الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع
1054 -
ألنُّكْحُ لا يصح دون الاوليا
…
ولا بدون شاهدين زُكِّيا
1055 -
ولا بغير مهر أيضا كملا
…
ربُعَ دينار، أو الذْ عادلا
1056 -
وحيث الاشهاد بعقد لم يقع
…
فقبل الاشهاد بناؤه امتنع
قال الجوهري: النكاح الوطء، وقد يكون العقد، وقال ابن جني: سألت أبا علي الفارسي عن قولهم نكحها، فقال: فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا المجامعة، لأن بذكر المرأة والزوجة يستغنى عن العقد، وإذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها، وقال القاضي عياض في التنبيهات: أصل النكاح في وضع اللغة: الجمع والضم، يقال نكحت البر في الأرض إذا حرثته فيها، ونكحت الحصى أخفاف الإبل إذا دخلت فيها، ثم استعمل في الوطء، وهو في عرف الشرع يطلق على العقد، لأنه بمعنى الجمع، ومآله إلى الوطء، وقد جاء في كتاب سبحانه وتعالى وحديث النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كثيرا للعقد، وهو أكثر استعماله في الشرع، قال الله سبحانه وتعالى:(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)(ولا تنكحوا المشركات حتى يومنَّ)(ولا تنكحوا المشركين حتى يومنوا)(فانكحوا ما طاب لكم من النساء)(فانكحوهن بإذن أهلهن) ويبعد أن يراد بها الوطء، إذ الوطء عموما منهي عنه بغير عقد، وقد ورد أيضا بمعنى الوطء في قوله سبحانه وتعالى:(حتى تنكح زوجا غيره) نقله في الشفاء.
ومعنى الأبيات أن النكاح لا يصح دون ولي، وشهود، وصداق، كما دلت عليه الأخبار الصحيحة، أما الولي فقال اللخمي - رحمه الله تعالى -: الأصل في الولي قوله سبحانه وتعالى: (ولا تُنكحوا المشركين) فهذا خطاب للرجال أن لا يزوجوا المسلمات من المشركين، ولم يرد الخطاب للنساء أن لا يتزوجن المشركين، وقوله سبحانه وتعالى:(فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) نزلت في معقل بن يسار لما منع أخته أن تراجع زوجها،
(1)
وقوله سبحانه وتعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين).
(1)
رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
وفي الحديث " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "
(1)
ويشترط في الولي عندنا أن يكون حرا مكلفا ذكرا مسلما غير محرم بحج ولا عمرة، والأكمل أن يكون عدلا، واختلف في شرط الرشد، فلا ولاية لعبد، وابنته الحرة كاليتيمة، ولا ولاية لصبي، ولا مجنون، ولا معتوه، ولا امرأة، ولا كافر في مسلمة، ولا يصح عقد ولي محرم، والعدل أولى من مساويه الذي ليس بعدل، وكذلك القول في الرشيد، قال الشيخ أبو الحسن: واختلف هل من شرطه أن يكون عدلا رشيدا، فأجاز القاضي أبو الحسن علي بن القصار أن يكون فاسقا، وكرهه القاضي أبو محمد عبد الوهاب مع وجود عدل، وإن عقد جاز، وقال أشهب في العتبية: لا يزوج إذا كان سفيها مولى عليه، وفي كتاب ابن أشرس عن مالك في المرأة لا يكون لها ولي إلا وليا مولى عليه: ليس له أن يستخلف من يزوجها وإن رضيت، لأنه لا نكاح لسفيه، وقال أبو مصعب: النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده، وساوى بينه وبين ما كان العاقد له عبدا أو امرأة، وقد يحتمل قوله: إنه فاسد إذا كان ذلك بغير رضى من وليه ولا مطالعته لأنه لا ينبغي أن يعقد السفيه من غير وليه فقد تضع نفسها في دناءة، وفي من تلحق منه مضرة، فيكون له رده، فكل نكاح انعقد بغير مطالعته كان على الوقف والاختيار.
وأما الصداق فلقوله سبحانه وتعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) وقوله سبحانه وتعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقوله سبحانه وتعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) الآية الكريمة.
قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ويشترط فيه أن يكون منتفعا به متمولا.
(1)
رواه ابن حبان من رواية عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ وقال: لا يصح ذكر الشاهدين إلا في هذا الحديث.
وقال المتيطي: النكاح على الخدمة والحج وغير ذلك مكروه عند مالك، والمشهور أنه لا يفسخ دخل أو لم يدخل كان معه مهر أو لم يكن، نقله في التاج.
ويشترط فيه ما يشترط في المعقود عليه في البيع من الطهارة، والمنفعة الشرعية، وعدم النهي، والسلامة من الغرر الكثير، والقدرة على التسليم والتسلم، وغير ذلك، ولا بد من بيان السكة فإن سقط ذكرها كان لها السكة الجارية في البلد في تاريخ النكاح، فإن اختلفت أخذ من الأغلب، فإن تساوت أخذ من جميعها بالسوية، المتيطي: وهذا قول ابن القاسم الذي أجاز ذلك، وأما على قول سحنون الذي يقول لا يجوز حتى يسمي الجنس فيكون عليه وسط من ذلك الجنس، فإن وقع مجملا فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل، فينبغي أيضا على مذهب سحنون هذا لا يجوز حتى يسمي سكة الدنانير التي وقع النكاح بها والله سبحانه وتعالى أعلم نقله في المواهب.
وأقل الصداق على المشهور من المذهب ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما فيه وفاء بقيمة أحدهما، وقال ابن وهب يجوز بالدرهم والسوط والنعل أخذا بخبر خاتم الحديد ولا حد لأكثره إجماعا، لقوله سبحانه وتعالى:(أو آتيتم إحديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وتكره المغالاة فيه، لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها "
(1)
وقد يتنسم ذلك من مقابلة الجمع بالمفرد في الآية الكريمة (آتيتم إحداهن).
(1)
رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
قال في المقدمات: وقال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: لا تغالوا في مهور النساء فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله عز وجل كان أوليكم به النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم - ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثني عشر أوقية، ألا وإن أحدكم ليغلي صداق امرأته حتى يبقي لها عداوة في نفسه، فيقول لها: لقد كلفت لك حتى علق القربة.
هذا وقد سئل مالك - رحمه الله تعالى - عمن يكتسب مالا حراما فيتزوج به أيخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنى؟
فقال: إني والله العظيم لأخافه ولكن لا أقوله.
ابن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنى هو أن الله سبحانه وتعالى إنما أباح الفرج بنكاح أو بملك يمين، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" لا نكاح إلا بولي وصداق " فنفى أن يكون نكاحا جائزا إلا على هذه الصفة، والمتزوج على حرام لم يتزوج بصداق، إذ ليس المال الحرام بمال، فإذا وطئ به فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح أباحه الشرع، نقله في المواهب.
وأما الإشهاد فقد تقدم الحديث فيه، وهو واجب عندنا قبل الدخول، مستحب عند العقد، فإذا أشهدا عند العقد كفى ذلك، وإن لم يشهدا عنده صح النكاح ولا يجوز الدخول حتى يشهدا، وهذا إن لم يقصدا إلى الاستسرار بالعقد، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: فإن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح، ويشهدان في ما يستقبل، إلا أن يكونا قصدا إلى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن نكاح السر، ويؤمر أن يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد، فإن دخلا في الوجهين جميعا فرق بينهما وإن طال الزمان بطلقة، لإقرارهما بالنكاح، وحدا إن أقرا بالوطء إلا أن يكون الدخول فاشيا، أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بالشبهة.
ومثل الفشو وشهادة الواحد استفتاؤهما كما قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى - وإن ولدت لحق الولد به الولد، لتشوف الشرع إلى اللحوق، وما ذكره بعض أهل البلد من عدم اللحوق في مثل ذلك غلط إن شاء الله تعالى
(1)
(1)
من أهم المسائل التي عول عليها، الإجماع على أن النسب لا يثبت إلا بالشاهدين، وأن التلازم الذي نظمه ابن عاصم لا يتناول ما ليست فيه بينة، لعدم صدق حد النكاح الذي في حدود ابن عرفة ـ رحمه الله تعالى ـ عليه، وأن اللخمي ذكر أن من الحرام ما يندرئ فيه الحد ولا يلحق فيه الولد، وأنه ليس في الحقوق ما يثبت بشاهد، والجواب عن الأمر الأول أن الإجماع على اعتبار الشاهدين في النسب، لا يستلزم الإجماع على مثل ذلك في سبب النسب، فالمراد بأن النسب لا يثبت إلا بشاهدين، ما إذا ادعى النسب استقلالا، بأن يقول: أنا ابن فلان، أو أخوه، أو عمه، وأما لحوق الولد فلا يتوقف على ذلك على وجه مطرد، فسيد الأمة إذا أقر بوطئها ولم يدع استبراءها، وثبت بشهادة امرأتين أنها ولدت ولدا، لحق به، وإن أنكره، وإن كان ملكه لها غير ثابت إلا بشاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، أو إقرار من ثبت ملكه عليها قبله، والمولود للطارئين لاحق مع أن نكاحهما ثابت بمجرد تصادقهما، وكذلك الولد في الشبهة، فالشبهة لا يطلب فيها شاهدان، بل مجرد دعواه الاشتباه مقبول حيث لا يستبعد، وقد نصوا على جريان اللعان فيها كالزوجية، ولم نجد من فرق بين شبهة وشبهة، فعلى المفرق بينهما بيان النص الدال على ذلك، وقد تقدم في كلام القرافي في الذخيرة في عد ما يتسبب عن مغيب الحشفة، أن من ذلك لحوق الولد في وطء الشبهات، بصيغة الجمع المعرف، وأما ما ذكره من أن القاعدة التي عقد ابن عاصم خاصة بما عليه بينة إلخ فغير بين، ومما يدل على ذلك قول مالك ـ في مسألة المرأة التي ظهر بها حمل وقالت من فلان، فقد تزوجني، بعد ما قال بحدها إن لم تقم بينة، فقالوا له: أيثبت نسب هذا الولد؟ ـ: إذا أقيم الحد لم يثبت نسب، فمقتضى هذا جريان هذا الضابط في ما لا بينة فيه، وإلا لقال: ليس هذا بنكاح، ومما يدل عليه قولهم: لا يجتمع الحد والنسب إلا في مسائل، ومن هذه المسائل ما ليس بنكاح أصلا، فدل على أن البحث مفروض في ما هو أعم من النكاح، وأما قول اللخمي إن من الحرام ما يندرئ فيه الحد ولا يلحق فيه الولد، فالجواب عنه أننا لا ندعي لزوم اللحوق في وطء الشبهة مطلقا، وإنما ندعي سببية الشبهة للحوق في من ليست فراشا، وأما المتزوجة والسرية فولدهما لاحق بالزوج والسيد، لا بالمشبه، لما هو متقرر من أن " الولد للفراش " وأما ما ذكره من أنه لا يعلم حق يثبت بشاهد، فغير وجيه أيضا، فالحق قد يثبت بمجرد القرينة، ولا يعني ذلك أن القرينة نصاب، يثبت به في كل موضع، وبالجملة فاللحوق في مسألة الشبهة، والطارئين، وغيرهما، كاف في أن النسب قد يثبت دون شاهدين، والوجه في التلازم المذكور أن الولد أعذر من الأبوين، فإذا عذرا بالشبهة في جهة درء الحد، توجه أن يعذر في ناحية اللحوق، مع ما هو معلوم من تشوف الشرع للحوق، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
ولا يعتد في الشهود بشهادة الولي وإن لم يتول العقد، فلا يثبت بها النكاح ولا يندرئ بها الحد، وقد سئل اللخمي - رحمه الله تعالى - عمن زوج أخته البكر بإذن وصيها هل يتم النكاح بشهادة الوصي لعدالته؟
فأجاب لا يجوز شهادة الوصي في النكاح إذ هو المنكح، نقله في المواهب.
1057 -
وجاز أن يُنكح بنتا بكرا
…
الابُ، ولو بعد البلوغ جبرا
1058 -
وغيره تزويجه البكر معا
…
صبوة، أو دون إذن منعا
1059 -
لكنَّ صمتَها في الاستئذان
…
كاف عن المنطق باللسان
1060 -
وليس ذاك كافيا في الثيب
…
كان الولي الابَ أو غير الاب
قوله: وجاز أن ينكح بنتا بكرا البيت، معناه أن الأب له أن يجبر بنته البكر دون غيره من الأولياء، وذلك لما جبله الله سبحانه وتعالى عليه من الحنان عليها والشفقة والرأفة والحرص على المصلحة، وفي الحديث " الثيب أحق بنفسها "
(1)
وفيه أن اليتيمة تستأمر،
(2)
واللقب إذا تضمن معنى يناسب اختصاصه بالحكم واقتضى السياق قصده كان في معنى الصفة، وذلك حاصل في الحديثين، كما أن الصفة إذا دلت القرينة أنها لم ترد تقييدا كانت في معنى اللقب، وأيضا قد علم من الشرع جواز تزويج الصبية، ومعلوم أن رضاها كالعدم، ولا فرق في جبر البكر بين الصغيرة والبالغ، ولا بين العانس وغيرها، ما لم ترشد وليس له جبرها على رقيق، أو معيب، قال ابن عبد الحكم وأصبغ وابن الماجشون رحمهم الله تعالى: وإن زوج الأب بنته من خصي أو مجبوب أو عنين على وجه النظر لزمها، وقال سحنون: إن أبت البنت من ذلك كان للسلطان منعه، نقله في التاج.
(1)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والدارمي والإمام مالك والإمام أحمد.
(2)
حديث " تستأمر اليتيمة، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها " رواه أبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.
ويستحب للأب استئمار البكر وعلى ذلك حمل الأمر به في الحديث عند الجمهور، وكذلك يستحب استئمار أمها، وقد روى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال:" آمروا النساء في بناتهن ".
ويجوز للأب أيضا جبر الثيب الصغيرة للمعنى الذي أسلفنا من جواز تزويجها وكون إذن الصبي كالعدم، وتجبر الثيب الكبيرة إذا ظهر منها الفساد ولم يقدر الولي على صيانتها، أو لم يكن لها ولي يصونها قاله اللخمي، قال: واستحسن أن يرفع ذلك مع عدم الأب إلى حاكم، فيجتهد في من يزوجها منه، فإن زوجها ولي من غير حاكم مضى فعله عليها.
قوله: وغيره تزويجه البيت، معناه أنه ليس لغير الأب من الأولياء تزويج البكر حتى تبلغ وتأذن، وذلك لحديث " اليتيمة تستأمر " وقد علم بطلان تصرف الصبي، وللوصي الجبر إذا عين له الأب رجلا يزوجها له، لأن الأب هو الذي جبرها في الحقيقة، وإنما وكله على تولي العقد، واختلف إذا لم يعين له الزوج، قال اللخمي: المعروف من قول مالك - رحمه الله تعالى - أن للمقام إجبارها وإنكاحها ممن يراه حسن نظر لها قبل البلوغ وبعده، والأحسن قول عبد الوهاب أنه لا يجبرها، نقله في التاج.
وهذا ما لم تخش عليها الضيعة، قال مالك في صبية بنت عشر سنين في حاجة تتكفف الناس: لا بأس أن تزوج برضاها لمكان ما هي فيه من الخصاصة والكشفة، وهذا أحسن لتغليب أخف الضررين قاله اللخمي.
قوله: لكن صمتها البيت، معناه أن البكر التي تستأمر يكفي في إذنها صمتها وما في معناه مما يدل على رضاها، لما يلحقها من الحرج في التصريح.
وقد استثنى الأئمة من ذلك صورا لمعان تخصها، ولخروج الصورة النادرة، وهي ما إذا زوجت بمعيب ونحوه، قطعا لعذرها، أو عضلها وليها فزوجها الحاكم، أو تزوجت بعرض وهي من قوم لا يتزوجون بذلك، واستثنوا كذلك المرشدة لحصول المعنى الذي يظن أنه وجه اشتراط نطق الثيب فيها والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الثيب التي لا تجبر فلا بد في رضاها من نطقها ولا يكفي صمتها سواء زوجها أبوها أو غيره من الأولياء.
1061 -
ولم يجز تزويج مرأة بلا
…
إذن وليها أو الذْ وكلا
1062 -
أوِ اِذْنِ ذي الرأي من الأهالي
…
أعني العشيرة أوِ اِذن الوالي
1063 -
والخلف في تولية الأجانب
…
من التي بنكحها لم يُرْغَب
1064 -
وقدمنْ الابنَ هنا على الاب
…
على المشهر عنَ اَهل المذهب
1065 -
وقدمنْ على أخ أيضا الابا
…
فالعاصب الأقرب ثم الاقربا
1066 -
ولكنِ اِن زوجها الأبعدُ معْ
…
وجود الاقرب مضى ما قد صنع
1067 -
ولا ولاية لغير العصبه
…
من ذوي الارحام هناك قاطبه
قوله: ولم يجز تزويج مرأة البيتين، أشار به إلى قول عمر - رضي الله تعالى عنه كما في الموطإ -: يزوج المرأة وليها أو ذو الرأي من أهلها أو السلطان، قال في التبصرة: واختلف في معنى قوله: ذو الرأي من أهلها، فقيل هو الرجل له الصلاح والفضل، وقيل هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور، وكلا القولين يحتمل أن يكون هو المراد، واختلف أيضا في معنى قوله: من أهلها، فقال ابن نافع عن مالك: هو الرجل من العصبة، وقال ابن القاسم عنه: هو الرجل من العشيرة، وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: هو الرجل من البطن، وعصبة الرجال: أقاربه من قبل الرجال، ثم البطن وهو أوسع من العصبة، ثم الفخذ، بإسكان الخاء، ثم القبيل.
قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: وقول عمر - رضي الله تعالى عنه - على الترتيب عند اللخمي، وعلى التخيير عند الباجي، ولا يكون الحاكم وليا في النكاح حتى يثبت عنده أربعة عشر فصلا، وهي كونها صحيحة، بالغة، غير مولى عليها، ولا محرمة على الزوج، وأنها حرة، وأنها بكر أو ثيب، وأن لا ولي لها أو عضلُه لها أو غيبته عنها، وخلوها من الزوج والعدة، ورضاها بالزوج والصداق، وأنه كفؤ لها في الحال والمآل، وأن المهر مهر مثلها في غير مالكة أمر نفسها، وإن كانت غير بالغ فيثبت فقرها، وأنها بنت عشرة أعوام فأكثر.
قوله: والخلف في تولية الأجانب البيت، أشار به إلى ولاية الإسلام، والمعنى أنه اختلف في تزويج الأجنبي الدنيئة التي لا يرغب فيها لأمر من الأمور بإذنها، ولو من نفسه مع وجود ولي خاص لا جبر له كالأخ والعم، والمشهور جوازه وصحته وهي رواية ابن القاسم، وروى أشهب أنه لا يصح بها النكاح لا في دنيئة ولا شريفة، وروى عبد الوهاب صحته بها فيهما وهو ظاهر رواية ابن المواز، قاله سيدي زروق - رحمه الله تعالى -.
والمشهور الأول.
قوله: وقدمنْ الاب البيت، أشار به إلى ترتيب الأولياء، فذكر أن ابن المرأة مقدم على أبيها، وكذلك ابن ابنها، وهذا هو المشهور من المذهب، وقيل إن الأب مقدم على الأبناء، قال ابن عبد السلام: واختار بعض أشياخ أشياخي أن لا ولاية للابن في هذا الباب، إلا أن يكون من عشيرة أمه، وهو القياس، نقله ابن ناجي - رحمه الله تعالى - وخص في المواهب المشهور بما إذا لم تكن في حجر أبيها قال: أما إن كانت في حجر أبيها أو وصيها فالأب مقدم على الابن، وكذلك الوصي ووصي الوصي، قاله في الوثائق المجموعة وطرر ابن عات.
قوله: وقدمنْ على أخ البيت، معناه أن الأب أولى من الأخ، وهكذا الأقرب فالأقرب، والمشهور تقديم الأخ وابنه على الجد، وقال المغيرة: يقدم الجد عليهما، ويلي الجد على المشهور فيه العم وابنه، وهكذا الأقرب فالأقرب، وإن زوجها الأبعد مع وجود الأقرب صح النكاح، ولا يجوز ذلك ابتداء على المشهور في ذات القدر، كما أشار إليه بقوله: مضى، وفي المسألة أقوال كثيرة.
قوله: ولا ولاية لغير العصبه البيت معناه أنه لا ولاية لقرابة المرأة من جهة أمها كالأخ لأم، والخال، وأبي الأم، لعدم اشتراكهم معها في النسب الذي يلحقها العار بالتخلي عنه إذا كانت شريفة، وشرف النساء كرمهن ونحوه فهو أعم من شرف النسب.
1068 -
وجاز تزويج الوصي طفلا
…
بحجره، إذا رآه أولى
1069 -
أما الصبية فحيث أمره
…
الاب به جاز، وإلا فاحظره
1070 -
وخطب مخطوبة مرء مسلم
…
إذا تراكنا من المحرم
1071 -
وهكذا سوم الذي سام معا
…
ركون كل منهما قد مُنعا
قوله: وجاز تزويج البيت، معناه أن للوصي أن يزوج طفلا في حجره إذا رآه نظرا كما في المدونة، وهو المشهور، ومنعه سحنون، وعن المغيرة أن له ذلك في من يرغب فيها من ذوات الشرف أو المال.
قوله: أما الصبية فحيث أمره البيت، معناه أنه ليس للوصي تزويج الصبية إلا أن يأمره الأب بالجبر أو يعين له الزوج، وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله: وخطب مخطوبة البيتين، معناه أنه لا يجوز للمسلم خطب مخطوبة أخيه المسلم إذا ركنت إليه، وكذلك لا يجوز سوم ما سامه أيضا إذا حصل تراكن بينهما، بأن تقاربا وسكن كل منهما لصاحبه، وذلك للحديث الصحيح في النهي عن الأمرين،
(1)
وإذا تزوج الراكنة لغيره فقيل يفسخ مطلقا، وقيل يقر مطلقا، وقيل يفسخ قبل الدخول ويقر بعده، وقال ابن وهب - رحمه الله تعالى -: من تزوج بخطبته على خطبة آخر فتاب تحلل الأول، فإن حلله رجوت أنه مخرج له، وإن لم يحلله استحسنت له تركها دون قضاء عليه، فإن تركها فلم يتزوجها فللثاني مراجعتها بنكاح جديد نقله في التاج.
وأما إذا لم تركن إليه فيجوز خطبها لحديث فاطمة بنت قيس - رضي الله تعالى عنها -
(2)
وروي أن جرير بن عبد الله البجلي سأل عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما - أن يخطب عليه امرأة من دوس، ثم سأله مروان بن الحكم بعد ذلك أن يخطبها عليه، ثم سأله بعد ذلك ابنه عبد الله أن يخطبها عليه، فدخل على أهلها والمرأة جالسة في قبتها عليها سترها، فسلم عمر - رضي الله تعالى عنه - فردوا عليه السلام وهشوا له وأجلسوه، فحمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه، وصلى على نبيه - صلى الله تعالى عليه وسلم - ثم قال: إن جرير بن عبد الله البجلي يخطب فلانة وهو سيد أهل المشرق، ومروان بن الحكم يخطبها وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر يخطبها وهو من قد علمتم، وعمر بن الخطاب يخطبها، فكشفت المرأة عن سترها وقالت: أجادٌّ أميرَ المؤمنين؟
(1)
روى مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " لا يسوم المسلم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته "
(2)
أن معاوية وأبا جهم خطباها فأمرها صلى الله تعالى عليه وسلم أن تتزوج أسامة بن زيد ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ رواه مسلم وأبو داود والنسائي والإمام مالك والإمام أحمد.
قال: نعم، قالت: قد زُوجتَ يا أمير المؤمنين، زوجوه، فزوجوه إياها فولدت له ولدين.
نقله في المقدمات.
وسمع ابن القاسم: تقدم خطبة المسخوط مع تقارب الأمر بينهما لا يمنع خطبتها صالح، وينبغي للولي حضها على الصالح دونه نقله في التاج.
1072 -
والبُضْع بالبضع هو الشغار
…
وحكمه بالوفق الانحظار
1073 -
كذا نكاح متعة قد انحظل
…
بوفقهم، وهْو النكاح لأجل
1074 -
كذا النكاح حال الاعتداد
…
من غيره، وهو ذو فساد
1075 -
كذاك ما من النكاح لغرر
…
في العقد كالخيار أو في المهر جر
1076 -
كذاك ما وقع بالمحظور
…
بيعا، كمثل الخمر والخنزير
قوله: والبضع بالبضع البيت، البضع - بضم فسكون -: فرج المرأة، والشغار - بكسر الشين في الاجود، وسمع فتحها -: نكاح في الجاهلية، وهو أن يقول الرجل لآخر: زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي، على أن صداق كل منهما بضع الأخرى، وهو مشتق من شغور البلدة وهو خلوها لخلوه من الصداق، والمعنى أن نكاح الشغار ممنوع باتفاق لحديث الصحيح " لا شغار في الإسلام "
(1)
وهو على ثلاثة أنواع: صريح الشغار، ووجهه، والمركب منهما، فالأول هو ما تقدم، ويفسخ قبل الدخول وبعده على المشهور، والثاني ما وقعت فيه التسمية لكل واحدة منهما، كأن يقول: زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة، ويفسخ قبل الدخول ويقر بعده، والثالث كأن يقول: زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي، ويفسخ في التي لم يسم لها قبل الدخول وبعده، وفي التي سمى لها قبل الدخول فقط، وحيث فسخ قبل البناء فلا صداق مطلقا، وإن لم يظهر عليه حتى حصل دخول، فلمن لم يسم لها صداق المثل، ولغيرها الأكثر منه ومما سمى لها.
(1)
رواه مسلم وابن ماجة والإمام أحمد.
قوله: كذا نكاح متعة البيت، معناه أن نكاح المتعة ممنوع باتفاق، ويفسخ أبدا، وهو النكاح إلى أجل من غير توارث، سمي بالمتعة لانتفاعها بما يعطيه، وانتفاعه بشهوة، نقله سيدي زروق - رحمه الله تعالى -.
قال في التبصرة: نكاح المتعة محرم لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله سبحانه وتعالى حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء منهن فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أخرجه مسلم، وقال سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه -: رخص لنا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها
(1)
.
وقد تضمن هذان الحديثان تقدم الإباحة ثم النسخ، وقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: لو كنت تقدمت في ذلك لرجمت، وثبت عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - رجوعه عنها.
إلى أن قال: ونكاح المتعة: ما وقت بأجل يوم أو شهر أو سنة بشرط من المرأة أو الرجل، يفسخ قبل الدخول وبعده بغير طلاق، ويختلف في الصداق هل لها المسمى أو صداق المثل، والمسمى أحسن، لأن الفساد في العقد لا في الصداق، ولو قيل صداق المثل إلى المدة التي ضرباها لكان وجها، ثم قال: وإن تزوج المسافر امرأة ليستمتع بها ويفارقها إذا سافر كان نكاحها على ثلاثة أوجه، فإن شرطا ذلك كان فاسدا، وهو نكاح متعة، واختلف إذا فهمت ذلك ولم يشترطا، قال محمد: النكاح باطل، وهو متعة، وروى ابن وهب عن مالك جوازه، فقال: إنما يكره الذي نكحها على أن لا يقيم، وعلى ذلك يأتيها، وروى عنه أشهب أنه قال: إن أخبرها قبل أن ينكح ثم أراد إمساكها فلا يقيم عليها وليفارقها، فالأول شرط، والثاني فهمت، والثالث أخبرها، فهو شبيه بالشرط، وقال مالك: إن تزوج من تزوج لعزبة أو هوى ليقضي إربه أو يفارق فلا بأس به، ولا أحسب إلا أن من النساء من لو علمت بذلك ما رضيت.
(1)
رواه أيضا مسلم والإمام أحمد.
قوله: كذا النكاح حال الاعتداد البيت، معناه أن النكاح في العدة ممنوع اتفاقا، بل التصريح بالخطبة فيها ممنوع إجماعا، قال سبحانه وتعالى:(ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) وقال سبحانه وتعالى: (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)
قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: والقول المعروف هو التعريض بالمواعدة دون الإفصاح بها، وذلك مثل أن يقول إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن يقدر أمر يكن، وما أشبه ذلك.
فإن تزوجها في العدة فسخ متى اطلع عليه، حصل دخول أو لا، وإن دخل بها فلها المسمى، وتأبد عليه تحريمها على المشهور، سواء دخل بها في العدة أو بعد العدة، ولا فرق في العدة بين أن تكون عدة طلاق، أو عدة وفات، إذا كان الطلاق بائنا، واختلف في الرجعي ففي المدونة لغير ابن القاسم أنه كغيره، وقيل إن مذهب ابن القاسم أنه كالمتزوج بذات زوج، وكالعدة الاستبراء، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وإنما يفترق ذلك في وجوب التحريم المؤبد، وافتراقه على ثلاثة أوجه، أحدها يقع به التحريم باتفاق - أعني بين من رآه في حال من الأحوال - والثاني لا يقع به التحريم باتفاق، والثالث يختلف على قولين، فأما الذي يقع به التحريم باتفاق، فالوطء بنكاح، أو بشبهة نكاح، أو بملك، أو بشبهة ملك، في عدة من نكاح، أو من شبهة نكاح، وأما الذي لا يقع به التحريم باتفاق، فالوطء بملك اليمين أو شبهة ملك في استبراء الإماء خاصة، أو في عدة من غير نكاح، كعدة أم ولد يموت عنها سيدها، أو يعتقها، كان استبراؤهن من اغتصاب، أو زنى، أو بيع في الإماء، أو هبة، أو عتق، وأما المختلف فيه فالوطء بنكاح، أو شبهة نكاح، في الاستبراء والعدة من غير النكاح أيضا، كأم ولد يموت عنها سيدها أو يعتقها.
وقال في المواهب: إن كان الزوج الناكح في العدة غير عالم بالتحريم حرمت عليه اتفاقا، ولا حد عليه، وإن تزوجها في العدة عالما بالتحريم فالمشهور أنها تحرم على التأبيد، والولد لاحق به، والحد ساقط عنه، وقيل إنه زان وعليه الحد، ولا يلحق به الولد، ولا يتأبد تحريمها.
ومحل التحريم في المستبرأة إن لم تكن مستبرأة من زناه بها، وأما المستبرأة من زناه بها فلا تحرم عليه بوطئه لها بنكاح أو شبهته أو ملك أو شبهته، ويلحق به الولد إذا حملت به بعد حيضة، قال في النوادر: ومن زنى بامرأة ثم تزوجت قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبدا، وليس فيه طلاق، ولا ميراث، ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لاحق، في ما حملت به بعد حيصة، إن أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما كان قبل حيضة فهو من الزنى لا يلحق به قاله في المواهب.
قوله: كذاك ما من النكاح البيت، معناه أن ما وقع من النكاح على غرر فاسد، سواء كان الغرر في العقد كالنكاح على خيارهما، أو خياره، أو خيارها، أو خيار الولي، أو خيار أجنبي، أو في الصداق كأن يصدقها بعيرا شاردا ونحو ذلك، ومثل ذلك أن يصدقها ما لا يحل عقد البيع عليه، كما تقدم، كالخمر، والخنزير، والكلب، والمجهول، وثمر لم يبد صلاحه.
1077 -
ويفسخ الفاسد منه للصداق
…
إذا دُرِي قبل البناء بطلاق
1078 -
وحيث لم يعلم به من قبل
…
فأمضينْه بصداق المثل
1079 -
وما فساده لأجل عقده
…
يفسخ من قبل البنا وبعده
1080 -
وإن يكن فُسِخ من بعد التلاق
…
لزم ما سمى لها من الصداق
1081 -
وهو كالصحيح في نشر الحظَر
…
والعقد في الفاسد إجماعا هدر
1082 -
لكنَّ ذاك الوطءَ لا تحلُّ
…
به التي كانت أُبِتَّتْ قبلُ
1083 -
ولا يُحَصَّن به الزوجان
…
إذ لا يحصن بذي بطلان
قوله: ويفسخ الفاسد البيتين، معناه أن الفاسد من النكاح إن كان فساده لصداقه يفرق بين أن يطلع عليه قبل الدخول وأن لا يطلع عليه إلا بعده، فإن اطلع عليه قبل الدخول فسخ ولا صداق، إلا في نكاح الدرهمين فلها أحدهما إذا امتنع من الإتمام، وإن لم يطلع عليه حتى دخل أقر مراعاة للخلاف، ولزم فيه صداق المثل، وهذا هو المشهور، وقيل يفسخ مطلقا، وقيل لا يفسخ مطلقا.
قوله: وما فساده لأجل عقده البيتين، معناه أن الفاسد لأجل عقده يفسخ قبل الدخول وبعده، وفيه بعد الدخول المسمى، وذلك لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "
(1)
والفرق بين الفسادين حيث أمضي النكاح بعد الدخول في الأول، أنه لما دخل لزم صداق صحيح، وإذا صح الصداق صح النكاح، لأنه إنما فسد لفساد صداقه، بخلاف الفاسد لعقده، والفرق بينهما في إيجاب صداق المثل في الأول والمسمى في الثاني أن المسمى الفاسد كالعدم، فرجع إلى ما يقتضيه العرف، بخلاف الفاسد لعقده، فالمسمى فيه شرعي فاعتد به.
قوله: وهو كالصحيح البيت، معناه أن النكاح الفاسد ينشر الحرمة كما ينشرها النكاح الصحيح، فتحرم أم المرأة بعقده، وبنتها بدخوله احتياطا، على اختلاف في التحريم بالعقد إذا كان التحريم بنص من كتاب أو سنة، وهذا كله في المختلف في فساده، وأما المجمع على فساده فعقده غير محرم، وإنما يحرم وطؤه خاصة إن درأ الحد، وإلا فهو زنى وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله سبحانه وتعالى، قال في التبصرة: المجمع عليه النكاح في العدة، ونكاح الأخت على الأخت، والمرأة على عمتها أو خالتها، ونكاح البنت على الأم قبل أن يدخل بالأم.
(1)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: لكن ذا الوطء البيت، معناه أن النكاح الفاسد لا تحل به المبتوتة للاختلاف في صدق اسم النكاح عليه، وصدق اسم الزوج فيه على الرجل، وقد قال سبحانه وتعالى:(فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) ولم يراع فيه الاختلاف في هذه الجهة لاقتضاء الاحتياط العكس.
وهذا إذا كان لا يقر بالدخول، أو يقر به ولم يحصل فيه وطء ثان بعد الوطء الذي يقر به، وإلا حلت بالثاني، لأنه لما أقر صار كالنكاح الصحيح، ومراعاة الخلاف عائدة إلى المعنى الذي أشار إليه سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - في المشتركة، فما وقع على وفق اجتهاد له وجه، لا ينبغي أن ينقض بعد التصرف باجتهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: ولا يحصن به الزوجان البيت، معناه أن النكاح الفاسد لا يحصن دخوله لما تقدم في المبتوتة، ولأن الحدود تدرأ بالشبهات.
1084 -
وسبعة من نسب قد حظلا
…
نكاحَها الكتاب: الام مسجلا
1085 -
والبنت، والأخت بكل حاله
…
وكل عمة، وكل خاله
1086 -
وبنتي الأخ والاخت، وحَرَد
…
بالصهر والرضاع مثل ذا العدد
1087 -
الام والاخت من رضاع معَ أم
…
حليلة، وهو عندنا يعم
1088 -
كذا الربيبة التي قد دخلا
…
بأمها، وحيث لم يدخل فلا
1089 -
وهكذا كل دخول حلا
…
بالام يجعل البنات حظْلا
1090 -
أما الزنى فليس بالمحرِّم
…
ما حلل الله على الذي اعتمي
1091 -
وهكذا حلائل الأبناء
…
تحرم مطلقا على الآباء
1092 -
وجمع الاختين ومنكوحة الاب
…
من غير تفصيل، نآ أو اقترب
1093 -
وحرم الحديث بالرضاع
…
ما هو بالنسب ذو امتناع
1094 -
وهكذا أيضا نكاحك المره
…
معْ عمة، أو خالة، قد حظره
قوله: وسبعة من نسب إلى قوله: وحرد، أشار به إلى أن الله سبحانه وتعالى حرم في كتابه العزيز سبع نساء بالقرابة، وهي الأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، قال سبحانه وتعالى:(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) وعن هذه القرابات يعبر أهل المذهب بقولهم تحرم على الإنسان أصوله، وفصوله، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل، فالأصول من له عليك ولادة مباشرة وهو الأم، أو بواسطة وهو الجدة، سواء كانت مباشرة أم لا، كانت من قبل الأم أو من قبل الأب والفصول من لك عليه ولادة مباشرة أو بواسطة أنثى أو ذكرا، وفصول أول الأصول: ما تفرع عن الأصل المباشر، وهو الأم والأب، فكلما لهما عليه ولادة فهو حرام عليك مباشرة، وهي الأخوات، أو بواسطة وهو بنات الأخ وبنات الأخت لغير نهاية، وأما ما فوق الأبوين من الأصول فإنما يحرم ما تفرع عنه مباشرة، وهو عمة إن كان الأصل ذكرا، وخالة إن كان الأصل أنثى، وهذا لغير نهاية أيضا، وهذا هو المراد بقولهم أول فصل من كل أصل، وهذا هو المراد بقوله: وسبعة إلى قوله: وحرد، وقوله: الام مسجلا، أشار به إلى عدم اختصاص الحكم بالأم دنية، وقوله: والاخت بكل حاله، يعني به أن لفظ الأخت في قوله سبحانه وتعالى:(وأخواتكم) يعم الشقيقة، والتي لأب، والتي لأم، وكذلك الأخ والأخت في قوله سبحانه وتعالى:(وبنات الأخ وبنات الأخت) وكذلك الكلام في العمة والخالة، واختلف في القرابة إذا كانت من زنى هل تحرم أو لا، قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: اختلف الفقهاء في نكاح ابنته أو أخته أو ابنة ابنه من الزنى، فحرم ذلك قوم منهم ابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون، وهو قول الشافعي، وذكر أن قول ابن القاسم هو المشهور، واستدل له بحديث جريج وقوله للغلام: من أبوك؟ فقال فلان الراعي
(1)
.
(1)
متفق عليه.
وقال: فإن قيل: يلزم أن تجرى أحكام البنوة والأبوة من التوارث والولايات وغير ذلك، وقد اتفق المسلمون على أن لا توارث، فالجواب أن ذلك موجب ما ذكرناه، وما انعقد عليه الإجماع من الأحكام استثنيناه، وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل والله سبحانه وتعالى أعلم
نقله في المواهب.
وقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: والمخلوقة من ماء زان حرام عليه، وفي تخطئة سحنون إباحتها ابن الماجشون نظر لمن أنصف، لتعارض لازم عدم إرثها، ودليل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" واحتجبي منه يا سودة "
(1)
مع زيادة الراوي لما رأى من شبه بعينه.
وانظر هل يقتضي عدم نشر الحرمة في جهة أمنا سودة - رضي الله تعالى عنها - نشرها في الجهة الأخرى.
قوله: وحرد إلى قوله: اقترب، أشار به إلى أن الله سبحانه وتعالى حرم في كتابه العزيز سبعا أخرى: اثنتين من الرضاع، وهما الأم والأخت، قال سبحانه وتعالى:(وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وخمسا من الصهر، وهي أم الزوجة، وبنت الزوجة المدخول بها، والجمع بين الأختين، وزوجة الأب، وزوجة الابن، قال سبحانه وتعالى:(وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) وقال سبحانه وتعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف)
(1)
متفق عليه.
قوله: مع أم حليلة وهو عندنا يعم، أشار به إلى أن تحريم أم الزوجة عام عندنا في الأم التي دخل بابنتها والتي لم يدخل بها، خلافا لما روي عن بعض السلف من اشتراط الدخول كالعكس، قوله: وهكذا كل دخول حلا البنت، أشار به إلى أن الوطء أو التلذذ بالملك والشبهة يحرم البنات أيضا، سواء كانت الشبهة شبهة نكاح أو ملك، وأما الزنى فالمعول أنه لا ينشر الحرمة كما أشار إليه بقوله: أما الزنى البيت، وهو قول مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ، قال ابن ناجي: وبه قال جميع أصحابه، وهذا القول مذكور في المدونة، وزعم ابن عبد السلام أنه المشهور، وقيل إنه ينشر الحرمة كالصحيح قاله في سماع أبي زيد، ورواه ابن حبيب في واضحته قائلا: رجع مالك عما في الموطإ إلى التحريم وأفتى به إلى أن مات، وقيل إنه ينشر الكراهة رواه ابن المواز، وهذان القولان مؤولان معا على المدونة، فتأولها اللخمي وابن رشد في البيان على الكراهة، وتأولها غيرهما على التحريم، قال عياض: والأكثرون على الكراهة.
قوله: وهكذا حلائل الأبناء البيت، أشار به إلى أن زوجة الرجل تحرم على آبائه مطلقا دخل بها أو لم يدخل، وأما إماؤه فلا تحرم على آبائه إلا بتلذذه بها، خلافا لابن حبيب والشافعي - رحمهما الله تعالى - حيث قالا تحرم بمجرد الملك.
قوله: ومنكوحة الاب، معناه أن زوجة الأب حرام على ابنه دخل بها أو لم يدخل، كان أبا مباشرا أو جدا، سواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم، كما أشار إليه بقوله: من غير تفصيل نآ أو اقترب.
قوله: وحرم الحديث بالرضاع البيت، معناه أنه جاء في الحديث أيضا تحريم الرضاع ما يحرم بالنسب، قال صلى الله تعالى عليه وسلم:" إن الرضاعة تُحَرِّمُ ما يَحْرُم من الولادة "
(1)
وقال في ابنة حمزة - رضي الله تعالى عنهما -: " لا تحل لي هي ابنة أخي من الرضاعة "
(2)
وقال في ربيبته بنت أم سلمة - رضي الله تعالى عنهما -: " لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة "
(3)
وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على بيان التحريم بالرضاع.
قوله: وهكذا أيضا البيت، أشار به إلى ما جاء في الصحيح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها،
(4)
وعن هذا مع ما اقتضته الآية الكريمة الآنفة الذكر يعبر أصحابنا بقولهم: كل من بينهما من القرابة أو الرضاع ما يمنع النكاح بينهما لو كان أيهما ذكرا فالجمع بينهما حرام، سواء كان بالنكاح أو بالاستمتاع بالملك، ولو بما دون الوطء كما نص عليه الباجي - رحمه الله تعالى - ولفظه: كما يحرم الجمع في الوطء فكذلك النظر للذة للمعصم والصدر، قياسا على ما سوَّى الشرع فيه بين الوطء والنظر للذة نقله في المواهب.
ولا بأس أن يجمع بين المرأة وربيبتها وقد تزوج عبد الله بن جعفر زوجة علي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وابنته من غيرها قاله في التبصرة.
1095 -
وهكذا تحرم ذات الكفر
…
بالنكح عندهم وبالتسري
1096 -
إلا الكتابيات فالحرائر
…
بالنكح وطؤهن ليس يحظر
1097 -
كذاك بالتسري أيضا الإما
…
ونكحها ولو لعبد حرما
(1)
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه.
معناه أن الكافرة يحرم تزوجها على الحر والعبد لقوله سبحانه وتعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) وقوله سبحانه وتعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) إلا الحرة الكتابية لقوله سبحانه وتعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) والمحصنات: الحرائر، وأما إماؤهم فلا يجوز التزوج بها لا لعبد ولا لحر، لقوله سبحانه وتعالى:(من فتياتكم المؤمنات) وأما التسري بالأمة الكافرة فملحق بتزوج الحرة، فالأمة الكتابية يجوز التسري بها لجواز نكاح حرتهم، ولعموم قوله سبحانه وتعالى:(أو ما ملكت أيمانهم) والأمة الكافرة التي ليست بكتابية يحرم التسري بها لحرمة نكاح حرتهم، وقد خصت من عموم الآية الكريمة بالإجماع، وتزوج الكتابية الحرة وإن كان غير حرام إلا أن المشهور من المذهب كراهته، وعلل ذلك عبد الحميد بأنه سكون إليها ومودة لقوله سبحانه وتعالى:(وجعل بينكم مودة ورحمة)
وجاء أن حذيفة بن اليمان - رضي الله تعالى عنه - تزوج بالمدائن يهودية، فكتب إليه عمر - رضي الله تعالى عنه - أن خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟
فكتب إليه عمر: لا ولكن أخاف أن تواقعوا المومسات منهن.
ونكح بعض أعيان الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - نصرانية ولبثت عنده مدة ثم أسلمت وحسن إسلامها وعلم منها استجابة الدعاء نقله في التاج.
1098 -
تزوجَ المرأة عبدَها احظلا
…
كذاك عبد فرعها، لو سفلا
1099 -
وهكذا التحريم أيضا في الرجل
…
معْ ملكه، وملك فرع، لو سفل
1100 -
أما تزوج إماء الوالد
…
والام مطلقا فلم ينحرد
1101 -
وبنت زوجة أب من رجل
…
آخرَ، مثل العكس لم تنحظل
1102 -
والجمع من بين نساء أربع
…
ولو لعبد ليس بالممتنع
1103 -
لكن نكاح أمة للحر
…
غير الذي أسلفته ذو حظْر
1104 -
ما لم يخف زنى، وكان يعدم
…
طَولا لحرة، فليس يحرم
قوله: تزوج المرأة عبدها احظلا، معناه أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج عبدها، لتناقض أحكام زوجيتها له وملكها له، فالزوجية تقتضي وجوب طاعتها له، وملكها له يقتضي وجوب طاعته لها، والزوجية تقتضي وجوب النفقة والكسوة ونحوها لها عليه، وملكها له يقتضي وجوب ذلك عليها له، وقد روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - جاءته امرأة قد تزوجت عبدها فانتهرها وهم برجمها، قوله: كذاك عبد فرعها لو سفلا، معناه أنه يمتنع على المرأة أيضا تزوج عبد ولدها ذكرا أو أنثى، مباشرا أو بواسطة، لما لها من الشبهة فيه، ولوجوب برها على سيد العبد، ووجوب طاعة العبد لسيده، مع وجوب طاعة الزوجة لزوجها.
قوله: وهكذا التحريم أيضا في الرجل مع ملكه، معناه أنه يمنع للرجل أيضا تزوج أمته، لأنها حلال له شرعا، والنكاح إنما شرع للإباحة فلا يكون المباح محلا له، ولأنها ملك له فلا يتأتى عقد النكاح منه معها، إذ لا بد له من جهتين، كما لا يتأتى شراؤه لملكه، ولأن الزوجية والملك سببان لأحكام متناقضة فلا يمكن اجتماعهما.
وكذلك يمتنع أيضا على المشهور نكاح إماء فروعه نحو ما تقدم في المرأة لمثل ما سبق ذكره، وإلى ذلك أشار بقوله: وملك فرع لو سفل.
قوله: أما تزوج إماء الوالد البيت، معناه أنه يجوز للرجل تزوج أمة أبيه، أو أمه، أو جده ولو علا، أو جدته ولو علت، إذ لا شبهة للفرع في مال الأصل مع أمنه من رق ما تلده الذي هو علة منع تزوجها.
قوله: وبنت زوجة أب من رجل آخر، معناه أنه يحل للرجل تزوج ابنة زوجة أبيه من رجل آخر، لأنها أجنبية، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن رشد: بنت امرأة أبيه من غيره قبله حل له إجماعا، وبعده في حلها وحرمتها ثالثها تكره، لرواية عيسى عن ابن القاسم مع مالك ونقل ابن حبيب عن طاووس والكافة، وسماع أبي زيد ابن القاسم.
وكذلك تتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل آخر، لأنه أجنبي، وهو المراد بقوله: والعكس.
قوله: والجمع من بين نساء أربع البيت، معناه أنه يجوز للرجل الجمع بين أربع نسوة ولو عبدا على المشهور، خلافا لابن وهب - رحمه الله تعالى - القائل: تحرم عليه الثالثة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لغيلان حين أسلم على عشر نسوة: " اختر أربعا "
(1)
قوله: لكن نكاح البيتين، معناه أنه لا يجوز للحر تزوج الأمة على المشهور إلا ما تقدم في قوله: أما تزوج إماء الوالد البيت، إلا أن يخاف فاحشة ولم يجد ما يتزوج به حرة غير مغالية ولو كتابية، وإذا كانت الواحدة لا تعفه جاز له نكاح أمة أخرى، وإذا خشي الفاحشة من أمة بعينها جاز له تزوجها وإن وجد طولا، لأن علة الإباحة خوف الفاحشة كما هو ظاهر قوله سبحانه وتعالى:(ذلك لمن خشي العنت منكم) والحكم يدور مع علته، فاشتراط عدم الطول خاص بمن تعفه امرأة لا بعينها، على ظاهر معنى الآية الكريمة، وأما العبد فله تزوج الأمة بلا شرط.
1105 -
والعدل معْ تعدد الزوجات
…
يلزم كيف كن في البيات
1106 -
وهكذا إنفاقهنَّ حسبا
…
وُجْدٍ مع الإسكان أيضا وجبا
1107 -
إن كان قد دخل، والمطيقه
…
إن للبنا دعت بذا خليقه
1108 -
لكنه يقيم سبعة ليال
…
معْ بكر إن نكحها على التوال
1109 -
دون نسائه، كذا للثيب
…
ينكحها ثلاثا اَيضا اَوجب
1110 -
وليس للإما ولا لأمهاتْ
…
الاولاد حق باتفاق في البيات
(1)
رواه أبو داود وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: والعدل إلى قوله: خليقه، معناه أنه يجب على المتزوج بأكثر من واحدة العدل بين أزواجه في أمور، منها الكون عندهن، فيقيم عند كل واحدة يوما لا أكثر، إلا أن يرضين بالقسم بأكثر من ذلك، لأن ذلك من حقوقهن، قال في التبصرة: ويختلف إذا أراد الزوج ذلك بغير رضاهن، فمنعه في كتاب محمد، وهو ظاهر المدونة، قال: ويكفيك من ذلك ما مضى من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ومن أصحابه.
ثم قال: فإن ذهب بيوم إحداهما ولم يمض إلى الأخرى لم يكن لمن ذهب يومها أن تحاسب بتلك الأيام، لأنها لو حاسبت بها لكانت قد أخذت ذلك من يوم صاحبتها وهي لم يصل إليها إلا حقها، وإن كان تلك الأيام عند الأخرى برضاها كان في المسألة قولان.
ومنها الإنفاق، فيجب عليه الإنفاق على كل واحدة منهن على ما يليق بها بحسب وسعه وكسوتها كذلك والسكنى، قال ابن شعبان - رحمه الله تعالى - في زاهيه: من حق كل واحدة انفرادها بمنزل منفرد بمرحاض، وليس عليه إبعاد الدارين، وسمع ابن القاسم: لا بأس أن يكسو إحداهما الخز ويحليها دون الأخرى، إن لم يكن مليا، قال ابن رشد: وهذا معروف في مذهب مالك وأصحابه أنه إن أقام لكل واحدة ما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من يشاء منهن وبما شاء، وقال ابن نافع يجب عليه أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما يجب لها قاله ابن ناجي.
ومنها العدل بينهن في الجماع، بمعنى أنه يحرم عليه الكف بعد الميل ليقوى نشاطه عند ضرتها، ولا يجب عليه كل ما أصاب واحدة أن يصيب الأخرى، قال في التبصرة: الأصل في ذلك - يعني وجوب القسم - قول الله عز وجل: (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) فأباح أربعا مع العدل، وحرم ما بعد واحدة إذا خاف الميل، وأخبر الله عز وجل أن الزوج لا يستطيع أن يأتي ذلك حقيقة، وأمره بما يطيق، فقال تبارك وتعالى:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) الآية، قيل نزلت في الحب والجماع، فالحب مما لا يستطاع العدل فيه ولا يملك، والجماع تابع له، لأنه عنه ينبعث، فأمر أن يأتي من ذلك ما يطيق، ولا يؤثر من يهوى فوق القدر الذي يغلب عليه، وأن يصلحوا فيعدلوا، ويتقوا الله سبحانه وتعالى في أن لا يميلوا، وفي الترمذي قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: " اللهم هذه قسمتي في ما أملك فلا تلمني في ما تملك ولا أملك " وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط "
(1)
.
وقوله: كيف كن، يعني سواء كن حرائر، أو إماء، أو مختلفات، أمكن وطؤهن أو لا، منع منه الشرع كالحائض والنفساء والمحرمة والمظاهر منها أو لا كرتقاء ومريضة، وروي أنه لا يجب عليه العدل بين الحرة والأمة، قال ابن الماجشون: ورجع مالك إليه وبه أقول، قال في الإشراف: ودليلنا على التسوية قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " ولأنها مساوية لها في الزوجية فوجب مساواتها لها في القسم كالحرة، ولأن نقصها عن رتبتها لا يوجب نقصانها عنها في القسم كالذمية.
(1)
رواه أبو داود والترمذي والدارمي، وهو حديث صحيح.
ولا فرق في وجوب العدل على الزوج بين الحر والعبد، ومن يقدر على الجماع ومن لا يقدر عليه كالمجبوب، وقوله: حسبا وجد، الوجد بضم الواو: اليسار، وقوله: إن كان قد دخل، معناه أن وجوب النفقة وما يتبعها مقيد بالدخول أو الدعاء إليه مع إطاقتها الوطء وبلوغ الزوج، وأشار بقوله: حسب وجد، إلى أن تقدير النفقة يرجع فيه إلى يسار الزوج، وحال المرأة، والبلد، والزمن، والسعر، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: واجبها ما يضر بها فقده ولا يضره، وفي ما فوقه معتادا لمثلها غير سرف لا يضره خلاف، إلى أن قال: فصنف مأكولها جل قوت مثلهما ببلدهما.
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: يجب على الموسر مدان، والمتوسط مد ونصف، والمعسر مد، قال القاضي في الإشراف: دليلنا قوله سبحانه وتعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وذلك ينفي التقدير، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لهند وقالت: إن أبا سفيان - رضي الله تعالى عنهما - رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "
(1)
فردها إلى ما تعلمه كافيا لها من غير تحديد.
ولا يلزمه لها دواء على المشهور من المذهب، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفي كون أجرة القابلة عليها، أو عليه، ثالثها إن استغنى عنه النساء فعليها، وإلا فعليه، وإن كانا ينتفعان به معا فعليهما على قدر منفعة كل منهما، لسماع القرينين من طلاق السنة وابن رشد عن أصبغ وسماع ابن القاسم، ولم يحك الباجي الأول، وعزى الأخير لمحمد، ابن حبيب: ليس عليه أجر الحجامة ولا الطبيب، ابن زرقون: في نفقات ابن رشيق عن ابن عبد الحكم عليه أجر الطبيب والمداوات ونحوه قول أبي حفص العطار يلزمه أن يداويها بقدر ما كان لها من نفقة صحتها لا أزيد.
(1)
متفق عليه.
قوله: لكنه يقيم البيتين، معناه أنه إذا تزوج بكرا قضي عليه أن يقيم عندها سبع ليال دون نسائه، وإذا تزوج ثيبا قضي عليه أن يقيم عندها ثلاثا، واختلف إذا لم تكن له زوجة هل يقضى عليه بذلك أو لا، وهو الذي شهره المتيطي، وقيل إن الإقامة عند الجديدة العدد المذكور حق للرجل لا للزوجة، فلا يقضى عليه به، قال في التبصرة: واختلف هل ذلك حق له أو لها يجبر عليه أو يندب ولا يجبر، فقال مالك - رحمه الله تعالى - مرة: ذلك حق لها لازم، وقال مرة: هو حق له، وقال أصبغ: هو حق لها يؤمر ولا يجبر كالمتعة، والأول أحسن لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" للبكر سبع وللثيب ثلاث "
(1)
واللام للتمليك حتى يقوم دليل يخرجه عن ذلك، واختلف بعد القول أنه حق لها
وقال أشهب لا يقضى به، وقال ابن عبد الحكم يقضى إذا كان لها ضرائر أو كان خلوا من النساء، فالأول لقول أنس - رضي الله تعالى عنه -: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، قال أبو قلابة: لو ثبت قلت إن أنسا رفعه إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أخرجه البخاري ومسلم، ووجه الثاني قول أنس: من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ولم يشترط، أخرجه البخاري، وقال مالك - رحمه الله تعالى - في العتبية: لا يتخلف العروس عن الصلوات في جماعة، ولا عن الجمعة، وقال سحنون: قال بعض الناس لا يخرج وذلك حق لها، وقال ابن حبيب - رحمه الله تعالى -: يتصرف في حوائجه وإلى المسجد، والعادة اليوم ألا يخرج لحاجة ولا لصلاة وإن كان خلوا من غيرها، وعلى المرأة في ذلك عند النساء وصم إن خرج، وأرى أن يلزم العادة، إلى أن قال: وقال محمد بن عبد الحكم: إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما، وعلى أحد قولي مالك أن ذلك حق له يكون بالخيار من غير قرعة.
(1)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله: وليس للإما البيت، معناه أنه لا حق لأم الولد ولا للسرية في البيات ولا في الوطء، فالحق في ذلك للسيد، لقوله سبحانه وتعالى:(فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وله أن يقيم عند أمته وأم ولده ما شاء ما لم يقصد ضررا.
1111 -
والعقد دون ذكر مهر يُسْمى
…
نكاحَ تفويض، وجاز جزما
1112 -
لكنْ دخوله هناك قبلا
…
تقديره لها صداقا يقلى
1113 -
وحيث مهرَ مثلها قد فرضا
…
فما لها عندئذ إلا الرضى
1114 -
وهي بالخيار حيث نزلا
…
عن ذاك ما لم يُرضها أو يكملا
معناه أن نكاح التفويض ـ الذي هو عقد بلا ذكر مهر وبلا قصد إسقاطه ـ جائز إجماعا، وللزوج فيه أن يطلق ولا شيء عليه، وإن دخل لزمه مهر مثلها وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فاقتضى صحة النكاح دون فرض، وعدم تقرر شيء إلا بالمس أو الفرض، ويجب صداق المثل بالمس، لأنها لما مس دون فرض اقتضى ذلك رضاه بالمعروف، وللمتزوجة تفويضا أن تمتنع من الدخول حتى يفرض لها، وإذا فرض لها مهر مثلها لزمها القبول، لأن رضاها بالعقد تفويضا يستلزم رضاها بصداق المثل لأنه الذي يؤول إليه لزوما، وإذا فرض لها أقل من صداق المثل لم يلزمها حتى يفرض لها صداق المثل أو ترضى، وإذا فرض لها شيئا ورضيت صار النكاح نكاح تسمية، فإذا طلق قبل الدخول تشطر الصداق، وإذا مات أحدهما قبل الدخول كان لها الصداق كاملا، قال في التبصرة: قال مالك - رحمه الله تعالى - في صداق المثل: لا ينظر إلى نساء قومها، ولكن ينظر إلى قدرها، وموضعها من الجمال، واليسار والفقر، وحال الزوج، وهل الرغبة في مثله كثرة الصداق أو القربى أو صلة الرحم قال مالك - رحمه الله تعالى -: وليس الرجل يغتفر فقره لقرابته كالأجنبي الموسر يرغب في ماله، وقوله هذا يصح مع عدم العادة، فإن كان قوم لهم عادة لا يحطون بفقر ولا قبح، ولا يزيدون ليسار وجمال، حملوا على عادتهم كأهل البادية اليوم.
1115 -
وبارتداد بعلة أو بعل
…
ينفسخ النكاح عند الكل
1116 -
وذاك بالطلاق ذي البينونه
…
على المشهر، وقيل دونه
معناه أنه إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح لقوله سبحانه وتعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقوله سبحانه وتعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) والمشهور أن الفسخ المذكور بطلاق بائن، وهو مذهب المدونة، وقال سحنون بطلاق رجعي، وقيل يفسخ بلا طلاق، قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: وذكر الشيخ أبو بكر عن مالك - رحمهم الله تعالى - رواية أنه لا يفسخ إلا بخروجها من العدة، وهو قول الشافعي، ودليلنا أن الارتداد معنى ينافي بقاء العقد على مسلمة، فوجب أن ينفسخ به النكاح في الحال، أصله قبل الدخول.
1117 -
أما إذا أسلم من قد كفرا
…
بدءا معا، فالحكم أن يُقَررا
1118 -
كذا كتابية اَيضا اَسلما
…
حليلها فقط، لما تقدما
1119 -
أما المجوسية إن لم تُسلمِ
…
مكانَها فالفسخ ذو تحتم
1120 -
وإن تك الزوجة دون الرجل
…
قدَ اَسلمت، فافسخ بلا تمهل
1121 -
وهو إن يسلمْ بعدة أحق
…
بها، لما قبلُ له معْها سبق
1122 -
ولتخترَ اَربعَ نساءٍ اِن على
…
أكثرَ أسلمتَ وفارق ما خلا
قوله: أما إذا أسلم من قد كفرا البيت، معناه أن الزوجين الكافرين ـ كتابيين أو مجوسيين أو غير ذلك ـ إذا أسلما معا أقرا على زوجيتهما، وذلك لما هو معلوم من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أقر رجال مكة المكرمة في الفتح على نسائهم، وغيرهم كثير، قال في التبصرة: سواء كان أصل نكاحهما صحيحا أو فاسدا دخل أو لم يدخل، وإن كان أصل نكاحه متعة ثم تراضيا بعد الأجل على البقاء، أو كان زنى ثم تراضيا على وجه الزوجية، فيجوز أن يبقيا زوجين إذا أسلما.
قوله: كذا كتابية البيت، معناه أن الكافر إذا أسلم دون زوجته وكانت كتابية أقر عليها، لما تقدم من جواز نكاح الكتابية للمسلم.
قوله: أما المجوسية البيت، معناه أن الكافرة غير الكتابية إذا أسلم زوجها ولم تسلم فرق بينهما، قال في الموطإ: وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم، لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:(ولا تمسكوا بعصم الكوافر).
قوله: وإن تك الزوجة البيت، معناه أنه إذا أسلمت الزوجة وبقي زوجها كافرا فرق بينهما، ثم إذا أسلم قبل أن تنقضي عدتها أقر عليها، وقد روى مالك عن ابن شهاب - رحمهما الله تعالى - أنه كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته - رضي الله تعالى عنهما - نحو شهرين، وأن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أقره عليها، وروى عنه أيضا أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام - وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل أسلمت يوم الفتح، وهرب هو إلى اليمن فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عام الفتح، فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه - فثبتا على نكاحهما ذلك.
وهذا حيث كان قد دخل بها وتقررت الزوجية بينهما كما يقتضيه قوله: بعدة، فإن أسلمت قبل أن يدخل بها بانت مكانها لضعف الشبهة وعدم تقرر الزوجية، قال في التبصرة: واختلف إذا أسلم عقيب إسلامها نسقا، فقيل بانت منه، وفي العتبية أنه أحق بها.
قوله: ولتختر أربع نساء البيت، معناه أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعا، وفارق البواقي، ولا فرق في ذلك بين أن يكون نكاحه إياهن في عقد أو في عقود، وله أن يختار الأواخر لعدم استفصاله صلى الله تعالى عليه وسلم غيلان الذي أسلم على عشر نسوة، وذلك يقتضي عموم الحكم، وكذلك يؤمر بالاختيار أيضا إذا أسلم على محرمتي الجمع، كما في حديث فيروز الديلمي
(1)
.
1123 -
ومن يكن معْ زوجة قد التعنْ
…
حرِّم عليه وطأَها مدى الزمن
1124 -
كناكح معتدةً اِذا دخل
…
بها لذا من قبل ما تم الأجل
1125 -
لا نكح للرقيق دون إذن
…
سيده، لو كان غير قنّ
1126 -
ولا يصح عقد مرأةٍ مره
…
ككافر إن تك غير كافره
1127 -
وليس للعبد كذاك عقد
…
فأمر بنته لمن من بعدُ
قوله: ومن يكن مع زوجة البيت، معناه أن من لاعن زوجته حرمت عليه أبدا، فلا تحل له بنكاح ولا ملك لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" لا سبيل لك عليها "
(2)
قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لأن ظاهره التأبيد، إذ لم يقيد ذلك بشرط يحللها له به لأن التحريم إذا أطلق من غير تقييد محمول على التأبيد، ألا ترى أن المطلقة ثلاثا لو لا قول الله عز وجل فيها:(حتى تنكح زوجا غيره) لم تحل له أبدا بظاهر قوله سبحانه وتعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد).
ولو كانت أمة وملكها بعد لم يكن له أن يتسرى بها كما في الموطإ، قال - رحمه الله تعالى -: وذلك أن السنة مضت أن المتلاعنين لا يتراجعان أبدا.
(1)
أنه أخبر رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أنه أسلم وتحته أختان، فقال:" اختر أيتهما شئت " وفي رواية " طلق أيتهما شئت " رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(2)
متفق عليه من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
قوله: كناكح معتدة البيت، معناه أن من تزوج امرأة في عدتها ودخل بها قبل أن تنقضي عدتها حرمت عليه أبدا على المشهور من المذهب، وبه قال الأوزاعي والليث، وقال ابن نافع: لا تحرم عليه بحال، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قضى فيها بالتأبيد، وجاء عن علي - رضي الله تعالى عنه - القول بعدم التأبيد، وجاء أن عمر - رضي الله تعالى عنه -رجع إلى قوله.
قوله: لا نكح للرقيق البيت، معناه أنه لا يجوز للرقيق أن يتزوج دون إذن سيده، ذكرا كان أو أنثى، لأنه مال له وذلك يعيبه، فإن كان ذكرا كان لسيده أن يجيز أو يرد، وقال أبو جعفر الأبهري يتعين الفسخ، لأنه نكاح انعقد على خيار، ولحديث " أيما عبد نكح بغير إذن مواليه وأهله فهو عاهر "
(1)
وإذا رد السيد نكاح العبد كان ذلك طلاقا بائنا، وأما الأمة تتزوج بدون إذن سيدها أو بعض سادتها فنكاحها منفسخ، ولو أجازه السيد، ووجه الفرق بين العبد والأمة أنه ممن يعقد لنفسه لو كان حرا، بخلافها.
قوله: ولا يصح عقد مرأة مره، معناه أنه لا يصح أن تزوج المرأة المرأة، لما تقدم من الاتفاق على شرط الذكورة في الولي، قال في الإشراف: لقوله سبحانه وتعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) فخص الرجال بالولاية، وقوله سبحانه وتعالى:(فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) ففيه دليلان أحدهما أن العضل هو المنع الذي لا خلاص منه، ولو كان لهن أن يعقدن لم يكن امتناع الأولياء عضلا لهن، والثاني أن سبب ذلك امتناع معقل بن يسار من إنكاح أخته الذي طلقها، فنزلت هذه الآية الكريمة
(2)
.
(1)
رواه أبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(2)
تقدم.
وفي الحديث " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها "
(1)
فليس للمرأة أن تباشر العقد على المرأة، وإذا كانت وصية عليها، أو مالكة، أو معتقة، أو موكلة من قبل الولي، وكلت رجلا مستجمعا للشروط فزوج، كما فعلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - في ابنت أخيها عبد الرحمن - رضي الله تعالى عنهما -.
ومفهوم كلامه أن المرأة تعقد على الرجل إذا كان ملكا لها، أو وكلها، أو كانت وصية عليه، وهو كذلك.
قوله: ككافر إن تك غير كافره، معناه أن الكافر لا ولاية له على ابنته مثلا إذا كانت مسلمة، ولا عبرة برضاها بذلك أو توكيلها له إجماعا، ولا يزوج مسلم أيضا وليته الكافرة كما تقدم، ويزوج الكافر وليته الكافرة لمسلم أو يزوجها له الأسقف كما قال الشيخ سيدي زروق - رحمه الله تعالى -.
1128 -
ولا تَزَوَّجْ مرأةً لأجل
…
تحليلها لزوجها من قبل
1129 -
ففعل ذاك الامر ليس بحلال
…
وليس رافعا لذاك الانحظال
1130 -
ولا يصح نكح مُحرم، ولا
…
إنكاحه، وليا أو موكلا
1131 -
ومنعوا نكح المريض رجلا
…
أو مرأة، وافسخ اِذا ما نزلا
1132 -
وإن بنى فمهرها في الثلْث
…
مبدأ، وما لها منِ اِرث
1133 -
وليس للمريض أن يطلقا
…
ولكن إن فعل ذاك لحقا
قوله: ولا تزوج بحذف إحدى التاءين، ومعنى البيت والذي بعده أنه لا يجوز تزوج المطلقة ثلاثا بقصد تحليلها لزوجها، وفي الحديث " لعن الله المحلل والمحلل له "
(2)
ويفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده بطلاق بائن إذا أقر به بعد العقد، وأما إن أقر به قبل النكاح فليس بنكاح أصلا، وإن بنى بها فلها المسمى على الأصح، وقال مالك - رحمه الله تعالى - للمحلل أن يتزوجها بعد ذلك، وقال أشهب: أحب إلي أن لا ينكحها أبدا نقله في المواهب.
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: ويعاقب من علم بنكاح المحلل من زوج، وولي، وشهود، وزوجة.
(1)
حديث صحيح، رواه ابن ماجة.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: وليس رافعا لذاك الانحظال، معناه أن نكاح المحلل لا يحل المبتوتة لزوجها الأول لفساده، وقد قال سبحانه وتعالى:(حتى تنكح زوجا غيره)
قوله: ولا يصح نكح محرم البيت، معناه أن من موانع النكاح الإحرام، فلا بد من كون كل من الثلاثة حلالا - أعني الزوجين والولي - لحديث الصحيح في النهي عن نكاح المحرم وإنكاحه،
(1)
وإن وقع فسخ أبدا، قال ابن ناجي: وفي فسخه بطلاق روايتان، وكذلك الروايتان في تأبيد التحريم، والمشهور عدم التأبيد قاله ابن عبد البر.
قوله: ومنعوا نكح المريض البيت، معناه أن نكاح المريض مرضا مخوفا غير جائز على المشهور، والمشهور أيضا فسخه إذا اطلع عليه قبل أن يصح، حصل دخول أو لا، واختلف إذا لم يطلع عليه حتى صح، والمشهور أنه يقر، وقيل يجوز نكاح المريض إذا لم يكن مضارا، بأن احتاج إليه، وعليه اقتصر القاضي في الإشراف، ومحل الخلاف إذا لم يشرف على الموت، فإن أشرف على الموت امتنع نكاحه قولا واحدا، وأما المرض الذي ليس بمخوف فيجوز النكاح فيه، وكذلك أوائل المخوف المتطاول كالسل والجذام كما في التبصرة، قال في الإشراف: مسألة المريض المخوف عليه الذي لا يحتاج إلى استمتاع لا يجوز نكاحه خلافا لأبي حنيفة والشافعي، لأنه محجور عليه أن يخرج ماله على غير معاوضة في ما لا حاجة به إليه لحق الورثة، والنكاح يتضمن إخراج المال بالمهر والنفقة، ولأن كونه محجورا عليه لحق الورثة يقتضي منعه أن يدخل عليهم وارثا، لأنه إخراج لهم من بعض الميراث، ولأن كل ما يتعلق بإخراج الوارث عن الميراث فلا يجوز في المرض، أصله الطلاق.
(1)
روى مسلم أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح ولا يخطب " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام مالك والدارمي والإمام أحمد.
قوله: وإن بنى فمهرها في الثلث مبدأ، معناه أنه إذا لم يطلع عليه حتى دخل فلها المسمى في ثلثه مبدأ، ظاهره ولو كان أكثر من صداق مثلها، وهو قول ابن عبد الملك، قال: لأنه بالتسمية أصابها، ورواه ابن نافع وأشهب، وقيل لها الأقل منه ومن صداق المثل، وهذا إذا كان المريض الزوج خاصة أو كانا مريضين معا، وأما إذا كان المريض الزوجة وحدها فلها المسمى من رأس ماله بلا خلاف كما في التوضيح.
قوله: وما لها من ارث، معناه أنه إذا مات الزوج المريض من ذلك المرض قبل أن يفسخ النكاح فلا إرث لها منه، لأن ذلك هو سبب الفساد فالحكم به إمضاء له وتصحيح، وكذلك إذا ماتت هي أيضا.
قوله: وليس للمريض أن يطلقا البيت، أشار به إلى عكس ما سبق الذي هو نكاح المريض فكما يمتنع إدخال وارث يمتنع أيضا إخراجه، وإذا أدخله لم يرث، وإذا أخرجه ورث، والمعنى أن الزوج إذا طلق وهو مريض مرضا مخوفا وقع طلاقه، ولكن لا ينتفي به الإرث ولو تزوجت بعده أزواجا إذا لم يصح من ذلك المرض صحة بينة حتى مات، ولو كان طلاقه إياها بخلع أو تخيير أو تمليك، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: اللخمي لو كان العقد في صحته والحنث في مرضه ففي كونه كذلك ونفي إرثها قولها ورواية المدنيين: إن قال لها في صحته إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها في مرضه عصيانا أو خلافا لم ترثه، مع قول المغيرة: من حلف ليقضين فلانا حقه فمرض الحالف وحنث في مرضه إن كان مليا ورثته، وإن كان فقيرا طرأ له مال لم يعلم به لم ترثه، وهو أحسن، وعزى الباجي الأول لمشهور مذهب أصحابنا، قال: وروى زياد بن جعفر: لا ترثه.
والأصل في إرث المطلقة في المرض قضاء سيدنا عثمان - رضي الله تعالى عنه - في امرأة عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - ونساء ابن مكمل الذي أخرجه مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ.
1134 -
ومن يكن طلق زوجه ثلا
…
ثة، فوطؤها عليه حُظِلا
1135 -
بالملك والنكح، إلى أن تنكحا
…
غيرا، كما به الكتاب صرحا
1136 -
وحيث طلق ثلاثا دَفْعه
…
لزمه، لكنَّ ذاك بدعه
1137 -
وإنما المباح إيقاع طلاق
…
وهْي بطهر لم يقع فيه تلاق
1138 -
تطليقة واحدة لا أكثرا
…
من غير إرداف طلاق آخرا
1139 -
وجاز الارتجاع ما لم تخرج
…
عدتَها، والاعتداد سيجي
1140 -
كذا إذا كان الطلاق قبلا
…
دخوله، إذ لا اعتداد أصلا
1141 -
ومن تكن ليست تحيض كلا
…
طلاقها بكل وقت حلا
1142 -
كغير مدخول بها، لو حائضا
…
على الذي من الخلاف يُرتضى
1143 -
وهكذا الحبلى، وفي الحيض امتنع
…
طلاق غير حامل لكن يقع
1144 -
وبارتجاع غير بائن أُمر
…
فإن أبى ذلك طائعا جُبر
قوله: ومن يكن طلق زوجه البيتين معناه أن من طلق زوجته ثلاث مرات لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره كما هو نص الآية الكريمة، ويشترط في النكاح الذي تحل به أن يكون صحيحا فلا تحل بفاسد، إلا أن يكون مما يثبت بالدخول، فيكون دخوله الذي يثبت به كالعقد في النكاح الصحيح، ويشترط كما تقدم أن يكون نكاح رغبة، فلا تحل بنكاح قصد صاحبه به التحليل للزوج الأول، ويشترط أن تكون الزوجة مطيقة، وأن يكون الزوج قادرا على الإصابة، فلا تحل بنكاح صبي، ولا مجبوب، أو عنين، أو معترض، أو نحو ذلك، وأن يكون الوطء مباحا، فلو وطئها في حيض، أو نفاس، أو محرمة، أو صائمة، لم تحل به، وأن يكون مع انتشار، واختلف هل يشترط كون كل منهما عالما، فلو كان أحدهما مجنونا حين الوطء لم تحل به، فذهب ابن القاسم إلى اشتراط علمها فقط، وهو المشهور من المذهب، فلو كانت مجنونة، أو نائمة، لم تحل، ولا يضر جنونه دونها، وذهب أشهب إلى اشتراط علمه فقط، وذهب عبد الملك إلى عدم اشتراط علم كل منهما، فتحل مع جنونهما وقت الإصابة، قال اللخمي: ولا أرى أن يحلها إلا أن يكونا عاقلين لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لزوجة رفاعة وقد أرادت الرجوع إلى الذي طلقها قبل مسيس الثاني " لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " أخرجه البخاري ومسلم، وهذا يقتضي أن يكونا عاقلين إلا أن تكون وسوسة ولم يبلغ إلى فقدان التمييز.
وكأن ابن القاسم راعى إسناد النكاح في الآية الكريمة إلى المرأة، ولم ير الجنون مانعا من ذوق العسيلة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهذه الشروط كلها تؤخذ من الآية الكريمة وحديث امرأة رفاعة على أصل مراعاة تقديم الحقيقة الشرعية في كلام الشرع على الحقيقة اللغوية، ولا بد في الإحلال من شاهدين على النكاح، وامرأتين على الخلوة، وتصادق الزوجين على الوطء.
وتصدق الطارئة من بعيد إذا ادعت التزويج لتعذر الإثبات عليها، وتصدق الحاضرة المأمونة إذا ادعته بعد طول من الزمن، واختلف في غير المأمونة مع تطاول الزمن.
وقوله في البيت الثاني: بالملك، معناه أن المبتوتة لا تحل لمن بتها بالتسري، لقوله سبحانه وتعالى:(فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فقد اقتضى إناطة الإباحة بالنكاح خاصة على ظاهر اللفظ، ولا تحل المبتوتة أيضا بتسري سيدها بها، على ظاهر الآية الكريمة.
قوله: وحيث طلق ثلاثا البيت، معناه أنه إذا طلق زوجته ثلاثا في لفظ واحد وقع ذلك وإن كان بدعة، قال القاضي أبو محمد في الإشراف: ودليلنا على أنه بدعة قوله سبحانه وتعالى: (فطلقوهن لعدتهن) الآية، فأمر بالطلاق للعدة وقرنه بما دل على أن المراد به الطلاق الرجعي، لقوله سبحانه وتعالى:(لا تدري لعل يحدث بعد ذلك أمرا) أي: ندما فيكون للمطلق طريق إلى تلافيه بالارتجاع، ثم وصفه بما يقتضي الإثم وهو قوله سبحانه وتعالى:(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فدل على ما قلناه، وحديث الحسن عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - أنه قال: يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أرأيت لو أطلقها ثلاثا؟
قال: " إذا بانت منك وعصيت ربك " وحديث محمود بن لبيد الأنصاري قال: أخبر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جمعا، فقام غضبانا وقال:" تلاعب بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم "
(1)
وهذا كالنص.
وجاء أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كان إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم: أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أمرني بهذا، وإن كنت طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت الله عز وجل في ما أمرك به من طلاق امرأتك
(2)
.
(1)
رواه الترمذي بلفظ " أيلعب " وهو حديث ضعيف.
(2)
متفق عليه.
وقال القاضي عبد الوهاب: ودليلنا على لزومه قوله سبحانه وتعالى: (لا تدري لعل يحدث بعد ذلك أمرا) يعني الندم الذي يمكن تلافيه بالرجعة، فأمرنا أن نطلق ما نملك معه الرجعة، لئلا يلحقنا ندم عليه، فلا يكون لنا سبيل إلى تلافيه، فلو لا أنه يقع إذا أوقعناه على هذا الوجه وإلا لم يكن لهذا القول معنى، لأن ما يحدث يمكن تلافيه بالرجعة على قول من يقول يقع واحدة، أو لا يؤثر على قول من يقول لا يقع جملة.
ثم ذكر أحاديث في ذلك المعنى.
قوله: وإنما المباح البيتين، معناه أن الطلاق السني هو أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -:" ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله سبحانه وتعالى أن تطلق النساء لها "
(1)
ويشترط فيه أن يكون طلاقا واحدا لا أكثر، وأن لا يردف عليه طلاقا حتى تتم العدة، قال القاضي في الإشراف: فدليلنا قوله سبحانه وتعالى: (فطلقوهن لعدتهن) وذلك يوجب أن يطلق طلاقا يوجب عدة في حال تعتد منه، وهذا الطلاق الثاني والثالث لا يوجب عدة فكان موقعا على خلاف المأمور به.
وقال القاضي أبو الوليد في المقدمات: والصواب ما ذهب إليه مالك - رحمه الله تعالى -وهو الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن طلاق السنة أن يطلق طلقة واحدة في أول الطهر إلى انقضاء العدة.
قوله: وجاز الارتجاع ما لم تخرج عدتها، معناه أن المطلقة طلاقا رجعيا يجوز لزوجها أن يرتجعها شاءت أو أبت، لقوله سبحانه وتعالى:(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) إلى قوله سبحانه وتعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) ولقوله سبحانه وتعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) والمراد ببلوغ الأجل مقاربته لا بلوغه بالفعل إجماعا.
(1)
متفق عليه.
قوله: والاعتداد سيجي، معناه أن الكلام على العدد سيأتي بعد هذا إن شاء الله سبحانه وتعالى.
قوله: كذا إذا كان الطلاق قبلا البيت، هو تشبيه بمفهوم قوله: ما لم تخرج عدتها، والمعنى أن المطلقة قبل الدخول لا رجعة فيها إذ لا عدة عليها لقوله سبحانه وتعالى:(ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) الآية الكريمة.
قوله: ومن تكن ليست تحيض البيت، معناه أن اليائسة والصغيرة يجوز طلاقهما بكل وقت للآية الكريمة المتقدمة.
قوله: كغير مدخول بها البيت، معناه أن غير المدخول بها يجوز طلاقها في الحيض على المشهور، إذ لا عدة عليها، وروي منعه لاحتمال أن النهي عن الطلاق في الحيض تعبد، وكرهه أشهب - رحمه الله تعالى -.
قوله: وهكذا الحبلى، معناه أن الحامل يجوز طلاقها ولو حائضا عند من يرى أنها تحيض لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -:" مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا "
(1)
وفي معنى حيض الحامل دم النفاس ببعض حملها، فيجوز الطلاق فيه لأنها حامل.
قوله: وفي الحيض امتنع إلخ، معناه أن طلاق الحائض التي ليست بحامل غير جائز، وكذلك النفساء، لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ففي بعض طرقه أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما أخبره عمر - رضي الله تعالى عنه - بذلك تغيظ، وهو لازم لقوله:" مره فليراجعها " ويجب عليه ارتجاعها إذا كان الطلاق رجعيا، للحديث المذكور، فإن أبى أن يرتجعها جبر على ذلك، قال ابن شاس في جواهره: في سياق كلام أشهب في كتاب محمد أجبر على الرجعة سواء ابتدأه أو حنث فيه، فإن أبى هدد بالسجن، فإن استمر على الامتناع حبس، فإن أصر ضرب بالسوط، ويكون ذلك كله قريبا في موضع واحد، لأنه على معصية، فإن لم يطع ارتجع الحاكم عليه.
(1)
رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد.
ويستمر الأمر بجبره ولو طهرت ما لم تنقض العدة في مذهب مالك وجميع أصحابه خلافا لأشهب وابن شعبان، حيث قالا يجبر ما لم تطهر من الحيضة الثانية، لأن ذلك الوقت إذا ارتجع في الحيض يجوز له أن يطلق فيه، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وسمع عيسى ابن القاسم لمن أجبر على الرجعة أن يطأها إذا طهرت وهو يريد أن يطلقها في الطهر الثاني، ويؤمر في الرجعة من طلقة الحيض أو النفاس التي أجبر عليها أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وقول أبي عمران: لو ارتجعها في حيض الطلقة اختيارا دون إجبار كان له طلاقها في طهر حيض الطلقة، هو مفهوم شرطها، وسمع عيسى ابن القاسم: لمن أجبر بالرجعة من طلاق الحيض فراجع يريد طلاقها وطؤها، ابن رشد: هو المأمور به، ولو ارتجعها كذلك ولم يصبها كان مضرا آثما، ولو طلق في طهر حيض جبر فيه، أو في طهر مس فيه، أو قبل اغتسالها، أو بدله لم يؤمر بالرجعة.
1145 -
وحيث قال الزوج: أنت طالق
…
فطلقةً بذا عليه تطلق
1146 -
ما لم يكن بذا أراد أزيدا
…
فإن يرد لزمه ما قصدا
معناه أنه إذا قال لزوجته: أنت طالق، طلقت عليه بذلك طلقة، إلا أن ينوي أكثر فيلزمه، قال القاضي عبد الوهاب: لأنها صيغة محتملة للعدد قابلة له، واللفظ إذا احتمل شيئا فنوى به قُبل من ناويه، اعتبارا بقوله أنت الطلاق، ولأن قوله أنت طالق نعت اسم الفاعل من طلقت فهي طالق، فهو كقولك زيد ضارب وقاتل، ومعلوم أن ذلك يصح للواحد وللاثنين والثلاثة، فكذلك طالق، ولأن المطلقة ثلاثا تشارك المطلقة واحدة في الوصف لها بأنها طالق، وإذا كان الاسم مستعملا فيها، فدل على قبوله بعدد طلاقها، ولأن قوله: أنت طالق نعت لمصدر محذوف تقديره أنت طالق طلاقا، وذلك المصدر قابل للعدد باتفاقنا، وإظهاره كتركه، لأنه معلوم من اللفظ.
وينقسم لفظ الطلاق إلى صريح، وكناية ظاهرة، وكناية خفية، قال ابن شاس - رحمه الله تعالى -: أما الصريح فما تضمن لفظ الطلاق على أي وجه كان، كطلقتك، أو أنا طالق منك، أو أنت طالق، أو مطلقة، أو الطلاق له لازم، وما أشبه ذلك مما ينطق به بالطلاق، فيلزم بهذه الألفاظ الطلاق، ولا يفتقر إلى نية، ومطلقها واحدة إلا أن ينوي أكثر قاله بمعناه في الجواهر.
قال: وأضاف القاضي أبو الحسن إلى ذلك قوله: سرحتك، وفارقتك، وأنت حرام، وبتة، وبتلة، فأما لفظ السراح والفراق فيأتي حكمهما، وأما ما عداهما فيقتضي الثلاث إلا أن ينوي في غير المدخول دونها فيقبل في الجميع خلا البتة، فإن قبول ذلك فيها مختلف فيه، وأما الكناية فقسمان ظاهرة ومحتملة، فأما الظاهرة فهي ما جرى العرف أن يطلق بها في اللغة والشرع.
وعرفها ابن عرفة - رحمه الله تعالى - بأنها ما ينصرف عن الطلاق بالنية، وأما الكناية الخفية فهي ما تتوقف دلالته على الطلاق على النية.
ولا يقبل منه في الصريح أنه لم يرد به طلاقا، إلا أن يدل البساط على ذلك، كما إذا كانت موثقة فقالت: أطلقني، فقال: أنت طالق، وقال: أردت أنها طالق من الوثاق فيصدق، قال في التوضيح: ولا خلاف أنه يدين، وظاهر كلامه - يعني ابن الحاجب - أنه لا فرق بين أن تكون هناك بينة أم لا.
وأما النية وحدها فالمعول أنه لا يقع بها، قال في التاج: ابن عرفة: رواية الأكثر لغو الطلاق بمجرد النية الجازمة، ابن القصار: هو قول جميع الفقهاء، أبو عمر: من اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه فليس بشيء، هذا هو الأشهر عن مالك، والأصح في النظر، وطريق الأثر، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها
(1)
الحديث
(2)
.
1147 -
والخلع طلقة تبين في الاصح
…
لو مغه باسم الطلاق لم يُبَحْ
1148 -
إذا إليه دفعتْ شيئا على
…
تطليقها نظيره ففعلا
(1)
" ما لم تعمل أو تتكلم "
(2)
متفق عليه.
1149 -
ولفظ ألبتة لو لم يدخل
…
فيه ثلاثة على المعول
1150 -
ومثل ذاك قوله: خليه
…
لمن بها دخل، أو بريه
1151 -
كذا حرام، وإذا لم يدخل
…
وقال: قد نويت دونا، فاقبل
1152 -
وهكذا حبلك فوق الغارب
…
وكون ذا كبتة قد اجتبي
قوله: والخلع طلقة تبين البيتين، معناه أن الخلع طلقة بائنة، لأن الطلاق الرجعي لا يرفع زوجيته عليها، خلافا لمن قال إنه فسخ، لأنه عقد معاوضة، فلا بد أن يكون الزوج مالكا لما يأخذ عنه العوض، وهو لا يملك الفسخ، وإنما يملك الطلاق، والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى:(فلا جناح عليهما فيما افتدت به) الآية.
وقوله: لو معه باسم الطلاق لم يبح، أي لم يصرح، معناه أنها إذا أعطته مالا على أن يفارقها ففعل فذلك خلع، سواء تلفظ عند ذلك بالطلاق أو لا.
قوله: ولفظ ألبتة الأبيات، معناه أن ألبتة تلزم فيها ثلاث مطلقا، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو لا، على المشهور، لأنها حقيقة في كلامهم في الثلاث، كما اقتضاه حديث امرأة رفاعة المتقدم في إحلال المبتوتة وغيره.
وأما الألفاظ الأربع المذكورة بعدها التي هي برية، وخلية، وحرام، وحبلك على غاربك، فقد روى فيها مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ آثارا عن الصحابة أنها ثلاث، روى ذلك عن علي - رضي الله تعالى عنه - في أنت حرام، قال: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك، ورواه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في خلية وبرية، وروى عن عمر -رضي الله تعالى عنه - في حبلك على غاربك إلا أنه لم يصرح فيه بالثلاث، وقد وقع في بعض طرقه أنه قال: بانت منك.
فهذه الألفاظ مقتضية للبينونة فتتعين الثلاث في المدخول بها إذ لا تبين بما دون ذلك، وأما غير المدخول بها فذكر في الموطإ أنه إذا ادعى أنه إنما أراد واحدة يصدق بيمين في خلية وبرية وبائن، وظاهره في حرام أنه ثلاث مطلقا، وهو قول عبد الملك، والمشهور أنها كخلية وبرية، وأما حبلك على غاربك فظاهر المدونة أنها كبتة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: الباجي: مقتضى مذهب مالك أنها الثلاث، لأن الحبل كناية عن العصمة، فقوله حبلك على غاربك إقرار بخروجه عن يده، وذلك يقتضي أنه طلاق لا رجعة له فيه، والغارب: أسفل السنام، وهو ما انحدر من العنق، قال ابن عرفة: قوله: مقتضى مذهب مالك، هو نصها: إن قال حبلك على غاربك فهي ثلاث، ولا ينوى، وكالميتة والدم ولحم الخنزير.
وفي الجواهر: قال الإمام أبو عبد الله عقب ذكر هذه المسألة - يعني مسألة أنت علي حرام -: وقد اختلفت أجوبة مالك وأصحابه في كنايات الطلاق، فسلكوا فيها طرقا مختلفة، ففي بعضها يحمل اللفظ على الثلاث ولا ينوى في أقل، وفي بعضها ينوى في أقل، وفي بعضها يحمل على الواحدة حتى ينوي أكثر منها، وفي بعضها ينوى قبل الدخول ولا ينوى بعده، وفي بعضها في من لم يدخل بها واحدة، وفي المدخول بها ثلاث، قال: هذا جملة ما يقولونه من ذلك، ويختلفون في بعض الألفاظ من أي هذه الأقسام هو، وتفصيل ذلك، وذكر الروايات فيه، وتعديد الألفاظ فيه طول، ولكنا نعقد أصلا يرجع إليه جميع ما وقع في الروايات على كثرتها، ويعلم منه سبب اختلافهم في ما اختلفوا فيه، ووجه تفرقتهم فيما فرقوا فيه، ووجه التنوية في بعض دون بعض، ثم قال: فاعلم أن الألفاظ الدالة على الطلاق بحكم الوضع واللغة، أو بحكم عرف الاستعمال، إما أن تتضمن البينونة والعدد جميعا، كقوله: أنت طالق ثلاثا، فهذا لا يختلف في وقوع الثلاث به وأنه لا ينوى، ولا يفترق الجواب في المدخول بها وغير المدخول بها، أو تكون دلالته على البينونة وانقطاع الملك خاصة، فينظر في ذلك هل يصح انقطاع الملك والبينونة بالواحد أم لا يصح في الشرع إلا بالثلاث، وهذا أصل مختلف فيه أيضا إذا لم تكن معه معاوضة، أو يكون يدل على عدد غالبا، وقد يستعمل في غيره نادرا، فيحمل مع عدم القصد على الغالب، ومع وجود القصد إلى النادر عليه إذا جاء مستفتيا فيه، وإن كانت عليه بينة فتختلف فروع هذا القسم.
وإن كان يستعمل في الأعداد استعمالا متساويا وقصد إلى أحد الأعداد قبل منه، جاء مستفتيا أو قامت عليه بينة، فإن لم يكن له قصد فهذا موضع الاضطراب، فمن أصحابنا من يحمله على أقل الأعداد استصحابا بالبراءة للذمة وأخذا بالمتيقن دون ما زاد، ومنهم من يحمله على أكثر الأعداد أخذا بالاحتياط، واستظهارا في صيانة الفروج، لا سيما على قولنا إن الطلقة الواحدة تحرم، فكأن الاستباحة بالرجعة مشكوك فيها هاهنا، ولا تستباح الفروج بالشك، قال: فاضبط هذا فإنه من أسرار العلم، وإليه ينحصر جميع ما قاله العلماء المتقدمون في هذه المسائل، وبه تضبط مسائل الفتوى في هذا الفن، ثم قال: وأقرب مثال يوضح لك هذه الجملة ما نحن فيه من مسألة القائل الحلال علي حرام، فقولهم في المشهور أنها ثلاث، وينوى في غير المدخول بها في أقل بناء على أن هذا اللفظ وضع لإبانة العصمة، وأنها لا تبين بعد الدخول بأقل من ثلاث، وتبين قبله بواحدة وكونها في العدد غالبا في الثلاث ونادرا في أقل منه فحملت قبل الدخول على الثلاث ونوي في أقل، وقول عبد الملك لا ينوى في أقل وإن لم يدخل بناء على أنها موضوعة للثلاث، كقوله أنت طالق ثلاثا، ويلحق بأول الأقسام التي ذكرها، وقول أبي مصعب في التي لم يدخل بها واحدة وفي المدخول بها ثلاث بناء على أنها لا تفيد عددا، وإنما تفيد البينونة لا أكثر، والبينونة تصح في غير المدخول بها بواحدة، ولا يصح في المدخول بها إلا بالثلاث على إحدى الطريقتين التين ذكرنا، وقول ابن خويزمنداد عن مالك إنها واحدة بائنة، وإن كانت مدخولا بها بناء على أنها لا تفيد عددا كطريقة أبي مصعب ولكن عنده البينونة تصح بعد الدخول بواحدة، فمن هنا افترقت طرقهم، وما نقل عن أبي سلمة من أنها واحدة رجعية بناء على أنها تفيد انقطاع الملك على صفة، ولا تستعمل غالبا في الثلاث، فحكم بكونها واحدة لصحة معنى اللفظ في الواحدة، وهي كونها محرمة عندنا، وإن كانت الطلقة
رجعية، قال: وهذا محمل قول عبد الملك وربيعة في الخلية والبرية والبائن أنها في غير المدخول بها واحدة مأخوذة من إحدى هذه الطرق التي ذكرنا، وتنوية أشهب في الخلية والبرية وإن كانت مدخولا بها على ما حكى عنه أبو الفرج تؤخذ أيضا من إحدى هذه الطرق التي قدمنا، قال: وعلى هذا يخرج من المسائل ما لا يحصى كثرة، فاحتفظ به فإنه عقد حسن.
1153 -
وإن يقع قبل بناء الطلاق
…
فنصف ما سمى لها من الصداق
1154 -
إلا إذا عفتْه عنه ثيبُ
…
أو أبُ غيرها، فليس يجب
1155 -
كذاك سيد الإما إن يعْفُ
…
عنه، فما لها هناك نصف
1156 -
ومتعنْ ندبا بقدر الوُسْع
…
والعرفِ، إن طلقت دون خلع
1157 -
إلا التي قبل البنا طلقتا
…
إذا لها صداقها فرضتا
قوله: وإن يقع الأبيات الثلاثة، معناه أنه إذا طلقها قبل الدخول في نكاح التسمية كان لها نصف الصداق، لقوله سبحانه وتعالى:(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) إلا أن تعفوه المرأة عنه إذا كانت ثيبا، أو يعفوه أبو البكر، أو سيد الأمة، قال في الموطإ: وذلك أن الله تبارك وتعالى قال: (إلا أن يعفون) فهن النساء التي قد دخل بهن (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) فهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، قال مالك - رحمه الله تعالى -: وهذا الذي سمعت في ذلك، والذي عليه الأمر عندنا، وإنما يتكمل الصداق في التسمية بالوطء، أو الموت، أو طول الإقامة.
قوله: ومتعن ندبا البيتين، معناه أن المطلق يندب له أن يمتع المطلقة لقوله سبحانه وتعالى:(ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف) الآية الكريمة.
وقال ابن مسلمة وابن حبيب والأبهري إن ذلك واجب، قال مالك - رحمه الله تعالى -: ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها وكثيرها، وذكر أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه - طلق امرأة له فمتع بوليدة، وقال أبو عمران الفاسي: هي على قدر حالها، وقال ابن عبد البر هي قدر الرجل، وقال ابن رشد هي على قدرهما.
قوله: إلا التي قبل البنا البيت، معناه أن المطلقة قبل البناء في نكاح التسمية لا يؤمر الزوج أن يمتعها، لاستحقاقها نصف الصداق مع عدم إصابتها، بخلاف المتزوجة تفويضا، وقد وقع في الآية الكريمة التصريح مع المتزوجة تفويضا بالمتعة، ومع المسمى لها بنصف الصداق، ففهم منه اختصاص المتزوجة تفويضا بالمتعة، كما اختصت المسمى لها بالنصف، أعني قوله سبحانه وتعالى:(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد روى في الموطإ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمسس فحسبها نصف ما فرض لها.
1158 -
ومثلها بذلك المختلعه
…
إذ هي للطلاق هي الموقِعه
معناه أن الزوج لا يؤمر أن يمتع المخالعة، لأن الطلاق من قبلها، وكذلك من تشاركها في هذا المعنى، كالمختارة لعيب أو لعتقها تحت عبد.
1159 -
وإن يمت قبل البنا من غير
…
فرض لها، فما لها من مهر
1160 -
وإن بنى بها فمهر المثل ما
…
لم تك قد رضيتَ اَمرا عُلما
1161 -
والارث ثابت لها بكل
…
الاحوال من متروك ذاك البعل
قوله: وإن يمت البيت، معناه أنه إذا دخل بها في نكاح التفويض وجب لها من ماله صداق المثل، قضاء بالعرف كما تقدم، إلا أن يكون قد فرض لها قبل الدخول ورضيت، فلها بالدخول ما فرضه كما تقدم.
وروى في الموطإ عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر: ليس لها صداق، ولو كان لها صداق لم نمسكه، ولم نظلمها، فأبت أمها أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهم زيد بن ثابت، فقضى أن لا صداق لها، ولها الميراث.
قوله: وإن بنى بها البيت، معناه أنه إذا دخل بها في نكاح التفويض قبل أن يفرض لها صداقا وجب لها صداق المثل كما تقدم، وإن فرض لها قبل الدخول ورضيت بما فرض لها فهو لها.
قوله: والارث ثابت البيت، معناه أن التوارث ثابت بينهما في كل الأحوال، لوجود سببه الذي هو الزوجية.
1162 -
وبجنون مرأة، أو الجذام
…
أو برص، تخيير زوج ذو انحتام
1163 -
وهكذا أدواء فرج كالرتَق
…
إن كان كل ذا على العقد سبق
1164 -
وإن بها من قبل علم دخلا
…
ودَّى إذًا لها الصداق كاملا
1165 -
وإن يكن إنكاحه بها وقع
…
من كأب، عليه بالمهر رجع
1166 -
وليرجعنْ على العروس في البعيد
…
بما على ربع دينار يزيد
قوله: وبجنون مرأة البيتين، معناه أن المرأة ترد بهذه الأمور الأربعة إذا كان حدوثها بها سابقا على العقد، وهي الجنون، والجذام، والبرص، وأدوية الفرج، ولا فرق في الثلاثة الأول بين قليلها وكثيرها، وعيوب الفرج: ما يقطع لذة الوطء كالعفل وهو: كجبل لحمة في وسط الفرج تمنع الوطء، والقرن، وهو كعظم: عظم في الفرج مانع من الجماع أيضا، والرتق، وهو كجبل: انسداد مسلك الوطء، والإفضاء، وهو اختلاط مسلكي الوطء والبول، والبخر، وهو كجبل أيضا: نتن رائحته، والعذيطة، وهي الحدث عند الجماع، ويثبت للمرأة الخيار أيضا إذا اطلعت على جذام، أو برص، أو جنون زوجها، أو أن بفرجه عيبا من جب، أو عنة، أو اعتراض، أو خصاء، إذا كان كل ذلك سابقا على العقد، وكذلك يثبت الخيار أيضا إذا اشترط أحدهما سلامة الآخر من شيء من العيوب الأخرى كالقرع، والسواد، ثم وجده متصفا به، وقال في الإشراف: مسألة إذا عرفت المرأة الرجل بصفة مقصودة، أو عرفها الرجل فكانت على خلافها ثبت لها الخيار ولم يبطل العقد، وقال الشافعي في أحد قوليه يبطل العقد، دليلنا أنها صفة لا يفتقر صحة العقد إلى وجودها، فلم يبطل النكاح لعدمها كتسمية المهر.
قوله: وإن بها من قبل الأبيات، معناه أنه إذا دخل بها غير عالم بالعيب الموجب للخيار دفع لها الصداق كاملا، ورجع به على الولي إن كان قريبا لا يخفى عليه ذلك منها كأبيها وأخيها وابنها، وإن كان بعيدا كالعم المجانب وابن العم والسلطان وعامة مسلم ونحوه لم يرجع عليه، ورجع عليها بما زاد على ربع دينار.
وروى في الموطإ عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها، قال مالك: وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها، فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها، ويترك لها قدر ما تستحل به.
1167 -
وأجلوا ذا الاعتراض عاما
…
فإن يطأ فيه فلا كلاما
1168 -
وحيث لم يطأ فإن تشا البقا
…
وإن تشا الطلاق فلتطلقا
1169 -
وزوجة المفقود حيث تاتي
…
رافعةً الامرَ إلى القضاة
1170 -
يؤجلونه ورا تمام
…
ألكشف أربعا من الأعوام
1171 -
وبعد ذا كميت تعتدُّ
…
ثم تزوجت إذا تودُّ
1172 -
وقسم ما تركه يؤخر
…
إلى انتهاء ما له يُعمَّر
قوله: وأجلن ذا الاعتراض البيتين، معناه أن المعترض - بفتح الراء وهو الذي عرض له العجز عن الوطء - إذا رفعته زوجته يؤجل سنة بعد الصحة إن كان مريضا من يوم الحكم، فإن ادعى أنه وطئ فيها وصدقته فلا كلام لها، وإن كذبته صدق بيمين، وإن لم يطأ ثبت لها الخيار، وقد روى مالك - رحمه الله تعالى - ذلك في الموطإ عن سعيد بن المسيب وابن شهاب، وحكى عليه القاضي في الإشراف إجماع الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ونصه: يثبت الخيار للمرأة بالعنة والاعتراض خلافا لداوود لإجماع الصحابة على ضرب الأجل له، روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ولأنه عيب يمنع المقصود بالعقد، وهو الاستمتاع، فوجب أن يثبت لها الخيار فيه، أصله الجب والخصاء.
وهذا إذا لم يطأها بعد تزوجه بها، فإن كان قد وطئها ثم حدث له اعتراض فلا كلام لها، وظاهر الشيخ أن التأجيل سنة في الاعتراض سواء كان الزوج حرا أو عبدا، ونقل عن مالك، واستحسنه غير واحد، وهو مذهب جمهور أهل العلم، والمشهور أن امرأة العبد تؤجل ستة أشهر فقط.
قوله: وزوجة المفقود الأبيات الثلاثة، معناه أن زوجة المفقود في بلاد المسلمين إذا رفعت أمرها للقاضي تؤجل أربع سنين إن كان حرا، وسنتين إن كان عبدا، وذلك بعد الكشف عنه وعدم ظهور خبر له، وذلك بعد إثباتها الزوجية والمغيب، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: فإذا أثبتت ذلك عنده كتب إلى والي البلد الذي يظن أنه فيه، أو إلى البلد الجامع إن لم يظن به في بلد بعينه مستبحثا عنه، ويعرفه في كتابه إليه باسمه، ونسبه، وصفته، ومتجره، ويكتب هو بذلك إلى نواحي بلده، فإذا ورد على الإمام جواب كتابه بأنه لم يعلم له خبر ولا وجد له أثر، ضرب لامرأته أجل أربعة أعوام إن كان حرا أو عامين إن كان عبدا، وينفق عليها فيها من ماله، ثم قال: وإنما أخذت بالأربعة الأعوام بالاجتهاد، لأن الغالب أن من كان حيا لا تخفى حياته مع البحث عنه أكثر من هذه المدة، ووجب الاقتصار عليها لأن الزيادة فيها والنقصان منها خرق للإجماع، لأن الأمة في المفقود على قولين أحدهما أن زوجته لا تتزوج حتى يعلم موته أو ياتي عليه من الزمان ما لا يحيى إلى مثله، والثاني أنه يباح لها التزويج إذا اعتدت بعد تربص أعوام فلا يجوز إحداث قول ثالث.
قوله: وبعد ذا كميت تعتد، معناه أنه إذا تم الأجل المذكور اعتدت عدة الوفاة، وكان لها أن تتزوج، وقد روى هذا مالك - رحمه الله تعالى - في موطئه عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وذكر ابن رشد أنه روي عن عثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهم - قال: ولا مخالف لهم من الصحابة إلا رواية أخرى جاءت عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنها لا تتزوج حتى يعلم موته أو ياتي عليه من الزمان ما لا يحيى إلى مثله، تعلق بها أهل المشرق والشافعي في أحد قوليه، والصحيح عن علي مثل ما روي عن عمر ومن ذكرنا معه - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وهو الصواب الذي ذهب إليه مالك - رحمه الله تعالى - لقول رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" لا ضرر ولا ضرار "
(1)
ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ "
(2)
.
وأما المفقود في أرض الحرب والأسير فإن كان لهما مال تجري منه النفقة على الزوجة فلا يضرب لها أجل وتبقى على الزوجية حتى تثبت موته أو تمضي مدة التعمير، وأما المفقود في الفتن بين المسلمين فيتلوم الإمام لزوجته باجتهاده بقدر انصراف من انصرف، وانهزام من انهزم.
(1)
رواه ابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: وقسم ما تركه البيت، معناه أن ماله لا يورث حتى يمضي عليه من يوم ولادته ما يعمر له غالبا، قال في التاج: ابن عات: اختلف في حد التعمير فقال ابن القاسم وأشهب ومالك مرة سبعون سنة، واختاره القاضي، قال ابن عرفة: حكم قاضي تونس بتمويت إنسان بخمس وسبعين سنة، وأشهد القاضي على حكمه شاهدين، ورفع الرسم إلى السلطان، فقيل له هذا القاضي والشاهدان كل منهم جاز هذا السن، فألغى الإعمال به بعد ضحك أهل مجلسه، ابن عرفة: وهذا لا يلزم، وهذه شبهة نشأت عن خطابة عامية، وقال مالك مرة ثمانون، واختاره ابن أبي زيد والقابسي وابن محرز.
قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: فإن فقد وهو ابن سبعين سنة على مذهب من يرى السبعين ضرب له عشرة أعوام، وكذلك إن فقد وهو ابن ثمانين سنة، أو تسعين على مذهب من يرى ذلك أو ما دونه حد المفقود، وأما إن فقد وهو ابن مائة عام على مذهب من يرى ذلك أو ما حد المفقود، فقيل إنه يضرب له عشرة أعوام، وقيل إنه يتلوم له العام والعامين، وأما إن فقد وهو ابن مائة وعشرين سنة فيتلوم له العام ونحوه، ولا اختلاف في ذلك.
1173 -
وخطْبُ ذات الاعتداد لا يحل
…
بعكس تعريض، فليس ينحظل
1174 -
وجمع الاختين في الاستمتاع
…
بالملك كالنكاح، ذو امتناع
1175 -
فإن يطأ واحدة وهمَّا
…
بغيرها صيَّر الاولى حِرْما
1176 -
ببيع اَو كتابة من كل ما
…
يصير وطؤها به محرما
1177 -
والوطء بالملك به البنات
…
تحرم كلها، والامهات
1178 -
كما على بنيك والآباء
…
يحرم ما وطئتَ من إماء
قوله: وخطب ذات البيت، معناه أنه يحرم التصريح بالخطبة للمعتدة سواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة، وتحرم مواعدتها أيضا، وهي أن يعد كل منهما صاحبه، وكذلك وليها المجبر، وأما غير المجبر فمواعدته مكروهة، وقيل تمنع كالمجبر، وأما العدة - بتخفيف الدال - وهي ما كان من طرف واحد فمكروهة، ووجه النهي في ذلك كله خوف التعجيل بالعدة، بأن تدعي انقضاءها قبل أن تتم، وقد ائتمنها الله سبحانه وتعالى عليها حيث قال جل من قائل:(ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) وأما التعريض فجائز، كأن يقول إني فيك راغب، وإنك علي لكريمة، وإني بك لمعجب، ولك محب، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)
وهذا كله في البائن، وأما الرجعية فلا يجوز التعريض لها إجماعا كما قال القرطبي - رحمه الله تعالى - لأنها زوجة، وإذا صرح للمعتدة وتزوجها بعد العدة استحب له أن يفارقها فإذا انقضت عدتها فإن شاء تزوجها، هذا هو المشهور، وقيل يجب فسخه، وهل يتأبد تحريمها عليه قولان.
قوله: وجمع الاختين الأبيات الثلاثة، معناه أن الجمع بين الأختين بالتسري حرام، كما يحرم بالزوجية، وكذلك بالتسري والزوجية لقوله سبحانه وتعالى:(وأن تجمعوا بين الأختين) فهو عام في تلك الوجوه، وإذا ملك أخت زوجته أو تسرى بإحدى أختين وأراد أن يتسرى بالأخرى إذا كانت مملوكة له، أو أراد أن يتزوجها إذا كانت مملوكة لغيره، حرم الأولى، وتحريمها إن كانت مملوكة له ببيعها، أو هبتها لمن لا يعتصر منه ولو بالشراء، وعتقها ولو لأجل، وكتابتها، وإن كانت زوجة لم تحرم إلا بالبينونة، ومثل الأختين فيما ذكر كل من يحرم الجمع بينهما.
قوله: والوطء إلخ، أشار به إلى أن من وطئ أمة بالملك حرمت عليه أمهاتها وبناتها، كما تحرم هي على آبائه وأبنائه.
1179 -
وزوجة العبد طلاقها بيدْ
…
ألعبد، عن سيده به استبد
1180 -
أما الصبي فذاك ليس أهلا
…
لأن يُوقِّع الطلاق أصلا
قوله: وزوجة العبد البيت، معناه أن طلاق زوجة العبد بيده، لا بيد سيده، وقد روى ذلك مالك في الموطإ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وكذلك السفيه، وفي الحديث " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق "
(1)
وقوله: استبد، معناه: اختص واستقل.
قوله: أما الصبي فذاك ليس أهلا البيت، معناه أن الصبي ليس أهلا لإيقاع الطلاق، لأنه تحريم، والصبي ليس من أهل الخطاب بالحرمة، وكذلك المكره والمجنون والمعتوه، لما في الحديث من رفع القلم عن الصبي والمجنون وعدم المؤاخذة بما استكره عليه، ولما فيه من أنه " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق "
(2)
أو " في غَلاق "
(3)
وأما السكران فإن كان لا يميز الرجل من المرأة، ولا الأرض من السماء، فكالمجنون باتفاق، كما قال ابن رشد والباجي - رحمهما الله تعالى - وأما السكران المختلط فطلاقه نافذ، قال في الإشراف: لأن أحكام التكليف متعلقة بأفعاله التي توجب أحكاما عليه، بدليل أنه يحد إذا زنى، أو قذف، أو شرب، فإذا ثبتت هذه الجملة قلنا كل من يحد إذا وجد لفظ القذف منه فإن طلاقه واقع كالصاحي.
وقد روى ذلك مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار.
1181 -
وللمخيَّرة ما بقيا
…
مجلس ذا التخيير أن تقضيا
1182 -
كذا المملكة، والمخيره
…
إن بالثلاث تقضِ لا مناكره
1183 -
وما لها القضا بدون ذلكه
…
وعكسها بذينك المملكه
(1)
رواه ابن ماجة، وهو حديث حسن.
(2)
رواه ابن ماجة، وهو حديث حسن.
(3)
رواه أبو داود، وهو حديث حسن.
معناه أنه إذا خير زوجته أو ملكها كان لها أن تطلق نفسها، ما لم ينقض المجلس، أو يطول حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره، هذا هو المشهور في المذهب، وبه كان يقول مالك - رحمه الله تعالى - أولا، ثم رجع إلى بقائها على ذلك ما لم توقف عند قاض، أو تمكن من نفسها، قال ابن القاسم: قول مالك الأول أعجب إلي، وبه آخذ، وعليه جماعة الناس، ومحل الخلاف إذا أطلق ولم يقيد، ولم ينص على العموم، فإن قيد بأن قال إن ذلك لا يكون لها إلا إذا اختارت في الحال، أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا، عمل على ذلك اتفاقا في الوجهين، والتخيير كأن يقول: اختاريني أو اختاري نفسك، فهو صريح في البينونة محتمل في العدد، فليس له أن يناكر المدخول بها إذ لا تبين بدون الثلاث، وليس لها أن تقضي بدون الثلاث، لأنه إنما خيرها فيها، فإن قضت بدونها بطل ما قضت به، وبطل تخييرها على المشهور، بخلاف غيرها إذا ادعى أنه نوى واحدة، والتمليك كأن يقول: أمرك بيدك أو طلاقك بيدك، فهو نص في مطلق الطلاق محتمل في البينونة والعدد، فله أن يناكر في ما زاد على الواحدة، حيث لا قرينة تدل على خلاف دعواه، وذلك لما في الموطإ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وأما التخيير فجاء عن علي - رضي الله تعالى عنه - وغيره أنه بينونة، ومحل قبول المناكرة، إذا ادعى أنه أراد الواحدة مثلا، وحلف، ولم يكن ذلك مشترطا في العقد، وقيل إن الفرق بين التخيير والتمليك منشؤه العرف لا اللغة، فالتخيير كان في عرفهم مقتضيا للبينونة، دون التمليك، فإذا انعكس العرف انعكس الحكم، وهذا أوجه، والانعكاس بتغير الاستعمال لا أعتقد أنه محل خلاف، سواء كان الفرق الأول مبنيا على اللغة أو العرف، لأن كل لفظ لم يتعبد به فمناط الحكم فيه دائر مع قصود المتكلمين، وقرينتها الاستعمال والله سبحانه وتعالى أعلم.
تنبيه قال في المقدمات: التخيير الذي أمر الله سبحانه وتعالى به نبيه ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وخير به أزواجه ليس فيه تمليكهن الطلاق، ولا جعله الأمر إليهن في الفراق، وإنما خيرهن بين أن يخترنه والدار الاخرة ويمسكهن، أو يخترن الحياة الدنيا فيمتعهن ويسرحهن، كمن قال لامرأته إن كنت راضية بالمقام معي على ما أنت عليه فابقي، وإن كنت لا ترضين بذلك فأعلميني أطلقك، إلا أنه من النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لأزواجه إخبار لا حلف فيه، لأن الله تبارك وتعالى أمره به، فأشبه التخيير في وجوب الطلاق للمخيرة باختيارها نفسها، وأما من غير النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فليس ذلك بتمليك ولا تخيير، ولا فيه شبه منه، وإنما هو عدة بالطلاق إن اختارته.
1184 -
وحالف عن تركه مواقعه
…
زوجته فوق شهور اَربعه
1185 -
مول، وبالوطء إذا ما الاشهر
…
الاربعة انقضت جميعا يؤمر
1186 -
كنصفها في العبد، ثم إن اَبى
…
عن ذاك بالطلاق أيضا طولبا
1187 -
وطلق القاضي في الامتناع
…
أو اَمر الزوجة بالإيقاع
قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى ـ: أصل الإيلاء الامتناع قال سبحانه وتعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) ثم استعمل في ما كان الامتناع منه بيمين، وقال الباجي: الإيلاء في اللغة: اليمين، وقاله ابن الماجشون والمفضل، ونحوه في صحاح الجوهري، وهو ممدود مصدر آلى بالمد بعد الهمزة يولي إيلاء، وتألى وائتلى أي: حلف، والاسم منه الألية بكسر اللام وتشديد الياء، والجمع الألايا، قال كُثير في عمر بن عبد العزيز:
قليل الألايا حافظ ليمينه
…
وإن ندرت منه الألية برَّت
قاله في شفاء الغليل.
وعرفه ابن عرفة - رحمه الله تعالى - في الاصطلاح بقوله: حلف الزوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه.
وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وهو في الشرع على ما هو عليه في اللغة، إلا أنه قد تعرف في الشرع في الحلف على اعتزال الزوجات وترك جماعهن، حيث ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه، ونص على الحكم فيه، وأصل ذلك أن الرجل كان في الجاهلية إذا كره المرأة وأراد تقييدها ألا تنكح زوجا غيره حلف ألا يقربها، فتركها لا أيما ولا ذات بعل، إضرارا بها، وفعل ذلك في أول الإسلام فحد الله سبحانه وتعالى للمولي من امرأته حدا لا يتجاوزه، وخيره بين أن يفيء فيرجع إلى وطء امرأته، أو يعزم على طلاقها، فقال سبحانه وتعالى:(للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم).
قوله: وحالف البيتين، معناه أن من حلف على ترك وطء زوجته مدة زائدة على أربعة أشهر فهو مول، فإذا تمت الأشهر الأربعة أوقفه القاضي فأمره بالفيئة أو الطلاق للآية الكريمة.
ويعتبر ابتداء الأشهر من يوم يمينه إذا كانت يمينه صريحة في ترك الوطء، نحو لا أطؤك خمسة أشهر، وإلا فمن الرفع والحكم، كالذي يقول إن لم أفعل كذا مثلا فأنت طالق وأمكنه فعله، فإنه يحال بينه وبينها حتى يفعله، وإن رفعته زوجته ضرب له القاضي أجل الإيلاء من يوم الرفع والحكم، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ولا يكون الحالف بترك الوطء موليا إلا بشرط أن يكون حلفه في حال الغضب إرادة الضرر، فإن لم يكن على وجه الضرر وكانت يمينه على وجه الإصلاح، كالذي يحلف ألا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها، أو حتى يبرأ من مرضه، وما أشبه ذلك لم يكن موليا عند مالك وأصحابه، وقال ذلك علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومن تبعهما إلى أنه مول بكل حال، وحجتهم عموم قول الله عز وجل في الآية الكريمة وأنه لم يخص فيها غاضبا من راض ولا محسنا من مسيء.
قوله: كنصفها في العبد، معناه أن الأجل المذكور يتشطر في العبد، فيكون موليا بحلفه على ترك الوطء أكثر من شهرين، وهذا هو المشهور في المذهب وهو الذي في الموطإ، قال في الإشراف: لأنه معنى يتعلق به حكم البينونة فوجب نقصانه عن الحر فيه كالطلاق، فإنها مدة مضروبة متعلقة بالنكاح، تتعلق بها البينونة، فوجب أن يؤثر الرق على نقصانها كالعدة.
وفي مختصر ابن شعبان أن أجل العبد كالحر، واختاره اللخمي وهو مذهب الشافعي، قال في التبصرة: وقد ذكر أبو الحسن بن القصار أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كان يطوف ليلة في المدينة المنورة فسمع امرأة تنشد:
تطاول هذا الليل واسود جانبه
…
وأرَّقني أن لا خليل ألا عبه
فوالله لولا الله أخشى عقابه
…
لزلزل من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي، والحياء يكفني
…
وأكرم زوجي أن تنال مراكبه
فدعاها عمر - رضي الله تعالى عنه - فقال لها: وأين زوجك؟ فقالت: بعثته إلى الغزو، فدعا نسوة فقال: في كم تشتاق المرأة إلى زوجها، فقلن: في شهرين، ويقل الصبر في الثلاثة، ويعدم الصبر في أربعة، فجعل مغازي الناس في أربعة أشهر.
وقد يتنسم هذا من آية الإيلاء والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: ثم إن أبى عن ذاك البيت، معناه أنه إذا طولب بالفيئة التي هي تغييب الحشفة في القبل فأبى، أمره القاضي بالطلاق، فإن أبى طلق عليه أو أمر الزوجة أن تطلق نفسها ثم يحكم بذلك، ورجح الثاني ابن سهل، وأفتى به ابن عات، وقال في آخر كلامه على ذلك: وجملة القول أن الحق إذا كان للمرأة خالصا فإنفاذ الطلاق إليها مع إباحة الحاكم لها ذلك، كما جاء في حديث بريرة - رضي الله تعالى عنها - ونسبة الطلاق إلى القاضي لكونه ينفذه ويحكم به، كما يقال فرق الحاكم بينهما، وكما يقال قطع الأمير السارق، ورجم، وجلد، وهو لم يفعل، وإنما أمر به، فما جاء من تفريق السلطان فهو من هذا المعنى، نقله في المواهب.
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وكل طلاق أوقعه الحاكم فهو بائن، إلا أربعة هذا، وطلاق المعسر بالنفقة، وطلاق المفقود، وإسلام غير المجوسية قبل زوجها، وطلاق المعترض.
1188 -
ومَن مِن امرأته أو الإما
…
ظاهر، وطؤها عليه حرما
1189 -
حتى يكفر بعتق رقبه
…
ليست بها من قبل ذاك شائبه
1190 -
مثل الكتابة، أو التدبير
…
والغير من شوائب التحرير
1191 -
مؤمنة، سليمة من عيب
…
ينقص من قيامها بالكسب
1192 -
كقطع رجل، أو يد، أو كهرم
…
ذي شدة، أو الجنون، والبكم
1193 -
ليس له بملكها مشاركْ
…
وصام عند عجزه عن ذلك
1194 -
شهرين بالولا، وحيث فصلا
…
لغير عذر، فليعد ما فعلا
1195 -
وإن عن الصيام يعجزْ اَطعما
…
ستين مسكينا كما تقدما
1196 -
لكن لكل واحد مدان
…
هنا على ما قال يُعطَيان
قال الجوهري: الظهار: قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وقد ظاهر من امرأته وظهر من امرأته تظهيرا كله بمعنى، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: الظهار: تشبيه الرجل وطء من تحل له من النساء بوطء من تحرم عليه منهن تحريما مؤبدا بنسب، أو صهر، أو رضاع، وكانت العرب تكني عن ذلك بالظهر، فتقول امرأتي علي كظهر أمي، ولذلك سمي ظهارا، لأنه مأخوذ من الظهر، وإنما اختص الظهر بالتحريم في الظهار دون البطن والفرج وسائر الأعضاء وإن كانت أولى بالتحريم منه لأن الظهر موضع الركوب، والمرأة مركوبة عند الغشيان، فإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، فإنما أراد أن ركوبها للنكاح عليه حرام، كركوب أمه للغشيان، فأقام الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب، وأقام الظهر مقام المركوب لأنه موضع الركوب، وهذا من لطيف الاستعارة للكناية، إلى أن قال: وكان الظهار في الجاهلية طلاقا وفي أول الإسلام، إلى أن أنزل الله عز وجل (قد سمع الله) إلى قوله:(إن الله لعفو غفور) فأخبر تعالى أن لفظ الظهار الذي كانوا يطلقون به نساءهم منكر من القول وزور، والمنكر من القول هو الذي لا تعرف حقيقته، والزور: الكذب، وإنما قال سبحانه وتعالى فيه إنه كذب لأنهم صيروا به نساءهم كأمهاتهم، وهن لا يصرن كأمهاتهم ولا كذوي محارمهم، لأن ذوي المحارم لا يحللن له أبدا، وليس كذلك الأجنبيات، فأخرجه عز وجل من باب الطلاق إلى باب الكفارة، ثم أعلمنا كيف يكون الحكم في ذلك فقال سبحانه وتعالى:(والذين يظهرون من نسائهم) إلى قوله سبحانه وتعالى: (وللكافرين عذاب أليم).
قوله: ومن من امرأته إلى قوله: حتى يكفر، معناه أن من ظاهر من زوجته أو أمته لم يحل له وطؤها حتى يكفر لقوله سبحانه وتعالى:(فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) واختلف في ما دون الوطء، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: واختلف في قوله سبحانه وتعالى: (من قبل أن يتماسا) فحمله أكثر أهل العلم على عمومه، فقالوا لا يقبل المظاهر ولا يباشر ولا يمس حتى يكفر، وهو مذهب مالك وأكثر أصحابه، وقال الحسن وعطاء والزهري وقتادة ليس على عمومه، والمراد به الوطء خاصة، فللمظاهر أن يقبل ويباشر ويطأ في غير الفرج، وإنما نهي عن الجماع، واختلف الذين حملوا الآية على عمومها في الوطء وما دونه إن قبل أو باشر في خلال الكفارة قبل أن يتمها فقال أصبغ وسحنون يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا شيء عليه، وقال مطرف يبتدئ الكفارة.
وقال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: مسألة الظهار يحرم جميع أنواع الاستمتاع من الوطء فما دونه، خلافا للشافعي في أحد قوليه إنه لا يحرم به ما دون الوطء، لقوله سبحانه وتعالى:(من قبل أن يتماسا) ولم يفرق، وحديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رجلا ظاهر من امرأته ثم وطئها قبل أن يكفر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" فاعتزل حتى تقضي ما عليك "
(1)
ولأن كل لفظ حرم به جملتها لم يقف ذلك على الفرج دون غيره كالطلاق، أو لأنه لفظ وقع به تحريم في الزوجة فوجب أن يعم الوطء وغيره كالطلاق، ولأنه نوع من التلذذ بالاستمتاع فوجب أن يحرم بالظهار كالوطء في الفرج، لأن الوطء إنما حرم لتشبيه المرأة المحللة بالمحرمة، وهذا التشبيه لا يخص تحريم الوطء دون غيره من الاستمتاع.
(1)
رواه أبو داود والنسائي واللفظ له، وابن ماجة، وهو حديث حسن.
وينقسم لفظ الظهار إلى صريح وكناية، فالصريح هو ما ذكر فيه الظهر ومؤبد التحريم، كأنت علي كظهر أمي، وكنايته الظاهرة ما سقط فيه أحدهما، كأمي أو كظهر فلانة الأجنبية، وكنايته الخفية كقوله: اسقني ماء ناويا به الظهار، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: والفرق بين الصريح من الظهار وكنايته في ما يوجبه الحكم أن كنايات الظهار إن ادعى أنه أراد بها الطلاق صدق أتى مستفتيا أو حضرته البينة، وأن صريح الظهار لا يصدق إن ادعى أنه أراد به الطلاق إذا حضرته البينة، ويؤخذ من الطلاق بما أقر به، ومن الظهار بما لفظ به، فلا يكون له إليها سبيل، وإن تزوجها بعد زوج حتى يكفر كفارة الظهار، وقد قيل إنه يكون ظهارا على كل حال، ولا يكون طلاقا، وإن نواه وأراده وهي رواية أشهب عن مالك، وأحد قولي ابن القاسم.
قوله: حتى يكفر الأبيات، أشار به إلى أن كفارة الظهار ثلاث خصال، وهي على الترتيب كما صرحت به الآية الكريمة، الخصلة الأولى العتق، وتشترط في الرقبة التي تجزئ في ذلك أربعة أمور، لأن اسم الرقبة إنما ينصرف إلى مستجمعها، وأيضا التحريم متحقق بالظهار فلا يرتفع بمشكوك في تحقق الشرط به، الأول كونها خالصة الرق، فلا يجزئ إعتاق من فيه شائبة حرية كالكتابة، والتدبير، وأمومة الولد، والعتق المؤجل، قال القاضي عبد الوهاب في قوله سبحانه وتعالى:(فتحرير رقبة) وذلك يقتضي ألا يتقدم فيها عقد بعتق غير المقصود، وإلا لم يكن تحريرا، وذلك هو المراد بقوله: ليست بها من قبل، إلى قوله: التحرير، الثاني الإيمان تقييدا لإطلاق الرقبة هنا بقيدها في كفارة القتل، لأن كلا كفارة، ولحديث معاوية بن الحكم الشهير،
(1)
وإلى هذا أشار بقوله: مؤمنة، الثالث السلامة من العيوب التي تشين وتمنع من الكسب، قال في التاج: من المدونة: لا يجزئ في الظهار أو غيره من الكفارات إلا رقبة مؤمنة، سليمة، ولا يجزئ أقطع اليد الواحدة، أو الأصبعين، أو الأصبع، أو الإبهام، أو الأذنين، أو أشل، أو أجذم، أو أبرص، أو أصم، أو مجنون، وإن أفاق أحيانا، ولا أخرس، ولا أعمى، ولا مفلوج، ولا يابس الشق.
وقال القاضي في الإشراف: مسألة لا يجوز فيها المعيبة خلافا لداوود، لقوله سبحانه وتعالى:(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وقوله سبحانه وتعالى: (ويجعلون لله ما يكرهون) وقوله سبحانه وتعالى: (فتحريررقبة) وهذا يقتضي رقبة كاملة، والمعيبة ناقصة، ولأن النقص نقصان: نقص في الدين، ونقص في البدن، ثم قد ثبت أن نقص الدين يمنع الإجزاء، كذلك نقص الأعضاء.
(1)
رواه مسلم وأبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد.
وإلى هذا الشرط أشار بقوله: سليمة، إلى قوله: والبكم، الرابع أن لا يكون له بها مشارك، لأن اسم الرقبة لا يصدق على بعضها، ولو كمل عليه الباقي بالحكم، لأنه لم يحرر للكفارة، وإلى هذا أشار بقوله: ليس له بملكها مشارك.
الخصلة الثانية صيام شهرين متتابعين، فإن أفطر لغير عذر كمرض وإكراه استأنف، لوصفهما في الآية الكريمة بالتتابع، وليس من العذر السفر، واختلف في النسيان والخطإ.
الخصلة الثالثة إطعام ستين مسكينا مما يتصدق منه صدقة الفطر، يعطي كل مسكين مدين بمد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كما ذكر الشيخ - رحمه الله تعالى - وقد روى البغداديون أن ذلك هو مد هشام، والمشهور أنه مد وثلثان، وهو قول ابن القاسم - رحمه الله تعالى - في المدونة، وقيل غير ذلك.
قال في التبصرة: أوجب الله سبحانه وتعالى ثلاث كفارات، كفارة اليمين بالله سبحانه وتعالى:(من أوسط ما تطعمون أهليكم) وفدية الأذى، وهي مقيدة بقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" مدان لكل مسكين "
(1)
وكفارة الظهار وهي مطلقة، فردها مرة إلى فدية الأذى، لأن الزوجة محرمة لما عقد من الظهار، فلا تباح إلا بما لا شك فيه، وهو أعلى الكفارات، وهي فدية الأذى، وردها مرة إلى كفارة الأيمان.
(1)
روى الشيخان أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال في بيان آية الفدية: " صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، نصف صاع طعاما لكل مسكين "
لأن الأصل في الذمة البراءة، فلا يلزم إلا ما لاشك فيه، ولم يردها في القول الثالث إلى شيء من هاتين الكفارتين، وراعى أعلى الشبع، ورأى أن يجزئه مد بمد النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ لوجوه، أحدها أن الأصل براءة الذمة فلا يلزم إلا ما لاشك فيه، والثاني إذا كان اثنان مطلق ومقيد من جنس رد المطلق إلى المقيد، ورد الظهار إلى كفارة الأيمان أشبه، لأنها في معنى اليمين، وفدية الأذى ليست بيمين، والثالث أنه لم يختلف قوله في العتق عن الظهار، أنه لا يجزئ إلا مؤمن، لما كان مقيدا في آية القتل، فكذلك الإطعام، ومنها أن ذلك مروي عن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أنه أعطى المظاهر عذقا فيه خمسة عشر صاعا، وقال:" أطعم ستين مسكينا " وهذا حديث صحيح، ذكره الترمذي في مسنده.
1197 -
وليتب إن من قبل أن يكفرا
…
وطئها حيث يكون ذاكرا
1198 -
وحيث ذا أثناء تكفير وقع
…
فسد ما قد كان قبله صنع
1199 -
وجائز إعتاقه للاعور
…
وابن الزنى وهكذا ذو الصغر
1200 -
لو كان في المهد نعم من صلى
…
وصام عند العلماء أولى
قوله: وليتب إن من قبل البيت، معناه أنه إذا وطئ المظاهر منها قبل أن يكفر فقد عصا، وخالف ما أمره سبحانه وتعالى به في قوله:(من قبل أن يتماسا) فليتب إلى الله سبحانه وتعالى من ذلك، وقد جاء أن رجلا ظاهر من امرأته ووقع عليها قبل أن يكفر وأخبر بذلك النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ فعاتبه، فقال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، فقال:" فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله تعالى به "
(1)
وأما من حصل ذلك منه نسيانا فلا إثم عليه.
(1)
رواه بهذا اللفظ الترمذي والنسائي، وهو حديث صحيح، وقد تقدم قريبا.
قوله: وحيث ذا أثناء تكفير البيت، معناه أنه إذا وطئ أثناء الصوم، أو أثناء الإطعام فسد ما فعل من ذلك، واستأنفه من أوله، أما الصوم فلقوله سبحانه وتعالى:(فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وأما الإطعام فمقيس عليه.
قوله: وجائز إعتاقه البيتين، معناه أنه يجزئ إعتاق الأعور في الظهار كما في المدونة، وقد روى في الموطإ إعتاقه عن أبي هريرة وفضالة بن عُبيد الأنصاري ـ رضي الله تعالى عنهما ـ لأن عينه كعينين كما يأتي ـ إن شاء الله سبحانه وتعالى في الديات، ويجزئ إعتاق ابن الزنى والصغير، لصدق اسم الرقبة عليهما، والأفضل إعتاق من بلغ حد الصلاة والصوم، ومن سلم مما لا يمنع من العيوب، لما في الصحيح من أن أفضل الرقاب " أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها "
(1)
2201 -
ويشرع اللعان بين كل
…
زوجين في تبرئ من حمل
1202 -
إن ادعى استبراءها من بعد
…
آخر وطء بمحيض فرد
1203 -
وهكذا إن ادعى أن عاينا
…
زوجته وهي تمارس الزنى
1204 -
وجاء في القذف فقط قولان
…
بالحد حد القذف واللعان
1205 -
والبدء بالزوج به ينحتم
…
يشهد بالله على ما يزعم
1206 -
أربعة مخمسا باللعن
…
لم يك في ما يدعي ذا مين
1207 -
وشهدت أربعا أيضا أن كذب
…
وخمست من بعدهن بالغضب
1208 -
وحيث عن ذا نكلت تحد
…
حد الزنى وسيجيء بعد
1209 -
والزوج إن ينكل كذلك يحد
…
لأجل قذفها ويلحق الولد
(1)
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
قوله: ويشرع اللعان بين كل الأبيات الثلاثة، معناه أن اللعان يشرع بين كل زوجين في نكاح يلحق فيه الولد، وإن كان فاسدا أو حراما لا يقران عليه، كما صرح به ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ سواء كانا حرين أو عبدين، أو مختلفين، سواء كانا عدلين أو فاسقين، أو كانت الزوجة كتابية والزوج مسلما، لا إن كانا كافرين، ويكون لأحد أمرين، الأول نفي الحمل، إذا ادعى أنه استبرأها بعد آخر وطء وطئها إياه بحيض واحد على المشهور، وقال ابن الماجشون بثلاث حيض، والثاني دعواه أنه رآها تزني، إذا قال: كالمرود في المكحلة، واختلف إن قذفها فقط، بأن قال: زنت ولم يدع رؤية، فقيل يحد حد القذف ولا يمكن من اللعان، وقيل يلاعن، قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: الأصح من الأقوال أنه يحد ولا يلاعن، ومن أوجب اللعان فيه جعل العلة في ذلك دفع الحد عن نفسه، مع أنه ظاهر القرآن، قوله سبحانه وتعالى:(والذين يرمون أزواجهم) لم يذكر نفي حمل ولا رؤية زنى، وهذا ليس ببين، لأن الحكم إنما هو لمعاني الألفاظ لا لظواهرها، وإلى هذا أشار بقوله: وجاء في القذف فقط البيت، واختلف كذلك إذا نفى الحمل ولم يدع استبراء، ولا يكون اللعان في حالة يقطع فيها أن الولد ليس منه.
قوله: والبدء بالزوج به ينحتم الأبيات الثلاثة، أشار به إلى صفة اللعان، وذكر أن ابتداء الزوج فيه واجب، وهو المذهب كما عزاه ابن ناجي للقاضي عبد الوهاب، وذلك أن ظاهر الآية أن لعانها لدرء ما وجب عليها للعانه، فلعانه سبب للعانها، فلا يصح قبله، وقيل بدؤه مستحب، فلا تعيد إن ابتدأت، قال ابن ناجي: قال ابن رشد: محل الخلاف بين ابن القاسم وأشهب إذا وقعت يمين المرأة على ألفاظ الرجل، فقالت: أشهد بالله سبحانه وتعالى أني لمن الصادقين ما زنيت، أو حملي هذا منه، فإذا وقعت على طريقة الرد عليه في تكذيبه فلا يجزئ أصلا، لأنه لم يتقدم له يمين.
قوله: يشهد إلى قوله: مين، معناه أنه يشهد أربع شهادات بالله سبحانه وتعالى إنه لمن الصادقين، يقول في الرؤية: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو لرأيتها تزني، ويقول في نفي الحمل: ما هذا الحمل مني، وفي الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تلاعن المرأة، فتقول في الرؤية: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما رآني أزني، أو لقد كذب علي في ما رماني به، وتقول في نفي الحمل: ما زنيت وإن هذا الحمل منه، أو لقد كذب علي في رماني به، وفي الخامسة غضب الله تعالى عليها إن كان من الصادقين، وإليه أشار بقوله: وشهدت أربعا أيضا أن كذب البيت.
قوله: وحيث عن ذا نكلت تحد البيت، معناه أن الزوجة إذا نكلت عن الأيمان أو بعضها تحد حد الزنى الذي سيأتي الكلام عليه إن شاء الله سبحانه وتعالى وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(ويدرأ عنها العذاب أن تشهد) الآية الكريمة.
قوله: والزوج إن ينكل البيت، معناه أن الزوج إذا نكل عن اللعان يحد حد القذف، ويلحق به الولد، فلعانه تترتب عليه ثلاثة أشياء، الأول انتفاء الولد عنه، لما في الصحيح من قصة العجلاني من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ألحق الولد بأمه،
(1)
والثاني سقوط الحد إن كانت ممن يحد قاذفها، وسقوط الأدب في غيرها كالكتابية والأمة، لحديث " قد جعل الله سبحانه وتعالى لك فرجا ومخرجا "
(2)
ولما جاء في سبب نزول آية اللعان، من أن سعد بن عبادة ـ رضي الله تعالى عنه ـ راجع النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ حين نزلت آية القذف فنزلت آية اللعان، والثالث توجه اللعان على المرأة لما تقدم.
(1)
متفق عليه من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
(2)
رواه الإمام أحمد، وهو حديث حسن.
هذا ويتعين لفظ أشهد في لعانهما، ولفظ اللعن في خامسة الرجل، ولفظ الغضب في خامسة المرأة، قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: ولا يكون اللعان إلا عند الإمام في المسجد، وبمحضر من الناس، لأن اللعان الذي كان في زمن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ إنما كان عنده في المسجد، وبمحضر من الناس، وذلك مروي في الأحاديث الصحاح، من ذلك حديث مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في موطئه في ملاعنة العجلاني زوجته، قال سهل ـ رضي الله تعالى عنه ـ: فتلاعنا وأنا مع الناس عند النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ويستحب أن يكون في دبر الصلاة، وبعد صلاة العصر، لأنه أشد الأوقات في اليمين، لما جاء أن الأيمان بعد صلاة العصر ليس له توبة، وليس ذلك بلازم، أعني في دبر صلاة.
ويندب تخويفهما كما جاء في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم فعل في هلال وامرأته، وجاء أنه قيل له عند الخامسة: يا هلال اتق الله سبحانه وتعالى، إن عذاب الله سبحانه وتعالى أشد من عذاب الناس، وإنها الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله سبحانه وتعالى عليها، كما لم يجلدني رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وقيل لها عند الخامسة مثل ذلك.
1210 -
وجاز للمرأة أن تخالعا
…
بما به رضاهما قد وقعا
1211 -
من فوق مهر وبقدر المهر
…
ودونه إن لم يكن لضر
1212 -
وإن لإضرار بها يقعْ لزم
…
طلاقها ورده المال حتم
معناه أنه يجوز للمرأة أن تخالع زوجها بما يتراضيان عليه من قليل أو كثير، كان قدر صداقها، أو أقل، أو أكثر، لقوله سبحانه وتعالى:(فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به) ويجوز مع التراضي واستقامة الحال، لقوله سبحانه وتعالى:(فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال القاضي عبد الوهاب: فعم الفدية وغيرها، ولأن كل حال جاز أن يطلق فيها بغير عوض جاز أن يطلق فيها بعوض، كحال السخط، ولأن كل طلاق وقع حال الغضب وقع حال الرضى، أصله الطلاق المبتدأ بلا عوض، ولأنها معاوضة تصح حال الخصومة فصحت في غيرها كالبيع.
ولحديث حبيبة بنت سهل الأنصاري ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ـ رضي الله تعالى عنه ـ وأن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس، فقال لها رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ فقال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت قيس، لزوجها، وقالت: ما أغمص على ثابت شيئا في دين ولا خلق، غير أنه دميم الوجه، وإني أكره الكفر في الإسلام، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فدعا ثابتا، فقال: أو يطيب ذلك لي يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ؟ قال: نعم، قال: قد فعلت.
ويجوز في الخلع الغرر والجهل، قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: لأنه ظاهر عموم قول الله عز وجل: (فلا جناح عليهما في ما افتدت به) وإذ ليس طريقه طريق المبايعات التي يبتغى فيها الأثمان، وإنما المبتغى فيه تخليص الزوجة من ملك الزوج، فلا يضر الجهل بالعوض، ألا ترى أن النكاح لما لم يكن طريقه طريق المبايعات المحضة وكان المبتغى فيه المكارمة والاتصال جاز على عبد غير موصوف، وعلى شوار بيت غير موصوف، وما أشبه ذلك من الغرر اليسير الذي لا يذهب جملة، فيبقى البضع بلا صداق، لأن الصداق حق لله سبحانه وتعالى فلا يجوز إسقاطه، والخلع لا حق فيه لله سبحانه وتعالى فجاز بالغرر الكثير من جميع جهاته، وإن ذهب جملة فبقي الخلع بلا عوض، وقد قيل إن الخلع بالغرر والمجهول لا يجوز، والمشهور ما قدمناه.
قوله: وإن لإضرار البيت، معناه أنه إنما يجوز إذا لم يكن لإضراره بها، لقوله سبحانه وتعالى:(ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) الآية الكريمة، قال ابن عرفة ـ رحمه الله تعالى ـ: اللخمي: إن كان الضرر منها فقط، أو لا ضرر منهما، جاز أخذه منها على طلاقها أو إبقائها، وإن كان منه فقط جاز على إبقائها لا على طلاقها، وإن كان منهما فهي مسألة الحكمين.
فإذا كان خلعها إياه لإضراره بها سواء كان في بدنها أو مالها لزم الخلع ورد المال، قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: إذا افتدت المرأة من زوجها ثم ثبت أنه كان يضر بها وجب عليه أن يرد عليها ما أخذ منها، ويجوز في ذلك شهادة النساء لأنه مال، والطلاق قد مضى بغير شهادتهما، فإن شهد بالضرر شاهدان، أو شاهد وامرأتان، رد عليها مالها بغير يمين، وإن شهد لها به رجل واحد أو امرأتان، حلفت مع شهادة الرجل، أو مع شهادة المرأتين، واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها، ويجوز لها أيضا بشهادة شاهدين على السماع، فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين، قاله في سماع أصبغ من كتاب الشهادات، وأكثر من ذلك أحب إليه، ابن الماجشون: لا يجوز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق، نقله في المواهب.
1213 -
وزوجة العبد إذا تَحَرر
…
فهِي في فراقه تُخَيَّر
معناه أن الأمة إذا عتقت تحت عبد ثبت لها الخيار، وأما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها على المشهور، لما جاء عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها أعتقت بريرة ـ رضي الله تعالى عنها ـ فخيرها رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وكان زوجها عبدا، ولو كان حرا ما خيرها،
(1)
وتقضي بطلقة واحدة إن اختارت فراقه، فإن قضت باثنتين ففي مضي الثانية خلاف أصحه عدم المضي.
1214 -
ويفسخ النكاح حيث بالشرا
…
أو غيره ملك زوج الاخرا
معناه أنه إذا ملك أحد الزوجين صاحبه انفسخ ما كان بينهما من النكاح، لما تقدم من أن النكاح والملك سببان لأحكام متضادة، فلا يمكن اجتماعهما.
1215 -
ثم طلاق العبد طلقتان
…
كما الإما عدتها قرآن
1216 -
والعبد في تكفيره كالحر
…
وفي معان حده بالشطر
(1)
رواه مسلم.
قوله: ثم طلاق العبد طلقتان، معناه أن عصمة العبد طلقتان، فإذا طلق امرأته مرتين لم تحل إلا بعد زوج، سواء كانت حرة أو أمة، وسواء كان قنا أو عتق أكثره وبقيت فيه بقية رق، وقد روى مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ أن مكاتبا لأم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ يدعى نُفَيْعا كانت تحته حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أن يأتي عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيسأله عن ذلك فلقيه عند الدَّرَج آخذا بيد زيد بن ثابت ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فسألهما فابتدراه جميعا، فقالا: حرمت عليك، حرمت عليك.
قوله: كما الإما عدتها قرآن، معناه أن عدة الأمة قرآن، وقد روى ذلك مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ ولا فرق في ذلك بين كون الزوج حرا أو عبدا.
قوله: والعبد في تكفيره البيت، معناه أن الرقيق في الكفارات كالحر، لأنها من قبيل العبادات، بخلاف الحدود لقوله سبحانه وتعالى:(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وبخلاف الطلاق لما تقدم قريبا وما في معناه.
1217 -
وحرمنَّ بارتضاع من مرهْ
…
لو مصةً، ما نسب قد حظره
1218 -
إن يك في الحولين ذاك حصلا
…
أو بعد ذين بكشهر مثلا
1219 -
وبعضهم ألحق بالحولين
…
شهرين، أو ما قارب الشهرين
1220 -
ولا يحرم ارتضاع مَن غَنِي
…
بمأكل ومشرب عن لبن
1221 -
ويقع التحريم بالوَجور
…
وهكذا السَّعوط في المشهور
قوله: وحرمن بارتضاع الأبيات الثلاثة، أشار به إلى تحريم الرضاع، والرضاع وصول لبن آدمية لمحل مظنة الغذاء، سواء كان وصوله بإرضاعها له أو بارتضاعه منها نائمة مثلا، أوصبه في فمه، وأما قوله سبحانه وتعالى:(أرضعنكم) فهو خارج مخرج الغالب، لظواهر الأحاديث، ولعدم تأثير الفارق، ومعنى الأبيات أن الرضاع يحرم به ما يحرم من النسب إذا كان في الحولين وما قاربهما بيسير، ولو مصة واحدة، أما أنه يحرم ما يحرم من النسب فلحديث الصحيح " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة "
(1)
وأما اشتراط كونه في الحولين فلقوله سبحانه وتعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فقد اقتضت الآية الكريمة أن أقصى أمد الرضاع حولان، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وما قرب من الحولين فله حكمهما عند أكثر أصحابنا لوجود معنى تحريم الرضاعة فيه، وهو انتفاع الصبي به، وكونه له غذاء، ومن طريق اختلاف الشهور بالزيادة والنقصان، وقد قال الله سبحانه وتعالى:(حولين كاملين) واختلف في حد القرب ما هو فقيل اليوم واليومان، وقيل الأيام اليسيرة، وقيل الشهر ونحوه، وقيل الشهر والشهران، وهو قوله في المدونة، وقيل الشهر والشهران والثلاثة، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك.
واختار اللخمي - رحمه الله تعالى - رواية الوليد، قال: ومحمل الآية الكريمة في السنتين أنها كافية للمرضع، وليس أنه لا منفعة له في ما زاد لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام "
(2)
وهذا صحيح ذكره الترمذي، فعلق التحريم بما كان قبل الفطام وقبل أن ينتقل غذاؤه عن البن، وهذا لم يفطم، واللبن قوام جسمه، يشبع لوجوده ويجوع لعدمه، وهذا إذا كان مقصورا على الرضاع، أو يأكل مع ذلك ما يضر به الاقتصار عليه دون الرضاع.
(1)
متفق عليه.
(2)
رواه الترمذي، وهو حديث صحيح.
وروى في الموطإ عن يحيى بن سعيد أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال: إني مَصِصْتُ عن امرأتي من ثديها لبنا، فذهب في بطني، فقال أبو موسى - رضي الله تعالى عنه -: لا أُراها إلا قد حرمت عليك، فقال عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: انظر ما تفتي به الرجل، فقال أبو موسى: فما ذا تقول أنت؟ فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة إلا ما كان في الحولين، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم، وأما حديث سهلة بنت سهيل في رضاع سالم مولى أبي حذيفة فقد كان أزواج النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - غير عائشة ـ رضي الله تعالى عنهن ـ يرينه رخصة من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - مع الأحاديث المصرحة بخلافه كحديث " انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة "
(1)
وأما عدم اشتراط عدد فلعموم قوله سبحانه وتعالى: (وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم "
(2)
فلم يخص عددا فوجب تعليق الحكم بما يقع عليه اسم الرضاع، وكذلك عدم استفصاله صلى الله تعالى عليه وسلم للذي أخبره أن امرأة زعمت أنها أرضعته وأرضعت زوجته، وعلى هذا جماهير أهل العلم، بل حكى عليه الليث بن سعد الإجماع، قال الحافظ أبو عمر: لم يقف الليث على الخلاف في ذلك، وعليه عمل أهل المدينة، وقال مالك في الموطإ بعد أن ذكر حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في اشتراط الخمس: إن العمل ليس عليه، وقد تكلم عليه ابن رشد في المقدمات كلاما حسنا.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
واختلف إذا كانت المرضع صغيرة لا يوطأ مثلها، وظاهر المدونة التحريم بذلك في قولها: إذا درت بكر لا زوج لها فأرضعت صبيا فهي له أم، وذهب ابن الجلاب إلى أنه لا يؤثر، ومثله للكافي، والاتفاق على اعتبار إرضاع من توطأ قاله ابن ناجي - رحمه الله تعالى -واختلف في رضاع الرجل، والمشهور أنه لا يحرم، قال مالك - رحمه الله تعالى - لقوله سبحانه وتعالى:(وأمهاتكم التي أرضعنكم) قال: ولا أرى هذا أما.
قوله: ولا يحرم ارتضاع البيت، معناه أن من استغنى عن اللبن بالطعام فرضاعه غير محرم، لحديث " إنما الرضاعة من المجاعة " سواء كان رضاعه قبل انتهاء الحولين أو بعدهما، خلافا لأصبغ حيث قال بتحريمه إذا كان في الحولين، واختاره اللخمي إن رد إلى الرضاع دون طعام.
قوله: ويقع التحريم البيت، معناه أن الوجور والسعوط لهما حكم الرضاع، لاستوائهما معه في إنبات اللحم والدم، والوجور - بالفتح - الصب في وسط الحلق وجانبي الفم وتحت اللسان، والسعوط - بالفتح -: ما صب في المنخرين، وقوله: على المشهور، راجع للسعوط خاصة، وأما الوجور فلا خلاف فيه.
1222 -
هذا وسائر فروع المرضعه
…
على الذي ارتضعها ممتنعه
1223 -
كذا فروع فحلها من قبل
…
أو بعد ذا، عليه ذات حظْل
1224 -
وكل ذاك لأخي المرتضع
…
من غير ذا الرضاع لم يمتنع
قوله: هذا وسائر البيتين، معناه أن من ارتضع من امرأة صارت أما له، فتحرم عليه، ويحرم عليه كل من لها عليه ولادة بنسب أو رضاع، مباشرة أو بواسطة، وتحرم عليه أمهاتها كذلك من رضاع أو نسب، وتحرم عليه أخواتها من رضاع أو نسب، فهن خالات له، ويصير زوجها أبا له، فتحرم عليه بناته، وأخواته، وأمهاته، سواء كان كل ذلك من رضاع أو نسب، سواء كان الزوج أبا الطفل الذي ترضعه، أو كان ربيبا له، وإذا كان ربيبا له كان المرتضع من هذه المرأة ابنا لأبي الولد وللزوج الثاني إذا كان قد دخل بها.
قوله: وكل ذاك لأخي المرتضع البيت، معناه أن البنوة الحاصلة بالرضاع خاصة بالمرتضع دون إخوته من النسب، أو من رضاع امرأة أخرى، فيحل للرجل تزوج أخت شقيقه من الرضاع، إذا لم يكن بينه وبينها رضاع، وهذا أمر ظاهر ولا خلاف فيه.