الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: المعتدات السياسية
…
ثالثًا: المعتقدات السياسية:
يعد هذا المجال من أكثر المجالات أهمية لدى جماعات المراهقين في مرحلة المراهقة المتأخرة، فهو مثل الدين يسهم في استنتاج وجهة النظر عن العالم، ولما كان الانتقال من الطفولة إلى الرشد يحتاج إلى توافر المسئولية حيال دائرة حياة الآخرين، فإن الالتزام بالآراء حول القضايا السياسية والاجتماعية يعد أحد مظاهر ذلك الإحساس بالمسئولية، ويبدو أن الاهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية يتزايد أو يتضاءل مع الزمن، فمثلًا: حدث انخفاض في الاهتمام بها منذ الستينات وحتى الآن، ورب سائل يسأل: لماذا ظل الجانب السياسي متضمنًا في المقابلة الشخصية الخاصة بالهوية؟ وتكمن الإجابة عن ذلك في أن الجانبين السياسي والديني يشكلان مدخلًا ثابتًا لفلسفة الفرد في الحياة "وقد يوجد أشخاص بلا التزامات دينية، ولكنهم يملكون التزامات سياسية واجتماعية، والعكس بالعكس، وهنا: فليس من الضروري أن يسعى الفرد للالتزام الديني والسياسي معًا، ولكن ما يعلقه الفرد من أهمية على أشياء معينة في حياته إنما يشير باتساق طبقًا لقيم تلك الأشياء.
وفي العادة حتَّى إذا لم يستطع الفرد أن يصف معتقداته السياسية، فإنه يمكنه أن يجيب عن الأسئلة المتعلقة بالقضايا الاجتماعية، وأيًّا كان ما يجب أن يوجه إليه الانتباه في المقابلة، ليس في إمعان النظر بوضوح وتدقيق للميل الذاتي كدليل على الأيديولوجية، بل يجب إمعان النظر في الالتزام الذي يوليه الفرد للمعتقدات
السياسية نفسها، وعلى قدر ما يكون الفرد عقلانيًّا في التزامه السياسي بقدر ما تحكم على تشكيل الهوية، وليس من مجرَّد الوصف الركيك للاعتقاد.
وإذا قام باحثٌ ما بتقدير المقابلة عن رتب الهوية ككل، فإنَّه يجب أن يمعن النظر بفطنة في المجال الديني والسياسي الذي يتنباه الفرد كأيديولوجية، وأن يقدّر إيجابيته في الالتزام إذا كان لديه حساسية تلازم الوصف الذاتي في تعبيراته عن فلسفة الحياة، ومن الأسئلة التي تطرح على الفرد في هذين المجالين الأيديولوجيين ما يلي:
- هل فكرت في معتقداتك الدينية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية؟
- هل تغيرت أفكارك إزاء هذه الأمور عمَّا كان لديك في طفولتك؟
- هل يمكنك تحديد معتقداتك الآن؟
- هل هناك تنظيم وتعقّل منطقي لتلك المعتقدات؟
- هل تعمل باتساق طبقًا لهذه المعتقدات؟
وفيما يلي نعرض لمراتب الهوية في مجال المعتقدات السياسية:
أ- تشتت الهوية:
السياسة هي ذلك المجال من مجالات المقابلة الذي يكشف عن استجابات التشتُّت من بين الموضوعات التي تتضمنها، ومن ثَمَّ فإنَّ تقدير تشتت الهوية هنا من المحتمل ألَّا يعبِّر عن هوية الأنا ككل كما هو الحال في المجالات الأخرى. فالأفراد ذوو التشتت في الفكر السياسي يشعرون بتضاؤل الإحساس بالمسئولية الاجتماعية، وغالبًا ما يستجيبون بعبارات مثل:"إنني أعطي صوتي في الانتخاب للفرد وليس للحزب""كل فرد حرّ في أن يفعل ما يريد بشرط ألّا يضر بالآخرين".. إلخ. لذا تظهر عباراتهم في الالتزام بالقضايا السياسية تعبيرات عن ميولهم الذاتية، وعلى الباحث أن يكشف عمَّا وراء التفكير العقلاني الذي يشير إلى الالتزامات.
ب- إعاقة الهوية:
من الصعب التمييز بين حالات تشتت الهوية وإعاقتها في النواحي السياسية؛ لأنَّ الكثير من الأفراد يتبنون آراء آبائهم ولكنهم لا يلتزمون بها، ومن ثَمَّ فإن دور الباحث هو تأكيد درجة الالتزام بهذه الآراء. وسواء كان المفحوص يمارس نشاطًا سياسيًّا أم لا، فإن ذلك أمر ضروري في عملية التمييز.
ج- توقف الهوية:
يظهر الأفراد الذين هم في فترة توقُّف الهوية اهتمامًا بالغًا بالنكبات السياسية أثناء إجراء المقابلة معهم؛ حيث يعكسون بوضوح المشكلات المستعصية التي يتناولها فلاسفة السياسة، وفوق ذلك يتميز هؤلاء الأفراد الذين هم في فترة توقُّف الهوية برغبتهم في حل هذه المشكلات، وشعورهم بأنَّ عليهم أن يتخذوا موقفًا محددًا إزاءها. هذه الرغبة في الحل، ومحاولة تشكيل موقفٍ ما هو ما يتميِّزون به عن أولئك الأفراد ذوي تشتت الهوية الذين يكونون لا مبالين بما يدور حولهم.
د- تحقق الهوية:
في حالة تحقق الهوية يمكن للأفراد التفكير في القضايا السياسية وتحديد انتمائهم الذي يلتزمون به بشكل واضح، ولكن لسوء الحظ أنه في حالة تحقُّق الهوية في المجال السياسي، فمن النادر حدوث ذلك، كما هو الحال في المجالات الأخرى. فأي فرد يقدر على أنه في حالة تحقق الهوية يجب أن يكون قادرًا على مناقشة القضايا السياسية من وجهتي نظر متعارضتين.