة بناء وتنظيم المهارات القديمة والجديدة، في حين أنَّ المراهقة المتأخِّرة -فهي على النقيض من سابقتيها- تتميِّز بالثبات في مقومات الشخصية، ومن ثَمَّ فإنها تلك الفترة من دور الحياة التي تتحقَّق فيها الماهية والهوية -ولأول مرة- لدى معظم الأفراد.
ولقد تَمَّ تطوير مراتب الهوية بهدف تصنيف الأشكال الأولية التي توجد في المراهقة المتأخرة لحل أزمة الهوية التي تحدث في هذه المرحلة، ولقد تَمَّ افتراض أنه في هذه الفترة من دورة الحياة، فإن المطالب الداخلية والخارجية يتحقق لها من التأكيد؛ بحيث تصبح واضحة ومؤدية إلى التشكيل الحادث في الهوية. ومن المتوقع أن يقوم الفرد بتقييم حاجاته وقدراته طبقًا لما يتيحه السياق الاجتماعي، هل يتمّ إشباع هذه الحاجات والمطالب؟ هل تتاح للفرد الفرصة لإظهار قدراته أم لا؟ وكيف يتم ذلك؟ فتبعًا لذلك تشكل الهوية الخاصة بالفرد، فإذا كانت عملية تشكيل الهوية تحتوي على قليل من القرارات الفردية، وإذا كانت الموجهات الوالدية تعمل ضد مسار الفرد، فإنها تقف كموانع لتشكيل الهوية، وهنالك يحدث إعاقة لتكوّنها "foreclosure"، وإذا كان ثَمَّة شخص آخر على نفس درجة الالتزام يمكنه تقدير البدائل بما يتيح له حرية القرار وحل المشكلات بنفسه، فذلك يعني تحقق الهوية "achievement". وإذا تصادف وجود شخص كعائق لعملية صنع القرار،
فيوصف الموقف على أنه تجميد للنشاط "moratorum" وتوقف الهوية. فإذا لم يكن ثَمَّة اتجاه محدد أو التزام، فيسمَّى ذلك بانتشارٍ أو تشتت الهوية "identity - diffusion".
ورب سائل يسأل: وكيف ندري ما إذا كانت الهوية قد تشكَّلت أم لا، حتى نسعى إلى تصنيفها؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تدور حول المقابلة الشخصية التي تجرى مع الأفراد، والتي تتطلَّب التدريب، وصياغة محتوى الأسئلة، في وجود الشخص الصادق المخلص المحايد الذي يقوم بالمقابلة، الذي يستطيع أن يظهر الأفراد على حقيقتهم دون تكلُّف أو رياء، ويستطع أن يدفعهم إلى التحدُّث عن أدق تفاصيل حياتهم، لذا: فإن الباحث في الهوية يجب أن يكون متمتعًا بميزة استخدام ما يسمَّى "بالقدرة على عقد الصداقة مع الفرد" في أثناء إجراء المقابلة، وهناك ثلاثة أمور يجب أن تتوفَّر في الباحث خلال المقابلة هي: الاهتمام بالفرد واحترامه، والمهارات العلاجية، ثم الإلمام الدقيق بنظرية نموّ الشخصية، وتسجيل المعايير، ويضاف إليها اعتبار رابع وهو معرفة نظرية علم نفس النمو، وما يخشى منه هو المبالغة في التفسير، فالبحث في الهوية ليس تحليلًا نفسيًّا، ولكن الهدف هو جمع المعلومات الكافية عن الفرد لوضعه في تصنيف صالحٍ له ضمن الإطار العام للهوية.