الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء
1477 -
الايصا لذي المال كذا إعداد
…
وصية يندب والإشهاد
1478 -
وبطلت وصية لوارث
…
كذا الوصية بفوق الثلث
1479 -
فإن أجاز الوارث الوصيه
…
لذاك أو بذا تكن عطيه
قوله: الايصا لذي المال البيت، معناه أنه يندب لمن له مال له بال أن يوصي، ويندب أن يعد وصيته، بأن يكتبها ويشهد عليها، وذلك لما في الصحيح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال:" ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة "
(1)
ولا فرق في ذلك بين الصحيح والمريض على المعول، وإن كان ذلك آكد في حق المريض، وقد قال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: ما مرت ليلة منذ سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلا وعندي وصيتي
(2)
ولا تكفي الكتابة دون إشهاد، إذ لا يعتد به، لاحتمال أن يكون كتب ذلك من غير عزم، وتصح وصية السفيه والغلام المميز، لأن الحجر عليه في ماله إنما هو من خشية الفقر، والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت، وتصح وصية المجنون حال إفاقته.
قوله: لذي المال، يعني المال الذي له بال، ورويعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: لا وصية في ثمانمائة درهم، وعن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: ألف درهم فما دونها نفقة، وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت في امرأة لها ثلاثة آلاف درهم وأربعة من الأولاد: لا وصية في مالها، وذلك لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "
(3)
واختلف أهل العلم في القدر الذي تستحب الوصية به، فذهب جماعة إلى استحباب النقص عن الثلث لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" والثلث كثير "
(4)
وجاء عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه أوصى بربع ماله، وجاء عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أنه أوصى بخمس ماله، ومنهم من استحب الإيصاء بالثلث، ولو قيل إنه ينظر إلى حال وارثه فإن كان خيرا دينا وسع عليه، وإن كان فاسقا ضيق عليه، وهكذا لم يكن بعيدا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
(2)
رواه مسلم والنسائي.
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه.
قوله: وبطلت وصية لوارث البيت، معناه أنه لا وصية لوارث، وآية الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية المواريث، ولا وصية في ما زاد على الثلث، سواء كان له وارث أو لا،
وذلك لحديث سعد - رضي الله تعالى عنه - وذلك ما لم يجز الورثة ذلك في الموضعين، واختلف إذا أجازوا ذلك هل يكون عطية منهم، فيتوقف على الحوز قبل أن يقوم بهم مانع، أو تنفيذا لفعل الميت، قال ابن شاس - رحمه الله تعالى -: هو الذي نقله القضاة الثلاثة عن المذهب أبو الحسن وأبو محمد وأبو الوليد.
والأول مقتضى قول ابن القاسم في المدونة: إذا أوصى الأب بأكثر من ثلثه فأجازه الابن وعليه دين كان للغرماء أن يردوا ذلك، وإلى هذا أشار بقوله: فإن أجاز الوارث البيت، ولا تعتبر إجازة غير المتأهل للتبرع.
1480 -
وقدمنْ على وصايا المال
…
عتقَ معين على الإسجال
1481 -
ومن يكن بصحة قد دُبرا
…
مقدم على ما بالسُّقم جرى
1482 -
من عتق أو سواه أو من تزكيه
…
أوصى بها لسنوات ماضيه
1483 -
وهذه الزكاة ذات سبْقِ
…
على مدبر بِداً والعتق
1484 -
وقسم الثلث حيث نقصا
…
عن الوفاء بالوصايا حصصا
1485 -
إن تتساو رتبة كالعول
…
ليتساوى نقص حظ الكل
1486 -
وللذي أوصى بغير مفترض
…
رجوعه عنه ولو حال المرض
قوله: وقدمن على وصايا المال البيت، أشار به إلى أن عتق المعين مقدم من الثلث على وصايا المال، ويقدم المبتل على الموصى به.
قوله: ومن يكن بصحة الأبيات الخمسة، أشار به إلى ترتيب الأشياء التي تخرج من الثلث إذا ضاق عن جميعها، والمعنى أنه إذا ضاق ثلث المال عن الوصايا ولم يوص الميت بتقديم بعضها على بعض قدم الآكد فالآكد، ويقضى بالحصاص في التساوي، كما يقضى به في النوع الواحد إذا تعدد وكان في لفظ واحد، كتدبير اثنين في فور واحد، فإن كان على الترتيب قدم الأول فالأول، وإن أوصى بتقديم بعض على بعض قدم ما أوصى بتقديمه، وإن كان غيره آكد منه مما له أن يرجع عنه، فيقدم المدبر الذي دبره وهو صحيح على ما حصل منه في مرضه من عتق أو تدبير أو غيره، إذ ليس له أن يرجع عنه، واختلف في صداق المنكوحة في المرض، فقيل يقدم على مدبر الصحة، وهو ظاهر ما سبق في النكاح، وذلك لأنه في مقابلة حق، وقيل يقدم عليه مدبر الصحة وهو المشهور، قال في الجواهر: لأنه ليس له أن يرجع عن تدبيره، فكذلك ليس له أن يدخل عليه ما يبدأ عليه.
وقيل يتحاصان، ويلي ذلك ما أوصى بإخراجه من زكاة سابقة فرط فيها، وأما زكاة عامه إذا اعترف بحلولها وأنه لم يؤدها فإنها تؤخذ من رأس المال، وذلك هو المراد بقوله: وهذه الزكاة ذات سبق البيت.
وقوله: بدا هو بكسر الباء وتنوين الدال، الباء فيه حرف جر بمعنى الظرف، ودا - بالتنوين -: مقصور داء وهو المرض، والمعنى أن الزكاة التي فرط فيها وأوصى بإخراجها مقدمة على مدبر المرض ومعتقه، وتقدم عليهما الكفارات، ويقدم مبتل العتق على الموصى بعتقه، ومدبر المرض ومعتقه في رتبة واحدة.
قوله: وللذي أوصى بغير مفترض البيت، معناه أن رجوع الموصي عن وصيته جائز بالقول والفعل، سواء كانت في صحة أو مرض، كان رجوعه في صحة أو مرض، وقد حكوا في ذلك الإجماع.
وقوله: بغير مفترض، أشار به إلى أنه لا يجوز الرجوع عما أوصى به من الأمور الواجبة كالزكوات والكفارات وهو ظاهر، واختلف إذا التزم الموصي أن لا يرجع عن وصيته فمنهم من قال ليس له الرجوع حينئذ كالتدبير، ومنهم من جوز رجوعه مع ذلك أيضا والله سبحانه
وتعالى أعلم.
1487 -
ومن يُنط بموته تحريرا
…
رقيقه دبره تدبيرا
1488 -
إن يك ذلك على اللزوم لا
…
بمعنى الايصاء به قد حصلا
1489 -
كقوله مدبر أو عن دبُر
…
مني عتيق اَو بموتي أنت حُرْ
1490 -
وما له إخراجه مدبَره
…
عن ملكه إلا بأن يحرره
1491 -
لكن له خدمته كما له
…
كذاك أن ينزع منه ماله
1492 -
إلا إذا مرض والتسري
…
بذات تدبير خلا عن حظر
قوله: ومن ينط بموته الأبيات الثلاثة، معناه أن التدبير هو العتق المؤجل بالموت، فخرج الموصى بعتقه، والتدبير عقد لازم ليس له أن يرجع عنه، بخلاف الوصية فله أن يرجع عنها، كانت بعتق أو غيره كما تقدم، ومثال التدبير أن يقول: هو حر بعد موتي لا يغير عن حاله، أو أنت مدبر، أو حر عن دبر مني، واختلف في اللفظ المحتمل إذا تجرد عن القرائن، كقوله: حر بعد موتي، فحمله ابن القاسم - رحمه الله تعالى - على الوصية حتى يعلم أنه أراد التدبير، وحمله أشهب - رحمه الله تعالى - على التدبير حتى يعلم أنه أراد الوصية، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ولكلا القولين وجه من النظر، قال: ولو قال إن فعلت كذا وكذا فعبدي حر بعد موتي ففعله لكان مدبرا لا رجوع فيه على قولهما جميعا، لوجوب العتق عليه بعد الموت بالحنث، وذلك منصوص عليه لابن القاسم في المدونة وغيرها، فإذا دبر الرجل عبده تدبيرا مطلقا فقد لزمه ووجب عليه، وليس له أن يرجع عنه بقول ولا فعل على مذهب مالك - رحمه الله تعالى - وجميع أصحابه.
قوله: وما له إخراجه البيت، معناه أنه لا يجوز لسيد المدبر أن يخرجه عن ملكه إلا بالتحرير، فليس له أن يبيعه، ولا أن يهبه، ولا أن يتصدق به، قال مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ: الأمر المجتمع عليه عندنا في المدبر أن صاحبه لا يبيعه، ولا يحوله من موضعه الذي وضعه فيه، وأنه إن رهِق سيدَه دينٌ فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه ما عاش سيده، فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه، لأنه استثنى عمله ما عاش، فليس له أن يخدمه حياته ثم يعتقه على ورثته إذا مات من رأس ماله، وإن مات سيد المدبر ولا مال له غيره عتق ثلثه، وكان ثلثاه لورثته، فإن مات سيد المدبر وعليه دين محيط بالمدبر بيع في دينه، لأنه إنما يعتق في الثلث، قال: فإن كان الدين لا يحيط إلا بنصف العبد، بيع نصفه للدين، ثم عتق ثلث ما بقي بعد الدين، وقال: لا يجوز بيع المدبر، ولا يجوز لأحد أن يشتريه إلا أن يشتري المدبر نفسه من سيده، فيكون ذلك جائزا له، أو يعطي أحد سيد المدبر مالا ويعتقه سيده الذي دبره فذلك يجوز له أيضا، قال: وولاؤه لسيده الذي دبره.
قوله: لكن له خدمته إلى قوله: إلا إذا مرض، معناه أن لسيد المدبر خدمته طول حياته، وله أن ينتزع منه ماله ما لم يمرض مرضا مخوفا، لأنه رقيق، فإن مرض مرضا مخوفا منع من انتزاع ماله منه، لأنه ينتزعه للوارث، وقيل له أن ينتزعه منه مطلقا.
قوله: والتسري إلخ، معناه أنه يجوز لسيد المدبرة أن يتسرى بها، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لأن ذلك لا ينقص تدبيرها، بل يؤكده لأنها قد تحمل فتكون أم ولد، وهو أقوى من التدبير.
وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن نافع أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - دبر جاريتين له، وكان يطؤهما وهما مدبرتان.
1493 -
بعكس من أعتقها لأجل
…
فليس فيها الوطء بالمحلل
1494 -
وبيعها ونحوه حرام
…
أيضا ولكن له الاستخدام
1495 -
وهكذا انتزاعه للمال حل
…
أيضا هنا إلا إذا دنا الأجل
1496 -
وحيث مات السيد المدبِّر
…
فالعبد من ثلثه يحرر
1497 -
وأعتقوا من رأس مال اَولا
…
ذاك الذي إعتاقه قدُ اُجلا
1498 -
أما المكاتب فعبد ما بقي
…
عليه شيء لو مناب دانق
قوله: بعكس من أعتقها لأجل الأبيات الثلاثة، معناه أن المعتقة لأجل لا يجوز لسيدها التسري بها، ولو كان قد اشترط ذلك عند عتقها، فشرطه باطل، والعتق لازم، وذلك لأن شرط استباحة الفروج اعتقاد التأبيد، ولذلك حرم نكاح المتعة، ولا يجوز لمن أعتق رقيقه لأجل أن يخرجه عن ملكه، ذكرا كان أو أنثى إلا بنحو ما سبق في المدبر، وله استخدامه وانتزاع ماله، ما لم يقرب الأجل، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وفي المدونة: ليست السنة بقريب، بل الشهر والشهران ونحو ذلك.
قوله: وحيث مات السيد البيت، أشار به إلى ما تقدم في كلام مالك - رحمه الله تعالى - في العمل في المدبر من قوله: فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه إلخ ما سبق.
قوله: وأعتقوا من رأس مال البيتين، معناه أن المعتق لأجل حر من رأس المال، وأن المكاتب عبد حتى يؤدي جميع ما وقعت عليه الكتابة، وفي الحديث " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم "
(1)
.
1499 -
وجوزوا كتابة العبد بما
…
تراضيا من ماله منجما
1500 -
ومعه يدخل في كتابته
…
ما بعدها ولده منَ اَمته
1501 -
وحيث يعجز عن الأدا رجع
…
لما عليه كان قبل أن تقع
1502 -
وحل للسيد ما من قبلُ نال
…
إذ مال من تملكه لك حلال
1503 -
والعجز يحتاج لحكم القاضي
…
حيث يكون العبد غير راض
1504 -
وليك حكمه به من بعد
…
تلوم قطعا لعذر العبد
1505 -
وللجنين ما على الأم جرى
…
من عتق أو شائبة العتق سرى
1506 -
وأجر أيضا حكم أم الولد
…
على الذي تلد بعد السيد
1507 -
والعبد مالك إلى أن ينتزِع
…
سيده منه على الذي اتبع
1508 -
وما له في الانتزاع حق
…
بعد الكتاب وكذاك العتق
(1)
رواه أبو داود، وهو حديث حسن.
1509 -
إلا إذا كان له قدَ اَبقى
…
فهْو له كتابة وعتقا
قوله: وجوزوا كتابة العبد البيت، معناه أن الكتابة جائزة أو مندوبة، لا واجبة، على ما يتراضى عليه السيد وعبده من المال منجما، قلت النجوم أو كثرت.
قوله: ومعه يدخل البيت، معناه أن ما حدث للمكاتب من ولد من أمته بعد الكتابة داخل معه في الكتابة، يحر بأدائه ويرق بعجزه.
قوله: وحيث يعجز البيتين، معناه أن المكاتب إذا عجز عن أداء بعض المال رجع لما كان عليه قبل الكتابة من الرق الخالص أو التدبير ونحوه، ويحل لسيده ما أخذه من النجوم
قوله: والعجز يحتاج البيتين، معناه أنه لا بد من تعجيز القاضي له إذا امتنع من تعجيز السيد له، ويتلوم له القاضي بالاجتهاد قطعا لعذره، وإن اتفق هو والسيد على التعجيز لم يحتج لقاض، ولو كان له مال ظاهر، وقيل إذا كان له مال ظاهر فلا بد في تعجيزه من القاضي، وقيل لا بد فيه من القاضي مطلقا.
قوله: وللجنين البيت، معناه أن الأمة الحامل حملها تابع لها في العتق الناجز، والمؤجل، والكتابة، والتدبير، والرهن، والبيع، ونحوها، فإذا أعتقها سيدها فولدها عتيق، وإذا كاتبها فهو مكاتب، فإن أدت حر، وإذا دبرها كان مدبرا، وإذا رهنها فهو رهن معها، وإذا باعها فهو مبيع معها، قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: وظاهر كلام الشيخ سواء حملت به بعد العقد أو قبل العقد وهو كذلك، وسواء أكان من زوج أم زنى.
قوله: وأجر أيضا حكم أم الولد البيت، معناه أنما تلده أم الولد من غير سيدها بعد أن صارت أم ولد خاصة له حكمها، فيكون حرا بموت السيد من رأس المال، وأما ولدها من غيره قبل ذلك فقن، وأما ولدها من سيدها فله حكم أبيه.
قوله: والعبد مالك الأبيات الثلاثة، معناه أن العبد عندنا مالك حتى ينتزع منه سيده، ولذلك جاز له التسري بجواريه، فهي ملك يمينه، ولم تجب زكاة ماله على سيده، وإنما لم تجب عليه لاشتراط تمام الملك فيها، وليس للسيد إذا أعتق عبده أو كاتبه أن ينتزع منه ماله بعد العتق أو الكتابة، وله استثناؤه عند العتق أو الكتابة، وذلك هو المراد بالإبقاء في قوله: إلا إذا كان له قد ابقى.
1510 -
وما له أن يطأ المكاتبه
…
ولا تحده ولكن عاقبه
1511 -
وجوزوا كتابة الجماعه
…
يحمل كل منهمُ ما اسطاعه
1512 -
ويتوقف على أداء
…
ألمال كلا عتق هؤلاء
1513 -
وما لمن كاتبته أن يعتقا
…
أو يتزوجَ أوَ اَن يصَّدَّقا
1514 -
ونحو ذا ودون إذنك انحظر
…
خروجه لما نآ من السفر
قوله: وما له أن يطأ المكاتبه البيت، معناه أن المكاتبة ليس لسيدها وطؤها، ولو شرط ذلك في الكتابة فالشرط باطل، وذلك لما تقدم في المعتقة لأجل، وإن وطئها لم يحدا بحال للشبهة، ويعاقب إلا أن يفعل ذلك جاهلا حرمته، وإذا حملت خيرت بين الكتابة وأمومة الولد.
قوله: وجوزوا كتابة البيتين، معناه أنه يجوز للسيد أن يكاتب جماعة من رقيقه في عقد واحد، ويوزع المال عليهم حسب استطاعتهم وهم حملاء، سواء اشترط ذلك أو لا، فلا يتحرر منهم أحد حتى يؤدى ذلك المال كله، ولو ماتوا حتى لم يبق إلا واحد لم يوضع عنه شيء، وإذا أدى أحدهم رجع على من لا يعتق عليه بما نابه بحسب قدرته يوم الكتابة.
قوله: وما لمن كاتبته البيتين، معناه أنه ليس للمكاتب تفويت شيء من ماله، فليس له أن يهب، ولا أن يتصدق، ولا أن يعتق، ولا أن يتزوج، بخلاف عقود المعاوضات فلا يمنع منها، كالبيع، والشراء، والإجارة، والكراء، ونحوها، وليس له أن يسافر سفرا بعيدا إلا بإذن سيده، قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: قال الفاكهاني: وكأن الشيخ أراد بقوله: السفر البعيد الذي تحل فيه نجومه قبل قدومه كالمديان.
1515 -
وإن يمت مكاتب عن ولد
…
معْه تنزل مقام الوالد
1516 -
فإن يكن ترك مالا دفعا
…
منه الذي منها بقي أجمعا
1517 -
وحل ما كان مؤجلا وما
…
بقي عن ذلك إرثا قُسما
1518 -
ولكن الإرث هنا به استبد
…
من في الكتاب معه من الولد
1519 -
وحيث لم يترك وفاء أُمروا
…
بالسعي للوفا إذا ما كبروا
1520 -
ودفعوا المال منجما على
…
حسب ما العقد عليه حصلا
1521 -
أما إذا ما صغروا فإن يقل
…
ألمال عما قبل سعيهم يحل
1522 -
رُقُّوا وإن يمت بدون ولد
…
فكل ما تركه للسيد
معنى الأبيات أن المكاتب إذا مات قبل حلول بعض نجوم الكتابة فماله لسيده، إلا أن يكون معه ولد في الكتابة فيتنزل منزلته، ويؤدي ما بقي من نجوم الكتابة مما ترك وقت موته، لأن المدين يحل ما كان مؤجلا عليه بالموت، وإن بقي شيء ورث عنه، ويختص إرثه بمن معه من الورثة في الكتابة، واختلف هل يختص بذلك الأولاد دون غيرهم من قرابته كأب وأم وأخ، أو لا يختصون به عن قرابته الذين معه في الكتابة، ولا ترثه زوجته على كلا القولين، وجعل ابن ناجي الثاني هو المشهور، وقيل لا يرثه ممن معه في الكتاب إلا من يعتق عليه، وقيل ترثه قرابته الذين معه في الكتابة من غير تفصيل، وترثه زوجته التي معه في الكتابة، ولا يرثه من ليس معه في الكتابة، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن حميد بن قيس المكي أن مكاتبا كان لابن المتوكل هلك بمكة المكرمة وترك عليه بقية من كتابته وديونا للناس، وترك ابنته، فأشكل على عامل مكة المكرمة القضاء فيه، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يسأله عن ذلك، فكتب إليه عبد الملك أن ابدأ بديون الناس، ثم اقض ما بقي من كتابته، ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومولاه.
…
بها حياتَه له موسَّع
…
وإذا ترك مالا لا وفاء فيه دفع إلى أولاده يسعون فيه إن كانوا كبارا، وأدوا ما بقي من الكتابة نجوما، وإن كانوا صغارا لا قوة لهم على السعي ولم يكن في ما تركه وفاء بما يحل إلى بلوغهم السعي رقوا، وهذا ما لم تكن له أم ولد، فإن كانت له أم ولد بيعت إن كان في ثمنها ما يؤدي عنهم، سواء كانت أمهم أو لا، قاله مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ.
1523 -
ومولد أمتَه التمتع
…
بها حياتَه له موسَّع
1524 -
وعَتقت من رأس ماله ورا
…
مماته وبيعها قد حُظرا
1525 -
وما له استخدامها وما له
…
من غلة بها بكل حاله
1526 -
نعم له ذلك في الأولاد
…
من غيره من بعد الاستيلاد
1527 -
وكل ما يُعلم أنه ولد
…
إنَ اَسقطته لو دما قد انعقد
1528 -
فهْي به تصير أم ولد
…
إن لم يكن لوطئها بجاحد
1529 -
ولو نفى الولد عنه زاعما
…
عزلا فقد يسبق معْ ذلك ما
1530 -
إلا إذا ما زعم استبراءها
…
بحيضة لم يأتها وراءها
قوله: ومولد أمته الأبيات الثلاثة، معناه أن لسيد أم الولد الاستمتاع بها طول حياته للآية الكريمة (أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وهي حرة بعد موته من رأس ماله، ولا يجوز له أن يبيعها، ولا أن يهبها، ولا أن يتصدق بها، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى -في الموطإ عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - قال: أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها، ولا يهبها، ولا يورثها، وهو يستمتع بها، فإذا مات فهي حرة.
…
إعتاقه رقيقه محرم
…
وليس له أن يستخدمها استخدام الإماء، وقال ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: تبتذل أم الولد الدنية في الحوائج الخفيفة مما لا تبتذل فيه الرفيعة، نقله في التاج.
…
وليس له أن يؤاجرها لغيره.
…
قوله: نعم له ذلك البيت، معناه أن له في ولدها الذين ولدتهم بعد صيرورتها أم ولد الخدمة والغلة، وليس له الاستمتاع بابنتها، لأنها في معنى الربيبة
…
قوله: وكل ما يعلم أنه ولد الأبيات، معناه أن أمومة الولد تثبت بإقرار السيد بوطئها وإتيانها بما يعلم أنه ولد، قال ابن شاس - رحمه الله تعالى - في جواهره: مخلق أو غير مخلق، مما يقول النساء إنه منتقل في أطوار الخلقة، كالعلقة والمضغة.
ولو نفى السيد كون ذلك منه، زاعما العزل، إذ قد يسبق معه الماء إلى الرحم، ولو أتت به بأقصا أمد الحمل كما في المدونة، إلا أن يدعي أنه استبرأها بحيضة بعد آخر وطء، وأتت به لستة أشهر فأكثر بعد الاستبراء، وإلا لحق به، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم - قال: ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلوهن؟ لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد أو اتركوا، وروى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم - قال: ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يدعوهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن.
…
1531 ـ ومن بماله أحاط المغرم
1532 -
كذاك إعتاق سفيه وُليا
…
عليه فهو باطل كالاصبيا
1533 -
ومن لبعض عبده قدَ اَعتقا
…
أعتِق عليه بالقضاء ما بقَى
1534 -
وإن يك الباقي لغير قُوما
…
عليه قسط الغير يوم حُكما
1535 -
وحيث أعسر فحظ الاخر
…
باق له بحاله في الغابر
1536 -
ومن بعبده يمثلْ مُثله
…
بينةً كأن يبين رجله
1537 -
أو يده كأن لعينه فقا
…
ونحو ذا عمدا عليه عَتقا
1538 -
كذاك من ملك أصلا لو علا
…
أو أخا أو أختا وفرعا مسجلا
قوله: ومن بماله البيتين، معناه أنه لا عتق لمن أحاط الدين بماله، إذ لا مال له، ولا عتق للصبي، ولا السفيه المولى عليه، لبطلان تبرعاتهما، قال مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ: الأمر المجتمع عندنا أنه لا تجوز عتاقة رجل وعليه دين يحيط بماله، وأنه لا تجوز عتاقة الغلام حتى يحتلم، أو يبلغ مبلغ المحتلم، وأنه لا تجوز عتاقة المولى عليه في ماله وإن بلغ الحلم، حتى يلي ماله.
قوله: ومن لبعض عبده البيت، معناه أن من أعتق بعض عبده أو أمته سرى العتق إلى باقيه بالأولى من المشترك الآتي - إن شاء الله سبحانه وتعالى واختلف في السراية هل تقع
بنفس الإعتاق، أو لا تقع حتى يحكم بها، وهو ظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - وهو الأحسن والمشهور كما في ابن ناجي عن اللخمي وابن رشد - رحمهم الله تعالى جميعا -.
قوله: وإن يك الباقي لغير البيتين، معناه أن العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين مثلا حصته منه قومت عليه حصة شريكه يوم الحكم، وعتق كله، لحديث مالك والشيخين - رحمهم الله تعالى جميعا - " من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه، وإلا فقد عتق منه ما عتق " وظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - أنه لا يعتق عليه بمجرد إعتاقه، بل حتى يحكم به، وهو المشهور، وهو ظاهر الحديث، فإن كان معسرا بأن لم يكن له فضل عما يترك للمفلس بقيت حصة شريكه ملكا له على حالها كما في الحديث الشريف.
قوله: ومن بعبده البيتين، معناه أن من عمد إلى إحداث شين برقيقه، كأن قطع منه أنملة، أو أسقط له سنا، أو فقأ له عينا، ونحو ذلك، عتق عليه بالحكم وعوقب، وقيل يعتق بنفس المثلة، والأصل في هذا حديث زِنباع،
(1)
وذكر مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ أنه بلغه عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه أتته وليدة قد ضربها سيدها بنار أو أصابها بها فأعتقها.
(1)
الذي جب مذاكير عبده لما رآه يقبل جارية له، فشكاه إلى النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ فقال:" عليَّ بالرجل " فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" اذهب فأنت حر " رواه أبو داود وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
قوله: كذاك من ملك البيت، أشار به إلى العتق بالقرابة، والمعنى أن من ملك أباه أو جده وإن علا كان من قبل الأب أو الأم أو أمه أو جدته وإن علت، كانت من قبل الأب أو الأم أو ولده أو ولد ولده وإن سفل ذكرا أو أنثى أو بنته أو ولد بنته ذكرا أو أنثى وإن سفل أو أخاه أو أخته سواء كانا لأبويه أو للأب فقط أو للأم فقط عتق عليه بنفس الملك لحديث " من ملك ذا رحم محرم فهو حر "
(1)
وذكر ابن الجلاب قولا بزيادة العم.
1539 -
وللذي أعتق ملكَه الولا
…
وبيعه ووهْبه قد حُظلا
1540 -
ما لم يكن إعتاقه للعبد
…
عن نحو زيد فالولا لزيد
1541 -
ولا ولا لك على منَ اَسلما
…
على يديك عند جل العلما
قوله: وللذي أعتق ملكه الولا البيت، معناه أن من أعتق رقيقه فله ولاؤه لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق "
(2)
ومعنى الولاء رجوع الإرث للمعتق إذا مات المعتق ولم يدع عاصبا بالنسب، فهو عاصب بعد عصبة النسب، وكذلك الكلام في الولاية، ولا يصح بيعه ولا هبتهلقوله صلى الله تعالى عليه وسلم كما في الصحيحين والموطإ، " لا يباع ولا يوهب " وهذا ما لم يكن معتقه أعتقه عن غيره، وإلا كان ولاؤه لذلك المعتق عنه لتضمن العتق للملك، فهو فرع عنه، وإلى هذا أشار بقوله: ما لم يكن إعتاقه البيت.
قوله: ولا ولا لك البيت، معناه أن من أسلم على يد رجل مثلا لا يكون ولاؤه للرجل، بل ولاؤه للمسلمين لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" إنما الولاء لمن أعتق " وإنما أداة حصر، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون ولاؤه له كما لو أعتقه من الرق، ولو كان كذلك لكان مشتهرا في صدر الإسلام.
1542 -
ويثبت الولاء أيضا للمره
…
على الذي هي له محرِّره
1543 -
ومن يجر بعتاق أو وِلا
…
دةٍ لها عليه أيضا الولا
(1)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
متفق عليه.
1544 -
ولم ترث من حرر الآباء
…
مثلا أو زوج أو الأبناء
1545 -
وبيت مال وارث المسيَّب
…
على المشهر عن اَهل المذهب
1546 -
وإن يمت محرر لرقبه
…
فإرث مولاه لأدنى العصبه
1547 -
فإن يمت ذا فلأدنى من بقي
…
من بعده من عاصب للمعتِق
قوله: ويثبت الولاء أيضا البيتين، معناه أن المرأة يكون لها ولاء من أعتقت لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - المتقدم، وولاء من يجر بولادة أو إعتاق، فلها الولاء على أولاد معتقها إن لم يمسهم رق لغيرها، ومعاتيقه، ولا ترث ولاء من أعتقه أبوها، أو ابنها، لأن الولاء من التعصيب، وهو معنى خاص بالرجال، وقد ذكر سحنون - رحمه الله تعالى - إجماع المسلمين على ذلك، وذلك هو قوله: ولم ترث من حرر الآباء البيت، قوله: وبيت مال البيت، معناه أنه إذا قال لعبده: أنت سائبة، يريد بذلك تحريره، فهو حر، وولاؤه للمسلمين، فإذا مات ولم يدع وارثا جعل ماله في بيت مال المسلمين، ولا يرثه معتقه، قال مالك - رحمه الله تعالى -: أحسن ما سُمع في السائبة أنه لا يوالي أحدا، وأن ميراثه للمسلمين وعقله عليهم.
وكره مالك - رحمه الله تعالى - العتق بهذا اللفظ لأنه من ألفاظ الجاهلية.
قوله: وإن يمت محرر البيتين، معناه أن المعتق - بالكسر - إذا مات ورث عنه أقرب عصبته ما كان له من الولاء على معتقه - بالفتح -، وإذا مات أقرب عصبته لم يورث عنه، بل ينتقل للأقرب من عصبة المعتق من بعده، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - أن العاصي بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة، اثنان لأم، ورجل لعَلة، فهلك أحد الذين لأم، وترك مالا وموالي، فورثه أخوه لأبيه وأمه، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه، فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي، وقال أخوه: ليس كذلك، إنما أحرزت المال، وأما ولاء الموالي فلا، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا؟
فاختصما إلى عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - فقضى لأخيه بولاء الموالي.
وروى أيضا أن أبان بن عثمان اختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج، وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له إبراهيم بن كُليب، فماتت المرأة وتركت مالا وموالي، فورثها ابنها وزوجها، ثم مات ابنها فقال ورثته: لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه، فقال الجهنيون: ليس كذلك، إنما هم موالي صاحبتنا، فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم، ونحن نرثهم، فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي.
ويقدم في الولاء أخ المعتق وابن أخيه على جده، ويقدم الجد على العم، وهذا هو ترتيب الأولياء في ولاية النكاح، وفي الصلاة على الجنازة