الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر
2191 -
والرد للسلام حتم، والبِدا
…
ءَةُ به استنانها تأكدا
2192 -
كفايةً برأي الاكثرينا
…
وبعض الاحناف يراه عينا
2193 -
ولفظه الأفضل عند الابتدا
…
وردِّه على الذي قد عُهدا
2194 -
ومن يقل برده سلام
…
عليكمُ كالباد لا يلام
2195 -
وكرهت إضافة السلام
…
لاسم الجلالة لدى الأعلام
2196 -
وكرهت عندهمُ كذلكه
…
فيه الزيادة وراء البركه
2197 -
وليبدإِ الراكب ماشيا ومن
…
مشى على القاعد بدؤه حسن
2198 -
واستحسنوا تصافحا عند اللقا
…
ومالك قد كره التعانقا
2199 -
وهكذا التقبيل لليد قَلى
…
وابن عيينة العناق حللا
قوله: والرد للسلام البيت، معناه أن الابتداء بالسلام عند التلاقي سنة مؤكدة، لأمره صلى الله تعالى عليه وسلم بإفشاء السلام
(1)
ولعمله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأما رده ففريضة لقوله سبحانه وتعالى:(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا) والأمر في الموضعين على الكفاية عند جمهور أهل العلم، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: " يسلم الراكب على الماشي،
(2)
وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم " وجاء عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن الأمر فيه على الأعيان ابتداء وردا، وفي حاشية الحطاب عن الأقفهسي - رحمهما الله سبحانه وتعالى: أنه قال: قوله: من الجماعة، وقوله: إن رد واحد منهم، يؤخذ منه إذا سلم واحد من غيرهم، أو رد واحد من غيرهم أنه لا يسقط عنهم الفرض، وهو مأخذ صحيح، إلى أن قال: ويؤخذ من قوله: أجزأ عنهم، أن الكمال أن يردوا كلهم، أو يبتدئوا كلهم.
(1)
في الصحيحين من حديث البراء بن عازب ـ رضي الله تعالى عنه ـ أمرنا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ بسبع، وذكر منها إفشاء السلام.
(2)
هذا الجزء من الحديث متفق عليه.
ويؤمر بالسلام أيضا عند القيام من المجلس، وفي الخبر " ليست الأولى بأحق من الآخرة "
(1)
قوله: ولفظه الأفضل البيت، معناه أن الأفضل في السلام أن يقول المبتدئ: السلام عليكم، ويقول الآخر: وعليك السلام، وذلك هو المراد بقوله: على الذي قد عهدا، وفي جامع ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كان يقول في سلامه وفي رده سواء: السلام عليكم.
وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ويجوز الابتداء بلفظ الرد، والرد بلفظ الابتداء
…
وفي التلقين: وإن زاد لفظ الرد على الابتداء أو نقص جاز، ويشترط في امتثال الأمر ـ ابتداء وردا ـ الجهر، بحيث يسمع المقصود كما نقله الحطاب عن القرطبي - رحمهما الله سبحانه وتعالى وتكفي عن اللفظ ابتداء وردا الإشارة باليد، أو الرأس، في حال البعد.
(1)
رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.
قوله: ومن يقل برده سلام البيت، معناه أنه يجوز في الرد أن يقول: سلام عليكم بالتنكير، إذا كان المبتدئ قال مثل ذلك، للآية الكريمة (فحيوا بأحسن منها أو ردوها) قال الحطاب - رحمه الله تعالى -: يؤخذ من كلام المصنف أنه يجوز التعريف والتنكير، لأنه قال بعد هذا: ويقول الراد: وعليكم السلام، أو يقول: سلام عليكم كما قيل له، وإذا كان المبتدئ ابتدأ السلام معرفا، فالأولى في الرد التعريف، وفي تفسير القرطبي - رحمه الله تعالى -: وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها يعني قولها حين أخبرها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن جبريل ـ على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ يقرأ عليها السلام: وعليه السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
(1)
- من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى رجل بسلامه فعليه أن يرد، كما يرد عليه إذا شافهه، وجاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إن أبي يقرئك السلام، فقال:" عليك وعلى أبيك السلام ".
(2)
(1)
متفق عليه.
(2)
رواه أبو داود، وهو حديث حسن.
وقال الحطاب - رحمه الله تعالى -: وفي الحديث الثاني أنه يسلم على المرسل وعلى الرسول، فأما المرسل فظاهر كلام القرطبي أنه يجب رد السلام عليه، لقوله: فعليه، وهو كذلك، وأما الرسول فلم أر حكم الرد عليه إلا في كلام النووي - رحمه الله تعالى - فإنه جعله مستحبا، وهو ظاهر لكونه ليس بمسلم، إنما هو ناقل، قال: وفي باب السلام من مختصر المدونة لابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - قيل لمالك - رحمه الله تعالى -: فالرجل يكتب إلى الرجل: أقرأ السلام فلانا، قال: أرجو أن يكون في سعة، وقد يكون له عذر
…
قوله: وكرهت إضافة البيت، معناه أنه يكره أن يقول في الرد: سلام الله عليك، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: والظاهر أنه إنما نهي عنه لإيهامه الإخبار عن تحقق السلام من الله سبحانه وتعالى، أو طلب السلام من الله سبحانه وتعالى عليه، وهي تحية النبوءة، وقد قال جل من قائل:(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)
…
ولا تختص كراهة ذلك بالرد كما هو مقتضى العلة، وهو صريح الشيخ في جامعه نقلا عن مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى ونصه: ولا ينبغي أن يقال في السلام: سلام الله عليك، ولكن عليك السلام أو السلام عليكم.
قوله: وكرهت عندهمُ كذلكه البيت، معناه أن الزيادة في السلام على البركة مكروهة، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال: كنت جالسا عند عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ثم زاد شيئا مع ذلك أيضا، قال ابن عباس - وهو يومئذ قد ذهب بصره -: من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه، قال: فقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: إن السلام انتهى إلى البركة.
قوله: وليبدإ الراكب البيت، أشار به إلى ما جاء في حديث الصحيح من أمر الراكب بالسلام على الماشي، والماشي بالسلام على القاعد،
(1)
والصغير بالسلام على الكبير، والقليل بالسلام على الكثير، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ومعنى ذلك إذا التقيا فإن كان أحدهما راكبا والآخر ماشيا، بدأ الراكب بالسلام، وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير بالسلام، وأما المار بغيره أو الداخل عليه فهو الذي يبدأ بالسلام، وإن كان ماشيا، والذي يمر به راكبا أو صغيرا، وكذا السائر في الطريق إذا لحق بغيره فتقدمه، وجب عليه أن يبدأه بالسلام، وإن كان صغيرا أو راكبا وهو ماش.
قوله: واستحسنوا تصافحا البيتين، معناه أن المصافحة عند التلاقي مستحبة على المشهور، لحديث الموطإ " تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء " وجاء عن مالك - رحمه الله تعالى - أيضا أنه كرهها، قال ابن أبي زيد: وسئل مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى عن المصافحة، فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، وأما أنا فلا أفعله وفي حاشية الحطاب رحمه الله سبحانه وتعالى: قال الأقفهسي: المصافحة وضع بطن كف على كف أخرى عند التلاقي، مع ملازمة لهما قدر ما يفرغ من السلام، ومن سؤال عن غرض لهما، أو كلام، وأما اختطاف اليد بأثر التلاقي، فذلك مكروه، وهل يشد كل واحد منهما على يد صاحبه قولان، وعزى للزناتي منع تصافح الرجل والمرأة، وإن كانت متجالة، قال: لأنها من المباشرة.
(1)
روى الشيخان من حديث أبي هريرة " يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير " وفي لفظ للبخاري " يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير ".
وانظر ما معنى هذا، فقد أشكل علي، لأنه إن أراد المرأة التي ليست بمحرم فهو غريب، إذ لا يجوز مس شيء من بدنها على أي وجه، دون ضرورة داعية لذلك، وإن أراد المحرم أشكل أيضا لما هو معلوم في غير موضع من جواز ذلك، وفي جامع ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى -: قيل لمالك - رحمه الله تعالى -: أرأيت من قدم من سفر فتلقاه ابنته أو أخته فتقبله؟ قال: لا بأس بذلك، وقال أيضا: لا بأس أن يقبل خد ابنته، قيل: أفترى أن تقبله ختنتُه أو تعانقه وهي متجالة؟ فكره ذلك.
وقد جاء في حديث التيمم أن أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - جاء إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - وعاتبها وجعل يطعن بيده في خاصرتها، قالت: فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - على فخذي
(1)
قوله: ومالك قد كره التعانقا، معناه أن مالكا - رضي الله تعالى عنه - كره أن يعانق الرجل الرجل، وقال: قال الله سبحانه وتعالى: (وتحيتهم فيها سلام) وأجازه ابن عيينة - رحمه الله تعالى - وقيل يجوز إن كان عن طول غيبة، وجاء أن سفيان بن عيينة قدم على مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى فصافحه، وقال له: لولا أنها بدعة لعانقتك، فاحتج عليه سفيان بمعانقة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لجعفر - رضي الله تعالى عنه - حين قدم من أرض الحبشة،
(2)
فقال مالك - رحمه الله تعالى -: كان ذلك خاصا بجعفر، وكأنه راعى في ذلك عدم العمل به، ورآه سفيان عاما، قاله ابن أبي زيد في جامعه، قال: وأجازه مالك في رسالته لهارون الرشيد - رضي الله تعالى عنه - أن يعانق قريبه يقدم من سفره، قال: وقيل إن هذه الرسالة لم تثبت لمالك.
(1)
متفق عليه.
(2)
رواه الحاكم في المستدرك، وصححه.
وأما قوله: وهكذا التقبيل لليد قلى، معناه أن مالكا - رحمه الله تعالى - كره تقبيل اليد في السلام، قال ابن أبي زيد في جامعه: وسئل مالك - رحمهما الله تعالى - عن الرجل يقبل يد الوالي، أو رأسه، أو المولى يفعل ذلك لسيده؟ قال: ليس ذلك من عمل الناس، وهو من عمل الأعاجم، قيل: فيقبل رأس أبيه؟ قال: أرجو أن يكون خفيفا، وسئل في رواية أخرى هل يقبل يد أبيه أو عمه؟ قال: لا أرى أن يفعل، وإن من العبرة أن من مضى لم يكن يفعل ذلك، قيل: فالمرأة تبالغ في بر زوجها، فتلقّاه فتنزع ثيابه، ونعليه، وتفليه، وتقف حتى يجلس؟ قال: أما تلقيها ونزعها فلا بأس، وأما قيامها حتى يجلس فلا، وهذا فعل الجبابرة، وربما يكون الناس ينتظرونه، فإذا طلع قاموا إليه، فليس هذا من أمر الإسلام، ويقال إن عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - فعل ذلك به أول ما ولي حين خرج إلى الناس، فأنكره، وقال: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، وإنما يقوم الناس لرب العالمين.
2200 -
لا تبتدئ أهل الكتاب بالسلام
…
فقد نهى عن ذاك سيد الأنام
2201 -
صلى وسلم عليه الله
…
والال والصحب ومن تلاه
2202 -
والاستقالة بها لا يؤمر
…
فهْي لما وقع ليست تجبر
2203 -
ولتقلنَّ وعليكم حيث ما
…
عليك بعض هؤلاء سلما
2204 -
وإن تقل عليكم السلام
…
بالكسر فالبعض له يعتام
قوله: لا تبتدئ أهل الكتاب بالسلام البيت، معناه أنه لا ينبغي أن يبدأ المسلم اليهود والنصارى بالسلام، للنهي عن ذلك في حديث الصحيح، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لأن السلام تحية وإكرام، وقد قال الله عز وجل:(تحية من عند الله مباركة طيبة) فيجب أن لا يكون الكافر أهلا لها.
قوله: والاستقالة بها لا يؤمر البيت، معناه أن من ابتدأ ذميا بالسلام على وجه الخطإ، بأن اعتقد أنه مسلم مثلا لا يؤمر أن يستقيله، بأن يقول لم أسلم عليك عن قصد، قال ابن ناجي: قال عبد الوهاب - رحمهما الله تعالى -: لا فائدة في استقالته، لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون قد بدأه بالتحية، والاستقالة إنما تكون في أمر يمكن استدراكه، فيعود المقول كأنه لم يفعل وكما يكره السلام على الكافر يكره على الآكل والملبي، والمؤذن، وقاضي الحاجة، والمصلي، والمبتدع، والشابة، والعاري، وأهل الباطل، وأهل اللهو حالتلبسهم به، ولاعب الشطرنج، نقله الحطاب في حاشيته عن المسائل الملقوطة.
قوله: ولتقلن وعليكم البيتين، معناه أنه إذا سلم عليك اليهودي أو النصراني، فلتقل في جوابه: وعليك، لأنهم يقولون السام عليكم، كما جاء في حديث الموطإ وغيره،
(1)
ورواه مالك في الموطإ بلا واو،
(2)
وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى – في بيان معنى رواية الواو: لأنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا، وجعل محل هذا إذا تيقنت أنه كسر السين أو قال السام بلا لام، والسام: الموت، قال: وإن لم تتحقق ذلك قلت: وعليك، قالوا: ولأنك إن قلت عليك بغير واو، وكان هو قد قال: السلام عليك - يعني بفتح السين - كنت قد نفيت السلام عن نفسك ورددته عليه.
وظاهر الحديث حملهم عند الشك على ما غلب من أمرهم من الشر والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: ومن قال - يعني في الرد عليهم -: عليك السلام بكسر السين وهي الحجارة فقد قيل ذلك.
2205 -
واستأذن إن ترد دخول منزل
…
غيرٍ، فترك ذاك لم يحلل
2206 -
ولا تزد على الثلاثة، ولا
…
تدخلْ إذا لم يأذنوا أن تدخلا
2207 -
ودون واحد تناجي اثنين
…
أو ملإٍ يكره دون إذن
(1)
متفق عليه.
(2)
وهو رواية الشيخين أيضا عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وروايتهما عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ بالإثبات.
2208 -
عيادة المريض مما أمرا
…
ندبا به والاجر فيه غزرا
2209 -
لكن بآداب إذا بها تُخِلْ
…
فربما تصير مما ينحظل
قوله: واستأذن إن ترد البيتين، معناه أنه لا يجوز لك أن تدخل بيت غيرك - أجنبيا كان أو قريبا - حتى تستأذنه، للآية الكريمة، وصفة الاستئذان أن يقول: السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن له في الدخول دخل، وإن قيل له: ارجع رجع، وإن لم يجيبوا كرر ثلاثا، فإن لم يجيبوا انصرف، لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - " الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل، وإلا فارجع "
(1)
إلا أن يستيقن أنهم لم يسمعوا فقال مالك - رحمه الله تعالى -: لا أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن، وإذا قيل له: من أنت؟ فليقل: فلان بن فلان، ونحوه مما يتميز به، ولا يقول: أنا، وينبغي أن لا يؤذن له إذا لم يسلم، وإذا كان الباب مفتوحا تياسر عنه أو تيامن، ولا يقف أمامه، وإن كان مقفلا وقف حيث شاء، ولا يجوز له أن ينظر إليهم من شقوقه، ولا أن يستمع لحديثهم، ويتنزل دق الباب منزلة الاستئذانويكون الدق خفيفا بحيث يسمع، وفي الخبر أن أبواب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كانت تقرع بالأظافير،
(2)
وإن دقه ثلاثا ولم يجيبوا انصرف إلا أن يعلم أنهم لم يسمعوا كالاستئذان بالقول، ويستأذن الرجل على أمه وأخته، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم للذي سأله أيستأذن على أمه؟ فقال له: نعم، فقال: إني معها في البيت، إني خادمها:" استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: " فاستأذن عليها "
(3)
قوله: ودون واحد البيت، معناه أنه لا ينبغي تناجي الاثنين أو الجماعة دون الواحد، لما في الحديث من النهي عن ذلك،
(4)
(1)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
(2)
رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو حديث صحيح.
(3)
رواه الإمام مالك في الموطإ مرسلا.
(4)
متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه .. ـ
لما يحصل له به من الحزن، سواء كان ذلك في سفر أو حضر، خلافا لمن خص ذلك بالسفر، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: فإذا خشي المتناجيان دون صاحبهما أن يظن بهما أنهما يتناجيان في عورة، فلا يحل لهما أن يتناجيا دونه، كان ذلك في سفر أو حضر، وإذا أمن من ذلك فهو مكروه لهما في الحضر والسفر، من أجل أن ذلك يحزنه ويسوؤه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق لا رب غيره.
وفي جامع ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى -: وسئل عن أربعة هل يتناجى ثلاثة دون واحد؟ فقال: نهي أن يتركوا واحدا، ولو كانوا عشرة، اجتناب سوء الظن، والحسد، والكذب، وقيل: إذا كان ذلك بإذنه فلا بأس به.
وفي معنى التناجي كلامهما عنده بلسان لا يفهمه.
قوله: عيادة المريض البيتين، معناه أن عيادة المريض مرغب فيها، وقد تقدم الكلام عليها في الكلام على حقوق المسلم، وفي الحديث الشريف أن من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبعا فإن الله سبحانه وتعالى يعافيه من ذلك المرض.
(1)
2210 -
واظب على الذكر، فذكر الله جل
…
وعز من عذابه أنجى عمل
2211 -
ولكن الذكر لدى الأوامر
…
والنهي بالفضل على هذا حري
2212 -
واعْنَ بما من الدعاء في الصحاح
…
أتى كأذكار المساء والصباح
2213 -
والنوم والخروج والخلاء
…
وسفر وضد هؤلاء
2214 -
وبالتعوذ كذلك اعتنِ
…
من المخوف كله والفتن
2215 -
ويكره العمل في المساجد
…
إذ لم تُرَدْ لما سوى التعبد
2216 -
والغسل لليدين فيه يقلى
…
واكره به كذاك أيضا الاكلا
2217 -
إلا الذي خف فذا لا بأس به
…
واكره به كذاك قص شاربه
2218 -
وقلمَه ظفُرَه لو أخذا
…
بثوبه ما قد تساقط إذا
2219 -
وللبراغيث به لا تقتل
…
وما لها شابه مثل القمل
(1)
رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: واظب على الذكر البيت، معناه أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى فقد قال سبحانه وتعالى:(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) وقال سبحانه وتعالى: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) وقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) وقال سبحانه وتعالى: (واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) وقال سبحانه وتعالى: (ولذكر الله أكبر) وفي الحديث الشريف " مثل البيت الذي يُذكَر الله سبحانه وتعالى فيه والبيت الذي لا يذكر الله سبحانه وتعالى فيه مثل الحي والميت "
(1)
وفيه " ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله سبحانه وتعالى "
(2)
وفي الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "
(3)
قوله: فذكر الله جل البيت، أشار به إلى ما جاء عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - من أنه قال: ما عمل امرؤ من عمل أنجى له من عذاب الله سبحانه وتعالى من ذكر الله سبحانه وتعالى،
(4)
وروي مرفوعا إلى النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ
(5)
.
(1)
رواه مسلم.
(2)
رواه الترمذي وابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه الترمذي وابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد، وهو صحيح.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني بإسناد حسن.
قوله: ولكن الذكر أشار به إلى ما جاء عن عمر - رضي الله تعالى عنه - من أنه قال: أفضل من ذكر الله سبحانه وتعالى باللسان ذكر الله سبحانه وتعالى عند أمره ونهيه، ومعناه أن امتثال الواجبات، وترك المحرمات، أفضل من الذكر باللسان، فأفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى أداء ما افترض عليه.
قوله: واعن بما من الدعاء الأبيات الثلاثة، معناه أنه ينبغي للمرء أن يعتني بالأذكار الواردة عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في أوقات معينة، وأحوال مخصوصة، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، والخروج من المنزل ودخوله، ودخول الخلاء والخروج منه، والسفر والأوبة منه، وما جاء من التعوذ من المخاوف والفتن، فذلك أمان من شرور الدنيا والآخرة، وسبب لصلاح الحال في الدنيا والآخرة، وقد سئل الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله سبحانه وتعالى عن القدر الذي يصير به الإنسان من الذاكرين الله سبحانه وتعالى كثيرا والذاكرات، فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء، في الأوقات والأحوال المختلفة، ليلا ونهارا، كان من الذاكرين الله سبحانه وتعالى كثيرا والذاكرات، ومما جاء عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كان يدعو به صباحا " اللهم بك نُصبِح وبك نُمسي، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور "
(1)
ويقول مثل ذلك في المساء، إلا أنه يقدم نمسي على نصبح، ويبدل النشور بالمصير، ورواية الأكثرين بلفظ الماضي " أصبحنا " و " أمسينا "
(2)
وبالمصير في الصباح والنشور في المساء،
(3)
وبالمصير فيهما،
(4)
وبالنشور فيهما،
(5)
(1)
رواه الدورقي وابن جرير وصححه.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(3)
هو رواية الترمذي.
(4)
وهو رواية ابن أبي شيبة في مصنفه.
(5)
وهو رواية أبو داود ..
وجاء أيضا عنه أنه كان يدعو " أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم وشر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر " ويقول مثل ذلك في المساء، إلا أنه يبدل " أصبحنا وأصبح الملك " بأمسينا وأمسى الملك، ويبدل اليوم بالليلة،
(1)
وجاء عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يقول: اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك نصيبا في كل خير تقسمه الغداة ونورا يهدي، ورحمة تنشرها، ورزقا تبسطه، وضرا تكشفه، وبلاء ترفعه، وفتنة تصرفها،
(2)
وجاء عنه غير ذلك مما يطلب من كتب الأدعية، وقد ذكر سيدي زروق رحمه الله سبحانه وتعالى أن أول الصبح طلوع الفجر، ولكن المرغب فيه ما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، والمرغب فيه مساء عند اصفرار الشمس أو قربه يسيرا أو بعده إلى النوم.
(1)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
(2)
رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول عند النوم: " باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفَظها بما تحفَظ به عبادك الصالحين
(1)
" " باسمك اللهم أموت وأحيا "
(2)
" اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنيك الذي أرسلت "
(3)
" اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك "
(4)
يقولها واضعا يده اليمنى تحت خده، ومما جاء أنه كان يدعو به عند الاستيقاظ " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور "
(5)
ومما جاء أنه يدعى به عند الخروج من المنزل " بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، "
(6)
" اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَزِلّ أو أُزَلّ، أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أَجهَل أو يُجهَل علي "
(7)
ومما جاء أنه يدعى به عند دخول المنزل قبل السلام على الأهل " اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا "
(8)
ومما جاء أنه يدعى به عند دخول الخلاء " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "
(9)
ومما جاء أنه يدعى به عند الخروج منه " غفرانَك "
(10)
(1)
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
(2)
متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم " اللهم باسمك أحيى وباسمك أموت ".
(3)
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
(4)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(5)
متفق عليه.
(6)
رواه أبو داود والترمذيي، وهو حديث صحيح.
(7)
رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد بألفاظ أخرى متقاربة، وهو حديث صحيح.
(8)
رواه أبو داود، قال النووي في الأذكار لم يضعفه أبو داود.
(9)
متفق عليه.
(10)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح ..
ومما جاء أنه يدعى به في السفر ما في الصحيح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره كبر ثلاثا، ثم قال:" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّنْ علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وَعْثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد " وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن " آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون "
(1)
وفي الصحيح أن من قال:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " مائة مرة في يوم، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك
(2)
وروى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ أن رجلا من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة، فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" من أي شيء؟ " فقال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك "
(3)
وفي الخبر أن من قالها حين ينزل منزلا لم يضره شيء حتى يرتحل،
(4)
(1)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ زاد مسلم " ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ".
(3)
ورواه مسلم وأبو داود.
(4)
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والإمام مالك والدارمي والإمام أحمد ..
وجاء أن من قال: " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثلاثا صباحا وثلاثا مساء لم تصبه فجأة بلاء،
(1)
وجاء أن من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر في ليلة بعث الله سبحانه وتعالى له سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يصبح، وإن قالها نهارا فكذلك حتى يمسي،
(2)
(1)
رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
رواه الدارمي بإسناد حسن ..
وفي الموطإ أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - رأى ليلة أسري به عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - رآه، فقال له جبريل - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفيت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" بلى " فقال جبريل - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان " وفيه أيضا عن كعب الأحبار أنه قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق، وبرأ، وذرأ، قال مالك - رحمه الله تعالى -: يستحب للرجل إذا دخل منزله أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهو في كتاب الله سبحانه وتعالى، يعني قوله سبحانه وتعالى:(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) قوله: ويكره العمل الأبيات، معناه أن العمل في المساجد مكروه، كالخياطة ونحوها، فقد أذن الله سبحانه وتعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وقد جاء أن أعرابيا أنشد في المسجد جملا، فقال رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له "
(1)
(1)
رواه مسلم وابن ماجة والإمام أحمد ..
ونهى مالك - رحمه الله تعالى - عن قلم الأظافر، وقص الشارب، وقتل البراغيث ونحوها فيها، وإن جمع ما يقع من ذلك، ورفعه خارج المسجد، وكره أن يتسوك فيه، من أجل ما يخرج من السواك من فيه، قال: ولا أحب أن يتمضمض في المسجد، وليخرج لفعل ذلك، وكره الوضوء فيه، وإن جمعه في طست، وكان بعضهم إذا أراد أن يبصق من كوته لم يبصق حتى يخرج رأسه، مخافة أن يتطاير شيء من ريقه في المسجد، وسئل مالك - رحمه الله تعالى - عن الذي يأكل اللحم في المسجد؟ فقال: أليس يخرج يغسل يديه؟ قيل: بلى، قال: فليخرج ليأكل مثل هذا.
وقوله: إلا الذي خف، أشار به إلى قول مالك - رحمه الله تعالى - حين سئل عن الأكل فيه: أما الشيء الخفيف مثل السويق، ويسير الطعام، فأرجو، ولو خرج إلى باب المسجد لكان أعجب إلي، وأما الكثير فلا يعجبني ولا في رحابه.
وقد جاء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن "
(1)
قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وقد بنى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - رحبة بناحية المسجد، تسمى البطيحاء، وقال: من أراد أن يلغط، أو ينشد شعرا، ويرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة،
(2)
وكان عطاء بن يسار إذا مر به من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معه؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه في المسجد، قال: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق وجاء في الأخبار أن عمر - رضي الله تعالى عنه - سمع رجلا صوت في المسجد، فقال: ما هذا الصوت؟! أتدري أين أنت؟! وجاء أن خَلَف بن أيوب كان جالسا في مسجده فأتاه غلامه يسأله عن شيء، فقام وخرج من المسجد وأجابه، فقيل له في ذلك، فقال: ما تكلمت في المسجد بكلام الدنيا منذ كذا وكذا، وقد قال سبحانه وتعالى:(ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) وقال سبحانه وتعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وأنكر مالك - رحمه الله تعالى - القصص في المسجد، وقال: لا أرى أن يجلس إليهم، وإن القصص لبدعة، وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب، وكان ابن المسيب - رحمه الله تعالى - وغيره يتحلقون والقاص يقص، وقال: نهيت أبا قدامة أن يقوم بعد الصلاة فيقول: افعلوا كذا، وأكره التابوت الذي يجعل في المسجد للصدقة، وأكره المراوح التي في مقدم المسجد، التي يروح بها الناس، وأكره أن يتكلم بألسنة العجم في المسجد.
2220 -
ومن يكن ضيفا ببدو حلا
…
بياته بمسجد قد حلا
2221 -
لا تَقْرَ في الحمام إلا النزرا
…
وجوزوا لراكب اَن يقرا
(1)
رواه مسلم، وأصله متفق عليه.
(2)
رواه الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطإ.
2222 -
وهكذا مضطجع، والراجل
…
بين القرى ذاك له محلل
2223 -
وكرهوا لمن مشى للسوق
…
قراءةَ القرآن بالطريق
2224 -
وبعضهم إن يك ذا تعلم
…
فاعل ذاك للجواز يعتمي
قوله: ومن يكن ضيفا ببدو حلا البيت، معناه أن مالكا - رحمه الله تعالى - أرخص في مبيت الغرباء بمسجد البادية، وأكلهم فيها.
وقوله: لا تقر في الحمام إلا النزرا، معناه أنه لا ينبغي أن يقرا القرآن في الحمام، لأنه من المواضع الدنيئة، فيعظم القرآن الكريم عن أن يقرأ فيه، وقد قال مالك - رحمه الله تعالى - حين سئل عن القراءة فيه: ليس الحمام بموضع قراءة، وإن قرأ الإنسان الآيات فما بذلك بأس، وقال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: لا يقرأ فيه القرآن إلا للتعوذ ونحوه، وذلك بالآيات اليسيرة، والزيادة مكروهة، كما أن الجنب لا يقرأ إلا كذلك، وإلا فقد فعل حراما.
قوله: وجوزوا لراكب إلخ، معناه أن قراءة الراكب والمضطجع جائزة بلا كراهة، وكذلك الذي يخرج إلى قريته ماشيا، وأما الماشي في القرية إلى السوق فلا ينبغي أن يقرأ القرآن الكريم، إلا الآيات اليسيرة، لغلبة النجاسة والأقذار، وقيل بتخفيف ذلك في حق المتعلم لضرورة الاستحضار.
2225 -
وختمك القرآن كلَّ جمعه
…
مستحسن فاجتهد أن لا تدعه
2226 -
وجعلوا تدبر اليسير
…
أفضل من قراءة الكثير
2227 -
وقد رُوي أن الرسول المنتقى
…
لم يختمنْ قبل الثلاث مطلقا
قوله: وختمك القرآن البيت، معناه أن ختم القرآن الكريم كل أسبوع حسن، قال السيوطي - رحمه الله تعالى - في الإتقان: وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم.
وفي الصحيح أن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال لي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " اقرأ القرآن في كل شهر " قلت: إني أجد قوة، قال:" فاقرأه في عشرين ليلة " قال: قلت: إني أجد قوة، قال:" فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك "
(1)
وذكر أن بعضهم كان يختم أكثر من مرة في اليوم والليلة، وذكر سيدي زروق - رحمه الله تعالى - أن أبا مدين - رحمه الله تعالى - كان يختم بين الباب وطرف الحجر ختمات كثيرة، وقد جاء في الصحيح " لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله سبحانه وتعالى القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار "
(2)
وجاء عن الإمام ابن لب - رحمه الله تعالى - أنه قال: خطر لي خاطر خير، والعاصي قد يخطر له خاطر خير، فأردت أن أجعل على نفسي وظيفة، من ذكر، أو تلاوة، وترددت في أي ذلك أفضل، فأُنشدت في النوم:
إذا الأحباب فاتهم التلاقي
…
فما صلة بأنفع من كتاب
فلما استيقظت علمت أن قراءة القرآن الكريم أفضل.
(1)
متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي لفظ للبخاري: فما زال حتى قال " في ثلاث ".
(2)
متفق عليه.
قوله: وجعلوا تدبر اليسير البيت، معناه أن قراءة اليسير مع التدبر، أفضل من قراءة الكثير دون تدبر، فقراءة جزء بترتيل، أفضل من قراءة جزئين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل، فقد قال سبحانه وتعالى:(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وقال جل من قائل سبحانه وتعالى: (أفلا يتدبرون القرآن) قال السيوطي - رحمه الله تعالى -: وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه في ما مضى، اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة، استبشر وسأل، أو عذاب، أشفق وتعوذ، وتنزيه، نزه وعظم، أو دعاء، تضرع وطلب، أخرج مسلم عن حذيفة - رضي الله تعالى عنهما - قال: صليت مع النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرة فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح، سبح، وإذا مر بسؤال، سأل، وإذا مر بتعوذ، تعوذ.
(1)
قوله: وقد روي أن الرسول البيت، معناه أنه جاء في بعض الأخبار أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يختم القرآن الكريم في أقل من ثلاث،
(2)
وقد جاء أنه قال: " لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث "
(3)
قال النووي - رحمه الله تعالى -: المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذلك من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات، أو غير ذلك من مهمات الدين، والمصالح العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليكثر ما أمكنه، من غير خروج إلى حد الملل، والهذرمة في القراءة.
(1)
ورواه أيضا النسائي والإمام أحمد.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
2228 -
ولا تسافرنْ إلى بلدان
…
الاعدا كراهة أو السودان
2229 -
وقطعة من العذاب السفر
…
صح بذا عن النبي الخبر
2230 -
صلى وسلم عليه الله
…
والال والصحب ومن تلاه
2231 -
فلا تكن لغير داع ذا سفر
…
وعجل الأوبَ إذا نلت الوطر
2232 -
وسفر المرأة دون محرم
…
يوما وليلة من المحرم
2233 -
ومالك بحجة الفرض معا
…
رفقة إن تؤمنْ لها قد وسعا
2234 -
والحنفي ذاك من الممتنع
…
برأيه وهو قول النخعي
قوله: ولا تسافرن إلى بلدان البيت، معناه أن السفر إلى بلاد الكفر ـ سواء كان أهلها سودانا أو غيرهم ـ منهي عنه، وذلك لجري أحكامهم عليه، وعدم السلامة من رأي عوراتهم، والاضطرار إلى أطعمتهم، مع عدم أمن النجاسة، وغير ذلك من الأمور، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى - وفي المدونة: شدد مالك - رحمه الله تعالى - الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب، لجري أحكام المشركين عليهم، عياض: إن تحقق ذلك حرم، ويختلف إذا لم يتحقق، وتؤولت المدونة بالكراهة والتحريم.
وفي الحديث " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " قالوا: يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ولم؟ قال: " لا تراءى ناراهما "
(1)
قوله: وقطعة من العذاب السفر الأبيات الثلاثة، أشار به إلى حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال:" السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نَهمته من وجهه فليعجل إلى أهله "
(2)
ولا ينبغي أن يسافر الرجل وحده، وفي حديث الموطإ " الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب "
(3)
وفيه أيضا أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: " الشيطان يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم " ويندب أن يدخل في صدر النهار، ولا يأتي أهله طروقا، فيمهل حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، ويندب أن يبدأ بالمسجد ويصلي فيه ركعتين، كما جاء من فعله صلى الله تعلى عليه وسلم،
(4)
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن من طالبته أمه بالمبيت عندها يوم قدومه، وطلبته زوجته بذلك، فقال: يبيت عند زوجته، لأن حقها في مقابلة أمر، بخلاف أمه
…
قوله: وسفر المرأة دون محرم البيت، معناه أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع زوجها، أو ذي محرم منها، لحديث الصحيح " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها "
(5)
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: اليوم والليلة مظنة تهيئ المكروه من الأجنبي لها، ومطاوعتها له، فلذلك منع وتهيؤ ذلك في ما دون ذلك مع الناس بعيد.
(1)
رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
(2)
متفق عليه.
(3)
ورواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(4)
متفق عليه.
(5)
متفق عليه، وهذا لفظ الإمام مالك.
وهذا التعليل يقتضي أن العبرة بالزمن، فلو كانت تقطع مسافة كثيرة في أقل من ذلك لم يكن ممنوعا والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في المقدمات: وهذا معناه في الشابة، وأما المتجالة التي انقطعت حاجة الناس منها فلا بأس أن تسافر مع غير ذي محرم، بدليل قول الله عز وجل:(والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) وفي ما عدا الهجرة إلى بلد الإسلام من بلد الكفر، إذا أسلمت فيه، وفي ما عدا السفر إلى حج الفريضة، لأن هجرتها إلى بلد الإسلام مخصصة من عموم الحديث بالإجماع، والسفر إلى الحج مخصص منه بالقياس على الإجماع.
وقد يقال إن القياس في ذلك غير بين، لأن سفر المهاجرة مع الرفقة ارتكاب لأخف الضررين، وقوله في المتجالة: لا بأس أن تسافر مع غير ذي محرم، يعني حيث لا تكون خلوة.
قوله: ومالك بحجة الفرض البيت، معناه أن مالكا - رحمه الله تعالى - أجاز لها السفر في حج الفريضة خاصة مع الرفقة المأمونة، وظاهر نقل الشيخ - رحمه الله تعالى - في جامعه أنه إنما ذكر ذلك في المتجالة خاصة، وهو خلاف ما سبق في كلام ابن رشد من اختصاص الحديث بالشابة، وأن الشابة هي التي لا تخرج إلا في سفر الفرض، ونقله النووي عن الباجي - رحمهما الله سبحانه وتعالى وقال: لا يوافق عليه، لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع في الأسفار من سفل الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز، لغلبة شهوته، وقلة دينه انتهى ونقل بعضهم أن الجمهور على استواء الشابة والمتجالة في ذلك، واقتصر عليه سيدي خليل - رحمه الله تعالى - في منسكه، ونقل في المواهب عن القاضي عبد الوهاب وغيره عدم اختصاص جواز السفر في الرفقة المأمونة بحج الفريضة، وأنه جار في الأسفار الواجبة كلها، ونقل عن الباجي - رحمهما الله تعالى - أنه قيد التفصيل المذكور بالعدد القليل، قال: وأما القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوي محارم، ونقل عن الزناتي أنه نقل عن القابسي الاتفاق على ذلك.
قال: وهل يشترط في المحرم البلوغ أو يكفي فيه التمييز ووجود الكفاية، لم أر فيه نصا، والظاهر أنه يكفي في ذلك وجود الكفاية.