الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية دراسة النمو:
إن سيكولوجية النموّ ينبغي أن يخاطب بها كل من يقومون بالتربية، وإذا كانت كل الكتب المؤلفة في علم النفس التربوي تدرس عادة في كليات ومعاهد التربية، أكثر مما تدرس في كليات الجامعة الأكاديمية، فإن دراسة سيكولوجية النمو أوسع مخاطبة لغير المشتغلين بالتعليم المدرسي، أي: إنها ينبغي أن يخاطب بها أيضًا: الأب، الأم، والقابلة، والمربية، وطبيب الأطفال، ومركز رعاية الطفل، والأخصائي الاجتماعي والنفسي لتلاميذ المدارس ومؤسسات الأحداث والملاجئ، ودور تربية الصغار، ونوادي رعاية الشباب.
فنصف المجتمع أفرادًا وجماعات -يقومون بالتربية- في صورة أو أخرى، سواء بالأبوّة، أو التعليم أو القيادة، أو التوجيه، أو الإرشاد، أو العلاج.. وهؤلاء جميعًا ينبغي لهم الاهتمام بمعرفة سيكلولوجية النمو لكي يقيمون عليها التربية الناجحة.
- فالتربية لا تبدأ بالمدرسة، بل هناك السن قبل المدرسي pre - schoolage التي فيها تقع التربية على عاتق الأبوين، أو الإخوة الكبار، أو الأهل، أو الأقارب، في حالة انعدام أحدهما، أي التربية المنزلية.
- ثم هناك التعليم التلقائي غير الموجَّه الذي يكتسبه الطفل أو التلميذ في نوادي الصبيان، وجماعات اللعب والنشاط بمختلف الهيئات الاجتماعية، وعلى قادتها
أن يكون لديهم معرفة بحقائق النموّ في كل سن؛ لكي تنمو شخصياتهم التربوية في جانبيها العلمي والعملي.
- وحتى التعلّم المدرسي: إذا كان يعني النمو التعليمي أو التقدُّم الدراسي، فإنَّ هذا التقدُّم الدراسي ينصَبُّ على كل تغيُّر بالتقدم في المواد المدرسية، ومع ذلك: فإن المدرسة تُعْنَى أيضًا بالصحة، والشخصية، والاتجاهات العقلية، والنظام العام، والعلاقات الاجتماعية للتلاميذ. "كمال دسوقي: 1979، 17-18".
ومن هنا يتضح أن النموَّ ينصرف إلى التقدّم الذي تحققه التربية في جميع المجالات، لذلك: تكمن أهمية دراسة النمو فيما يلي:
أولًا: من الناحية النظرية:
فإنَّ التعرُّف على مبادئ النمو له أهمية بالغة لأسباب عدة:
1-
تساعدنا دراسة النمو على معرفة ما الذي نتوقَّعه من الطفل ومتى نتوقعه:
وإذا لم يتوفر هذا الشرط في تنشئة الأطفال، لكنَّا أكثر ميلًا إلى أن نتوقع من الطفل مستويات من السلوك عالية جدًّا أو منخفضة للغاية في مرحلة عمرية معينة، وكلا هذين النمطين من مستويات التوقع السلوكي ينطوي على آثار بالغة الخطورة في رعاية وتربية وتوجيه الأطفال؛ ففي حالة توقع مستويات أعلى من السلوك بالنسبة للطِّفل: فمن المحتمل أن تنمو في الطفل مشاعر عدم الكفاءة أو عدم الأهلية؛ لأنه لا يستطيع أن يصل إلى المعايير التي ارتآها له والداه ومعلموه. وفي حالة توقع أنماط سلوكية أقل من المستوى الذي وصله الطفل، يؤدي ذلك إلى خفض حالة الدافعية في الطفل، وبالتالي ينجز بمستوى أقل من قدراته الحقيقية.
2-
إن المعرفة بمبادئ وقوانين النمو توفِّر للكبار والقائمين على تربية ورعاية وتوجيه الطفل، المعرفة اللازمة بمتى يمكن استثارة النمو ومتى لا نستثيره.. وهذه المعرفة تهيئ الأساس اللازم للتخطيط للتنشيط البيئي الذي ينبغي تقديمه للطفل، والتوقيت الصحيح لتنشيط واستثارة النمو.
3-
إن الوعي بالنمط النمائي السوي يجعل في ميسور الوالدين والمعلمين وغيرهم من العاملين مع الأطفال أن يسعوا إلى تهيئة الطفل مقدمًا للتغيرات التي سوف تحدث في جوانب النمو المختلفة: الجسمية، والعقلية، والسلوكية، والمهارية، والميول، وغير ذلك، فالطفل الذي نقوم بتهيئته لما نتوقعه منه حينما يدخل المدرسة -على سبيل المثال- يأتي بتوافقات أفضل مع المدرسة، ويكون أكثر سعادة بالمدرسة من الطفل الذي لم يهيأ لمثل هذه الانتقالية الجذرية في حياته بصفة عامة.
4-
تساعدنا دراسة النمو على تحديد معايير معينة لما يمكن أن نتوقعه في كل مرحلة نمائية، وهذا يوفر لدينا أعمارًا عدة للطفل مثل: مقاييس عمر الطول، مقاييس عمر الوزن، مقاييس عمر التسنين، مقاييس العمر العقلي، مقاييس عمر القراءة.
ويتفق الأطفال في معايير هذه المقاييس بالرغم مما قد يوجد بينهم من تباينات طفيفة، ويساعد ذلك في اكتشاف أيّ انحراف أو اضطراب أو شذوذ في سلوك الفرد، ويتيح معرفة أسباب هذا الانحراف وتحديد طريقة علاجه. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976".
5-
دراسة النمو تزيد من معرفتنا للطبيعة الإنسانية ولعلاقة الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها، ومعرفة مراحل النمو بمختلف مظاهره، والقدرات والعمليات العقلية، وشروط عملية التعلّم، ومسار النمو السوي وما قد يعتريه من اضطراب يتعيِّن علاجه.. وغير ذلك مما يسهم في فهم الطفل، فنستطيع أن نتبين ما هو عادي ومع هو غير عادي في نمو الطفل، وما إذا كان الطفل يتقدَّم ويتحسَّن، وهل هو متوسِّط أو دون المتوسّط، أم متفوق في هذه الناحية أو تلك. كما تساعدنا دراسة النمو وخصائصه في معرفة العوامل الوراثية والبيولوجية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر في النمو الجسمي والعقلي، وفي الصحة النفسية والتكيُّف الاجتماعي، مما يلقي الضوء على كثير من مشكلات الأطفال وأساليب الرعاية التي تقدّم للأعمار المختلفة.
ثانيًا: من الناحية التطبيقية
تفيد دراسة النمو النفسي في كل مراحله كلًّا من المعلمين، والأباء، والعاملين بدور الحضانة ورياض الأطفال، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، والمجتمع بصفة عامة.. يتضح ذلك فيما يلي:
أ- بالنسبة للمعلمين:
تتضح أهمية دراسة النموّ للمعلمين في عدة مجالات منها:
- الوقوف على استعدادات المتعلّم: فالتخطيط التربوي للتلميذ الفرد، والجماعة ككل، يتطلّب المعرفة بالأهبة والاستعداد readiness لدى التلميذ، ويرى كرونباخ cronpach أن النموَّ يتوقف على الاستعداد، ويعرِّفه:"بأنه مجموع خصائص الطفل أو التلميذ في الموقف التربوي التي تجعله أكثر احتمالًا لِأَنْ يستجيب على هذا النحو دون ذاك الآخر". وهذه الخصائص تفسِّر لنا سهولة أو سرعة تقبُّل بعض التلاميذ لما يلقن لهم من معلومات، وعجز أو تخلف البعض الآخر عن الاستجابة أو التحصيل.
- كذلك: فإن دراسة النمو تساعد المعلِّم على الوقوف على الفروق الفردية بين التلاميذ؛ ففهم المعلم للنمو العقلي، ونمو الذكاء والقدرات الخاصة والاستعدادات والتفكير، والتذكر والتخيل، والقدرة على التحصيل لكل تلميذ، يؤدي به إلى الوصول إلى أفضل طرق التدريس؛ فيستطع الأخذ بيد التلميذ الضعيف، ويشجِّع المتفوق، ويخص هذا الثالث المتخلِّف بمنهج معيِّن، وقد يعزله عن بقية الفرقة.. إلخ. وما ذلك إلّا لأنَّ التلاميذ أمامه يتفاوتون في مختلف مجالات نموهم واستعداداتهم، تفاوتًا يمكن معه القول بعدم جدوى الدلالة الإحصائية لمختلف المتوسطات التي يحصل عليها. "كمال دسوقي: 1979، 13-15".
ب- بالنسبة للآباء:
تساعد دراسة النمو الوالدين على معرفة خصائص الأطفال والمراهقين، مما يعينهم وينير لهم الطريق في عملية التنشئة الاجتماعية socislization والتطبيع الاجتماعي لأبنائهم، فيستطيعون التحكُّم في العوامل والمؤثِّرات المختلفة التي تؤثر
في النموِّ بما يحقق التغيُّرات التي تفضلها الأسرة والمجتمع، ويقللوا أو يوقفوا التغيرات غير المفضَّلة.
كما تُعِينُ الآباء على تفهُّم مراحل النمو والانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو، فلا يعتبرون الأطفال راشدين صغارًا، ولا يعتبرون المراهقين أطفالًا.. وهكذا يعرفون أنَّ لكل مرحلة من مراحل النمو خصائصها المميزة؛ حيث تنمو شخصية الفرد بمظاهرها المختلفة الجسمية والعقلية والانفعالية الاجتماعية. ومن ناحية ثالثة: فإن معرفة الوالدين للفروق الفردية الشاسعة في معدَّلات النموِّ تتيح لهم الفرصة في ألَّا يكلفوا الطفل إلّا ما في وسعه، ولا يتوقعون منه فوق ما يستطيع، ولا يحملونه ما لا طاقة له به، ويكافئانه على مقدار جهده الذي يبذله، وليس على مقدار قدراته الفطرية.
ج- بالنسبة للعاملين بدور الحضانة ورياض الأطفال:
فإنَّ فهمهم لخصائص نمو الأطفال في المرحلة العمرية للأطفال الملتحقين بها تساعدهم في طرق بناء هذه الدور، وتخطيط ملاعبها وأنشطتها، بما يتناسب مع احتياجات الطفل في كل سن، فترعى نضجهم وحاجاتهم، وما بينهم من فروق، وتنير لهم الطريق فيما يقدِّمونه للأطفال من موادّ معرفية ودراسية تلائم وأنشطة وألعاب حاجات الأطفال واستعداداتهم ومستوى نضجهم.
د- بالنسبة للإخصائيين الاجتماعيين:
فإن دراسة مبادئ النمو تعين على فهم المشكلات الاجتماعية وثيقة الصلة بتكوين ونموِّ الشخصية، والعوامل المحددة له، مثل: مشكلات الضعف العقلي، والتأخُّر الدراسي، وجناح الأحداث والانحرافات.. إلخ، والعمل على الوقاية منها وعلاج ما يظهر منها، كما تساعدهم على عمليات ضبط سلوك الفرد وتقويمه في الحاضر، بهدف تحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسي والتربوي والاجتماعي والمهني بما يحقق صحته النفسية في الحاضر والمستقبل كمواطن صالح.
هـ- بالنسبة لعلماء النفس:
- تساعد الأخصائيين النفسيين في جهودهم لمساعدة الأطفال والمراهقين والراشدين والمسنِّين، خاصة في مجال علم النفس العلاجي، والتوجيه والإرشاد النفسي والتربوي.
- تعين دراسة قوانين ومبادئ النمو وتحديد معاييره في اكتشاف أيّ انحراف أو شذوذ في سلوك الفرد، وتتيح معرفة أسباب هذا الانحراف وتحديد طرق علاجه.
و بالنسبة للمجتمع:
تفيد دراسة النمو في فهم الفرد ونموه، وتطور مظاهر هذا النمو في المراحل المختلفة في تحديد أحسن الشروط الوراثية والبيئية الممكنة التي تؤدي إلى أحسن نموٍّ ممكن، وحتى لا يخطئ في تفسيره تحقيق لخير الفرد وتقدّم المجتمع، بالإضافة إلى تنمية الاستعدادات، وإثراء البيئة لزيادة الكفاية الإنتاجية.