الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم
288 -
وفي إمامة الصلاة الاولى
…
أكثرهم فقها بها وفضلا
289 -
ولا تؤم مرأة إسجالا
…
لا نسوة فقط ولا رجالا
290 -
لا واجبا ولا انتفالا، واقْرا
…
مع الامام حيث يتلو سرا
291 -
واستمعنْ إليه في مواضع
…
جهرٍ، والاقتراءَ إذ ذاك دع
292 -
وأدرك الجماعة الذي معا
…
الامام ركعةً ففوقُ ركعا
293 -
وقام من بعد السلام قاضيا
…
أقوالَه، وفي الفعال بانيا
أشار بالبيت الأول إلى أن أولى القوم بإمامتهم في الصلاة، أفضلهم وأفقههم، قال في التبصرة: إذا اجتمع جماعة للصلاة وتساوت حالهم، قدموا لأنفسهم من شاءوا منهم، وإن رجح أحدهم بحالة علم أو صلاح أو صيانة أو سن أو حسن هيئة، كان أحق بالإمامة ممن ساواه، وإن اختلفت حالاتهم، وكان لكل واحد منهم وجه يدلي به ولا يدلي به الآخر، فقيه وعابد وقارئ وذو سن، كان العالم أولاهم، ثم القارئ إذا كان مفردا إماما في ذلك، ثم الصالح ثم الأسن، وإن رجح رجلان بمعنى واحد، فإن رجحا بعلم فأعلمهما، وإن تقاربا في العلم فأصلحهما، وإن تقاربا في الصلاح فأسنهما، وعلى هذا يجري الجواب في مقرئين وصالحين.
وأربعة الإمامة إليهم: الأمير والأب والعم وصاحب المنزل، فإن اجتمع أب وابن كانت الإمامة إلى الأب، وكذلك العم وابن الأخ، الإمامة إلى العم، وقال مالك في المستخرجة: وإن كان العم أصغر، فهو أحق بالإمامة، إلا بإذن الأب أو العم، فيجوز أن يؤمهما، قال سحنون: وذلك إذا كان العم في الفضل مثل ابن الأخ.
وعلى هذا يكون الابن أولى من الأب إذا كان عالما أو صالحا، والأب ليس كذلك.
وصاحب المنزل أحق بالصلاة وإن حضر من هو أفضل منه من فقيه أو صالح أو ذي سن، إلا أن يأذن، ويستحب له أن يقدم غيره ممن ذكرنا.
وقال مالك في كتاب ابن حبيب: صاحب الدار أولى بالإمامة وإن كان عبدا.
قال اللخمي - رحمه الله تعالى -: وإن كان منزلا لامرأة كان الاستخلاف إليها، ويستحب لها أن تستخلف أحقهم بالإمامة لو لم يكن منزلها، والأصل في هذه الجملة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاما، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " أخرجه مسلم في صحيحه وفي رواية أخرى " أكبرهم سنا " فقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأهم لأنه كان أفقههم، وإنما كان فقههم من كتاب الله سبحانه وتعالى، وقدم المتفقه في كتاب الله سبحانه وتعالى على المتفقه في السنة لأن القرآن أصل علم الله سبحانه تعالى في أرضه على هذه الأمة.
وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه " فإذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما " أخرجه البخاري ومسلم.
وفي النسائي قال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -: " إذا زار أحدكم قوما فلا يصلين بهم ".
وقال في التاج: ابن رشد: الفقيه، فالمحدث، فالقارئ الماهر، فالعابد، فذو السن، وإنما كان الفقيه أولى وإن كان المحدث أفضل منه، لأن الفقيه أعلم بأحكام الصلاة، وإنما كان المحدث أولى من القارئ، وإن كان القارئ أفضل من المحدث لأنه أعلم بسنن الصلاة، وإنما كان القارئ الماهر - إذا كان له الحال الحسنة - أولى من العابد، لأن القراءة مظنة للصلاة، والعابد أولى من المسن لكثرة قرباته، والمسن أولى ممن دونه في السن لأن أعماله تزيد بزيادة السن، فلو كان الأحدث سنا أقدم إسلاما لكان أولى بالإمامة، إذ لا فضيلة في مجرد السن، ابن شعبان: ثم أصبحهم وجها، وأحسنهم خلقا، ابن بشير: يفتقر الإمام إلى صفتين بعد تحصيل البراءة عن النقص المانع الإجزاء، أو النقص المانع الكمال، والصفتان العلم والورع، فإن شورك فيهما نظر إلى غير ذلك من الفضائل الشرعية، والخلقية، والمكانية، فالشرعية كالشرف في النسب والسن، والخلقية ككمال الصورة، ويلحق به حسن اللباس، والمكانية كمالك رقبة الدار أو منافعها، وقال ابن رشد في التقديم في الجنائز: يقدم الأعلم على الأفضل، لأن العلم مزية يقطع عليها، وقال أيضا: تقديم الحسن الصوت على كثير الفقه محذور، وعلى مساويه غير مكروه، وقال عياض: من صفات الإمام المستحبة حسن الصوت.
وإيقاع الصلاة في الجماعة سنة مؤكدة عند أكثر الشيوخ، ونقل ابن محرز عن بعض أصحابنا أنه فرض كفاية، وقيل هي مندوب إليها مؤكدة الفضل، قاله القاضي في التلقين، وابن العربي في العارضة، وقال ابن رشد: مستحبة للرجل في خاصته، فرض في الجملة، سنة بكل مسجد، نقله ابن ناجي.
وأشار بقوله: ولا تؤم مرأة إسجالا، إلى قوله: ولا انتفالا، إلى عدم صحة إمامة المرأة مطلقا، في المشهور من المذهب، سواء كانت للنساء أو للرجال أو للمجموع، سواء كان ذلك في الفرض أو النافلة، ووجه ذلك ما تقرر من خطابها بخلاف ما يطلب من الأئمة، من الظهور، والتقدم، ورفع الصوت، ولما في الإمامة من معنى الولاية، وقد علم أنها ليست من أهل الولاية، ولعمل السلف، فلو كان ذلك جائزا عندهم لكان أمرا مستفيضا، لما علم من حرصهم على الخير، فكيف تفرط نساؤهم في بيوتهن في مضاعفة الصلاة خمسا وعشرين مرة، وكيف يقرونهن على ذلك، فتركهم لسبب هذا الخير العظيم قرينة بينة أنهم لا يرون مشروعيته، ومثل المرأة في ذلك الصبي، والمجنون، والمعتوه، والكافر، واختلف في الفاسق، والمعول النهي عن الصلاة خلفه، إلا أن يكون خليفة أو نحو ذلك، وأن لا إعادة على المؤتم به، إذا كان لا يتهم على الإخلال بما لا بد منه في صحة الصلاة، وهذا في الفاسق فسق الجوارح، وأما الحروري والقدري ونحوهما فقال مالك: إذا أيقنت أن الإمام قدري أو حروري أو غيره من أهل الأهواء فلا تصل خلفهم، ولا الجمعة، فإن اتقيته وخفته فصلها معه، وأعدها ظهرا، ووقف في إعادة من صلى خلف مبتدع، وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت، ابن يونس: انظر قوله: أعدها ظهرا، مع وقفه في إعادة من صلى خلف مبتدع، والفرق بين ذلك أن الذي صلى تقاة صلى على أن يعيد، ومن صلى على أن يعيد لا تجزئه الأولى، وأما الذي وقف فيه مالك فقد قصد الائتمام به، على أن هذا فرضه ولا يعيد، فالصواب أن تجزئه، نقله في التاج.
واختلف كذلك في اللاحن، والمعول كراهة الصلاة خلفه، وعدم وجوب الإعادة.
قوله: واقر مع الإمام حيث يتلو سرا، أشار به إلى أن المأموم يؤمر أن يقرأ مع الإمام في ما يسر فيه، ندبا على المشهور، وقيل استنانا، واختار ابن العربي وجوب قراءة الفاتحة، وقال ابن وهب وأصبغ لا يؤمر بالقراءة أصلا، قوله: واستمعن إليه البيت، يعني به أنه يؤمر بالإنصات إليه، وترك القراءة في مواضع الجهر، وإن لم يسمع قراءته، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قرأ خلفه بعضهم:" فإني أقول: ما لي أنازع القرآن "
(1)
فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والأمر بالإنصات في ذلك للاستنان على المشهور من المذهب، وقيل للوجوب، وقيل يقرأ الفاتحة بعد أن يتمها الإمام، ويؤمر الإمام بالسكوت عند ختم الفاتحة.
قوله: وأدرك الجماعة البيت، يعني به أن من أدرك مع الإمام ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فضلا وحكما، فلا يعيد في جماعة، ويسجد لسهو الإمام ويصح استخلافه، وذلك لحديث الصحيح " من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة
(2)
" والركوع: أن يحني ظهره بحيث تقرب يداه من ركبتيه، وقيل مع تمكينهما منهما.
قوله: وقام من بعد السلام البيت، أشار به إلى أن المأموم المسبوق إذا سلم إمامه يقوم لإتمام الصلاة بانيا في الأفعال، قاضيا في الأقوال، فيكون ما يأتي به أول صلاته بالنسبة للأقوال، فيجهر بالقراءة، ويقرأ السورة بعد الفاتحة، لكن يجمع بين التحميد والتسميع، وأما الأفعال فيكون ما يأتي به منها بعد السلام آخر صلاته، قال ابن يونس: وكذلك فعل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -وهو الأمر عندنا، قال مالك: ما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته، يريد في القيام والجلوس، قال مالك: إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، يريد من القراءة، وقاله ابن عمر وابن مسعود ومجاهد.
(1)
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال مالك -رحمه الله تعالى -: ومن أدرك ركعة من المغرب صارت صلاته كلها جلوسا، قال ابن المسيب -رحمه الله تعالى -: وكذا من فاتته منها ركعة.
والوجه في ذلك عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
والجمع بين الأمر بالإتمام،
(1)
والأمر بالقضاء، وقيل يكون قاضيا فيهما، وقيل يكون بانيا فيهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.
294 -
ومن بالانفراد صلى نُدِبا
…
بجمْعٍ أن يعيد إلا المغربا
295 -
ومثله مدرك دون ركعة
…
ولم يجز لمدرك الجماعة
296 -
وإن تكن مع إمام وحدكا
…
فقف على يمينه هنالكا
297 -
وحيث ما يكون معْه رجلانْ
…
فمن ورائه هناك يقفانْ
298 -
ومرأة تقف خلف الكل
…
وكالرجال ولد ذو عقل
299 -
وكالجماعة الامام الراتب
…
إذا يصلي وحده يحتسب
300 -
والجمع بالمسجد قبل أو ورا
…
راتبه كرهٌ، وقيل حُظِرا
قوله: ومن بالانفراد البيت، أشار به إلى أن من صلى صلاة فذا يستحب له أن يعيدها في جماعة، لتحصيل فضل الجماعة، وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -قال لأبي ذر:" كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها " فقال أبو ذر -رضي الله تعالى عنه -: فما تأمرني؟
(1)
كحديث الشيخين عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ " فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " وهو عند النسائي والإمام أحمد بلفظ " وما فاتكم فاقضوا " وفي رواية لمسلم " " صل ما أدركت، واقض ما سبقك " وهي عند الإمام أحمد أيضا بإسناد على شرط الشيخين.
قال: " صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة
(1)
" ولا يعيد مع الواحد على المعروف من المذهب، وأما من صلى في جماعة ولو مع واحد، فلا يعيد في جماعة، إلا أن يكون ذلك بأحد المساجد الثلاثة، قال في النوادر: ومن مختصر الواضحة قال عبد الملك: ومن صلى في بيته، أو غير بيته، مع رجل فصاعدا، ثم أتى المسجد هو والذي صلى معه، فأقيمت الصلاة، فليخرج ولا يصلها معهم، وكذلك من صلى في جماعة، في مسجد أو غير مسجد، لم يعدها في جماعة، إلا أن تكون التي صلى في جماعة بمكة أو المدينة أو بإيليا، ثم دخل المسجد الحرام، أو مسجد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أو بيت المقدس فوجدهم في الصلاة، أو أقيمت عليه تلك الصلاة، فإنه يؤمر أن يصلي معهم، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها، واستحب مالك - رحمه الله تعالى - لمن صلى في جماعة في غير هذه المساجد، ثم دخل هذه المساجد وهم في الصلاة أن يصليها معهم، وكذلك قال مالك - رحمه الله تعالى - في من أتى مسجدا فوجد أهله قد فرغوا من الصلاة، فطمع أن يدركها في مسجد آخر، أو في جماعة يجمعها معهم، فلا بأس أن يخرج إن أحب، ويذهب إلى حيث يرجو إدراك الصلاة فيه مع الجماعة، إلا أن يكون ذلك في أحد المساجد الثلاثة المفضلة، فلا يخرج عنها، وليصل وحده، فإن صلاته فيها فذا خير من الجماعة في غيرها، نقله في المواهب.
(1)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.
واختلف في من صلى بصبي أو امرأة، ثالثها المشهور إعادة المصلي بالصبي دون المرأة، وتستثنى من ندب الإعادة المغرب، لأنها تصير بذلك شفعا، وكذلك العشاء إذا أوتر بعدها، لما سبق، وقال المغيرة بإعادتهما، ومنهم من لم ير إعادة الصبح والعصر أيضا والمشهور الأول، قال سيدي كنون: في سماع محمد بن خالد من كتاب الصلاة، قال محمد: سألت ابن القاسم عمن صلى العصر في بيته، ثم أتى المسجد فوجد القوم لم يصلوا، هل يتنفل؟
قال: إن أحب أن ينتظر الصلاة فلا يتنفل، وإن أحب أن ينصرف فلينصرف، ابن رشد: وهذا كما قال للنهي عن التنفل حينئذ، وإنما يعيد العصر في جماعة بنية الفريضة، ولا يدري أيتهما صلاته، ومن جعل الثانية نافلة، لا يجيز له إعادة العصر والصبح في جماعة، إذ لا نافلة بعدهما.
واختلف في ما ينوي بالصلاة الثانية، على أربعة أقوال ذكرها ابن الحاجب وقد أشار بعضهم إليها في قوله:
في نية العود للمفروض أقوال
…
فرض ونفل وتفويض وإكمال
وذيله بعضهم بقوله:
فإن يفوض يعد ما منهما بطلت
…
والفرض الاخرى، وغيرا غيرها قالوا
ميارة انظره، والتفويض أشهرها
…
وقال: في كل ذي الأقوال إشكال
قال في التوضيح: ابن الفاكهاني: والمشهور التفويض، وحكى ابن بشير وابن شاس الأربعة، ولم يحك الباجي والمازري إلا روايتين النفل والتفويض، والقول بالفريضة ابن راشد: لم أره معزوا، وصحح ابن عبد البر وابن العربي وغيرهما النفل، لأن الذمة قد برئت بالصلاة الأولى، واستشكل القول بالإكمال، لأنه إن وقع الخلل في أركان الأولى تعين عليه أن ينوي الفرض، وإن وقع على الكمال كانت الثانية نفلا، ولا معنى للتكملة، ابن راشد: ولم أره في غير الأصل من الأمهات، وقال ابن عبد السلام: فهم المصنف القول بالإكمال رابعا، وظاهر كلام قائله أنه تفسير للقول بالنفل وهو الأقرب، وإلا فالأمر بالنفل المجرد من غير تكميل للفرض السابق به لا معنى له.
واستشكلت الفريضة أيضا لأنها مبنية على الرفض، والذمة قد برئت فعمارتها ثانيا تفتقر إلى دليل، واستشكل التفويض أيضا، بأن النية شأنها التمييز، والتفويض ضد ذلك، وقول عمر -رضي الله تعالى عنه -لما سئل عن ذلك: أوذلك إليك؟!
إنما ذلك إلى الله سبحانه وتعالى يجعل أيتهما شاء راجع إلى القبول، وبذلك فسره ابن الماجشون، وهو أمر آخر وراء النية.
ووجه القول بنية النفل أن الذمة قد برئت، لكن لا يراد بالنفل مطلق النفل، إذ تحصيل الجماعة فيه لا يقتضي حصولها في الفرض، كما قال ابن عبد السلام - رحمه الله تعالى - وهو بين، فالمراد إيقاعها لا على وجه الوجوب، وكأن وجه القول بنية الوجوب أن الوجوب مأخوذ في حقيقة الظهر مثلا، فمن نوى الندب فقد نوى غير الظهر مثلا، والتفويض - في ما قال ابن فرحون -: أن ينوي بالثانية الفرض، ويفوض إلى ـ الله سبحانه وتعالى في القبول، قال وقد وقع لمالك - رحمه الله تعالى - في المبسوط ما يشير إلى هذا، نقله في المواهب.
وعلى هذا فالفرق بينه وبين نية الفرض الجزم بأن الثانية هي فرضه في نية الفرض، وهو متضمن لرفض الأولى، وأما التفويض فباعتقاد إرادة الخروج من الخطاب بجملة الصلاتين، قال ابن رشد: كالمتوضئ يغسل وجهه مرتين أو ثلاثا فإن ذكر أنه لم يعم في بعضها أجزأه ما عم به منهما.
قوله: ومثله مدرك دون ركعة، يعني به أن من أدرك مع الإمام أقل من ركعة يؤمر بالإعادة أيضا، لأنه لم يدرك الجماعة كما تقدم، فهو كالفذ سواء.
قوله: ولم يجز لمدرك الجماعة، يعني به أن من أدرك مع الإمام ركعة ففوق، لا يجوز له أن يعيد في جماعة، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" لا تصلوا صلاة في يوم مرتين "
(1)
(1)
رواه أبو داود والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.
قوله: وإن تكن مع إمام، إلى قوله: خلف الكل، يعني به أن من صلى مع إمام وحده، يندب أن يقف عن يمينه، لحديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما -أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أداره من جهة يساره إلى جهة يمينه،
(1)
وإذا كان معه اثنان ندب أن يقفا خلفه، ويقف الخنثى خلف الرجال، والأنثى خلف الخنثى.
قوله: وكالرجال ولد ذو عقل، يعني به أن الصبي الذي عقل القرب له حكم البالغ فيقف على يمين الإمام إذا كان وحده، وخلفه إذا كان معه آخر، لحديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما ـ.
قوله: وكالجماعة البيت، يعني به أن الإمام الراتب ولو في بعض الصلوات إذا أذن وأقام وصلى في وقته المعتاد فهو كالجماعة فضلا وحكما، فلا يعيد في جماعة أخرى، لأنه لم يقصر في شيء مما أمر في ذلك الوجه، ولأنه مأمور بعمارة المسجد فكان له أجر من صلى في جماعة، ولا يصلى بعده في مسجده تلك الصلاة، سدا للذريعة، ويعيد معه من أراد الفضل، قال بعض الشيوخ: ويجمع ليلة المطر، نقله في المواهب.
(1)
متفق عليه.
قوله: والجمع بالمسجد البيت، معناه ظاهر، والسر - والله سبحانه وتعالى أعلم - أن ترتبه في معنى الولاية، قال في التاج: من المدونة: قال مالك - رحمه الله تعالى -: لا يجمع الصلاة في مسجد مرتين، إلا أن يكون مسجدا ليس له إمام راتب، فلكل من جاء أن يجمع فيه، ابن يونس إنما لم يجمع في مسجد مرتين لما يدخل في ذلك بين الأئمة من الشحناء، وليلا يتطرق أهل البدع، فيجعلون من يؤم بهم، إلى أن قال: ولابن العربي عند قوله سبحانه وتعالى: (وتفريقا بين المؤمنين) قال: يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد، فأرادوا أن يفرقوا شملهم في الطاعة، وهذا يدلك على أن المقصود الأكبر، والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف الكلمة على الطاعة، وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة حتى يقع الأنس بالمخاطبة، وتصفى القلوب من وضر الأحقاد والحسادة، ولهذا المعنى تفطن مالك - رحمه الله تعالى - في أنه لا تعاد جماعة بعد الراتب، خلافا لسائر العلماء، حتى كان ذلك تشتيتا للكلمة، وإبطالا لهذه الحكمة، فيقع الخلاف ويبطل النظام، وخفي ذلك عليهم، وهكذا شأنه معهم، وهو أثبت قدما منهم في الحكمة، وأعلم بمقاطع الشريعة.
301 -
ومن يكن صلى ولو منفردا
…
فلا يؤم بعد ذاك أحدا
302 -
ويسجد المأموم للنسيان مع
…
الاِمام لو ذا السهو لم يقع
303 -
لا ترفعنْ رأسَك من قبل الامام
…
فرفع رأس قبله فعل حرام
304 -
وأخر الشروع في الأفعال
…
حتى يتمها على الإسجال
305 -
واشترطوا تأخر الإحرام
…
لصحة الصلاة كالسلام
306 -
وغير ذاك حيث فيه قارنا
…
صح، وإن أخر كان أحسنا
307 -
والمقتدي إذا سهى عنَ اَمر
…
لم يفترض لم يطلبنْ بالجبر
308 -
وانصرف الإمام إن يسلم
…
إلا بموضع له فليُقِم
قوله: ومن يكن صلى البيت، يعني به أن من صلى صلاة - سواء صلاها وحده أو في جماعة إماما أو مأموما - لم يجز أن يؤم غيره فيها، قال في التاج: من المدونة: قال مالك - رحمه الله تعالى -: لا يؤم معيد، فإن فعل أعاد من ائتم به، إذ لا يدري أيتهما صلاته إنما ذلك إلى الله سبحانه وتعالى ابن حبيب: ولا يعيد الإمام، ابن عرفة: وظاهرها أن للمؤتمين بالمعيد أن يعيدوا جماعة، وقال ابن حبيب: بل أفذاذا، ابن يونس: إذ قد تكون هذه صلاته فصحت لهم جماعة، فلا يعيدونها في جماعة، ووجبت عليهم الإعادة خوفا أن تكون الأولى صلاته، وهذه نافلة فاحتاط للوجهين.
قوله: ويسجد المأموم البيت، يعني به أن الإمام إذا سهى وأمر بالسجود لسهوه، كان المأموم مأمورا كذلك بالسجود، فإن كان مسبوقا سجد القبلي معه على المشهور، وثالثها يخير، وأخر البعدي حتى يتم صلاته، وهذا كله إذا أدرك معه ركعة، فإن لم يدرك معه ركعة فلا سجود عليه لسهو الإمام، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: ولو سجد المسبوق البعدي مع الإمام سهوا، أعاده بعد سلامه، وجهلا أو عمدا سمع عيسى ابن القاسم صلاته صحيحة، ويسجد بعد سلامه، وقال عيسى تبطل، ويؤيد الأول قول سفيان فيها: يسجد البعدي معه، قال الشيوخ: عادة سحنون أن لا يدخل شيئا من الآثار فيها، ولا من أقاويل السلف إلا إذا جرى على قواعد المذهب، فكأنه استشهاد، ثم قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: لو سجد معه القبلي ثم سهى في القضاء قال ابن رشد: يسجد لسهوه في قضائه اتفاقا كفذ، وقال اللخمي: الشيخ: في نيابة سجوده معه عن سهو قضائه قولان، لابن الماجشون وأشهب مع ابن القاسم، ولو كان سجود إمامه بعديا، وسهوه في قضائه قبليا، ففيها: يسجد قبل السلام، ابن حبيب: بعده.
قوله: لا ترفعن رأسك من قبل الإمام البيت، يعني به أن المؤتم ينهى عن رفع رأسه قبل الإمام، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" إنما جعل الإمام ليؤتم به " الحديث
(1)
ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله سبحانه وتعالى وجهه وجه حمار، أو يجعل صورته صورة حمار
(2)
" فسبق الإمام في الأفعال ممنوع، ويؤمر بالرجوع إليه وجوبا إن لم يأخذ فرضه معه اتفاقا، وإن أخذ فرضه معه فإن علم أنه يدركه أو شك في ذلك رجع إليه، وإلا فلا يرجع إليه على المشهور، والمطلوب أن لا يشرع في الركن حتى يفعله الإمام، كما أشار إليه بقوله: وأخر الشروع البيت، وقيل الأولى أن يساوقه بأن يشرع بعد شروعه قبل إتمامه، ويتم بعده، والقولان لمالك - رحمه الله تعالى - وأما مساواته فمكروهة، وأما الأقوال فالإحرام والسلام يشترط تأخره فيهما عن الإمام بدءا وختما، كما هو قوله: واشترطوا تأخر البيت، وأما ما سواهما فيؤمر بتأخره عنه فيه، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر
(3)
" لكن لا يبطل سبقه فيه، ولا مساواته، كما هو قوله: وغير ذاك حيث فيه قارنا البيت.
قوله: والمقتدي إذا سهى عن امر البيت، يعني به أن المؤتم إذا سهى وهو مع الإمام عما ليس بواجب مما يجبر سهوه بالسجود فلا سجود عليه إذا كان الإمام قد فعل ذلك الأمر.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه أبو داود والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، وأصل الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه عند مسلم " لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا ".
قوله: وانصرف الإمام إن يسلم البيت، يعني به أن الإمام إذا سلم يؤمر بالانصراف وعدم الإقامة في مكانه، قال في التاج: من المدونة قال مالك: لا يتنفل الإمام في موضعه، وليقم عنه، بخلاف الفذ والمأموم فلهما ذلك، قال: وإذا سلم إمام في مسجد الجماعة أو مسجد القبائل فليقم ولا يقعد في الصلوات كلها، إلا أن يكون إماما في سفر، أو في فنائه، فإن شاء تنحى أو أقام.
وعد ابن رشد -رحمه الله تعالى -في المقدمات ذلك من مستحبات الصلاة.
وقد جاء عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه -أنه كان يقوم ساعة يسلم، وجاء عن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -أنه كان لا يمكث إلا قدر ما يقول:" اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "
(1)
(1)
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.
وذكر الكاندهلوي أن ذلك لم يكن في كل الأحيان، كما في أحاديث أخرى، وإن تغيير الهيئة كاف، وقال في المواهب نقلا عن الثعالبي في كلام له على حديث الرؤيا الطويل في العلوم الفاخرة ما نصه: قال ابن أبي جمرة: في هذا الحديث من الفقه جواز جلوس الإمام في مصلاه الذي صلى فيه إذا أدار وجهه إلى الجماعة، وأن هذا هو السنة، لا ما يراه بعض من ينتسب إلى التشديد في الدين من الأئمة حتى أنه يقوم من حين فراغه من صلاته، كأنما ضرب بشيء يؤلمه، يجعل ذلك من الدين، ويفوته بذلك خيران أحدهما استغفار الملئكة له ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، يقولون " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه "
(1)
الثاني مخالفته لسنة رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ التي هي نص الحديث، حيث قال: كان إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه،
(2)
ليس إلا، ولم يذكر القيام، ولو قام لأخبروا به، لأنهم رضي الله تعالى عنهم بأقل من هذا من فعله يخبرون، وعلى هذا أدركت بالأندلس كل من لقيت من الأئمة المقتدى بهم في غالب الأمر، يقبلون بوجوههم على الجماعة من غير قيام، قال الشيخ عبد الرحمن - يعني الثعالبي - وهذا الذي قاله هو الصواب الذي لا محيد عنه، وعليه أدركنا الأئمة في الجوامع المعظمة، وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، وهو نص جلي يوافق ما تقدم.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.