الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أوقات الصلاة وأسمائها
176 -
وأهل طيبة صلاةَ الفجر
…
يرونها الوسطى التي في الذكر
177 -
ووقتها من صادق الفجر إلى
…
مجيء الاِسفار الذي قد انجلى
178 -
بحيث إن سلم منها تطلع
…
ألشمس، فالجميع وقت واسع
179 -
وأول الوقت له فضل جسيم
…
فمن يؤخرْ فاته خير عظيم
180 -
ومن زوال أول الظهر إذا
…
في الازدياد الظل كان آخذا
181 -
إلى مزيده بقامة على
…
ما كان في وقت الزوال حاصلا
182 -
وندبوا تأخيرها بقدر
…
ذراع الابهام زمان الحر
183 -
وقيل لا يندب للمنفرد
…
ذلك بل يختص بالمساجد
184 -
وقيل في اشتداد حر يُبرد
…
ندبا بها الأقوام والمنفرد
الأوقات: جمع وقت، وهو جمع قلة، ويجمع في الكثرة على وقوت كفلوس، والوقت قال في التوضيح: مأخوذ من التوقيت وهو التحديد، والوقت أخص من الزمان، لأن الزمان مدة حركة الفلك، والوقت هو ما قال المازري: إذا اقترن خفي بجلي، سمي الجلي وقتا، نحو جاء زيد طلوع الشمس، فطلوع الشمس هو وقت المجيء، إذا كان الطلوع معلوما والمجيء خفيا، ولو خفي طلوع الشمس بالنسبة إلى أعمى أو مجنون مثلا، لقلت له: طلوع الشمس عند مجيء زيد، فيكون المجيء وقت الطلوع.
والصلاة لغة لها معان، من أشهرها الدعاء، ومنه قوله:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا
…
يا رب جنب الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
…
نوما، فإن لجنب المرء مضطجعا
واصطلاحا عرفها ابن عرفة -رحمه الله تعالى -بقوله: قربة فعلية ذات إحرام وتسليم، أو سجود فقط.
وطيبة: اسم من أسماء المدينة المنورة بأنواره - صلى الله تعالى عليه وسلم - زادها الله سبحانه وتعالى عزا وشرفا وأمنا، والفجر قال عياض - رحمه الله تعالى -: الضياء المعترض في الأفق من نور الشمس أول النهار، ويسمى بذلك لتفجره وانتشاره، والفجر فجران، فالأول منهما أبيض مستدير مستطير صاعد إلى الأفق، وهو الفجر الكاذب، وهو كذنب السرحان، سمي بذلك لدقته، والسرحان: الذئب، وهذا لا حكم له في صلاة ولا صوم، والثاني الأبيض الساطع، وهو الصادق، وهو المستطيل، أي: المنتشر، وهو ذاهب في الأفق عرضا حتى يعم الأفق، وتعقبه الحمرة، وهو الذي يتعلق به حكم الصلاة عند جميع الأمة، وحكم الصوم عندنا وعند أكثر الفقهاء، نقله في شفاء الغليل.
والوسطى: مؤنث الأوسط، ووسط الشيء: خيره، والذكر: اسم من أسماء القرآن العظيم، والإسفار قال عياض - رحمه الله تعالى -: البيان والكشف، وسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، وهو يقع أولا على انصداع الفجر وبيانه، وعليه يحمل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر "
(1)
أي: صلوها عند استبانة الصبح، ولأول ظهوره لكم، والإسفار الثاني هو قوة الحمرة والضياء قبل طلوع الشمس، وذلك آخر وقت صلاة الصبح، الذي ليس بعده إلا ظهور قرصها، وقد اختلف هل هو وقت أدائها أو وقت ضرورة، وعليه حمل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الحديث المتقدم، نقله في الشفاء.
وانجلى معناه: تبين وظهر، والزوال: بداية ميل الشمس إلى جهة الغروب، وبه فسر دلوك الشمس المذكور في الآية الكريمة.
والظهر بضم الظاء قال ابن عبد السلام: مشتقة من الظهور، لأنها ظاهرة وسط النهار، وله أسماء أربعة، هذا، والأولى، والهجيرة، والهاجرة، ويقال له ظهير.
(1)
رواه الترمذي والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
والظل: الاسم من أظل، وهو نقص النور في كنف جسم كثيف، وضده الضح، ويكون الظل من الصباح إلى الظهر، كما يكون الفيء من الظهر إلى المساء.
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
…
ولا الفيء من برد العشي تذوق
ويستعمل الظل أيضا فيهما جميعا، وقامة الإنسان: قدره، وهي سبعة أقدام بقدمه، وأربعة أذرعة بذراع إبهامه، وقد جرت عادة الفقهاء بالتحديد بقامة الإنسان لأنها لا تتعذر، وإلا فكل قائم يشاركها في ذلك المعنى، وبذلك وقع التعبير في الحديث الشريف " ظل كل شيء "
فرضت الصلاة ليلة الإسراء، وكانوا يصلون قبل ذلك ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، ووجوب الصلوات الخمس مما علم من الدين ضرورة، فمن جحدها أو بغضها فهو كافر مرتد، ومن أقر بوجوبها وامتنع من أدائها، فقيل فاسق يقتل حدا، إذا لم يبق من الوقت إلا ما يسع ركعة، وقيل هو كافر، والأول هو المشهور من المذهب، وقد نظم الشيخ آد في بيان عظم مكانتها نظما في غاية الحسن، يقول فيه:
أم الدعائم عماد الدين
…
صلةُ بين العبد والمتين
وقد جاء في الحديث أنها أول ما يحاسب به العبد، فإن قبلت منه نظر فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل لم ينظر في شيء من عمله،
(1)
وكتب عمر -رضي الله تعالى عنه -إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع
(2)
.
(1)
ذكره الإمام مالك في الموطإ بلاغا.
(2)
رواه الإمام مالك في الموطإ.
أشار بالبيت الأول إلى أن أهل المدينة يذهبون إلى أن صلاة الصبح هي الصلاة الوسطى المذكورة في الآية الكريمة، وممن ينسب له ذلك من الصحابة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وهو قول مالك، وذهب الأكثرون إلى أنها صلاة العصر لحديث " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر
(1)
" وممن ينسب له ذلك من الصحابة ? رضي الله تعالى عنهم - علي وعائشة وغيرهما، وإليه ذهب أبو حنيفة وابن حبيب، وذهب قوم إلى أنها المغرب، وممن ينسب له ذلك قبيصة بن ذؤيب، وذهب قوم إلى أنها الظهر، وممن ينسب له ذلك زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - وذهب قوم إلى أنها صلاة العشاء، وذهب قوم إلى أنها صلاة الجمعة، وذهب قوم إلى أنها صلاتان، صلاة الصبح وصلاة العصر، وذهب قوم إلى أنها مجموع الصلوات الخمس، وذكر بعض المفسرين أن من نكت ذكر الأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى في غضون أحكام النساء، أن لا يتشاغل بهن عنها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأشار بقوله: ووقتها من صادق الفجر
…
البيتين، إلى وقت الصبح، فذكر أن أوله انصداع الفجر الذي تقدم بيانه، وذكر أن آخره الإسفار البين الذي إذا سلم منها بدا حاجب الشمس، قال ابن شاس: ويمتد الاختيار لها إلى الإسفار الأعلى على قول، وإلى طلوع الشمس في قول آخر، قال القاضي أبو الوليد: ولمالك مسائل يؤخذ منها القولان، وقال القاضي أبو بكر: الصحيح عن مالك أن وقتها يمتد إلى طلوع الشمس، ولا وقت ضرورة لها.
(1)
متفق عليه.
وأشار بقوله: وأول الوقت البيت، إلى أن التغليس بالصبح أفضل، لما سبق من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - كما تقدم، قال المازري - رحمه الله تعالى -: ودليلنا على استحباب التغليس قول عائشة - رضي الله تعالى عنها -: كان النساء يخرجن متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس،
(1)
وهذا فيه إثبات الفضل في التغليس، لأن قولها - رضي الله تعالى عنها -: كان، إشارة إلى المداومة على هذا الفعل، إلى أن قال: وأيضا فإنها إنما خُصت بالأذان قبل وقتها لما كانت إقامتها في أول وقتها أفضل، فقدم الأذان على الوقت ليتأهب الناس للصلاة، حتى يدركهم أول الوقت وهم متأهبون، وأيضا فإن الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان ينتظر الناس في صلاة العشاء إذا أبطؤوا، وأما الصبح قال الراوي: كانوا أو كان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -يصليها بغلس،
(2)
قيل معنى أو أي، إلى أن قال: فأشار إلى أنه كان لا ينتظرهم في الصبح، وينتظرهم في العشاء، وهذا يقتضي فضيلة أول الوقت.
وقد كتب عمر -رضي الله تعالى عنه -إلى عماله أن يصلوا الصبح والنجوم بادية مشتبكة،
(3)
وقد روى أبو داود وصححه الخطابي، وحسنه النووي، عن أبي مسعود البدري - رضي الله تعالى عنه -أن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -صلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطإ.
قال ابن رشد في المقدمات: وأول الوقت في الصلوات كلها أفضل، قال الله تبارك وتعالى:(والسبقون السبقون أولئك المقربون في جنت النعيم) وقال الله سبحانه وتعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) ومعلوم أن من بادر إلى طاعة ربه أفضل ممن تأخر عنها وتأنى عنها، وقد سئل رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -أي الأعمال أفضل؟ فقال:" الصلاة لأول وقتها "
(1)
وروي أن الصلاة في أول الوقت رضوان الله تعالى، وفي وسطه رحمة الله تعالى، وفي آخره عفو الله تعالى،
(2)
فكان أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يقول: رضوان الله تعالى أحب إلي من عفوه، هذا هو المنصوص عن مالك المعلوم من مذهبه، في كتاب ابن المواز وغيره، وقد تأول بعض الشيوخ على مذهبه في المدونة أن أول الوقت وأوسطه وآخره في الفضل سواء، من إنكاره لحديث يحيى بن سعيد أن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم وأفضل من ماله وأهله،
(3)
وهذا بعيد لأنه إنما أنكره لأن ظاهره يوجب أن من فاته بعض الوقت كمن فاته جميعه، على ما جاء في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتر أهله وماله.
(4)
(1)
رواه أبو داوود والترمذي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا.
(3)
رواه الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ.
(4)
متفق عليه.
وأشار بقوله: ومن زوال
…
البيتين، إلى وقت الظهر، فذكر أن وقتها من زوال الشمس الذي تقدم أنه ابتداء انحطاطها عن نهاية ارتفاعها، وعلامته أن يأخذ الظل في الزيادة جهة المشرق، حتى يصير ظل كل شيء مثله، زيادة على ظله الموجود وقت الزوال، قال المازري - رحمه الله تعالى -: واختلف أصحابنا في معنى القول أن آخر وقت الظهر زيادة الظل مثله، فذهب بعضهم إلى أن المراد به أن تنقضي صلاة الظهر عند زيادة الظل مثله، وبه قال الشافعي - رحمه الله تعالى - وقال آخرون المراد به أن يفتتح صلاة الظهر عند زيادة الظل مثله، وسبب هذا الاختلاف ما وقع في حديث صلاة جبريل عليه السلام بالنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من أنه صلى به الظهر في اليوم الثاني عند زيادة الظل مثله،
(1)
وفي بعض طرقه إنما صلاها لوقت العصر بالأمس، ثم أشار إلى اعتضاد الأول بما في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما ـ " ما لم تحضر العصر "
(2)
.
وأشار بقوله: وندبوا تأخيرها
…
الأبيات، إلى أنه يندب تأخير صلاة الظهر قدر ذراع صيفا، وهذا قول ابن حبيب، واستحب مالك -رحمهما الله تعالى -ذلك صيفا وشتاء، لكتاب عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه -إلى عماله الذي له حكم الإجماع، وقيل إنما يستحب التأخير المذكور في المساجد خاصة ليدرك الناس الصلاة، وأما الرجل في خاصة نفسه فأول الوقت أفضل له، وهذا القول لابن حبيب وابن عبد الحكم، وبه قال البغداديون، واختاره اللخمي قائلا: وكذلك حكم الجماعة إذا لم ينتظروا غيرهم، نقله ابن ناجي
وقيل إذا اشتد الحر فالأفضل الإبراد بها مطلقا، للجماعة والفذ، وإذا لم يشتد فالأفضل التقديم مطلقا، عزاه ابن عرفة لرواية أبي الفرج، لكن من غير تعرض لذكر الفذ إلا أنه أحروي.
(1)
أخرجه النسائي وابن خزيمة والبيهقي في سننه الكبرى، وهو حديث صحيح.
(2)
رواه مسلم وأبو داوود والنسائي والإمام أحمد.
قال المازري - رحمه الله تعالى -: أما الإبراد بالظهر فمأمور به لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم "
(1)
وأيضا فإن شدة الحر تقطع عن استيفاء حق الصلاة، وتقتضي استعجال المصلي إلى طلب السكون والراحة، فاستحب ترك إيقاع الصلاة فيه، ألا ترى أن الشرع جاء بنهي الحاقن عن الصلاة، لما كانت الحقنة تمنعه من استيفاء الصلاة، وهذا التعليل يوجب أن يستوي الفذ والجماعة في الأمر بالإبراد، إلى أن قال: فإذا ثبت أن الإبراد مأمور به، قال ابن حبيب: منتهاه إلى وسط الوقت وبعده بقليل، وقال بعض الشيوخ يؤخر إلى الذراع لأجل الجماعة، وإلى نحو الذراعين لأجل الإبراد، وقال محمد بن عبد الحكم: يؤمر بالتأخير، ولكن لا يخرج عن الوقت فأشار إلى أن الإبراد ينتهي لآخر الوقت، والأصح عندي مراعات حال يومه، فإذا فتر الحر القاطع عن استيفاء الصلاة، أمر بإيقاع الصلاة حينئذ، إذا حان الوقت المختار، فإن لم يفتر حتى خيف فوات الوقت، لم تؤخر عن الوقت، فإذا ثبت تعلق الاختيار بزمن ما، وكان التأخير عنه لعذر، فمتى ارتفع العذر تمسكنا بالاختيار، وارتفاع الحر يختلف باختلاف البلاد، واختلاف الرياح، ولكن رأى أصحابنا تحديده بما ذكرناه عنهم، ليكون الحكم عاما، وترجع إليه العامة التي لا تضبط تفاصيل الاجتهاد، فذلك طريق في النظر.
وتعقب ابن عرفة -رحمه الله تعالى -اختيار المازري النظر إلى حر يومه المعين، بأنه يوجب اختلاف الوقت على الجماعة.
وقال ابن حبيب -رحمه الله تعالى -: إن سنة الجمعة في الشتاء والصيف أن تصلى في أول الوقت، حين تزول الشمس، أو بعد أن تزول بقليل، قال: وكذلك قال مالك، نقله في عقد الجواهر الثمينة.
وقد روى البخاري عن أنس -رضي الله تعالى عنه -أنه قال كان النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -يصلي الجمعة حين تميل الشمس.
(1)
الحديث متفق عليه، وهذا اللفظ لابن ماجة والإمام أحمد.
وقد قلت:
وما من التأخير في الظهر أمَرْ
…
وُلاتَه به الخليفة عمر
فهْو به عن جُمْعةٍ قد خُصَّا
…
كما عليه ابن حبيب نصا
ففعلها عند الزوال أو ورا
…
ءه قليلا شأن من قد غبرا
والله سبحانه وتعالى أعلم.
185 -
وأول العصر انتهاء الظهر
…
لقامة تزيد أيضا يجري
186 -
ىـ وبمسامتة شمسٍ بصرا
…
معتدلِ الرأس قياما قُدِّرا
187 -
ووصْف مالك الذي عنه ورد
…
بصفرة الشمس لمنتهاه حَدْ
188 -
وحاجب الشمس إذا ماغرَبا
…
فصلينَّ عند ذاك المغربا
189 -
ليس لها وقت سوى ما ذُكِرا
…
فلا تكن عنه لها مؤخرا
190 -
وربما تُدعى صلاةَ الشاهد
…
إذ سافر بها كمثل القاعد
العصر قال عياض -رحمه الله تعالى -: العشي، وبه سميت صلاة العصر، وفي الحديث " إحدى صلاتي العشي "
(1)
وقيل سميت بذلك لأنها في آخر طرفي النهار، والعرب تسمي كل طرف من النهار عصرا، وتسمي الغداة والعشي عصرين، وفي الحديث " حافظ على العصرين صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها
(2)
" يريد الصبح والعصر، وقيل سميت بذلك لتأخيرها، نقله في شفاء الغليل.
والمسامتة: المقابلة، وحاجب كل شيء: حرفه، وغَرَب الكوكب غُروبا: غاب، والمغرب قال عياض -رحمه الله تعالى -: سميت بذلك لكونها عند غروب الشمس، والمراد غروب شخصها وقرصها، لا ضوئها، وهذا اسمها المختص بها، ولا يقال لها العشاء، لا لغة ولا شرعا، وقد جاء في الصحيح النهي عن تسميتها عشاء، نقله في شفاء الغليل.
(1)
متفق عليه.
(2)
رواه أبو داوود، وهو حديث صحيح.
أشار بالأبيات الثلاثة الأولى إلى أن أول وقت العصر آخر وقت الظهر، كما تقدم، واختلف هل تشترك مع الظهر بقدر ما توقع به إحداهما، وعلى الاشتراك فهل هو في القامة الأولى أو الثانية، قال ابن رشد: المشهور الاشتراك، ويظهر أنه في الأولى لا في الثانية، ويستمر وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه في أحد قولي مالك - رحمه الله تعالى - من رواية ابن عبد الحكم، وبه قال ابن المواز وابن حبيب، وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطأطئ فإن نظرت إلى الشمس ببصرك فقد دخل الوقت، وإن لم ترها ببصرك فالوقت لم يدخل، وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت، قال زروق - رحمه الله تعالى -: وقوله: وقيل إذا استقبلت الشمس إلى آخره، ميزان يتعرف به الوقت، وقد تعقبه ابن الفخار بأنه لم يوجد قائله، بل قال: لم يقل بهذا أحد، وهذا خطأ، وصرح عن الشيخ بإلغائه، وقال عبد الوهاب: يمكن هذا إذا اعتبر، وقال ابن رشد: لا يصح لأن الشمس تكون مرتفعة في الصيف، منحطة في الشتاء، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: بل التجربة تعطي أنه يقرب، وإن كان لا يوصل إلى التحقيق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وروى ابن القاسم عن مالك أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمس، والتعبير في حده بالقامتين وبالإصفرار وردت به الأخبار الصحيحة.
قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى - وفي كون أفضله في مسجد الجماعة أوله، أو تأخيرها قليلا كنحو ما استحب في الظهر، أو لذراع، قول الجمهور والقاضي وأشهب، الشيخ عن ابن حبيب: استحب تعجيلها يوم الجمعة أكثر من تعجيلها في غيرها، لرفق الناس لأنهم يهجرون، ابن القاسم: ذكرته لمالك، فقال: ما سمعته من عالم، وهم يفعلونه، وهو واسع.
وأشار بقوله: وحاجب الشمس
…
الأبيات، إلى أن وقت المغرب من غروب قرص الشمس إجماعا، ويقدر بفعلها بعد شروطها، وما يؤمر به لها من نحو أذان وإقامة، وذلك لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -في اليومين في وقت واحد، وبهذا قال البغداديون، وهو روايتهم عن مالك، وقيل يمتد وقتها إلى الشفق،
(1)
قال ابن رشد: وهو ظاهر قول مالك -رحمه الله تعالى -في موطئه إلا أن أول الوقت أفضل، قال: فحصل الإجماع في المغرب على أن المبادرة لها عند الغروب أفضل.
وقيل يمتد وقتها إلى قدر إيقاعها بعد الشفق، وبه قال أشهب في مدونته، كما في التبصرة.
وتسمى صلاة المغرب صلاة الشاهد، قيل لأن المسافر لا يقصرها، فهو فيها كالشاهد، أي: الحاضر، وقيل لأن نجما يطلع عند الغروب يسمى الشاهد، وهو أصوب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
191 -
وللعشاء من مغيب الشفق
…
وهكذا ما ثلث اليل بقي
192 -
وشفق بحمرة تبقى ورا
…
مغيب شمس مغربا قد فُسّرا
193 -
وليس فيه للبياض يُنظر
…
كما عنَ اَقوام هناك يؤثر
194 -
وصلينْها أول الوقت ولا
…
تؤخرنْ لغير عذر شغلا
195 -
نعم لأهل المسجد التأخير
…
نزرا للاجتماع لا يضير
196 -
ويكره الكلام لا لشغل
…
من بعدها كنومه من قبل
(1)
ووجهه حديث السائل عن الوقت.
العشاء قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى -: بكسر العين ممدود: أول الظلام، وهذا اسمها في القرآن، وجاء اسمها في الحديث العتمة، بقوله:" لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا "
(1)
وجاء أيضا النهي عن تسميتها عتمة،
(2)
وسميت بذلك من عتمة اليل، وهي ثلثه، وأصله تأخيرها، يقال: أعتم القوم إذا ساروا حينئذ، والعتمة الإبطاء، نقله في شفاء الغليل.
أشار بالأبيات الثلاثة الأولى إلى أن وقت العشاء، من غيبوبة الشفق، والشفق هو الحمرة الباقية في جهة المغرب، من بقايا شعاع الشمس، فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة، فقد دخل وقت العشاء، ويستمر إلى ثلث اليل، وقال ابن حبيب: إلى النصف، وقد وقع ذكر كل من الحدين في الصحيح
(3)
.
وأشار بقوله: وصلينها أول الوقت البيتين، إلى أن الأفضل للفذ تقديمها في أول وقتها، ويجوز لأهل المسجد التأخير قليلا ليجتمع الناس، وروى العراقيون أن تقديمها أفضل، وقال ابن حبيب: تؤخر شيئا قليلا في الشتاء، وفوقه في رمضان، وقال اللخمي: تأخيرها أفضل إن تأخروا، وتقديمها أفضل إن تقدموا، لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه -أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي العشاء أحيانا وأحيانا، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر.
(1)
متفق عليه.
(2)
روى مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله تعالى العشاء، وإنها تُعْتِم بحِلاب الإبل " ورواه أبو داوود والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد.
(3)
أما التحديد بالثلث، فقد وقع في حديث جبريل ـ على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ وغيره، وأما التحديد بالنصف، فقد وقع عند مسلم من حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله تعالى عنه ـ ولفظه:" فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل "
وهذه الأوقات التي تكلم عليها الشيخ هي أوقات الاختيار، ويأتي بعده الوقت الضروري، ويمتد في الصبح عند من حد مختارها بالإسفار، إلى طلوع الشمس، ويمتد في الظهر والعصر، إلى غروب الشمس، ويمتد في المغرب والعشاء، إلى طلوع الفجر، وللعصر ضروري آخر في حق المسافر وبعض أصحاب الأعذار، أوله الزوال بعد أداء الظهر، وللعشاء مثل ذلك أيضا من الغروب بعد أداء المغرب، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
فإذا طلعت الشمس فقد خرج وقت الصبح كله، وكانت قضاء، وكذلك إذا غربت بالنسبة للظهرين، وكذلك طلوع الفجر بالنسبة للعشاءين، وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم.
قوله: ويكره الكلام لا لشغل من بعدها، يعني به أن الكلام بعد صلاة العشاء مكروه، إذا لم يكن لمصلحة متأكدة، وقد جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها -أنها كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة، فتقول: ألا تريحون الكتاب؟
(1)
ووجه ذلك كما قيل أن الصلاة قد كفرت خطايا المصلي لينام على سلامة، فلا ينبغي أن يتعقب ذلك ويختم صحيفة يومه باللغو، مع ما في ذلك من كونه سببا للاستغراق في النوم، وعسر الانتباه منه، ونقل عن بعض السلف أنهم كانوا يرونه أشد من النوم قبلها، الذي أشار إلى النهي عنه بقوله: كنومه من قبل، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -وسمع ابن القاسم كراهة النوم قبلها، قيل: فبعد الصبح؟ قال: ما أعلمه حراما.
وجاء في كتاب عمر -رضي الله تعالى عنه -إلى عماله في ذكر وقت العشاء: فمن نام فلا نامت عينه، كررها ثلاثا، قال ابن ناجي -رحمه الله تعالى -: وظاهر كلام الشيخ -رحمه الله تعالى - أنه يكره ولو وكل من يوقظه، وحديث الوادي يدل على جوازه.
وانظر ذلك.
وجاء عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما -أنه كان ينام قبلها ويوكل من يوقظه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(2)
(1)
أخرجه الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.