المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌مقدمة النظم

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌فصل في الحيض والنفاس

- ‌باب طهارة الماء والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌أماكن تمنع الصلاة فيها

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الكسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في الأذان والإقامة

‌باب في الأذان والإقامة

197 -

وللمساجد الاذان وجبا

وهكذا الجمع الذي ترتبا

198 -

ورجل منفرد اِنَ اَذَّنا

لنفسه فعل أمرا حسنا

199 -

أما الإقامة فلا بد، وإن

أقامت المرأة سرا فحسن

200 -

ولا تؤذنْ قبل وقت ما عدا

صبح، فمن سدس ليلٍ جُوِّدا

201 -

وهْو مثنى كله، ورجِّعا

تشهديه هكذا أيضا معا

202 -

واستثنينْ من طلب التكرير

هيللةً تقع في الأخير

203 -

وزد بصبح الصلاة خيرُ

إلخ، وثنِّيَنَّها لا غيرُ

204 -

وأفرد الألفاظ في الإقامة

إلا لدى التكبير لا قد قامت

الأذان قال الجوهري -رحمه الله تعالى -: الإعلام، وأذان الصلاة: الإعلام بأوقاتها، والأذين مثله، وقد أذّن أذانا، والمِئذنة: المنارة، والأذين: المؤذن، فعيل بمعنى مُفَعِّل، والأذين: الكفيل، وقال قوم: الأذين: المكان الذي يأتيه الأذان من كل ناحية.

قال في المواهب: واشتقاقه من الأَذَن بفتحتين، وهو الاستماع، وقال ابن قتيبة: أصله من الأذن بالضم، كأنه أودع ما علمه أذن صاحبه، ثم اشتهر في عرف الشرع بالإعلام بأوقات الصلاة، فاختص ببعض انواعه، كما اختص لفظ الدابة والقارورة والخابية ببعض أنواعها.

وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم ": لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا "

(1)

وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمعَ النداء، فإذا قُضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قُضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى "

(2)

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه، وهذا لفظ الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ.

ص: 155

والإقامة: مصدر أقام، قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى -: ومعنى الإقامة، أي: إلى الصلاة، لأن المؤذن يقيمهم إلى أدائها بدعوته، وإعلامه بدخول الوقت، ومعنى قد قامت الصلاة، أي: استقامت عبادتها، وآن الدخول فيها، وقد يكون المعنى قد آن القيام لها، والمراد القائمين، أي جماعة أهل الصلاة، وقد يكون أيضا معنى قامت الصلاة: دامت وثبتت، نقله في الشفاء.

أشار بالبيت الأول إلى أن الأذان واجب في المساجد، والجماعات الراتبة، قال في المواهب -ممثلا للجماعة التي تؤمر بالأذان -: كالجوامع والمساجد، وكعرفة، ومنى، والعدد الكثير يكون في السفر، قال في المدونة: وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضر الصلاة فيصلي بأذان وإقامة.

وما ذكره الشيخ من الوجوب نحوه في الموطإ، فمنهم من حمله على ظاهره كالشيخ، ومنهم من حمله على السنة المؤكدة، كالقاضي عبد الوهاب، قال في الإكمال: قال أبو عمر بن عبد البر: لم يختلفوا أن الأذان واجب في الجملة على أهل المصر، لأنه شعار الإسلام، قال بعض شيوخنا: أما لهذا الوجه ففرض على الكفاية، وهو أكثر مقصود الأذان، إذ كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا غزا فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار،

(1)

فإذا قام به على هذا واحد في المصر وظهر الشعار سقط الوجوب، وبقي المعنى الثاني بتعريف الأوقات، وهو المحكي الخلاف فيه عن الأئمة، والذي اختلف لفظ مالك وبعض أصحابه في إطلاق الوجوب عليه، فقيل معناه وجوب السنن المؤكدة، كما في غسل الجمعة والوتر وغيرهما، وقيل هو على ظاهره من الوجوب على الكفاية، إذ معرفة الأوقات فرض، وليس كل أحد يقدر على مراعاتها، فقام به بعض الناس عن بعض، وتأول هذا قول الآخرين: سنة، أي: ليس من شرط صحة الصلاة، كقولهم في ستر العورة، وإزالة النجاسة، نقله في المواهب.

(1)

متفق عليه من حديث أنس رضي الله تعالى عنه.

ص: 156

والأذان من خصائص هذه الأمة المرحومة، وكان لغيرهم الناقوس، والبوق، والنار.

وقوله: ورجل منفرد البيت، أشار به إلى أن الرجل في خاصة نفسه يستحب له الأذان، ولا يجب، ولا يسن، وهذا ظاهر في المسافر ومن أدركته الصلاة بفلاة فقد استحب له مالك وابن حبيب الأذان، لحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه -

(1)

وسعيد بن المسيب،

(2)

وروى أشهب إن تركه مسافر عمدا أعاد صلاته، وأما الفذ بمنزله والجماعة المنفردة، فقال ابن حبيب: لا أذان عليهم، وقال مالك: إن أذنوا فحسن، وقال مرة: لا أحبه، فقال اللخمي والمازري: خلاف.

نقله ابن عرفة.

قوله: أما الإقامة فلا بد، يعني به أن الإقامة سنة مؤكدة في حق كل مصل ذكر مكلف، جماعة أو فذا، كانت الصلاة مؤداة أو مقضية، قال في المواهب: الإقامة سنة، ولا خلاف أعلمه في عدم وجوبها، وقال ابن عبد السلام: لم يذكروا فيه خلافا في المذهب، وإن وقع الاستغفار لتاركها، ووقع فيها وفي الأذان الإعادة في الوقت، وقال ابن ناجي في شرح المدونة: قال في الإكمال: روي عندنا إعادة الصلاة لمن تركها عمدا، فحمله بعضهم على القول بوجوبها، وليس بشيء، إذ لو كانت واجبة لاستوى فيه العمد والنسيان، وكافة شيوخنا قالوا إنما ذلك لأن الاستخفاف بالسنن وتركها عمدا، مؤثر في الصلاة، إلى أن قال: وحكى صاحب الطراز عن ابن حبيب ما يقتضي أن الإقامة في حق المنفرد مستحبة.

وأشار ببقية البيت إلى أن إقامة المرأة مستحبة على المشهور، وروى الطراز عدم استحبابها، إذ لم يرو عن أزواج النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -أنهن كن يُقمن، وعزى في الجواهر القول بذلك لابن عبد الحكم.

ومثل المرأة في استحباب الإقامة الصبي.

(1)

رواه البخاري والنسائي والإمام مالك في الموطإ والإمام أحمد.

(2)

أخرجه الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ.

ص: 157

وأما الإسرار بالإقامة فمندوب للمنفرد مطلقا، ويشترط في الإقامة أن لا يفصل بينها وبين الإحرام فصلا طويلا جدا، ويجوز الكلام بينهما لحاجة، قال في مختصر الواضحة: لا بأس بالكلام بين الإقامة والصلاة، قال عبد الملك: وحدثني ابن الماجشون عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، قال كانت الصلاة تقام ورسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -يناجي الرجل طويلا قبل أن يكبر، وإنما جعل العود الذي في القبلة لكي يتوكأ عليه انتهى نقله في المواهب.

قال في المدونة: وينتظر الإمام بعد الإقامة قليلا قدر ما تسوى الصفوف، ثم يكبر ويبتدئ القراءة، ولا يكون بين القراءة والتكبير شيء، وكان عمر وعثمان -رضي الله تعالى عنهما -يوكلان رجلين بتسوية الصفوف، فإذا أخبراهما أن قد استوت كبرا، نقله ابن يونس في جامعه.

وأشار بقوله: ولا تؤذن قبل وقت البيت، إلى أنه لا يجوز أن يؤذن لصلاة قبل أن يدخل وقتها إلا الصبح، قال في المدونة: لا ينادى لصلاة قبل وقتها، لا جمعة ولا غيرها، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: ونقل القرافي عن ابن حبيب جواز أذان الجمعة قبل الزوال لا أعرفه، بل قول الشيخ عنه: يؤذن للصبح وحدها قبل الوقت، وقال ابن الحارث: اتفقوا على منعه قبل الوقت إلا الصبح.

وإذا ظهر أن المؤذن أذن قبل الوقت، أعاد الأذان بعد دخول الوقت، لأن الأذان الأول لم يجز، وليعلم أهل الدور أنه كان قبل الوقت، فيعيد من كان قد صلى منهم، وهذا إذا ظهر على ذلك قبل الصلاة، وأما لو صلوا في الوقت، ثم علموا أن الأذان قبل الوقت، فلا يعيدون الأذان، قاله في المواهب.

ص: 158

وأما الصبح فيستحب أن يؤذن لها قبل طلوع الفجر، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم "

(1)

قال ابن وهب في العتبية: لا يؤذن لها إلا سحرا، قيل له: وما السحر عندك؟ قال: السدس الآخر، وأجاز ابن حبيب الأذان لها من نصف اليل، نقله في الجامع.

وقيل يجوز أن يؤذن لها بعد العشاء، وقال ابن عبد الحكم من ثلث اليل الأخير، نقله في التوضيح.

وقال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: الطراز: الأحسن في آخر اليل دون تحديد، وإليه أشار في الموطإ.

قال ابن يونس -رحمه الله تعالى -: والفرق بين الصبح عندنا وبين غيرها أن الصبح تدرك الناس نياما، فيحتاجون إلى التأهب لها، وإدراك فضيلة الجماعة، وفضيلة التغليس، وفي سائر الصلوات تدرك الناس متصرفين في أشغالهم، فلا يحتاجون أكثر من إعلامهم بوجوبها.

وأشار بقوله: وهو مثنى كله الأبيات الثلاثة، أشار به إلى لفظ الأذان، قال الشيخ: والأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة، فتكرر التشهد، فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كنت في نداء الصبح، زدت هاهنا: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، لا تقل ذلك في غير نداء الصبح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله مرة.

قال في التوضيح: ودليلنا ما رواه مسلم والترمذي وصححه أبو داود والنسائي وابن ماجه أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -علم أبا محذورة الأذان كذلك، مثنى التكبير مرجع الشهادتين، وفيه تثنية الصلاة خير من النوم.

(1)

متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ص: 159

وقال المازري - رحمه الله تعالى -: اختلف فقهاء الأمصار في تربيع التكبير المفتتح به الأذان، فقال مالك - رحمه الله تعالى - يثنى ولا يربع، وقال أبو حنيفة والشافعي بل يربع، وسبب الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في الأذان، ويرجح مالك ما أخذ به من الأخبار بعمل أهل المدينة، ولا يكاد مع تكرر ذلك عليهم، واشتهاره فيهم يخفى عليهم ما استقر عليه العمل في زمن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وزمن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ثم قال: أما الشهادتان فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - يقتصر فيهما على التثنية، وقد روي عن مالك - رحمه الله تعالى - أن المؤذنين لما كثروا خففوا فصار لا يربع منهم إلا المؤذن الأول، وحمل بعض أشياخي على أن هذه الرواية مذهب عنه خلاف المشهور من القول بالتربيع، والمشهور عن مالك تربيع الشهادتين، وهو مذهب الشافعي - رحمهما الله تعالى - وسبب الاختلاف اختلاف الأخبار، ويرجح مالك ما أخذ في المشهور عنه باستمرار العمل به.

وقال في الجامع: قال ابن وهب: قال عطاء بن أبي رباح وقد أدرك أبا محذورة مؤذن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: ما علمت أن تأذين أبي محذورة مؤذن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ولا تأذين من مضى يخالف تأذينهم اليوم، قال موسى بن هارون وكذلك كان أذان بلال وسعد القرظي، وعليه إجماع أهل المدينة.

وتثنية الصلاة خير من النوم هي المشهور من المذهب، وقال ابن وهب يقولها مرة واحدة، واختلف في الذي يؤذن لنفسه، والمشهور أنه يأتي بها، وحكى الشيخ أبو إسحاق عن مالك أنه قال من كان في ضيعته منتحيا عن الناس أرجو أن يكون من تركها في سعة، قاله في الجواهر.

ص: 160

واختلف في رفع الصوت بالتكبير أولا، فذكر ابن الحاجب أن الرفع هو المشهور، قال خليل -رحمه الله تعالى -: كذلك ذكر صاحب الإكمال، وذكر أن عليه عمل الناس، وعبر عنه ابن بشير بالصحيح، وذكر بعضهم أن مذهب مالك ليس إلا الإخفاء كالشهادتين، وذكر في الإكمال أنه اختلف الشيوخ في المدونة على أي المذهبين تحمل، خليل: وظاهرها الإخفاء، وهو ظاهر الرسالة والجلاب والتلقين، والرفع مشهور باعتبار العمل في زماننا، حتى في الأندلس، وقيل هي إحدى المسائل التي خالف فيها أهل الأندلس مذهب مالك -رحمه الله تعالى. -

قال المازري - رحمه الله تعالى -: والذي أميل إليه من القولين المبالغة في رفع الصوت بالتكبير، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " إذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة

(1)

" فأمر برفع الصوت، وعموم هذا اللفظ يقتضي المبالغة في رفع الصوت بالتكبير، وقد أشار صلى الله تعالى عليه وسلم للتعليل لرفع الصوت، فقال: " فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن " وهذا التعليل يقتضي رفع الصوت بالتكبير، لجواز أن يكون أحد في البعد من المارين بحيث لو رفع صوته بالتكبير لسمعه وشهد له، وإذا أخفاه لم يسمع، وهذا الذي قدمناه يلزم في مبدإ الشهادة، لزيادته في البعد، هذا الأقرب والأظهر في التعليل، والحرص على سماع من يمكن إسماعه في أول الأذان، أولى من تركه لتقدير آخر.

(1)

رواه البخاري والنسائي والإمام مالك والإمام أحمد.

ص: 161

وما ذكر في التوضيح أن عليه العمل من رفع التكبير أولا، كالترجيع، وخفض الصوت بما بينهما هو الذي في حديث أبي محذورة في تعليم النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ له الأذان حيث قال بعد التكبير:" ترفع بها صوتك " وقال بعد الشهادتين: " تخفض بها صوتك " ثم قال: " ثم ترفع صوتك بالشهادة "

(1)

.

وقوله في البيت الثالث: لا غير، يعني لا غير الصبح، فلا تقال في أذان المغرب ولا العشاء مثلا، وإنما تقال في أذان الصبح خاصة، ولا فرق في ذلك بين الواقع منه سحرا، والواقع بعد انصداع الفجر.

قوله: وأفرد الألفاظ في الإقامة البيت، أشار به إلى ألفاظ الإقامة، قال الشيخ: والإقامة وتر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

وقال في الموطإ: فأما الإقامة فلا تثنى، وذلك الذي لم يزل عليه أهل العمل ببلدنا.

وقيل بشفع قد قامت الصلاة، حكاه ابن شعبان في مختصره، وقد رأيته في بعض نسخ الرسالة ولعله زيادة في الطباعة، إذ لم أر من عرج عليه من الشروح، قال المازري -رحمه الله تعالى -: فللمشهور قول الراوي: أمر بلالا -رضي الله تعالى عنه -أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة،

(2)

فعم سائر ألفاظ الإقامة، ولأنه عمل أهل المدينة، ووجه الرواية الشاذة عنه، ما في بعض الطرق: وأمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة،

(3)

ولأنه عمل أهل مكة المكرمة.

وفي جامع ابن يونس -رحمه الله تعالى -قال مالك -رحمه الله تعالى -: ولا يؤذن إلا من احتلم، لأن المؤذن إمام، ولا يكون من لم يحتلم إماما، وقال ابن أبي زمنين: يعني أن الناس يأتمون به، ويقتدون به في أوقات الصلوات، ولذلك كانوا يختارون للأذان أهل الصلاح والمعرفة بالأوقات، وقال في العتبية: لا يؤذن الصبي ولا يقيم، إلا أن يكون مع النساء، أو بموضع لا يوجد غيره، فليؤذن وليقم.

وقال في التبصرة: قال أشهب: ويكون المؤذن من أفضل الحي، وهذا هو الحق، لأنه أمين على الأوقات، يصلى بقوله، ويصام، ويفطر، فينبغي أن يكون فيه خصلتان: الثقة والمعرفة بالأوقات.

وقال أيضا: ويستحب أن يكون المؤذن بليغ الصوت، ليبلغ القاصي صوته، ويوقظ النائم، وينبه الغافل، وفي البخاري قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه -للمؤذن: أذن أذانا سمحا، وإلا فاعتزلنا.

ولا يؤذن إلا للصلاة المكتوبة المؤداة خاصة، فلا يؤذن لنافلة، ولا سنة، ولا فريضة مقضية، وأما الإقامة فتسن للمكتوبة عامة، مؤداة أو مقضية.

(1)

رواه أبو داود والإمام أحمد وهو حديث صحيح، وأصله عند مسلم.

(2)

متفق عليه.

(3)

متفق عليه.

ص: 162

باب في صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

205 -

هذا وذا باب به سناتي

بصفة العمل في الصلاة

206 -

فأحرمنَّ قائلا: ألله

أكبر، لا يجزيك ما سواه

207 -

ولترفعنْ معْ قول ذا يديكا

بحذو أو بقرب منكبيكا

208 -

ثم اتل الام جاهرا في الصبح

ولا تبسملنْ على الأصح

209 -

كقبل سورة، وأمننْ ورا

فاتحة، لكن بذا لا تجهرا

210 -

ولا يؤمن الامام إن جهر

وراءها على الذي قد اشتهر

211 -

ثم اقرَ من طوال ما قد فُصِّلا

بحسب التغليس أو بأطولا

ذكر صفة العمل في الصلاة، وأخر الكلام على بيان الفرائض من غيرها لآخر الكتاب، قال في التاج نقلا عن شارح الرسالة: لأن من لم يبين فرضا من سنة، إلا أنه وفى بالصلاة، كما ذكر في هذا الباب برئت ذمته، لأن جبريل عليه السلام لما صلى بالنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - صلى الصلاة كاملة، بجميع فرائضها، وسننها، وفضائلها، نص عليه ابن رشد - رحمه الله تعالى - وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي

(1)

" فلم يروهم سوى بفعل ما رأوا، وإنما يحتاج لتبيين الفرائض من غيرها، لأجل الإخلال، وما يجزئ سجود السهو له وما لا.

والإحرام قال القرافي: تكبيرة الإحرام سميت بذلك لأن الإنسان يدخل بها في حرمات الصلاة، فيحرم عليه ما كان قبلها مباحا، كالكلام والأكل والشرب، من قول العرب أصبح وأمسى إذا دخل في الصباح والمساء، وأنجد وأتهم إذا دخل نجدا وتهامة، وكذلك أحرم إذا دخل في حرمات الصلاة أو الحج، والداخل يسمى محرما فيهما، فهذه الهمزة للدخول في الشيء المذكور معها، نقله في الشفاء.

والحذو بالذال المعجمة، قال في المغرب: حذاء أذنيه، وحذو منكبيه، كلاهما صحيح، ويقال حذوته وحاذيته أي: صرت بحذائه، نقله في الشفاء.

قوله: فأحرمن

البيت، ما ذكره من عدم إجزاء غير هذا اللفظ، ذكر المازري اتفاق أهل المذهب عليه، وذلك لما في الحديث " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "

(2)

قال ابن رشد: ولفظ التكبير بإطلاقه لا يقع إلا على " الله أكبر".

(1)

رواه البخاري.

(2)

رواه أبو دود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهوحديث صحيح.

ص: 163

ولا خلاف في عدم وجوبها على الأخرس، واختلف في العاجز لعجمته على ثلاثة أقوال، فقال الأبهري يدخل بنيته، وقال أبو الفرج يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام، وقيل يترجم عنه بلغته قاله بعض شيوخ القاضي عبد الوهاب، والإحرام قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: التحقيق أنه مركب من عقد هو النية، وقول هو التكبير، وفعل هو الاستقبال ونحوه.

وانظر ذكره للاستقبال.

ولا يعارض ما تضمنه الحديث السابق من أنه التكبير فإنما لكل امرئ ما نوى.

وأشار بالبيت الثالث، إلى أنه يؤمر أن يرفع يديه مع إحرامه استحبابا على نقل الأكثر، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وحكى ابن يونس قولا بالاستنان، وروى ابن القاسم عدم رفعهما، كما ذكره ابن شعبان، واختلف في حد الرفع، فقال أشهب حذو صدره، وجعله ابن رشد ظاهر المدونة، وقيل إلى المنكبين، وهو المشهور، وإلى القولين أشار الشيخ -رحمه الله تعالى -بالتخيير، وقد ثبتا معا من فعل النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-

(1)

.

واختلف في صفة رفعهما قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: المازري وشيوخه والعراقيون: قائمتان كفاه حذو منكبيه، وأصابعه حذو أذنيه، سحنون: مبسوطتان بطونهما للأرض، المازري عن بعض المتأخرين: قائمتان مع عطف الأصابع، عياض: وقيل: مبسوطتان بطونهما للسماء.

وقال ابن يونس -رحمه الله تعالى -: وقد رئي مالك رافعا يديه في الاستسقاء حين عزم عليه الإمام، وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا، قال ابن القاسم: يريد في الاستسقاء، وفي مواضع الدعاء، وعرفة، والجمرتين، والمشعر.

(1)

عن وائل بن حُجر ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: رأيت النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة، وعليهم برانس وأكسية رواه مسلم وأبو داود والدارمي واللفظ لأبي داود.

ص: 164

قال في الواضحة: وهو العمل عندنا بالاستكانة، والخوف، والتضرع، وهو الرهب، وأما عند الرغبة والمسألة، فتبسط الأيدي، وهو الرغب، وهو معنى قوله سبحانه وتعالى (يدعوننا رغبا ورهبا (أي: خوفا وطمعا.

وقال ابن عرفة عازيا لعياض -رحمهما الله تعالى -: ومقتضى الروايات مقارنة الرفع التكبير، أو مقارنته له،

(1)

وكره مالك رفع العامة الأيدي لذلك، وفي الدعاء، والتوجه، وتطويل ذلك.

وظاهر الشيخ أنه لا يرفع يديه في غير الإحرام، وهو المشهور في المذهب، قال مالك في المدونة: لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، لا في رفع ولا في خفض، إلا في افتتاح الصلاة، قال ابن يونس -رحمه الله تعالى -: أي لم يعرف العمل به.

وذلك لأنه روى في الموطإ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع من الركوع، رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود

(2)

.

قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: وروى ابن عبد الحكم يرفع لرفع الركوع، وابن وهب وغيره وله وإذا قام من اثنتين، أبو عمر: روى ابن خويز منداد لكل خفض ورفع، الباجي لم يشرع لتكبير السجود، ابن رشد كرهه فيها وفي سماع ابن القاسم للركوع ورفعه، وسمع أشهب والسبائي استحسانه، مع توسعة تركه، ورواه ابن وهب دونها، وخيره مرة.

(1)

لعلها أو مقاربته.

(2)

متفق عليه.

ص: 165

واختلف عن مالك - رحمه الله تعالى - في القبض بيمناه على كوع يسراه تحت صدره، فجاء عنه في العتبية جوازه في الفريضة والنافلة، وروى العراقيون عدم جوازه فيهما، ومذهب المدونة وهو المشهور التفصيل، قال فيها: ولا يضع يمناه على يسراه في فريضة، وذلك جائز في النوافل الطوال، وقيل عنه بتجويزه في النافلة مطلقا، لجواز الاعتماد فيها من غير ضرورة، وعنه في الواضحة استحبابه في الفريضة والنافلة، واختاره اللخمي وابن رشد، ووجهه الأحاديث الواردة به في الموطإ وغيره، ووجه مقابله عمل أهل المدينة، فقد روى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه، قال: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم، عن عبد الله بن يحيى المعافري، عن حيوة، عن بكر بن عمرو، أنه لم ير أبا أمامة ـ يعني ابن سهل ـ واضعا إحدى يديه على الأخرى قط، ولا أحدا من أهل المدينة، حتى قدم الشام، فرأى الأوزاعي وناسا يضعونه.

وأبو أمامة بن سهل من كبار التابعين، فقد بعثه عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ برسالة.

وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في الكافي: ووضع اليمنى منهما على اليسرى، أو إرسالهما، كل ذلك سنة في الصلاة.

ص: 166

قوله: ثم اتل الاُمّ جاهرا في الصبح، أشار به إلى أنه يشرع بعد إحرامه في قراءة الفاتحة جهرا، وقراءتها واجبة على خلاف، سيأتي لاحقا إن شاء الله سبحانه وتعالى، وهذا بالنسبة للإمام والفذ، وأما المأموم فسيأتي الكلام عليه، ويجب على من لا يحسن الفاتحة أن يأتم بمن يحسنها، فإن لم يجد فقيل تسقط، وقال سحنون يجب عليه بدلها ذكر، لحديث الدارقطني أن رجلا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فما يجزئني في صلاتي؟ فقال: تقول: " سبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، ولا إله إلا الله " قال: هذا لله عز وجل، فما لي؟ قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني، وقال رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير، وقبض كفيه.

(1)

والجهر بالقراءة أقله في حق الرجل أن يسمع نفسه ومن يليه، وإن اقتصر على إسماع نفسه سهوا فلا سجود عليه، وأما المرأة فتقتصر على إسماع نفسها، لأن صوتها عورة، وحكم الجهر الاستنان على المشهور، فمن تركه سهوا جبر ذلك بالسجود، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، ولأشهب أنه مستحب، فلا سجود على من نسيه، وأخذ الباجي من قول ابن القاسم: تبطل الصلاة بتركه عمدا، أنه يوجبه، قال ابن ناجي: ورد باحتمال كون البطلان لترك السنة عمدا.

(1)

ورواه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.

ص: 167

وظاهر الشيخ أنه لا يأتي بين الإحرام والقراءة بشيء، من دعاء أو غيره، وهذا هو المشهور، قال ابن يونس -رحمه الله تعالى - والدليل لمالك -رحمه الله تعالى -قوله صلى الله تعالى عليه وسلم " يكبر ثم يقرأ "

(1)

وقوله للذي علمه " كبر ثم اقرأ "

(2)

وفي حديث أبي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " كيف تقرأ إذا افتحت الصلاة " قال: فقرأت (الحمد لله رب العالمين

(3)

فلم يذكر توجيها ولا تسبيحا.

قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى-: وفي قول " سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك "

(4)

بينهما ومنعه ثالثها يستحب، لرواية ابن شعبان قول مالك مع سماع ابن القاسم: لا بأس بقوله إذا كبر " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك " وروايتها وابن رشد عن رواية السبائي، وخرج اللخمي عليه دعاء " اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد "

(5)

وصوبه لثبوته، الباجي: كره مالك دعاء التوجه " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " ابن حبيب: لا بأس به قبل إحرامه، ابن شعبان: روى ابن وهب قوله مالك، والزاهي: حق على كل قائم للصلاة قوله: " سبحان الله العظيم وبحمده ".

(1)

رواه أبو داود وابن ماجة والدارمي، وهو حديث صحيح.

(2)

رواه أبو دود والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(3)

رواه الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطإ.

(4)

روى أبو دود والترمذي وابن ماجة عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال هؤلاء الكلمات، وهو حديث صحيح.

(5)

روى الشيخان عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان يدعو به بين الإحرام والقراءة.

ص: 168

قوله: ولا تبسملن على الأصح، يعني أنه لا يأتي قبل الفاتحة بالبسملة، وعد ابن رشد في المقدمات ذلك من مستحبات الفريضة.

ووجه ترك البسملة حديث أنس في الصحيحين، والحديث القدسي " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي "

(1)

فالمشهور في المذهب كراهة البسملة، ولأبي عمر عن ابن نافع: لا بأس بها، ولابن رشد عن ابن مسلمة استحبابها، ونقل المازري الوجوب عن ابن نافع، ونقله عياض عن ابن مسلمة، وهذا في الفريضة، وأما في النافلة فقال ابن رشد: في ذلك روايتان، يقرؤها، ولا يقرؤها، ومذهب المدونة التخيير، وفي المدونة: لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة، ويتعوذ في قيام رمضان، ولم يزل القراء يتعوذون، وفي جواز الجهر بالتعوذ وكراهته قولان، وفي كونه قبل الفاتحة أو بعدها قولان، ظاهر المدونة التقديم وجواز الجهر، وفي العتبية كراهة الجهر لأنها ليست من الفاتحة بإجماع، وفي المجموعة محلها بعد أم القرآن إن كان في صلاة، اللخمي: والشأن أن التكبير ينوب عن الاستعاذة، وقد جاء هروب الشيطان منه في الأذان، قاله سيدي زروق -رحمه الله تعالى ـ.

قوله: كقبل سورة، يعني به أنه لا يبسمل قبل السورة أيضا، وقد رويت لمالك -رحمه الله تعالى -في ذلك ثلاثة أقوال، الاستحباب، والكراهة، والتخيير، كما نقله سيدي زروق عن ابن رشد -رحمهما الله تعالى ـ.

(1)

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد.

ص: 169

قوله: وأمنن ورا البيت، يعني به أن المصلي يؤمر بالتأمين بعد الفاتحة استحبابا إذا كان فذا أو مأموما، وكذلك الإمام فيما يسر فيه، وأما ما يجهر فيه فروى المدنيون عن مالك أنه يؤمن فيه، وروى المصريون عنه أنه لا يؤمن فيه، قال في التوضيح: المشهور رواية المصريين، ودليلنا ما رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال:" إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".

ووجه رواية المدنيين ما رواه مالك والبخاري ومسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " إذا أمن الإمام فأمنوا " وهو أظهر، لأن حمله على بلوغ الإمام محل التأمين مجاز، والأصل عدمه، وفي المسألة قول ثالث لابن بكير بالخيار بين التأمين والترك.

وإلى المشهور أشار بقوله: ولا يؤمن الإمام إن جهر البيت، ويندب الإسرار بالتأمين، واختار اللخمي جهر الإمام به في الجهر، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -واختار اللخمي جهره به ليسمع، وخيره غيره، وخير ابن العربي الثلاثة في السر والجهر، عياض عن الأبهري: يجهر المأموم.

قوله: ثم اقر من طوال البيت، يعني به أنه يقرأ بعد الفاتحة بسورة، والمشهور في قراءة السورة أنها سنة في الفريضة، مستحبة في النافلة، وقيل فضيلة فيهما، وإكمال السورة مستحب، وقيل سنة، ويستحب أن يقرأ في الصبح بسورتين من طوال المفصل، قال الشيخ: وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس، قال في المواهب: قال ابن المُنَيِّر: بالحواميم ونحوها، ما لم يخش الإسفار.

وجاء في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة من الآيات، قال في التاج: قال في النوادر: طوال المفصل إلى (عبس (قيل من (الذين كفروا (وقيل من (ص) وقيل من (الرحمن).

ص: 170

212 -

ثمت كبرنَّ في انحطاطكا

ممكِّنا يديك من رُكَبِكا

213 -

ولتجعل الظهر إذا مستويا

ولتجعل الرأس له محاذيا

214 -

وجاف عن جنبك أيضا ضبعكا

واعتقدنْ بكل ذا خشوعكا

215 -

لا تدعونْ فيه وسبح قائلا

ىسبحان ربي العظيم مثلا

216 -

بدون توقيت بقول اَو زمنْ

ثم من الركوع رأسك ارفعنْ

217 -

مسمعا إن لم تكن مؤتما

كما يحمِّد سوى منَ اَما

218 -

ثم اطمئنَّ قائما معتدلا

ملازما بأمرك الترسلا

أشار بهذه الأبيات إلى صفة فريضتي الركوع والرفع منه، فأشار بقوله: ثمت كبرن، إلى قوله: ضبعكا، إلى أنه يكبر في انحطاطه للركوع، ويمكن يديه من ركبتيه، ويسوي ظهره، ويجعل رأسه محاذيا لظهره، فلا يرفعه، ولا يطأطئه، ويبعد عضديه عن جنبيه، والركوع في نفسه واجب، والتكبير سنة، ومقارنته للركوع مستحبة، ووضع اليدين على الركبتين مستحب أيضا، قال ابن ناجي: فإن لم يضعهما عليهما فصلاته مجزئة، نقله ابن يونس عن مالك في المجموعة ولم يحك غيره، وظاهر المدونة وجوب ذلك، ونصها: وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وإن لم يسبح، وأمكن جبهته وأنفه من الأرض في السجود، فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئنا.

وتسوية الظهر، ومجافاة العضدين عن الجنبين، كلاهما مندوب، قال الشيخ: وتعتقد الخضوع بذلك في ركوعك وسجودك، وقال في معناه سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: حض على الخشوع.

ص: 171

والمعول في الخشوع أنه فريضة لا تبطل الصلاة بتركها، ويكفي في الفرض حصوله في ركن من الأركان، وإلى هذا الإشارة بقوله: واعتقدن بكل ذا خشوعكا، وأشار بقوله: لا تدعون فيه، إلى أن الدعاء في الركوع مكروه على المشهور، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " أما الركوع فعظِّموا فيه الرب " الحديث،

(1)

وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " متفق عليه، قال ابن دقيق العيد: وهذا يقتضي الدعاء في الركوع، ولا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام:" أما الركوع فعظموا فيه الرب " فإنه يؤخذ من الأول الجواز، ومن الآخر الأولوية، وأجاز اللخمي الدعاء في الركوع، إلى أن قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون النهي للإفراد، والوارد إنما هو مجموع التسبيح والدعاء.

وقال في التوضيح: والمعروف من المذهب الكراهة، قال المازري: ووقفت لأبي مصعب على جواز الدعاء في الركوع انتهى قال خليل: ودليل الأول قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " أما الركوع فعظموا فيه الرب " فإن قيل الدعاء لا ينافي التعظيم، قيل فهم العلماء منه الأمر بقول " سبحان ربي العظيم وبحمده " فقط.

(1)

رواه مسلم وأبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد.

ص: 172

وأيضا المقابلة بين التعظيم والدعاء، حيث قال:" وأما السجود " إلخ ظاهرة في أن المراد التعظيم بغير الدعاء الذي هو التسبيح، قوله: وسبح، إلى قوله: زمن، أشار به إلى أن التسبيح في الركوع مستحب من غير تعيين ولا توقيت بعدد، قال المازري - رحمه الله تعالى -: الدليل على أن التسبيح في الركوع والسجود مشروع قول عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا ركع قال: " سبحان ربي العظيم " ثلاث مرات، وإذا سجد قال:" سبحان ربي الأعلى "

(1)

وليس بواجب، لأنه لم يعلمه للأعرابي، إلى أن قال: وإذا كان مستحبا فإن مالكا لم يحد فيه حدا، وأنكر في المدونة قول الناس في الركوع " سبحان ربي العظيم " وفي السجود " سبحان ربي الأعلى " وقال: لا أعرفه ولا أحد فيه حدا.

وقال في التوضيح: وأنكر مالك التحديد في عدد التسبيحات أو في تعيين لفظها، لاختلاف الآثار في ذلك.

قوله: ثم من الركوع، إلى آخر الأبيات، معناه أنه يؤمر بعد إتمام ركوعه، أن يرفع رأسه، ويطمئن قائما معتدلا، ويقول في رفعه: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماما أو فذا، ويزيد الفذ اتفاقا: ربنا ولك الحمد، بإثبات الواو بعد ربنا، على رواية ابن القاسم، وبإسقاطها على رواية ابن وهب، قال ابن عبد البر في الكافي: وإدخال الواو هنا أصح من جهة الأثر، وإليه ذهب مالك في اختياره.

(1)

رواه أبو داود بزيادة وبحمده وضعف، ودعاؤه صلى الله تعالى عليه وسلم بما ذكر في الموضعين دون الزيادة ثابت في صحيح مسلم وغيره.

ص: 173

واختلف في الإمام، والمشهور من المذهب الاقتصار على التسميع، ووجهه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد

(1)

" ووجه مقابله وهو رواية ابن شعبان ما في الصحيح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول: " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: " ربنا ولك الحمد "

(2)

وأما المأموم فإنه يقتصر على التحميد على المشهور، وقيل: يجمعهما، ووجه المشهور الحديث السابق.

والرفع من الركوع فريضة على المشهور لحديث المسيء صلاته، وقيل سنة، وكأن قائله ينظر إلى قوله تبارك وتعالى:(اركعوا واسجدوا) أشار إليه ابن يونس - رحمه الله تعالى - واختلف في الاعتدال قال خليل- رحمه الله تعالى -: اختلف في الاعتدال على ثلاثة أقوال أحدها أنه سنة، ونقل عن ابن القاسم، الثاني أنه واجب، وهو قول أشهب وابن القصار وابن الجلاب وابن عبد البر، وهو المعول، الثالث إن كان إلى القيام أقرب أجزأه، قاله عبد الوهاب وحكاه ابن القصار أيضا، ويمكن بناؤه على الاختلاف في الأخذ بأول الاسم وآخره، وظاهر المذهب وجوب الطمأنينة، والواجب منها أدنى لبث، واختلف في الزائد هل ينسحب عليه حكم الوجوب، أو هو فضيلة قولان.

والتسميع كالتكبير في الحكم، والتحميد فضيلة

219 -

وبعد ذلك تخر ساجدا

ولا تكن قبل السجود قاعدا

220 -

وهاويا كبِّرْ، وضع جبهتَكا

إذا بالارض وضعنَّ أنفَكا

221 -

وباشرنَّ الارض فيه بيديكْ

مبسوطة للبيت حذو أُذُنَيْكْ

222 -

أو دون ذا، والامر في جميعِ

ذلك حكمه على التوسيع

223 -

نعم تجنَّبْ افتراش الساعدينْ

بالارض أو ضمَّك فيه العضدين

224 -

بل جنِّحَنَّ بهما توسطا

لا تُفْرِطَنْ فيه ولا تفرِّطا

225 -

ولْتَنصِبَنَّ فيه للرجلينِ

واجعل للارض بطن الابهامين

226 -

وسبحنَّ وادعونْ إن شئتا

ولم يحددوا هناك وقتا

227 -

لكنه ليس بذي نقصان

عن التمكن والاطمئنان

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه.

ص: 174

أشار بهذه الأبيات إلى صفة فريضة السجود، فذكر أنه يهوي بعد تمام ركن الرفع ساجدا، ولا يجلس قبل السجود خلافا للشافعي وغيره، حيث ذهب إلى أن الجلوس قبل السجود بوجه خفيف جدا من سنته، قاله سيدي زروق، قال: وقد صح فعله له عليه الصلاة والسلام فقالت عائشة -رضي الله تعالى عنها - إنما فعل ذلك في آخر أمره، لأنه بدن أي: ثقلت حركة أعضائه لارتفاع سنه.

ويستحب تقديم يديه قبل ركبتيه لحديث " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه "

(1)

وروى ابن عبد الحكم التخيير في تقديم يديه أو ركبتيه، نقله في التوضيح.

ويمكن جبهته وأنفه من الأرض من غير شد، فشدها مكروه، ويباشر الأرض بكفيه مبسوطتين إلى القبلة، وتكشف المرأة عن يديها، قال في الكافي: وينبغي أن يباشر بيديه الأرض، أو ما يسجد عليه، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه.

ويجعل يديه حذو أذنيه، أو دون ذلك، ويجنح بعضديه تجنيحا وسطا، ولا يفترش ذراعيه، وتكون رجلاه قائمتين، وبطون إبهاميهما إلى الأرض، ويفرق بين ركبتيه، وبين بطنه وفخذيه، ويسبح على نحو ما تقدم في الركوع، ويدعو هنا وليس لطوله حد سوى أنه لا يجوز أن ينقص عن الاطمئنان على نحو ما تقدم في الركوع، والمشهور أن السجود على الجبهة بخصوصها واجب، خلافا لما روي عن ابن القاسم من إجزاء الاقتصار على الأنف، وأن الواجب السجود على أحدهما، واختلف في السجود على الأنف فأوجبه ابن حبيب مع الجبهة، واختاره ابن العربي، والمشهور إن تركه أعاد بوقت، والسجود على الركبتين وأطراف القدمين، قال ابن القصار: سنة في ما يقوى في نفسي، وظاهر كلام اللخمي وغيره أن ذلك واجب، قاله ابن ناجي.

(1)

رواه أبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ص: 175

ويجري الخلاف أيضا في السجود على اليدين، وحكى عياض قولا بالاستحباب في ما عدا الوجه، قال الرهوني: فتحصل أن في ذلك ثلاثة أقوال الوجوب والسنية والاستحباب، وكل منها له مرجح.

ومباشرة الأرض بالكفين والوجه مستحبة، قال ابن حبيب: ولا بأس بحائل لحر أو برد.

قاله ابن عرفة.

وهو في غيرهما بالخيار، قال ابن يونس في جامعه: قال مالك: وأكره أن يسجد على الطنافس والأدم وثياب القطن والكتان واللبود وأحلاس الدواب، ولا يضع كفيه عليها، ولا شيء على من صلى على ذلك، والصلاة على التراب والحصير أحب إلي، قال مالك: ولا بأس أن يقوم عليها وعلى غيرها، ويركع ويجلس، ويسجد على الأرض، قال ابن حبيب: وهو أقرب للتقوى، ولو لا ذلك ما مضى الأمر على تحصيب المساجد وتحصير غيرها، ويفرشها أهل الطول بأفضل من ذلك، ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يسجد على الخمرة والحصير وما ينبت من الأرض، ويضع كفيه عليها، قال عنه علي: والخمرة إنما تتخذ من الجريد وتظفر بالشراك.

واختلف في الموضع الذي يضع فيه الساجد يديه، فقيل لا تحديد في ذلك، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: وفيها يوجههما إلى القبلة، ولم يحد أين يضعهما.

ولعل ذلك هو مراد الشيخ بالتوسيع، وقيل يضعهما حذو منكبيه، وقيل حذو أذنيه، وقيل حذو صدره، والتجنيح بالعضدين مستحب أيضا، وله وضع ذراعيه على فخذيه في طول سجود النفل كما في المدونة، وافتراش الذراعين مكروه على كل حال، والتفريق بين الركبتين وبين البطن والفخذين مندوب، وروى علي لا تفرج المرأة في ركوع ولا سجود، والتسبيح مندوب على نحو ما تقدم في الركوع، والدعاء مندوب.

228 -

ثم ارفعنْ مكبرا هامَتَكا

ورجلَك اليسرى اثْن في جلوسِكا

229 -

ورجلَك اليمنى انصبنَّ، وضعِ

بالارض منها أسفل الأصابع

230 -

ولتجعل اليدين فوق الركبتين

ثم افعلنْ كذاك أخرى السجدتين

231 -

ثم ارفعنْ مكبرا معتمدا

على يديك، وهنا لا تقعدا

ص: 176

الهامة -بتخفيف الميم -: الرأس، وقد أشار في هذه الأبيات إلى أربع فرائض:

الأولى فريضة الرفع من السجود، وهو واجب بلا خلاف، ويجري في الاعتدال فيه وفي الطمأنينة ما سبق فيهما في الركوع.

والثانية الجلوس بين السجدتين، وقيل إنه سنة، حكاه الباجي، ونقل في المواهب عن الشبيبي أنه قال: وأما الجلوس للفصل بين السجدتين فواجب عل على المشهور، وقيل سنة.

وحكى ابن جزي -رحمه الله تعالى -الإجماع على وجوبه، قال الحطاب: وسمعت أن عمدته في كتابه هذا الاستذكار لابن عبد البر، وقد حذروا من إجماعات ابن عبد البر، ومن اتفاقيات ابن رشد، ومن خلافيات الباجي.

ويستحب أن يجلس ثانيا رجله اليسرى، مفضيا بوركه الأيسر إلى الأرض، ناصبا رجله اليمنى، جاعلا بطون أصابعها إلى الأرض، ويرفع يديه عن الأرض، قال سحنون: إذا لم يرفع يديه عن الأرض بين سجدتيه، قال بعض أصحابنا: لا يجزيه، وخففه بعضهم، نقله سيدي زروق -رحمه الله تعالى ـ.

ويستحب أن يضعهما على ركبتيه، وقد روى مالك ـ رحمه الله تعالى في الموطإ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد، فنصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك.

واختلف هل يدعو بين السجدتين، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى - وروى الشيخ لا دعاء بين السجدتين، ولا تسبيح، ومن دعا فليخفف، اللخمي: لا يدعو بينهما.

ص: 177

وقال في التاج: الكافي: لا بأس بالدعاء بين السجدتين، وفي الحديث كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -إذا رفع رأسه من السجود يقول:" رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني "

(1)

.

وقال في المواهب: قال الجزولي: ويستحب الدعاء بين السجدتين، وقد روي أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -كان يقول بينهما:" اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني ".

وأشار بقوله: ثم افعلن كذاك أخرى السجدتين، إلى أنه يأتي بعد إتمام ركن الجلوس، بالسجدة الثانية على الوصف المتقدم في السجدة الأولى، وهي كالسجدة الأولى في الوجوب.

وأشار بقوله: ثم ارفعن البيت، إلى أنه يقوم من السجدة الثانية معتمدا على يديه مكبرا، ولا يجلس قبل القيام، والقيام في نفسه واجب، والتكبير على ما تقدم من الخلاف هل يسن مجموعه، أو تسن آحاده، وهو المشهور، أو تستحب، واعتماده على يديه مستحب على المشهور، وقيل جائز.

232 -

ثم اقرأنْ كما مضى أو دون ذاكْ

واركع كما مضى وقنِّتَنْ هناك

233 -

إن كنت بالصبح، وإن قنَّتَّا

قبل الركوع جاز ما فعلتا

234 -

ثم اسجدنَّ واجلسنَّ بينا

ألسجدتين مثل ما أسلفنا

235 -

وفي الجلوس بين سجدتيكا

أفْضِ للارض يسرى أَلْيتيكا

(1)

روى أبو داود أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدعو بين السجدتين فيقول: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني ورواه الترمذي بلفظ اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني ورواه ابن ماجة بلفظ: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني، والإمام أحمد بلفظ: رب اغفر لي وارحمني وارفعني وارزقني واهدني، وبلفظ رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وكل ذلك ثابت، وأما اللفظ المذكور فلم أقف عليه، ومن أهل العلم من أجاز الجمع بينها ولم ير حرجا في التقديم والتأخير، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 178

236 -

واجتنب القعودَ فوق اليسرى

وافعل بيمناك كما قد مرَّا

237 -

وإن حنيتها يسيرا واضعا

بالارض جانب البهيم اتسعا

238 -

ولتتشهدنْ هنا، وصليا

ثم ادعونْ وآثرنْ ما رُوِيا

239 -

وسلمنَّ بعد ذاك شطرا

وجهِك مومئا برأس نزرا

240 -

تسليمةً فقط، على المعتمد

وذاك في حق الذي لم يقتد

أشار بقوله: ثم اقرأن كما مضى أو دون ذاك، إلى أنه يقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة، مثل السورة في الأولى طولا، أو أقصر منها جهرا، قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: وفي المختصر لا بأس بطول القراءة في ثانية الفرض على الأولى، وفي الواضحة استحباب عكسه.

قال ابن ناجي: قول الشيخ: كما قرأت في الأولى، أو دون ذلك، إن أراد أن المسألة ذات قولين كعادته، فالقول الأول من قوليه خلاف ما تقدم، ولا أعرفه.

قال في المواهب: قال البرزلي: المشهور عدم كراهة قراءة سورة فوق السورة التي قرأها في الركعة الأولى، وكراهة تكرار السورة في الركعة الثانية، فمن قرأ في الركعة الأولى) قل أعوذ برب الناس (يقرأ في الثانية سورة فوقها، ولا يكررها، وقيل يعيدها، قال: والصواب الأول، لأن المشهور عدم كراهة فعل ذلك، خلافا لابن حبيب، والمشهور كراهة تكرير السورة.

وفي التاج: وسمع ابن القاسم لم يزل من عمل الناس أن يقرأ في الركعة الأولى بالشمس، وفي الثانية بالبلد.

قوله: واركع إلى قوله: فعلتا، أشار به إلى أنه يركع بعد القراءة، ويقنت في الركعة الثانية بعد الركوع على ما ذكره الشيخ، وهو قول ابن حبيب، وفي المدونة: والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي أخذ به مالك في خاصته قبل، قاله ابن ناجي.

ص: 179

والقنوت مندوب على المشهور، وقيل سنة، وهو لابن سحنون وعلي بن زياد، وقال يحيى بن يحيى: لا يقنت، وعلى الأول وهو المشهور إن سجد له بطلت صلاته، وعلى الثاني إن لم يسجد له بطلت صلاته، ولا يرفع يديه فيه على المشهور، ولا يكبر، وروي علي أن مالكا كبر حين قنت، وفي الصحيح عن ابن سيرين، أنه قال لأنس -رضي الله تعالى عنهما -قنت رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -في الصبح؟ قال: نعم بعد الركوع يسيرا

(1)

.

وأما لفظه فقال المازري -رحمه الله تعالى -في شرح التلقين: ليس عندنا في القنوت دعاء معين، ولا نوقت فيه قولا، ولا مقدارا من الوقوف، وقد اختلف الناس في ما يختار منه، فذكر القاضي أبو محمد ما في كتابه هذا.

وما ذكره القاضي أبو محمد، قريب مما ذكره الشيخ أبو محمد، ولفظ الشيخ: اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونخنع، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق.

وزاد القاضي في التلقين: اللهم اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، لا يذل من واليتَ، ولا يَعِزُّ من عاديت، تباركت وتعاليت، وقال: هذه الألفاظ وما يقاربها، وإن كان في نفسه حاجة دعا الله سبحانه وتعالى بها، وكل ذلك سر.

قال المازري -رحمه الله تعالى -: إنما استحب السر في الدعاء في القنوت وما أضاف إليه، لقوله سبحانه وتعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية (وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على سيدنا زكرياء على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقال: (إذ نادى ربه نداء خفيا (ولأن الخفاء وضعف الصوت، يدل على استيلاء الهيبة على النفس، فكان أولى أن يستعمل في طلب الحاجات، من الله سبحانه وتعالى.

وقال في الكافي: ولا بأس برفع الصوت في القنوت.

(1)

متفق عليه.

ص: 180

واللفظ الذي ذكره الشيخ يقال إنه كان في ما أنزل، ثم نسخ، وكان سورتين، الأولى منهما تسمى سورة الخلع، وتسمى الثانية سورة الحفد، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله: ثم اسجدن البيت، معناه أنه يسجد بعد الركوع والتقنيت، ثم يجلس، ثم يسجد أيضا، على نحو ما تقدم وصفه في الركعة الأولى، ثم يجلس على نحو ما تقدم وصفه في الجلوس بين السجدتين، إلا أنه ذكر هنا أنه إذا أمال رجله اليمنى، وجعل جنب إبهامها للأرض فذلك واسع، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: والمستحب في كل جلوس الصلاة على وركه الأيسر ثانيا رجله اليسرى، ناصبا اليمنى، وباطن إبهامها يلي الأرض، الباجي: لا جنبها، ابن زرقون: خير في الرسالة بينهما.

وإلى هذا أشار بقوله: وفي الجلوس الأبيات الثلاثة.

قوله: ولتتشهدن البيت، أشار به إلى أنه يؤمر بالتشهد في هذا الجلوس، وقد رويت في التشهد ألفاظ متعددة، بوجوه صحيحة، واختار منها مالك - رحمه الله تعالى - اللفظ الذي ذكره الشيخ وهو " التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لأن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - علمه للناس وهو على المنبر

(1)

بمحضر الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فكان ذلك في معنى الإجماع، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: والصحيح أن " محمدا عبد الله ورسوله " بصريح الاسم لا بالضمير.

وأما قول الشيخ: ومما تزيده إن شئت " وأشهد أن الذي جاء به محمد -صلى الله تعالى عليه وسلم -حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور " فقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إنه مروي عن السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

(1)

رواه الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ.

ص: 181

واعترض ابن الفخار زيارة ذلك، وبالغ ابن العربي في إنكارها.

وأما ما ذكره بعد ذلك، فالصلاة على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مأمور بها هنا، قيل استنانا، وقيل ندبا، وقيل وجوبا، وأما ما بعدها فهو من قبيل تخير المسألة المذكور في الحديث،

(1)

وأشار في النظم بقوله: وآثرن ما رويا، إلى أن الوارد من الأدعية أولى من غيره، للجزم بخيرية مضمونه، ورجاء بركته، والدعاء بغيره واسع، وحكم التشهد قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: السنة باتفاق، على ظاهر كلام الأكثر، وقال ابن بزيزة في حكم التشهدين ثلاثة أقوال، المشهور سنة، وقيل فضيلة، وقيل الأول سنة والثاني فرض، وقبله خليل.

(1)

يعني حديث ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم علمهم التشهد، ثم قال: ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو ما أحب. متفق عليه

وروى مسلم وغيره أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول:" قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات "

ص: 182

وأشار بقوله: وسلمنّ بعد ذاك شطرا البيت، إلى أنه إذا أتى بما ذكر، يسلم تسليمة واحدة قبالة وجهه أولا، ثم ينحو برأسه ناحية اليمين، والسلام في نفسه واجب، ولفظه متعين للحديث السابق في الكلام على تعين التكبير في الإحرام، وما ذكره من أن الإمام والفذ يسلمان تسليمة واحدة هو المشهور، وقيل يسلمان تسليمتين، وهو رواية ابن وهب، قال الباجي - رحمه الله تعالى -: وأحاديث التسليمة الواحدة غير ثابتة، وأحاديث التسليمتين لم يخرج منها البخاري شيئا، وخرج مسلم في ذلك حديثين، عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين، وقال سعد: يسلم عن يمينه ويساره حتى يرى بياض خديه، الباجي: وهي أخبار تحتمل التأويل، والقياس يقتضي إفراد السلام الذي يتحلل به من الصلاة، وما زاد على ذلك فإنما هو للرد، وليس ذلك في الإمام والفذ.

وذكر مالك -رحمه الله تعالى -أن على التسليمة الواحدة العمل، ولفظه على نقل ابن يونس: وقد سلم النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -واحدة، وكذلك أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وغيرهم، قال مالك في غير المدونة: فكما يدخل في الصلاة بتكبيرة واحدة، فكذلك يخرج منها بتسليمة واحدة، وعلى ذلك كان الأمر في الأئمة وغيرهم، وإنما حدثت التسليمتان مذ كان بنوا هاشم.

وقال ابن العربي في العارضة: والتسليمة الواحدة وإن كان حديثها عن عائشة -رضي الله تعالى عنها -معلولا، لكن نقلها بصفة الصلاة في مسجد رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم - متواتر، فهي مقدمة على رواية الآحاد، فسلموا واحدة للتحلل من الصلاة، كما أحرمتم بتكبيرة واحدة، وسلموا أخرى تردون بها على الإمام والذي على يساركم، واحذروا عن تسليمة ثالثة فإنها بدعة.

يشيران إلى حديث " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "

ص: 183

241 -

والمقتدي يطلب بالسلام

ثانية ردا على الإمام

242 -

وهْو مطالب كذلك بردْ

على اليسار إن يكن به أحدْ

243 -

وبالسلام الأول التيامنُ

منه يسيرا عندهم مستحسنُ

244 -

ولتجعل اليدين فوق الفخذين

لدى التشهد بقرب الركبتين

245 -

واقبض أصابع اليمين ما عدا

سبابة، وكن لها مرددا

246 -

معْ نصب حرفها لوجهك ولا

تشر بيمناك هناك مسجلا

قوله: والمقتدي إلى قوله: مستحسن، أشار به إلى أن المأموم يسلم تسليمة يخرج بها من الصلاة، يتيامن بها قليلا، وقيل يفعل بها نحو ما سبق وصفه في الإمام والفذ، ويسلم بعد ذلك مرتين، يرد بإحداهما على الإمام، قال ابن يونس -رحمه الله تعالى -في جامعه: قال أبو محمد عبد الوهاب: وقد روى الحسن عن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -أن نرد على الإمام.

ويرد بالأخرى على من بيساره، إن كان على يساره أحد، وإلا اقتصر على الرد على الإمام، والمشهور تقديم الرد على الإمام، وقيل يقدم الرد على من بيساره، وقيل هو بالخيار، وقيل يرد عليهما بتسليمة واحدة، وقد تقدم في كلام ابن العربي، واختلف في المسبوق فقيل كالفذ، لأن شرط الرد الاتصال، وقيل كالمأموم لانسحاب حكم المأموم عليه، وهو اختيار ابن القاسم قاله في التوضيح.

قال في التوضيح: وهذا التعليل يقتضي تصور الخلاف في الرد وإن كان من يرد عليه حاضرا لم يذهب، وأشار بعض أشياخي إلى أن الخلاف لا يتصور مع حضور من يرد عليه، وإنما يتصور مع غيبته.

ص: 184

قوله: ولتجعل إلخ يعني أنه يجعل يديه في تشهده على فخذيه، ويقبض أصابع يده اليمنى، ويبسط السبابة، ويشير بها، ويحركها، ناصبا حرفها إلى وجهه، ويبسط يده اليسرى على فخذه ولا يحركها ولا يشير بها، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: في استحباب الإشارة بالأصبع في تشهده، أو عند أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثالثها لا يحركها، ورابعها مخير، إلى أن قال: وقول ابن رشد: الإشارة هي السنة من فعله صلى الله تعالى عليه وسلم، ضد قول ابن العربي: إياكم وتحريك أصابعكم في التشهد، ولا تلتفتوا لرواية العتبية فإنها بلية.

وقد روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمامان مالك وأحمد عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وهذا لفظ الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ.

وقد جاءت الرواية بالتحريك وعدمه.

قال في التوضيح: قال ابن رشد: وحكم هذه الإشارة السنية، وقال غيره الاستحباب.

247 -

والذكر بعد الصلوات قد ورد

فيه من الأجور ما ليس يُحَد

248 -

فسبح الله ثلاثا وثلا

ثين، وهكذا احمدنَّه علا

249 -

وكبرنْه مثلَ ذا، والهيلله

من بعد ذا لمائة مكمله

250 -

وعقب الصبح التمادي ذاكرا

مسبحا، وداعيا، مستغفرا

251 -

إلى طلوع الشمس، أو لقرب

طلوعها يندب أيَّ ندب

ص: 185

يعني أن الذكر بعد الصلوات المكتوبة مستحب، وقد جاء فيه ترغيب عظيم، فقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن من أتى بالذكر المذكور في الأبيات، غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وأدرك من سبقه، ولم يدركه أحد بعده، وكان خير من هو بين ظهرانيه، إلا من عمل مثله، وهو أن يسبح الله سبحانه وتعالى ثلاثا وثلاثين ويحمده سبحانه و تعالى كذلك، ويكبره سبحانه و تعالى كذلك، ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،

(1)

قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: واختلفوا هل يجمع الكل، ويقولها ثلاثا وثلاثين، وهو مختار جماعة من السلف وأئمة الفقهاء، منهم الشيخ الصالح الفقيه ابن عرفة في ما حكى عنه الأبي، ومنهم من اختار التفصيل، وهو ظاهر الحديث،

(2)

وسألت الشيخ فخر الدين الدمياطي حافظ العصر وإمام الحديث عن ذلك، فقال: مقتضى الأحاديث الجمع، وقد صح الترغيب في ذلك عشرا عشرا،

(3)

(1)

الحديث متفق عليه، وأكثر هذا اللفظ لمسلم والإمام مالك والإمام أحمد.

(2)

وفي مسلم عن سمي أنه قال: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال: تسبح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثا وثلاثين، فرجعت إلى أبي صالح، فقلت له ذلك، فأخذ بيدي، وقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين.

(3)

روى البخاري على ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، وجاء من رواية عبد الله بن عمرو ـ رضي الله تعالى عنهما ـ رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، وروى مسلم أيضا في حديث أبي هريرة عن سهيل، أنه قال: إحدى عشرة، إحدى عشرة، فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون.

وروى النسائي واللفظ له والإمام أحمد بأسانيد صحيحة، عن زيد بن ثابت ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمدوا ثلاثا وثلاثين، ويكبروا أربعا وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه، فقيل له: أمركم رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمدوا ثلاثا وثلاثين، وتكبروا أربعا وثلاثين؟ قال: نعم، قال: فاجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ فذكر ذلك له، فقال:" اجعلوها كذلك ".

ص: 186

وكان شيخنا أبو عبدالله القوري - رحمه الله تعالى - يقول: إذا استعجلت الأمر عملت بحديث العشر، وإذا تأنيت أخذت بالثلاث والثلاثين.

ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس، أو قرب طلوعها، وليس بواجب، وذلك لحديث جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه -أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مجلسه ـ وفي لفظ تربع ـ يذكر الله سبحانه وتعالى حتى تطلع الشمس.

(1)

وعن أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله سبحانه وتعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة، رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي الحديث يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم اذكرني ساعة بعد الصبح وساعة بعد العصر أكفك ما بينهما "

(2)

قاله سيدي زروق -رحمه الله تعالى ـ.

(1)

الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد، دون لفظ يذكر، ووقع ذلك عند الطبراني.

(2)

رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ بإسناد ضعيف.

ص: 187

قال ابن ناجي -رحمه الله تعالى-: ويظهر أن من يقرأ القرآن الكريم في هذا الوقت يحصل له هذا الشرف لأنه من أشرف الأذكار، فهذا داخل في ما قال الشيخ، إلى أن قال: قال في المدونة: وكان مالك يُسأل بعد طلوع الفجر حتى تقام الصلاة، ثم لا يجيب من يسأله بعد الصلاة، بل يقبل على الذكر حتى تطلع الشمس، وقال التادلي: فيقوم منها أن الاشتغال بالذكر في هذا الوقت، أفضل من قراءة العلم فيه، وقال الأشياخ تعلم العلم فيه أولى، قال ابن ناجي: وهو الصواب، وبه كان يفتي بعض من لقيناه، ولا سيما في زماننا اليوم لقلة الحاملين له على الحقيقة، وسمع ابن القاسم مرة صلاة النافلة أحب إلي من مذاكرة العلم، ومرة العناية بالعلم بنية أفضل، قال ابن ناجي: وبهذا القول أقول، وقد قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"

(1)

فتعليم العلم مما يبقى بعده كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم.

وإلى هذا الإشارة بالبيتين الأخيرين.

252 -

وركعتي فجر قبيل الصبح صلْ

سرا بالام قط، إذا الوقت دخل

(1)

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد.

ص: 188

أشار بهذا إلى الترغيب في ركعتي الفجر، وقد جاء في الحديث " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها

(1)

" وجاء عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: لم يكن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر

(2)

قال ابن يونس: قال مالك - رحمهما الله تعالى -: ركعتا الفجر يستحب العمل بهما، والوتر أوجب منهما بكثير، وكان ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - لا يركعهما في السفر، ابن المواز: قال ابن عبد الحكم وأصبغ وليستا بسنة، قال أصبغ: وهما من الرغائب، وقال أشهب في المجموعة إنهما سنة، وليستا كالوتر، كما ليس غسل العيدين، كغسل الجمعة ودخول مكة، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: فوجه القول الأول أن السنة ما صلاها النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم - في جماعة وداوم عليها، وما قصر عن ذلك ولم يداوم عليه فهو من الرغائب، وركعتا الفجر لم يصلها في جماعة، ألا ترى أنه لما صلى العيدين كانتا من السنة، ووجه الثاني أن السنة عبارة عما تأكد من النوافل وترتب وتقدر، ولم يكن موكولا إلى اختيار المصلي، وهذه صفتها بخلاف سائر النوافل.

ووقتهما بعد طلوع الفجر، لحديث عائشة -رضي الله تعالى عنها -قالت كان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -يصلي باليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين

(3)

.

قال ابن يونس: ومن المدونة قال مالك: ومن تحرى الفجر في غيم فركع له، فلا بأس به، فإن ظهر أنه ركعهما قبل الفجر أعادهما بعده، وقال ابن حبيب: لا يعيدهما، قاله ابن الماجشون، وفعله ربيعة والقاسم وسالم، إلى أن قال: قال مالك في المدونة: وإن صلاهما بعد الفجر لا ينوي بهما ركعتي الفجر لم تجزئاه.

(1)

رواه مسلم والترمذي والنسائي.

(2)

متفق عليه، واللفظ للبخاري.

(3)

متفق عليه، واللفظ للبخاري.

ص: 189

إلى أن قال: وكان مالك رحمه الله سبحانه وتعالى يقرأ فيهما بأم القرآن سرا، لحديث عائشة -رضي الله تعالى عنها -أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -كان يخفف ركعتي الفجر حتى أقول أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟

(1)

وروى ابن وهب في موطئه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قرأ فيهما بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وفي بعض الكتب ذكر الحديث لمالك فأعجبه، قال ابن حبيب: وروي أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قرأ في الأولى مع أم القرآن بقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بأم القرآن وقل هو الله أحد، وروي أيضا أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قرأ في الأولى بأم القرآن وآمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، الآيتين، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: ومن اقتصر على قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، مع أم القرآن، أو هاتين الآيتين مع أم القرآن فهو أحب إلي من أم القرآن وحدها.

253 -

والظهر فيه بالطِّوال يُقْرا

كالصبح، أو أقصر منه نزرا

254 -

وفي القراءة على الأم اقتصِرْ

بأخرييه، وبه كلا أَسِرْ

255 -

بأول التشهدين اقتصرا

على رسولُه، وقم وكبرا

256 -

من بعد الاستواء قائما، ولا

تكبرنْ حال القيام مسجلا

257 -

والمقتدي من بعد تكبير الإمام

كما مضى يشرع ثَم في القيام

258 -

ولا يكبر مع القيام بل

يؤخر التكبير حتى يستقل

259 -

وهي في وصف الركوع والسجود

على الذي أسلفته وفي القعود

260 -

وليتنفل بعدها، وإن ركع

أربع ركْعات فنعم ما صنع

أشار بالبيت الأول إلى استحباب إطالة القراءة في الظهر مثل إطالتها في الصبح، قال المازري: اختلف أصحابنا في الصبح والظهر، فقال أشهب: الظهر نحو الصبح، وقال يحيى الصبح أطول.

(1)

متفق عليه.

ص: 190

وأشار بقوله: وفي القراءة على الأم اقتصر بأخرييه، إلى أنه يقتصر في أخيرتي الظهر على الفاتحة على المشهور، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كذلك كان يفعل،

(1)

وقيل يقرأ فيهما بالسورة كالأوليين، قاله ابن عبد الحكم، وقد جاء ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة،

(2)

وأشار بقوله: وبه كلا أسر، إلى أنه يقرأ في جميع الركعات في صلاة الظهر سرا استنانا.

قوله: بأول التشهدين اقتصرا على رسوله، يعني به أنه يقتصر في التشهد الأول على عبده ورسوله، ولا يزيد دعاء ولا غيره، وروى ابن نافع جواز الدعاء عقبه، وروى علي: ليس بموضع دعاء ووسع فيه، قاله سيدي زروق -رحمه الله تعالى -.

قوله: قم وكبرا، إلى قوله: مسجلا، أشار به إلى أن الإمام والفذ يقومان بعد التشهد للركعة الثالثة، ولا يكبران إلا بعد استقلالهما قائمين على المشهور، قال في التوضيح: لوجهين الأول العمل وكفى به، وروي أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - كتب إلى عماله فأمرهم بذلك، فلم ينكر ذلك عليه أحد، الثاني أن التكبير على قسمين إما مفتتح به ركن، كتكبيرة الإحرام، وإما في حال الحركة إذا انتقل عن ركن كالتكبير للركوع وغيره، والجلوس الأول ليس بركن، فأخر التكبير ليفتتح به ركن، وهو القيام كتكبيرة الإحرام، وقيل إنها مشبهة بابتداء صلاة، لما جاء أن الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.

قال ابن ناجي: واختار ابن العربي أنه يكبر حالة القيام، ووقع في بعض نسخ تقريب خلف عن ابن الماجشون مثله.

وفي حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا قام من السجدتين كبر

(3)

(1)

متفق عليه من حديث أبي قتادة.

(2)

رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ وأبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد.

(3)

رواه البخاري.

ص: 191

قوله: والمقتدي البيتين، يعني به أن المأموم لا يشرع في القيام حتى يكبر الإمام، ولا يكبر أيضا حتى يستقل قائما، كما يفعل الإمام والفذ.

قوله: وهي في وصف البيت، أشار به إلى أن صفة الركوع والسجود والجلوس في الظهر وغيرها على الوصف الذي تقدم بيانه في كل هذه المذكورات.

قوله: وليتنفل بعدها البيت، أشار به إلى أن التنفل بعد الظهر مرغب فيه، قال الشيخ -رحمه الله تعالى -: ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات، يسلم من كل ركعتين، قال ابن ناجي: قال التادلي: وتعقب على الشيخ في تحديده التنفل بأربع ركعات، مع أنه في المدونة قال: إنما يوقت في هذا أهل العراق، قال ابن ناجي لم أزل أسمع بعض من لقيته يقول إنما ذكر الشيخ هو نص ابن حبيب في واضحته للأحاديث، فإن صح فلا اعتراض على الشيخ لأن الرسالة لا تقيد المدونة.

وقوله للأحاديث كحديث أم حبيبة -رضي الله تعالى عنها -قالت قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -: " من حافظ على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، حرمه الله تعالى على النار "

(1)

.

وقال في التوضيح: قد يقال: إنما نفى مالك -رحمه الله تعالى -التحديد على وجه السنية، أي أن هذا العدد هو السنة دون غيره، قال: وحكمة تقديم النوافل على الصلاة وتأخيرها، أن العبد مشتغل بأمور الدنيا، فتبعد النفس عند ذلك بحضور القلب في العبادة، فإذا تقدمت النافلة على الفرض تأنست النفس بالعبادة، فكان ذلك أقرب إلى الحضور، فهذا حكمة التقديم، وأما التأخير فلما ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض.

وقوله: ركعات، هو بإسكان الكاف ضرورة، كزفرات الضحى.

261 -

ومثل ذا يندب قبل العصر

والعصر في صفتها كالظهر

262 -

لكنه بها قصارَ السور

يقرأ، كالقدر وكالتكاثر

263 -

كمغرب، وباثنتين انتفلا

بعدُ، وإن أكثر كان أفضلا

264 -

وهْو بست حسن، ورغِّب

في النفل ما بين العشا والمغرب

(1)

رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وهو حديث صحيح.

ص: 192

265 -

واجهر بأولييه، واقتصر على

الاُمِّ بغير، في العشا كذا افعلا

266 -

والسورتين في العشاء نزرا

أطلهما عما قرأتَ عصرا

267 -

والسر أدناه بأن يُحَرِّكا

لسانَه بنطقه بذلكا

268 -

ورجل منفرد يكفيه

بجهره إسماعُ من يليه

269 -

والجهر في حق النسا من ذا أقل

وهْي بكل ما مضى مثل الرجل

270 -

إلا بتجنيح، فالانضمام

بكل شأنها هو المعتام

أشار بقوله: ومثل ذا يندب قبل العصر، إلى أنه يندب أيضا أن يتنفل قبل العصر، وقد ورد الترغيب في أربع، روى ابن حبان " رحم الله امرأً صلى أربعا قبل العصر

(1)

" وقال عياض -رحمه الله تعالى -في الإكمال: حكى العنبري من شيوخنا العراقيين أنه لا رواتب قبل العصر جملة، نقله ابن ناجي.

قوله: والعصر البيت، يعني به أن صلاة العصر مثل صلاة الظهر سواء بسواء، إلا أنه يستحب أن يقرأ فيها من قصار المفصل، وذلك من سورة الضحى إلى آخر القرآن.

(1)

ورواه أبو داود ورواه الترمذي والإمام أحمد، وهو حديث حسن.

ص: 193

قوله: كمغرب، أشار به إلى أنه يستحب تقصير القراءة في صلاة المغرب، وقد روى ابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يقرأ فيها بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وظاهر الشيخ أنها مساوية للعصر، وقيل يستحب أن تكون القراءة فيها أقصر من العصر، وقيل بالعكس أيضا، قوله: وباثنتين انتفلا البيت، أشار به إلى أنه يستحب أن يتنفل بعد المغرب قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وأقل التنفل بعدها بالركعتين، وجعلهما في الجلاب كركعتي الفجر في التأكيد، ولعل ذلك لمداومته صلى الله تعالى عليه وسلم عليهما كما هو ظاهر حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ

(1)

وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة، والركعتين بعد صلاة المغرب، ما لا أحصي بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد.

(2)

قوله: وهو بست حسن، أشار به إلى أن التنفل بعدها بست ركعات حسن، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف.

قوله: ورغب في النفل ما بين العشا والمغرب، يعني به أن النافلة بين المغرب والعشاء مرغب فيها، وقد جاء عن أنس -رضي الله تعالى عنه -أن ذلك هو المراد في قوله سبحانه وتعالى:(كانوا قليلا من اليل ما يهجعون) قال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع (الآية، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: (إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا).

(1)

متفق عليه.

(2)

رواه الترمذي، وحديثه حسن صحيح، وروى النسائي عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه قال: رمقت رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) وهو حديث حسن.

ص: 194

وأشار بقوله: واجهر بأولييه البيت، إلى ما هو معلوم من الأمر بالجهر بالقراءة في أوليي المغرب والعشاء، والاقتصار على الفاتحة في ما بعدهما.

قوله: والسورتين البيت، أشار به إلى أنه يستحب أن يقرأ في العشاء من متوسط المفصل، لما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ به فيها

(1)

.

قوله: والسر البيتين، أشار به إلى أن السر بالقراءة أقله أن يحرك لسانه بالقراءة، وإن لم يسمع نفسه، لعموم النصوص في ذلك، واشترط الشافعي - رحمه الله تعالى - أن يسمع نفسه، وأما القراءة بالقلب دون حركة لسان، فهي تفكر، وليست بقراءة، ولذلك جازت للجنب، ولم يحنث بها الحالف عن القراءة، والجهر أقله أن يسمع نفسه ومن يليه، ولا حد لأعلاه، وهذا بالنسبة للرجل، وأما المرأة فتقتصر في الجهر على إسماع نفسها، ويطلب من الإمام أن يرفع صوته رفعا متوسطا حتى يسمع من خلفه، وفي الموطإ كانت تسمع صلاة عمر - رضي الله تعالى عنه - من عند دار أبي جهم بالبلاط: موضع بالمدينة المنورة، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ورجل منفرد.

وأشار بقوله: وهي بكل ما مضى مثل الرجل إلخ، إلى أن المرأة كالرجل في جميع ما تقدم من أحكام الصلاة، سوى أنها لا تؤمر بالتجنيح في الركوع، والسجود، ولا بتفريج الفخذين في السجود، قال الشيخ -رحمه الله تعالى -: وتكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها، وأمرها كله انتهى.

وقيل إنها كالرجل في ذلك، وهو ظاهر قوله في الكافي: وجلسة المرأة في الصلاة كجلوس الرجل سواء، وكذلك فعلها كله في صلاتها لا تخالفه إلا في اللباس.

(1)

روى النسائي والإمام أحمد عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: ما رأيت رجلا أشبه صلاة برسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ من فلان لإمام كان بالمدينة، وكان في ما ذكره من أمره أنه يقرأ في أوليي العشاء من وسط المفصل، وهو حديث حسن صحيح.

ص: 195

ونسب لسند -رحمه الله تعالى -الفرق بين خلوتها فتفعل كما يفعل الرجل، وجلوتها فتؤمر بالانضمام والاجتماع، وهو غريب من جهة معناه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

271 -

وصلينْ بعد العشاء الوترا

من بعد شفع، واقرأنَّ جهرا

272 -

فنفل ليلٍ يندب الإجهارُ

فيه، وفي النهاريِّ الإسرار

273 -

والشفعَ صلينَّه بالاعلى

والكافرون، تان فيه أولى

274 -

وبالثلاثة الخِتام فاقرا

ندبا على ما شهروه الوترا

275 -

ومَن مِن الأشفاع زاد يختم

بركعة الوتر إذا يُتَمِّمُ

276 -

وباثنتيْ عشرةَ قبل الوتر

كان قيام المصطفى ذي القدر

277 -

أو عشرةٍ، وآخر اليل على

أوله للقائمين فضلا

278 -

وغير من للانتباه اعتادا

فليوترنْ متى يَرم رُقادا

279 -

لكن إذا استيقظ إن شاء انتفل

ولا يعيد ما من الوتر فعل

قوله: وصلين بعد العشاء الوترا من بعد شفع، أشار به إلى سنة الوتر، وهو آكد السنن عندنا، وقال أبو عمر - رحمه الله تعالى -: ضارع مالك - رحمه الله تعالى - بقطع الصبح له القول بوجوبه، وقد واظب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يدعه حضرا ولا سفرا، وقد دل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للأعرابي " لا إلا أن تطوع "

(1)

على عدم وجوبه، وهو ركعة واحدة على المشهور من المذهب الذي في المدونة، ويؤمر أن يصلي قبله شفعا، واختلف في ذلك هل هو مستحب فقط، ومقتضى ابن الحاجب تشهيره، أو شرط في الوتر، وهو ظاهر قول المدونة، لا بد من شفع قبلها، يعني ركعة الوتر، قال ابن يونس: قال مالك - رحمهما الله تعالى -: ولا يكون إلا بعد شفع، لقول الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" صلاة اليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى "

(2)

.

قال ابن عرفة: الباجي: وعلى المشهور إن أوتر دونه شفعه بالقرب، فإن طال ففي إجزائه وإعادته بعد شفع قولا سحنون وأشهب، وأوتر سحنون في مرضه بواحدة.

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه.

ص: 196

واختلف في اشتراط اتصاله به، قال في التاج: قيل لمالك: من صلى بعد العشاء ركعات، ثم جلس، ثم بدا له بعد ذلك أن يوتر، قال: أرجو أن يكون له سعة في أن يوتر بواحدة، ابن رشد: قوله: يوتر بواحدة، وإن طال ما بين الشفع والواحدة، صحيح على مذهبه في الفصل بين الشفع والوتر بسلام، وقال ابن القاسم: إذا طال ركع ركعتين، ثم أوتر، ووجه هذا مراعاة لقول من قال الوتر ثلاث بغير سلام، وهذا إذا كان قبل الفجر، وأما لو كان بعد الفجر وقد ركع بعد العشاء لأوتر بواحدة قولا واحدا.

واختلف هل يشترط في ركعتي الشفع أن يخصهما بالنية أو يكتفي بأي ركعتين، وهو الصحيح لظواهر الأحاديث،

(1)

وأما وقت الوتر فقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ووقته من بعد الشفق والعشاء إلى الفجر، ولابن سعدون عن أبي القاسم عبد الحق: يوتر ليلة الجمع بعد العشاء قبل الشفق، كما قدم الفرض قبله، وفعله قبل صلاة العشاء ولو سهوا لغو، ولا يقضى بعد صلاة الصبح اتفاقا، وفي قضائه بعد الفجر قبلها قولان لها مع الأكثر، واللخمي مع أبي مصعب، ولو ذكره لركعة قبل طلوع الشمس فالصبح، ولركعتين اللخمي عن ابن القاسم والصقلي عن محمد كذلك، أصبغ: يوتر بواحدة.

وقد روى مالك -رحمه الله تعالى -في الموطإ الوتر بعد الفجر عن ابن عباس وابن مسعود وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن أبي ربيعة -رضي الله تعالى عنهم -ثم قال مالك -رحمه الله تعالى -: وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر، ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك، حتى يضع وتره بعد الفجر.

(1)

كالحديث السابق.

ص: 197

قوله: واقرأن جهرا فنفل ليل البيت، أشار به إلى أنه يندب الجهر بالقراءة في النوافل الليلية، ويتأكد ذلك في الوتر، ويندب الإسرار في النوافل النهارية، قال في التاج: سمع أشهب: لا بأس برفع صوته بقراءته في صلاته في بيته وحده، ولعله أنشط له، وكانوا بالمدينة يفعلونه، حتى صار المسافرون يتواعدون لقيام القراء، وسمع ابن القاسم أن ذلك مستحب، ابن رشد: هذا لمن حسنت حالته ليقتدى به، فيحصل له أجر الاقتداء به، وسمع أشهب: كان عمر بن عبد العزيز يخرج في اليل آخره وكان حسن الصوت يصلي، فقال ابن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني، فسكت برد، فقال: ويحك يا برد اطرد هذا القارئ عني، فقال برد: إن المسجد ليس لنا، إنما هو للناس، فسمع ذلك عمر، فأخذ نعله وتنحى، ابن رشد: أمر سعيد بطرد القارئ عنه يريد من جواره، لا من المسجد جملة، ومن حق من أوذي أن ينهى من آذاه، ولو رفع رجل في داره صوته بالقراءة لما وجب لجاره منعه.

ص: 198

قوله: والشفع صلينه بالاعلى البيتين، أشار به إلى أنه يستحب أن يقرأ بسورة الأعلى أولى الشفع، وبالكافرون في ثانيته، وبالإخلاص والمعوذتين في ركعة الوتر، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى - وفي قراءة الشفع بما تيسر، وتعيين " سبح والكافرون " ثالثها إن كان أوتر إثر تهجد، وإن اقتصر على شفعه فالثاني، لروايتي المجموعة وابن شعبان، مع عياض عن بعض القرويين وتقييد الباجي رواية المجموعة، مع تفسير عياض المذهب به، المازري: وقع في نفسي وأنا ابن عشرين سنة عدم تعيين قراءته للوتر إثر تهجده، فأمرت به إمام تراويح رمضان، فأنكره شيوخ فتوى بلدنا، وطلبوا أمر القاضي بمنع ذلك، وكان يقرأ علي، ويَصرِف الفتوى في ما يحكم به إلي، فأبى إلا أن يناظروني، فأبوا، ثم خفت اندراس الشفع عند العوام، إن لم يختص بقراءة، فرجعت للمألوف، ثم بعد طول رأيت الباجي أشار إلى ما كنت اخترته، إلا أن يكون أراد المتهجدين في غير رمضان، قال ابن عرفة: إنما قاله الباجي تقييدا لرواية ابن عبدوس، لا تفسيرا للمذهب، بل تعليلا لمخالفة رواية التعيين، ولو ناظروه حجوه، أما باعتبار المذهب فرواية التقييد أولى، لما تقرر من دليل رد المطلق للمقيد، وأما باعتبار الدليل فلحديث أبي أنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يوتر بثلاث ركعات، يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد،

(1)

(1)

رواه النسائي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح ..

ص: 199

والمعلوم منه صلى الله تعالى عليه وسلم التهجد، اللخمي: رجح مالك - رحمه الله تعالى - قراءة الوتر بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وروى ابن نافع: التزمه الناس وليس بلازم، وروى ابن القاسم: إني لأفعله، يحيى بن إسحاق عن يحيى بن عمر: لا يختص بقراءة، ابن العربي: يقرأ فيه المتهجد من تمام حزبه، وغيره بقل هو الله أحد فقط، لحديث الترمذي، وهو أصح من حديث قراءته بها مع المعوذتين، وانتهت الغفلة بقوم يصلون التراويح فإذا انتهوا للوتر قرؤوا فيه بقل هو الله أحد والمعوذتين.

ص: 200

قوله: ومَن مِن الأشفاع البيت، يعني به أن من أراد أن يصلي أكثر من الشفع من النوافل بأن أراد أن يصلي أربعا، أو ستا، أو ثمانيا، فليصل الوتر بعد ذلك كله لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" اجعلوا آخر صلاتكم باليل وترا "

(1)

وقوله: وباثنتي عشرة إلى قوله: أو عشرة، أشار به إلى ما جاء في الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة، وأنه كان يصلي عشر ركعات ثم يوتر بواحدة، ووفق بينهما بما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص، فالرواية الأولى باعتبارهما، والثانية بعدمه، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: أكثر ما روي في صلاته عليه الصلاة والسلام من اليل سبع عشرة ركعة، وأقل ما روي سبع فقيل إنها لأحوال مختلفة، وقيل لقصود مختلفة، وقيل بالجمع، ومن أحسن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان له عدد يعتبره بالدورة، فإذا أكثر بالنهار قلل باليل، وبالعكس، والذي يهدي إليه الاستقراء أنها كانت خمسين ركعة بالفرض والنفل، إشارة إلى الأصل، ففي حديث علي - رضي الله تعالى عنه - كان يصلي من النهار ست عشرة ركعة، في الضحى ستا، وقبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا، وحديث ركعتي المغرب والفجر، وثلاث عشرة من اليل لا يخفى، فتلك ثلاث وثلاثون، وربما نقص من ليلها وزاد في النهار، وربما نقص من النهار وزاد في اليل، كما اقتضته أحاديث يطول ذكرها، وقد أشار عياض لشيء من هذا فانظره.

(1)

متفق عليه.

ص: 201

قوله: وآخر اليل على أوله للقائمين فضلا، تصوره ظاهر، ومضمونه معلوم، قال ابن ناجي: ما ذكره الشيخ -رحمهما الله تعالى -قال به جميع أهل المذهب لحديث " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث اليل الآخر فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه "

(1)

والمعنى ينزل أمره ورحمته ومغفرته.

قوله: وغير من للانتباه البيتين، معناه أن من لم يغلب عليه الانتباه والاستيقاظ آخر اليل مأمور بالإيتار قبل أن ينام، لما في نومه من غير إيتار من التغرير بالوتر، ثم إذا استيقظ كان له أن يصلي ما شاء من النوافل، ولا يعيد الوتر، لحديث " لا وتران في ليلة "

(2)

وأما من اعتاد الانتباه آخر اليل فالأولى له تأخير الوتر، لما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" اجعلوا آخر صلاتكم من اليل وترا "

(3)

قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: وفي الموطإ قال أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه -: فإذا صليت العشاء صليت خمس ركعات، ثم أنام، فإذا قمت من اليل صليت مثنى مثنى، وإن أصبحت أصبحت على وتر، قال مالك - رحمه الله تعالى -: وكان أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يوتر أول اليل، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يوتر آخر اليل، وفي غير الموطإ أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - سأل أبا بكر كيف توتر؟ فقال: أصلي ثم أوتر ثم أقوم فأصلي ولا أوتر، فقال له: أخذت بالثقة، وسأل عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه -كيف توتر؟

(1)

متفق عليه.

(2)

رواه أبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(3)

متفق عليه.

ص: 202

فقال أصلي ثم أنام، ثم أقوم فأصلي وأوتر، فقال له " أخذت بالقوة "

(1)

والأفضل عند مالك -رحمه الله تعالى -تأخير الوتر لفضيلة قيام الليل، إلا لمن يكون الغالب عليه أن لا ينتبه، فالأفضل أن يوتر ثم ينام، لأن في نومه قبله تغريرا بالوتر.

280 -

ويكره النفل وراء الفجر

غير رغيبة، وشفع، وتر

281 -

وحزب اعتيد إلى مبادي

الاِسفار إن غُلب بالرقاد

282 -

وأوترنَّ بعده، والذاكر

للوتر بعد الصبح ليس يوتر

283 -

وإن دخلتَ مسجدا وقتا يحل

فيه التنفل فركعتين صل

284 -

قبل جلوسك إذا ما كنتَا

على وضوء حينما دخلتا

285 -

وإن دخلته ورا الفجر ففي

تحصيل ذاك بالرغيبة اكتفي

286 -

وإن تكن ركعتَها بالدار

ففي ركوعك خلاف جار

287 -

ولا تنفل وراء الصبح

إلى طلوع الشمس قِيدَ رُمح

قوله: ويكره النفل البيت، يعني به أن التنفل بعد طلوع الفجر مكروه، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر

(2)

" أما ما استثناه من الرغيبة والشفع والوتر، فأمره ظاهر، أما الرغيبة فذلك هو وقتها، وأما الشفع والوتر فعلى ما تقدم بيانه قريبا.

قوله: وحزب اعتيد، إلى قوله: وأوترن بعده، أشار به إلى أن من غلبه النوم عن حزبه الذي كان قد اعتاد أن يصليه آخر اليل، فله أن يصلي منه إلى أول الإسفار، ثم يوتر ويصلي ركعتي الفجر، ثم يصلي الصبح، ولم يذكروا في هذا خلافا، قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى ـ: وهذا إذا كان وحده، وإلا ففضل الجماعة مقدم على ورده.

(1)

رواه ابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(2)

رواه الترمذي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ص: 203

قوله: والذاكر للوتر بعد الصبح ليس يوتر، أشار به إلى أن من لم يذكر الوتر حتى صلى الصبح فقد فاته الوتر، وقد سبقت حكاية ابن عرفة -رحمه الله تعالى -الاتفاق على ذلك، وأما من ذكره أثناء الصبح فقيل يتمادى مطلقا، وقيل يقطع مطلقا، وقيل يقطع مطلقا ما لم يسفر جدا، وقيل يقطع الفذ ويتمادى غيره، وقيل يقطع الفذ والإمام، ويتمادى المؤتم، والمشهور في الفذ القطع.

قوله: وإن دخلت مسجدا البيتين، أشار به إلى استحباب تحية المسجد لحديث " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "

(1)

قال في التاج: عياض: تحية المسجد فضيلة، قال مالك: وليست بواجبة، أبو عمر: على هذا جماعة الفقهاء، وكان القاسم يدخل المسجد فيجلس ولا يصلي، وقد فعل ذلك ابن عمر وسالم وابنه، قال: ورحل الغازي بن أبي قيس إلى المدينة المنورة ليسمع من مالك - رحمهما الله تعالى - فدخل ابن أبي ذئب مسجد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فجلس ولم يركع، فقال له الغازي بن أبي قيس: قم فاركع، فإن جلوسك دون ركوع جهل بالسنة، ونحو هذا من جفاء القول، فقام ابن أبي ذئب فركع، ثم أسند ظهره وجلس الناس إليه، فلما رأى ذلك الغازي ابن أبي قيس خجل وندم، فسأل عنه فقيل له هو ابن أبي ذئب أحد فقهاء المدينة وأشرافهم، فقام يعتذر إليه، فقال له ابن أبي ذئب: يا أخي لا عليك، أمرتنا بخير فأطعناك، ومن نحو هذا التخلق ما رواه القاضي عياض عن قاضي الجماعة ابن السليم، قال: حضر يوما مسجدا بأطراف قرطبة لانتظار جنازة، فحان وقت العصر، فأشار على رجل من العامة أن يؤذن، فتغير الرجل وقال: لم تر بالمسجد من هو أبخس مني، فتبسم القاضي واستغفر الله سبحانه وتعالى، ثم خرج بنفسه فأذن ورجع، وقال للرجل: قد رأيت من هو أبخس منك، فلا تعد لمثل قولك تاب الله تعالى علينا وعليك.

(1)

متفق عليه.

ص: 204

ومحل ندب تحية المسجد إذا كان الداخل متوضئا، وكان الوقت وقت تنفل، وأراد الجلوس، كما قالوا، وكأنه معنى " فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " لأن النهي إنما توجه لمريد الجلوس، والأوقات التي ينهى عن التنفل فيها قد علم خروجها بالنهي، وغير المتطهر لا تصح منه الصلاة، فكان نهيه عن الجلوس مقتضيا أن الأمر بهما من قبيل الأمر المقيد، فلا يكون الأمر به أمرا به وبشرطه، وإذا كان هذا هو المعنى في خروج المحدث، توجه أمر الجنب المريض أو العادم الماء بهما، إذ لا يحل لهدخول المسجد إلا متيمما، والنافة جائزة بذلك التيمم، هذا وما ذكره الدردير ومن تبعه من امتناع مكث الجنب المذكور في المسجد مخالف لإطلاقات أهل المذهب، وقد بين ذلك الشيخ آد رحمه الله سبحانه وتعالى ونصه: أما بعد ففي نور البصر: أن ما انفرد به علي الأجهوري وأتباعه غير معتمد، وبين وجه ذلك، ومن تأمله وتأمل من تبعهم من المصريين، علم أنه كذلك، فقول الأمير إن مس المصحف لا يضر بتيمم الفرض، والدردير إن المتيمم لا يمكث في المسجد بعد الصلاة، لا يعتمد، لا سيما والبحث في كل ظاهر، فكلام الأمير مخالف لظاهرهم، والقعود في المسجد عبادة، وإن انتظر فيه صلاة كان رباطا، وإن نمى نيته به كانت عبادات.

فإن كان الداخل مارا جاز تركه لها كما في المدونة، وجواز المرور محله ما لم يكثر، لأنه إذا كثر كان تغييرا للحبس قاله ابن ناجي - رحمه الله تعالى - وقال: ويقرأ في ركعتي التحية بأم القرآن وسورة كغيرها، ووقع في كتاب ابن شعبان أنه يقرأ بأم القرآن فقط كركعتي الفجر في المشهور.

ومقتضى مقابلتهم الجلوس بالمرور أن المراد به الاستقرار به، وبه صرح بعض أهل العلم، فالتعبير بالجلوس خارج مخرج الغالب، فلا يكون القيام مخرجا عن النهي.

ص: 205

قوله: وإن دخلته ورا الفجر البيت، يعني به أن من دخل المسجد بعد طلوع الفجر ولم يركع ركعتي الفجر، يقتصر على ركعتي الفجر، وهما كافيتان عن التحية، لأن المقصود بتحية المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فيكتفي بالأوكد الذي هو ركوع الفجر، وقال القابسي يصلي التحية ثم يركع للفجر، وصوبه ابن عبد السلام، والمشهور الأول.

قوله: وإن تكن ركعتها بالدار البيت، معناه أن من أتى المسجد بعد الفجر وقد صلى الفجر في بيته، اختلف هل يؤمر بالركوع، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: ومن أتى المسجد بعد ركوعهما فروى ابن القاسم وابن وهب يركعهما، وابن نافع لا يعيدهما، ففسر ابن رشد واللخمي وابن العربي وابن عبد الرحمن وأبو عمران إعادتهما بركعتي التحية، ونقل ابن بشير إعادتهما بنية إعادة ركعتي الفجر، لا أعرفه.

وفي العتبية: وسئل عن الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله ثم يأتي المسجد، أترى أن يركعهما؟ قال مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: كل ذلك قد رأيت من يفعله، فأما أنا فأحب إلي أن يقعد ولا يركع، قال لي ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك أحب إلي أن يركع، وكأني رأيته وجه الشأن عنده، قال سحنون: إذا ركعهما في بيته فلا يعيدهما في المسجد.

ص: 206

قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف إنما هو اختلاف في الاختيار، وفي أي الأمرين أفضل، وإنما وقع من أجل أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال:" لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر " وقال أيضا: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " فتعارض الحديثان في الظاهر، وكل واحد منهما يحتمل أن يكون مخصصا لعموم صاحبه، احتمالا واحدا، ألا ترى أنه لو قال ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ لا صلاة بعد الفجر سوى ركعتي الفجر إلا لمن دخل المسجد لكان كلاما مستقيما، ولو قال أيضا من دخل المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس إلا أن يكون بعد الفجر وقد ركع ركعتي الفجر، لكان أيضا كلاما مستقيما، فلما لم يتحقق أي المعنيين أراد صلى الله تعالى عليه وسلم وقع الاختلاف المذكور، ووجه القول بأن الركوع أفضل هو أن الصلاة فعل بر فلا يقال إن تركها في هذا الوقت أفضل، إلا أن يتحقق النهي عن ذلك، ووجه القول بأن ترك الركوع أفضل هو أن النهي أقوى من الأمر لقول رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وأيضا فإن قوله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " أولى بالتخصيص في هذا الموضع، إذ قد خصص في غيره من المواضع، وهي الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فيحمل هذا الموضع عليها، وهذا القول أظهر، واستحب من رأى الركوع أفضل لقول رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " أن يركعهما بنية الإعادة لركعتي الفجر، رغبة في ما جاء فيهما من الثواب، والله تعالى أعلم.

واختلف هل الأفضل في ركعتي الفجر إيقاعهما بالمسجد أو بالبيت، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: الشيخ عن ابن حبيب: صلاتهما بالبيت أحب إلي، ابن محرز عن السليمانية: بالمسجد أحب إلي، لأن إظهار السنن خير.

قوله: ولا تنفل البيت، أشار به إلى أن النفل بعد طلوع الفجر منهي عنه حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، والنهي في ذلك نهي كراهة، إلا وقت طلوع الشمس فالنهي فيه نهي تحريم، وسيأتي الكلام على تفصيل ذلك في صلاة الجنازة وسجود التلاوة إن شاء الله سبحانه وتعالى.

والقيد -بكسر القاف - القدر، والرمح معروف، وفي بعض الأخبار " وتزول عنها الحمرة " وهو تفسير لذلك، وفسر بما بين كوكبي الفرغ، ولعله قائله احتاط كثيرا، وقد قيل إن حد ذلك من الدقائق اثنتا عشرة دقيقة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 207