المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أوجه الاختلاف بين النظريات: - علم نفس النمو - جـ ١

[حسن مصطفى عبد المعطي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌نبذة تاريخية عن نمو الطفل:

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌معنى النمو:

- ‌أنماط التغير في النمو:

- ‌مظاهر النمو:

- ‌قوانين ومبادئ النمو:

- ‌مطالب النمو:

- ‌أهمية دراسة النمو:

- ‌النمو بين الوراثة والبيئة

- ‌مدخل

- ‌نشأة السلوك ونموه:

- ‌الآليات الوراثية الأساسية:

- ‌مبادئ التطور وعلاقتها بالنمو: principles of evaluation

- ‌تكوين السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌توارث السلوك الإنساني: the heritability of human behavior

- ‌مدخل

- ‌طرق تحديد الوراثية: methods of determining heritability

- ‌توارث الصفات الشخصية:

- ‌البيئة والنمو الإنساني

- ‌أولًا: البيئة قبل الولادية prenatal

- ‌ثانيًا: البيئة بعد الولادية:

- ‌التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو:

- ‌مناهج وطرق‌‌ البحث في علم نفس النمو:

- ‌ البحث في علم نفس النمو:

- ‌أخلاقيات البحث في علم نفس النمو:

- ‌أبعاد البحث في علم نفس النمو:

- ‌طرق البحث في علم نفس النمو

- ‌الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة cross - sectional study

- ‌ الطريقة المستعرضة التتبعية cross - sequential study:

- ‌ دراسة الحالة case study:

- ‌تقييم نتائج البحث evaluation research results:

- ‌خلاصة:

- ‌الاتجاهات النظرية في تفسير النمو

- ‌مدخل

- ‌النظرية في علم نفس النمو:

- ‌الأنماط النظرية في النمو

- ‌مدخل

- ‌ نمط نظرية التعلم:

- ‌دور النظرية في تفسير نمو الطفل:

- ‌نظريات النضج والنمو العضوي النفسي

- ‌أولًا: نظرية ميكانيزمات النضج العضوي النفسي "لارنولد جيزل

- ‌مدخل

- ‌منهج الدراسة عند جيزل:

- ‌مفهوم النضج:

- ‌النضج والتعلم:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌جيزل وسلالم النمو:

- ‌أهمية سلالم النمو:

- ‌مجالات سلالم وقوائم النمو:

- ‌ النشاط البدني:

- ‌ العينان واليدان:

- ‌تقييم نظرية جيزل:

- ‌ثانيًا: نظرية النمو الجسمي والتعلم الاجتماعي "لروبرت ر. سيرز

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: السلوك الفطري "البدائي

- ‌المرحلة الثانية: النظم الدافعية الثانوية:

- ‌ثالثًا: نظرية النمو الجنسي النفسي سيجموند فرويد

- ‌مدخل

- ‌مراحل نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: المرحلة الفمّية: oral stage

- ‌المرحلة الثانية: المرحلة الشرجية anal stage

- ‌المرحلة الثالثة: المرحلة القضيبية phallie stage

- ‌المرحلة الخامسة: المرحلة التناسية genital stage

- ‌رعاية النمو الجنسي النفسي في هذه النظرية

- ‌نظريات النمو النفسي الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي "لإريك هـ. إريكسون

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌أما عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌المرحلة الرابعة:

- ‌المرحلة الخامسة:

- ‌المرحلة السادسة:

- ‌المرحلة السابعة:

- ‌المرحلة الثامنة:

- ‌ثانيا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا

- ‌مدخل

- ‌كيف تتشكل الهوية

- ‌أولًا: استكشاف البدائل exploration of alternatives

- ‌ثانيًا: الالتزام commitment

- ‌قضايا تقدير الهوية:

- ‌مجالات ومعايير تقدير الهوية:

- ‌أولًا: المجال المهني:

- ‌ثانيًا: مجال المعتقدات الدينية:

- ‌ثالثًا: المعتدات السياسية

- ‌رابعًا: الاتجاهات نحو الدور الجنسي

- ‌خامسًا: مجال العلاقات مع الجنس الآخر

- ‌خلاصة وتطبيقات:

- ‌نظريات النمو المعرفي

- ‌مدخل

- ‌النظريات المفسرة للنمو المعرفي

- ‌مدخل

- ‌ نظرية هانز وارنر hunz wener

- ‌ نظرية جيروم برونر jerome bruner

- ‌ نظرية جان بياجه jean piaget:

- ‌مراحل بياجيه:

- ‌ المرحلة الحسية الحركية "0-2 سنة

- ‌ التركيز centration:

- ‌ الانتقال transiton:

- ‌تقييم نظرية بياجيه:

- ‌الفروق الفردية في النمو المعرفي:

- ‌خلاصة:

- ‌نظريات النمو اللغوي

- ‌مدخل

- ‌نظريات التعليم والتشريط

- ‌ النظرية العقلية أو الفطرية:

- ‌ النظرية المعرفية:

- ‌نظريات النمو الخلقي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: نظرية التحليل النفسي:

- ‌ثانيًا: نظرية التعلُّم الاجتماعي

- ‌ثالثًا: ال‌‌مدخلالتطوري المعرفي

- ‌مدخل

- ‌ نظرية بياجيه في النمو الخلقي:

- ‌ نظرية كولبرج:

- ‌خلاصة:

- ‌تحليل ناقد لنظريات النمو

- ‌مدخل

- ‌أوجه الاختلاف بين النظريات:

- ‌تكامل النظريات

- ‌فيما يتعلق بمراحل النمو

- ‌ التكامل حول مظاهر النمو:

- ‌ تكامل أزمات النمو:

- ‌التطبيقات التبربوية لنظريات النمو

- ‌مراحل النمو

- ‌ التشخيص:

- ‌ التنشئة الاجتماعية:

- ‌ الممارسة التربوية بالمدرسة:

- ‌المراجع:

- ‌فهرس

الفصل: ‌أوجه الاختلاف بين النظريات:

‌أوجه الاختلاف بين النظريات:

1-

تركيب النظريات وإطارها المرجعي:

إذا نظرنا إلى النظريات التي تَمَّ اختيارها في هذا الكتاب، والتي انتهينا من عرضها، نجد أن واضعي هذه النظريات ينتمون إلى توجيهات متباينة: دينامية، وسلوكية، ومعرفية، باستثناء نظرية تشومسكي في النمو اللغوي، فإنها تنتمي إلى مجال اللغويات؛ حيث كان صاحبها أحد العلماء اللغويين.

وإذا كانت الخمسينات من ق20 قد شهدت التشيع للتحليل النفسي والمنهج الدينامي في دراسة التشخصية ونموها، فإن هذا المنهج قد بدأ يفقد عرشه في الستينيات لتتربَّع عليه النظرية السلوكية. ومحل جاذبية هذه النظرية "السلوكية" أنها محمَّلة بالمصطلحات العلمية، وتدَّعي أنها مبنية على نظرية التعلُّم وعلى التجارب المعملية "ولو أنَّ طرق التعلم عبارة عن استنتاجات من تجارب أجريت على الحيوانات"، كما أنَّ أنصار السلوكية كانوا مسرفين ومبالغين في التشيع لآرائهم المتعلقة بالنمو وتشكيل السلوك، حتى أن "واطسون" قد نادى في مقولة له:"أعطوني اثني عشر طفلًا سويًّا وأنا أتولى تربيتهم وأخلق منهم أيّ شخصية تشاء: طبيبًا أو مهندسًا أو متسولًا أو لصًّا إن شئت بصرف النظر عن جنس آبائه وأجداده. ومثل ذلك نادى به "سكنر" حيث قال: "أعطى الخصائص أو المواصفات المطلوبة وسوف أعطيك الإنسان"، وفي بداية السبعينات بدأ موت علم النفس السلوكي في صورته

ص: 492

الكلاسيكية، وإعادة ولادة علم النفس المعرفي الذي كان في هذه الحقبة يلفُّه ظلام كثيف، ولكن الأعمال المكثَّفة التي أجراها جان بياجيه وزملاؤه، وجيروم برونر، أعاد ولادة علم النفس المعرفي كأحد التطورات الهامة، وانتشر التأكيد على المعرفة في مجالات متنوعة من مظاهر السلوك الإنساني؛ كالنمو اللغوي، والنمو الأخلاقي، والسلوك الاجتماعي، حتى الدوافع أصبحت ذات توجّه معرفي، والتغذية الرجعية أصبحت تنطوي على عوامل معرفية. ومن هنا بدأت السلوكية تندمج في الإطار المعرفي فيما يُعْرَفُ بالاتجاه المعرفي السلوكي. "بتروسون: 1990". حتى الاتجاه الدينامي أصبح يفقد كثيرًا من طابعه التحليلي الكلاسيكي في ضوء تأثير العوامل الاجتماعية على فاعلية السلوك وبنية الشخصية، ومن ثَمَّ كانت نظرية إيرك إريكسون في النمو النفسي الاجتماعي بمثابة إعادة صياغة لنظرية التحليل النفسي في ضوء المتغيرات الحديثة، حتى إنه صرَّح بأنه: "فرويد لو كان حيًّا اليوم لأضاف لأعماله مستخدمًا المعارف والمتغيرات المعاصرة في إعادة تشكيل نظريته عن البيدو". فنجد أن إريكسون يلتزم بتحديات ومشاكل عصره، والظروف المتغيرة في عصر التغير السريع والحركات الاجتماعية ذات الطابع المتحول. "ماير: 1981، 21"، وجاء جيمس مارشيا ليؤكّد المعنى السابق في تركيزه على خصائص النمو النفسي الاجتماعي، وتشكيل الهوية في مرحلة المراهقة.

2-

المصطلحات:

من الوهلة الأولى نجد أن المصطلحات التي استخدمها أصحاب النظريات المختلفة تزيد من توضيح الفروق والاختلافات الأساسية بينها. كما أنَّ الالتزام المتشدد لكل صاحب نظرية بلغته الفنية الخاصة يضع عراقيل شديدة أمام مَنْ يرغب في استخدام مصطلحات إحدى النظريات استعمالًا مباشرًا مع النظرية الأخرى:

- فالمصطلحات الفريدة التي استخدمها نظرية التحليل النفسي لفرويد: كمسميات مراحل النمو: الفمية، الاستية، القضيبية، التناسلية، وسيادة مصطلحات خاصة: كالبيدو، والهو، والأنا، والأنا العليا، والأوديبية، والخصاء.. إلخ. مما لا يوجد

ص: 493

له مثيل في النظريات الأخرى، ويصعب استخدامه للتعبير عن مفاهيمها.

- وفي نظرية بياجيه: احتلَّت مصطلحات: التكيف، والتمثل "الاستيعاب"، والمواءمة، والأبنية العقلية، والمخططات العقلية، والمراحل الحس حركية بمراحلها من ردود الفعل الدورية، وما قبل العمليات، والتفكير الحدسي.. إلخ.

- واستخدام سيرز مصطلحات يغلب عليها المفاهيم السلوكية ونظرية التعلُّم في الإطار الاجتماعي: كالأنظمة الدافعية الأولية والثانوية، والتعلُّم المتمركز في الأسرة وخارج نطاق الأسرة

إلخ.

- أما جيزل فقد استمدَّ مصطلحاته من أسس النضج في المجالات المختلفة المرتبطة بقوائم أو سلالم نمائية متدرجة.

- ونجد أن برونر استخدام مصطلحات التوضيح النشط، والتوضيح التصويري والأيقوني،

إلخ.

- في حين أن كولبرج فقد استخدام مصطلحات اجتماعية في تناوله للنمو الأخلاقي.

- أما النظريات الخاصة بالنمو اللغوي وخاصَّة نظرية تشومسكي فقد استخدمت مصطلحات الكفاءة، الأداء، العالميان اللغوية، البنية السطحية والعميقة.. إلخ.

وهكذا: فإنَّ كل نظرية لها مصطلحاتها وافتراضاتها في تفسير النمو الإنساني تختلف عن مصطلحات غيرها من النظريات.

3-

مراحل النمو:

بعض النظريات خاصَّة النظريات السلوكية، والعقلية "خاصة نظرية فيجوتسكي"، ونظرية جيزل لم تحدد مراحل محددة متمايزة للنمو أو التغيُّر الذي يعتري سلوك الفرد، ذلك أنها لم تأخذ في الاعتبار الطفل ككل، كما لم تأخذ في الاعتبار كذلك ديناميات التفاعل بين الطفل والظروف البيئية، لقد جعلت هذه النظريات من الطفل كائنًا سلبيًّا يتقبَّل فقط ما يقع عليه من آثار، وتشكل البيئة سلوكه كما يشكل المثال قطعة الصلصال، كما نظرت إلى التغير في السلوك على أنه مجرد زيادة كمية، وليس عملية تنظيمية.

ص: 494

والواقع أن كلًّا من المدخلين الدينامي والمعرفي قد استكملا هذا العجز في نظريات التعلُّم السلوكية فاهتمَّت بالطفل باعتباره كائنًا ديناميًّا يتفاعل ككل مع الظروف البيئية، وأظهرت أن التغيُّر الذي يعتري سلوكه بناءً على ذلك إنما يتمّ على أساس مرحلي ذي نظام معين، تعتمد فيه كل مرحلة على ما قبلها، وتؤثر فيما بعدها. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989، 127".

ورغم أن المدخلين الدينامي والمعرفي قد وضعا مراحل محددة للنمو، فإن النظريات المنبثقة عن كلا المدخلين لا تتفق فيما بينها حول هذه المراحل:

ففي نظرية فرويد توجد خمس مراحل نمائية، وتفترض اكتمال نمو الشخصية فعليًّا عند المرحلة الخامسة، وتُعَدُّ المرحلة التناسلية التي تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع، هي ذروة النمو. في حين شرح سيرز ثلاث مراحل نمائية آخرها التعلُّم المتركِّز خارج الأسرة، والتي تقابل العمر المدرسي. وعند برونر كانت مراحل النمو المعرفي ثلاث مراحل، وعند بياجيه كانت مراحل النمو الرئيسية أربعة مراحل آخرها مرحلة العمليات، أو الإجراءات الشكلية التي تبدأ في المراهقة. وفي نظرية كولبرج للنمو الخلقي تنقسم مراحل النمو إلى ثلاثة مستويات، ينبثق منها ست مراحل، آخرها مرحلة التمسك بمبدأ أخلاقي عام "وعلى الرغم من أن كولبرج لم يحدد سنوات لبداية ونهاية كل مرحلة، إلّا أنه من المعلوم أن هذه المرحلة تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع". وكذلك فإنَّ بك وهافيجهرست قد وضعا أربع مراحل للنمو الخلقي تبدأ من المهد إلى المراهقة التي هي فترة الغيرية العقلانية، ولا نجد من بين نظريات النمو النفسي من امتدت تقسيماتها لمراحل النمو أبعد من ذلك، سوى نظرية إريكسون التي شرح فيه ثمانية مراحل نمائية متعاقبة، تمتد من المهد إلى الشيخوخة، وقصرت نظرية ماشيا تناولها للنمو على مرحلة المراهقة بصفة عامّة، والمراهقة المتأخرة بصفة خاصة.

وعلى الرغم من أن بعض أفكار النظريات المختلفة حول مراحل النمو قد قبلت بشكل عام، إلّا أنه لا توجد مجموعة واحدة من المراحل ينظر إليها على أنها

ص: 495

صحيحة تمامًا، غير أنَّ أغلب النظريات قصرت مراحل النمو على الطفولة والمراهقة، والقليل منها ما تناولت الرشد والشيخوخة.

وبذلك فإنَّ معظم النظريات النمائية قد أجمعت على أهمية السنوات المبكِّرة من عمر الطفل، خاصة مرحلتي المهد والطفولة المبكرة، وذلك بالنسبة لتكوين الشخصية، فإن مرحلتي الرشد والشيخوخة لم يهتمّ بهما سوى إريكسون، وبشيء من الاختصار، حتى أصبحت معلوماتنا عن هاتين المرحلتين يشوبها الكثير من القصور، رغم ما يحدث فيهما من تغيُّر في النواحي المعرفية والانفعالية والاجتماعية، ورغم ما تمثله من عطاء وإنتاج توجب الاهتمام بها؛ حيث يمثل أربابها الحكمة والتوجيه والخبرة التي يسير الصغار في ضوئها، أضف إلى ذلك أنَّ أفراد هاتين المرحلتين يمثلون نسبة كبيرة من سكان العالم. إننا في حاجة إلى دراسة كيف ينتهي النمو الإنساني مثلما نهتم بدراسة كيف يبدأ هذا النمو. "محمد السيد عبد الرحمن: 1998".

4-

تأثير الخبرات السابقة على النمو:

فيما يختص بتأثير الخبرة السابقة على خبرات الفرد الحالية أو اللاحقة، يفترض فرويد تأثير السنوات الخمس الأولى على تشكيل الشخصية الإنسانية في سوائها واضطراباتها. ويفترض "إريكسون" خيطًا متصلًا من أحداث الحياة يبدأ مع بداية تاريخ حياة كل فرد، ويقنع "بياجيه" بأنَّ خبرات الحياة المبكرة تكون الأنماط الأساسية في مواجهة أحداث الحياة اللاحقة. ويرى "سيرز" أن الخبرات المبكرة المؤدية إلى الإشباع الذاتي تضر بالخبرات اللاحقة، إلى أن يؤدي تجمعها إلى البدء في إيجاد تأثير توجيهي على الفرد.

ومن ناحية أخرى، فإن كولبرج قد رأى أن الطفل يعايش صراعًا وتناقضًا يترتَّب عليه اختلال في التوازن فيما لديه من تركيبات أخلاقية قائمة، فيصبح غير قادر على أن يستوعب الخبرات الجديدة، وبالتالي يتلمَّس الطريقة التي يصل بها إلى تركيب آخر يقترب مما لديه، وعندما يتيقَّن أن هذا التركيب في صورته الجديدة يتفق أو يتلاءم مع ما يعيشه من مواقف وخبرات، يعمد إلى التوافق بين التركيب الجديد والقديم.

ص: 496

5-

الفروق بين الجنسين:

فيما يختص بالفروق والاختلافات الجنسية يرى إريكسون أن الوليد يكون متميزًا جنسيًّا، فجنس الطفل يحدد تراثه السلالي ونمطه الاجتماعي والثقافي المحدد. وقد ذكر فرويد وجود فروق في النمو النفسي لكلا الجنسين، فالبناء النفسي المميز للمرحلة القضيبية على وجه الخصوص، وهي ما أطلق عليها المرحلة الأوديبية، يظهر فروقًا واسعة بين الجنسين؛ حيث تتكوَّن في هذه المرحلة العقد النفسية، ومنها عقدتي أوديب وإلكترا عندكلا الجنسين. ويعترف سيرز بالاختلافات الجنسية فقط إلى الحد الذي تؤثر فيه هذه الاختلافات على بيئة الطفل؛ حيث إنَّ هذه البيئة سوف تؤثِّر بدورها على الطفل. أمَّا أصحاب نظرية التعلُّم، والنظرية المعرفية، وعلى رأسهم بياجيه، فإنهم يعترفون بأنَّه لا توجد اختلافات جنسية أساسية في دراستهم للنمو بصفة عامة، وأصحاب هذه النظريات يعلموننا أن الذَّكَرَ والأنثى يستخدمان إجراءات عقلية متساوية، ولكن من الناحية النفسية فإن لهما ملكات مختلفة، ومن الناحية الاجتماعية فهما متساويان بقدر ما تسمح به العوامل الثقافية.

6-

الخبرات الشعورية واللاشعورية:

يتحدَّى أصحاب نظرية التعلُّم والنظرية المعرفية الفكرة التحليلية لدى فرويد وأريكسون بأن الخبرات اللاشعورية كامنة في المراحل الأولى من النمو النفسي، بقدر ما هي كامنة في المراحل اللاحقة. ونجد أن بياجيه يتشكَّك ولكنه لا ينكر كليّة هذا المفهول التحليلي. وفي نظرية "بياجيه" لا يتملك الرضيع بعد الطاقة العقلية لإدراك وتذكُّر الأشياء عندما يكون متصلًا بها اتصالًا مباشرًا، ويرى "بياجيه" أن ذاكرة الخبرة وتصورها الذهني من المتطلبات السابقة على الذاكرة اللاشعورية، وظاهرة التحول "الانتقال". وهكذا فإن التذكُّر -شعوريًّا- لا يمكن أن يحدث الواقع حتى تتوافر لدى الطفل القدرة على الرميز "التعبير بالرموز"، والحفظ وتذكر الخبرات السابقة، وهي قدرة لا تتحقق عادة إلّا عندما يبلغ الطفل العام الأول تقريبًا من عمره، وحتى في هذه السن تظل ذكرى الأشياء متصلة بذكرى تتابع الخبرة بأكملها، ولا يميل "سيرز" للموافقة على هذا الرأي. أمَّا

ص: 497

"إريكسون" فيقول: إنَّ الإجراءات اللاشعورية كحالات انفعالية يمكن أن تتكرَّر الخبرة بها مع قليل من تكوين الفكر العقلي أو بدونه، والنَّظر إلى هذه الاختلافات يرجع إلى تأثيرها على ترجمة النظرية إلى تطبيق، ففي التطبيق الفعلي للنظرية لا يتعامل الأخصائي مباشرة بالصورة الطفولية للوليد -كما يراها الطفل- حقيقة أو مستوحاة، شعورية أو لا شعورية، إلّا بقدر انطباقها على ردود فعل الطفل نحو أشخاص في خبرات حياته الجارية المستمرة باستمرار. وتشير النظريات إلى أنَّ الأفراد الذين في الوسط الاجتماعي المحيط بالطفل يتعاملون معه كما لو كان يعرف ويتذكّر خبراته السابقة، وبالتالي فسواء كان باستطاعة الطفل التعرّف علي أو تذكر شعوريًّا أو لا شعوريًّا فترة طفولته، فإنه يتفاعل مع فكرة توقعات الكبار، إنه يحاول أن يسلك وكأنه يعرف.

وهنا صراع كامن في تفسيرات النظريات للإجراءات اللاشعورية، فكلٌّ من فرويد وإريكسون يريان أن الإجراءات اللاشعورية حقيقة واقعية، "أما بياجيه" فإنه علاوة على الأسئلة حول الحفظ اللاشعوري للطفل، يرى أن الإجراءات اللاشعورية احتمال، ولكن باحثين غيره قد أوضحوها بما فيه الكفاية، ويضعها "بياجيه" خارج نطاق اهتماماته ومجالات بحثه، "وسيرز" مثله في ذلك كمثل "إريكسون" يقبلها كحقيقة واضحة -حقيقة لا يمكن قياسها، وذلك أن دراساته تركِّز على نتائج الدوافع الإنسانية، سواء كانت شعورية أو اللاشعورية. أمَّا السلوكيين فعلى العكس تمامًا يولون الجانب الشعوري الأهمية العظمى في تشكيل السلوك الإنساني متجاهلين اللاشعور تجاهلًا تامًّا.

7-

الإدراك:

وتعالج النظريات كلها عملية الإدراك بطرق مختلفة دون تضارب، فيرى "بياجيه" أنَّ الإدراك تجربة "خبرة" عصيبة ليس لها تثير نفسي حتى يستطيع الفرد أن يضمِّن عقليًّا خبرته الإدراكية. وباختصار فإنه عندما يتعرَّف الفرد على مدركاته الحسية، فعنذئذ يصبح لها معنى لديه، مهما كان شعوره واقعيًّا أو منحرفًا، غير أن فرويد و"إريكسون" يتعرَّفان على الإدراك الحسي، كجزء من

ص: 498

خبرة الشخص منذ ولادته، ويصف "سيرز" الإجراءات الإدراكية من حيث إثاراتها فقط.

أما كولبرج: فقد أَوْلَى عملية الإدراك أهمية كبرى في تحديد المستوى الأخلاقي الذي يصل إليه الفرد؛ إذ أن المستوى الخلقي يرتبط بالمستوى المعرفي، وكلما كان الفرد أكثر قدرة على الإدراك وتحصيل المعرفة فإن ذلك يزيد خبراته إزاء المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها، ويتفهم أدوار الأسرة والقانون والعقيدة والأمور السياسية، وبذلك يتفق أصحاب النظريات على أنَّ الإدراك الانتقائي يعتبر صفة إنسانية جوهرية تستند إلى الجمع بين الخبرات النمائية المتفاضلة والاستعداد. وكل واحد يبرهن على رأيه من جهة نظره الخاصة، وكلٌّ منهم يصل منظوره بظواهر نمو الشخصية التي يهتم هو بها. ولذلك يمكننا أن نفترض أن الاختلافات النظرية تتوقَّف على الاختلافات المنظورة فقط: إن الإدراك الحسي والفهم شيء، في حين أن إعادة النظر في الإدراك الحسي من حيث علاقته بالمثير المصاحب له يجعلنا نتجه إلى مجموعة ثالثة من التغيرات التي تعرض نفسها على الإدراك الحسي للفرد.

وبذلك نستطيع أن نستنتج أن كل بعد يضيف إلى مجمل النوعية ومدى إدراك كل شخص لخبرته دائمة التغيُّر.

8-

تكون العادات:

وثمة تعارض حول وجهات النظر الخاصَّة بتكون العادات ومحاذاة سلوك الآخرين.

وكِلَا العاملين يظهران جليًّا في الإطار الإسنادي لنظرية "سيزر"، ولكنهما لا يلقيان إلّا سوى اهتمامًا قليلًا في التطبيق الأخير وتحليل النتائج التي توصِّل إليها. ويشير كولبرج وبياجيه وكذلك واطسون وسكينر إلى أن تكوّن العادات يحدث بصفة خاصة في خلال الاثنى عشر شهر الأولى من عمر الطفل، ويرون أن تكوّن العادات يولد تقليد الذات، أي: المداومة على الأنماط السلوكية. إن الطاقة المطردة المتزايدة التي لدى الطفل في إدراك وتقليد النماذج الخارجية تقضي تلقائيًّا على ميله

ص: 499

للحياة طبقًا للعادات. وهو يمتثل باطِّراد متزايد للأنماط السلوكية للآخرين بطريقة مناسبة، ولا يعير فرويد وإريكسون أي اهتمام للأنماط السلوكية بهذا الوصف، فيظل اهتمامها منصبًّا على الموضوع العاطفي الأصلي للفرد. ومرة أخرى، فإن تحليل تعاليم النظريات المختلفة يقودنا إلى غضِّ النظر عن الاختلافات في تفاصيلها المحددة، والتعرُّف على أوجه الشبه في مداخلها العامة.

ويستبعد "بياجه" إمكانية المداومة على العادات، وهو يرى أن كل مستوى سن يصل إليه الطفل يولد فيه أشكالًا جديدة من التفكير، والأنماط السلوكية المصاحبة. ويوجه "إريكسون، سيرز" اهتمامهما إلى الظروف التي تؤدي لتثبيت العادات، مركِّزين على درجة الانفعالية التي تعزز العادات أو تبطلها. وعلى ذلك، فمعظم أصحاب النظريات يتَّفقون على التركيز على السياق الذي تحدث فيها العادات أكثر مما يركزون على العادات نفسها كواقع قائم بذاته.

9-

التمركُز حول الذات:

يقدِّم "بياجيه"، "إريكسون" تفسيرات مختلفة للتركيز حول الذات في باكورة حياة الطفل:

"فبياجيه" لا يحتاج لتفسير، فالطفل في رأيه لا يعرف بديلًًا1، ومن وجهة نظر "إريكسون" فإنَّ تمركز الطفل حول الذات، يكون مجهود الطفل المبكّر لتكوين مجاله الخاص، ولتحديد وضع نفسه ككائن حي مستقل بين الكائنات الأخرى، ويميل "سيرز" للموافقة مع "إريكسون"، أي: إنه يعرِّف تمركز الطفل حول ذاته بأنه تعبيرٌ عن الصراع المركزي بين الإشباع الذاتي وتقبُّل الضغوط الاجتماعية. وهذه الاختلافات النظرية ذات صلة مباشرة بالممارسة اليومية، وهي تشير إلى ضرورة التفرقة بوضوح بين الإدراك الذاتي العقلي والانفعالي، وهي تدل على الفصل

1 في سرد حديث لأبحاث بياجيه يشدد من أن من التمركز حول الذات في الكلام يبدأ في التلاشي حوالي منتصف المرحلة الثانية "سن 3 سنوات تقريبًا"، وهو يذكرنا أيضًا بأن المشاعر بين الأشخاص لا يمكن في الواقع أن توجد إلى أن يتمكَّن الطفل من إدراك الآخرين بأنهم آخرون، وعندئذ فقط يستطيع أن يكون ألفة أو نفورًا.

ص: 500

المستمر بين حالات الشعور، ومعرفة استقلال الذات والتعرف عليها، غير أنَّها تعمل في الواقع كواحدة في الخبرة اليومية.

وقد ذكر بك وهافيجهرست في تناولهما للنمو الأخلاقي بأنَّ الطفل في المرحلة الأولى يرى الناس كوسائل لإشباع الذات، ويكون الطفل متمركزًا تمامًا حول ذاته لا يعرف المبادئ الأخلاقية ولا الضمير، إنما صورة رضيع لم يبدأ في التطبيع بعد، وينتهي بك وهافيجهرست بآخر مراحل النمو الخلقي إلى الغيرية العقلانية في المراهقة.

10-

التعلُّم:

يعترف "بياجيه" و"إريكسون" و"كولبرج" ومن قبل هؤلاء جميعًا جيزل، يعترفون بالتجربة والخطأ كعامل هام في النموِّ في فترة الطفولة المبكرة، وهم في ذلك يختلفون عن سيرز وعلماء السلوكية من أنهم أقصوا هذه العملية التعليمية إلى مكانة أقل في كل مراحل نموّ الطفل اللاحقة، وبالنسبة للجميع فإن "إريكسون" هو الأكثر استعدادًا للاعتراف بوجود قوة داخل الوليد تستخدم بمعرفة، ويفضل "سيرز" استبعاد القوة الموجهة لمعظم سلوك الوليد إلى المثير خارج الوليد، أمَّا "بياجيه" فيعارض أولًا فكرة "إريسكون" بأنَّ خبرات المراحل الأولى من الحياة تصبح ذات صفة عامَّة لها تأثيراتها على كل الخبرات التالية، ولكنه بعد ذلك يقدِّم ملاحظة مشابهة، وإن كانت باستدلال منطقي مختلف؛ إذ يذكر أن الوليد يبني على خبراته الخاصة السابقة؛ لأنه لا يعرف بديلًا لذلك.

وفي النظريات السلوكيِّة ذات التعلُّم الاجتماعي نجد أن العمليات المؤدية إلى التعرف على الذات هي العمليات النمائية المركزية. إن سلوك المحاكاة والتقليد والنمذجة والتجربة والخطأ والتعزيز، ليس إلّا عملية صغرى وإضافة تستخدم لتحقيق الذاتية، ينظرون إلى الطفل كفرد ينتقي كائنات أخرى كنموذج له. وهم يقترحون عملية من قسمين:

1-

انتقاء الآخرين كنموذج.

2-

التعايش مع سلوك وأفكار وقيم يفترض أن الأشخاص المنتقين قد سيطروا عليها.

والانتقاء والتشكيل يكونان جزءًا من إدراك الذات، ويرى "بياجيه" أنَّ تحقيق الذات هو عملية اختيار النماذج طبقًا للأنماط الموجودة من فهم الطفل، ويقدّم "سيرز" عملية تقتضي مطابقة النماذج "المتيسرة" على الإشباع المصاحب لها على أساس خبرات مشابهة سبق الاقتناع بها، ويصور "إريكسون انتقاء النماذج كعملية مرضية، تتطلّب فيها كل مرحلة نموّ تطوير صفات مختلفة، ومجموعة مختلفة من المناذج. حتى تفسير التحليل النفسي للنمو الخلقي قد ارتكز على هذا المبدأ، وهو التوحيد مع النموذج.

ص: 501