الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكامل النظريات
فيما يتعلق بمراحل النمو
…
تكامل النظريات:
مما لا شَكَّ فيه أنَّ الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة، أو كيان كلي واحد يتكوَّن من جوانب أو مظاهر تخضع كلها للنمو، وهي في نموها ترتبط ببعضها بطريقة أو بأخرى؛ بحيث لا يمكن فصل أيّ مظهر من مظاهر النمو عن غيره إلّا لغرض البحث والدراسة، ومن المفترض أنّ أي مظهر من المظاهر يؤثِّر في غيره ويؤثر فيه؛ بحيث يمكن أن نقول: بأن هناك تكاملًا بين مظاهر النمو داخل الكيان البشري، ومن ثَمَّ فلا بُدَّ للنظريات المفسّرة لمظاهر أو جوانب النمو المختلفة أن تتكامل مع بعضها لتوضيح شمولية وتكاملية الكيان البشري النامي، وفيما يلي نعرض أوجه الاتفاق وإمكانية التكامل بين النظريات التي عرضناها:
1-
فيما يتعلّق بمراحل النمو:
النمو في سن ما قبل المدرسة:
تناولت جميع نظريات النمو مرحلة ما قبل المدرسة بإسهاب شديد كأساس للنمو اللاحق: جيزل، فرويد، بك، وهافيجهرست، وبرونر، بياجيه، وإريكسون. أمَّا سيرز فيقتصر أساسًا على الطفل في سن ما قبل المدرسة في معظم تفاصيل نظريته9، ويتخذ كل من بياجيه وإريكسون موقفين مختلفين اختلافًا واضحًا فيما يختص بالحياة الخيالية للطفل الصغير، ويرى بياجيه أن الخيال يظل مستمرًّا لمرحلة التمركز حول الذات في حياة الطفل، وهو يصفها بأنَّها استمرارية ذات تقاسيم لحياة الطفل الصغير ذات البعد الواحد التي يكون الطفل في مركزها، بعيدًا عن كل حدود التصارع.
وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعزو إلى الطفل وعيه بخيالاته وكذلك صراعًا حول هذا الوعي، غير أن كلًّا منهما تشدَّد على أن القائم بالرعاية يعامل الطفل كما يرى هو "عالم الطفل"، كما يريد أن يراه الشخص الأكبر من الطفل يعامله مستقلًّا عن خيال الطفل على أيّ مستوى قد يحدث فيه"، ويضيف "إريكسون" أنَّ الوالد هو الآخر يتعامل لا شعوريًّا مع خيال الطفل، وهو الخيال الذي وصل إلى الوالد وأحسَّ هو به لا شعوريًّا، والوالد يميل لمعاملة هذه الخيالات لأنه جزئيًّا يبعث طفولته هو لا شعوريًّا، ويحاول جاهدًا التعجيل بتحريك مشاعر ظلَّت طويلًا في طي النسيان.
النموّ في سنوات المدرسة الابتدائية:
يرى "سيرز" و"جيزل" و"بياجيه" و"إريكسون" أنَّ الطفل في سن المدرسة يندفع إلى الإمام باستمرار، خالقًا لنفسه آفاقًا جديدة من المهارات والمعرفة والنضج العاطفي، وكلّ منهم يعترف بأن الطفل نفسه هو القوة الدافعة، والكبار في بيئته، وخاصة الذين يرعونه يستطيعون أن يساعدوه في تقدمه أو يعاكسوه، ولكن في هذا السن لم يعد باستطاعتهم "ثني الغصن" ذلك لأن الطفل يكون قد كوَّن لنفسه مجالات يستطيع أن يعمل فيه دون تحدٍّ يذكر. وبعبارة أخرى: فكلٌّ من "سيرز""بياجيه" و"إريكسون" يعترفون بالتركيز الشديد الذي يبذله الطفل لتحسين فهمه ووسائل معيشته، الأمر الذي يؤدي إلى تحول تدريجي في اعتماده على المنزل، إلى الاعتماد على الأقران ونفوذ جديد لكبار، وكلاهما يرى تغيرًا في أسلوب المعيشة لا يؤدي إلى تغيُّر كبير في التكوين الأساسي لشخصية الطفل.
النمو في مرحلة المراهقة:
تناولت معظم النظريات مرحلة المراهقة كمرحلة دينامية في تشكيل الشخصية الراشدة، وإذا كان "جيزل" قد تناول النضج في بدايات المراهقة، فإن "فرويد" اعتبر المراهقة هي المرحلة التناسلية التي يتحوّل فيها المراهق من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي قادر على المحافظة على استمرار سلالته، أمَّا بياجيه وكولبرج في إطار النظرية المعرفية، وإريكسون ومارشيا حول نمو الهوية في
إطار نظرية النمو النفسي الاجتماعي، فإنهم قد فصلوا الحديث حول هذه المرحلة.
أمَّا تناول بياجيه لموضوع نمو المراهقين كعملية معرفية محدَّدة هي بلوغ النهاية بالنسبة لكل نمو سابق، فإنه يتعارض مع الفكرة المركزية "لإريكسون" و"مارشيا" بأنَّ هذه الفترة تكون من الفترة التشكيلية الثانية في حياة الطفل وسنوات الشباب والدخول في مرحلة الرشد، والأوضاع المتباينة تتركّز حول نقطتين رئيسيتين:
1-
يحدد "بياجيه" المراهقة بفترة يجد فيها الشاب الوحدة مع العالم، وهي فترة يتخذ فيها العالم الاجتماعي الخارجي مكانه الأساسي، ويمكن تفهمه كلية بتقسيم أدواره، وقوانينه المترابطة، وتخلل الوحدة فيه. وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعرِّف المراهقة بأنها فترة يجري فيها البحث عن مركز اجتماعي مناسب مع التضامن الاجتماعي الكامل لهذا المركز الذي يتوقع تحقيقه في سنوات الرشد التالية، وهذا ما فصَّله مارشيا في بحث المراهق عن هويته في المجال المهني الأيدولوجي والاجتماعي والجنسي.
2-
ويتناول "بياجيه" لموضع المراهقة باعتباره فترة تربط الأطراف السائبة، وكفترة استكمال، وهذا ما يعارضه إريكسون بتشديده على تعريف المراهقة بأنها فترة تأخير معقول في النمو، وبأنها فترة ابتداء، وهذان الوضعان المتعارضان ظاهريًّا يمكن التوفيق بينهما جزئيًّا، بواقع أن "بياجيه" و"إريكسون" إنما يتعاملان مع عناصر مختلفة من عناصر الشخصية: العناصر المعرفية، والعناصر الانفعالية، غير أن كليهما يريان المراهقة كفترة نموّ يجد فيها الشاب مكانه الاجتماعي. وبالنسبة "لبياجيه" فهي خطة حياة، وبالنسبة "لإريكسون" و"مارشيا" هي إحساس بالذاتية وتشكيل الهوية.
علاوة على ذلك فإن هذه الاختلافات يمكن التقريب بينها بالنتائج التي توصّل إليها "بياجيه"، وهي أن الفهم يسبق دائمًا القدرة على تفسير ما هو مفهوم "أي: إن الفهم يسبق تعلم اللغة"، ومنطقيًّا فإن المعرفة وتعزيز هذه المعرفة يسبقان تحقيق القدرة على ترجمة مثل هذا المفهوم إلى فعل.
ويقترح كل من "بياجيه" و"إريكسون" و"مارشيا" أن التقدّم النمائي يتضمَّن معايير السن كنقطة إسناد فقط، وتشدد رسموها البيانية الخاصة بالنمو على تتابعه نمو، والذي يحدث بعد تحقيق أهداف النمو السابقة، وكل منهم يشدّد على أنَّ أي مرحلة نمو متقدمة مثل مرحلة المراهقة يمكن أن تحدث في أي وقت في حياة الفرد، في تلك اللحظة التي يقبل فيها الفرد في المجتمع كفرد راشد، وذلك بالنسبة لفترات عمره، ولذلك فإن الاختلافات الظاهرة ليست متعارضة بالضرورة، إنها فقط تنصبُّ على مظهرين مختلفين من مظاهر الشخصية، وفي حالة عدم وجود بحث أساسي في العلاقة المشتركة بين هذه المظاهر فإن النظامين يمكن أن يكونا متوازيين طالما ركَّزنا على تطابق مراحل النمو.
غير أنه يبقى بعد ذلك فرق له أهميته، طالما تقرّر نظرية بياجيه وإريكسون أنَّ النمو الكامل للشخصية هو عملية تستمرّ طوال الحياة، في حين تقرر النظرية الأخرى أنَّ النمو المعرفي محدد ونهائي، أشبه بالنضج الجسماني، وهذه التعقيدات متروك أمرها مبدئيًّا إلى التوقعات المطلوبة من الفرد الآخذ في النمو. وتشير إحدى النظريتين إلى أنَّ مدى الفهم الناضج لشخص ما يجب أن يكون قريبًا من التمام، وفي أعلى مستويات عندما يصبح الشاب الصبي راشدًا شابًّا، وتقرر النظرية الأخرى أن النمو العاطفي والنمو الاجتماعي لا يتمان في أي مرحلة محددة من مراحل العمر. والواقع أن إريكسون يشدِّد على أنَّ أي نمو لا يمكن أن يستكمل تمامًا في حدود مرحلة سن واحدة، يمكن أن ينمو بعد ذلك مستقلًّا عن مظاهر النمو الأخرى التي تحدث في مراحل تالية.