المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك - عون المتين على نظم رسالة القرويين

[محمد بن محمد بن المصطفى اليعقوبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌مقدمة النظم

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌فصل في الحيض والنفاس

- ‌باب طهارة الماء والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌أماكن تمنع الصلاة فيها

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الكسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

2235 -

وجاز الاسترقاء من كالعين معْ

تعوذ، كذا التعالج اتسع

2236 -

والشرب للدوا، وفصد، كيُّ

فليس في جميع ذاك نهي

2237 -

واستحسنت حجامة والكحلُ

لرجل تداويا يحلُّ

2238 -

وليس جائزا لغير داء

إذ هو من تزين النساء

2239 -

وبكلامه علا وجلا

يُرقى، وطيب الكلام كلا

2240 -

وجائز تعليق حرز لو على

بعض كتاب الله جل اشتملا

قوله: وجاز الاسترقاء من كالعين، معناه أن الاسترقاء من العين وغيرها جائز، وقد جاء في الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقي من العين،

(1)

وجاء أنه دخل على أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فوجد عندها جارية بوجهها سفعة، فقال:" استرقوا لها فإن بها النظرة "

(2)

وقد تقدم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - في رقية أمير الحي، وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم وقالوا: كانت عندنا رقيا نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى فعرضوها عليه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" ما أرى بها بأسا فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه "

(3)

وفي الموطإ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دُخل عليه بابني جعفر بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم - فقال لحاضنتهما: " ما لي أراهما ضارعين " فقالت: إنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين "

(4)

وفيه أن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - رُقِي من العقرب.

قوله: مع تعوذ، معناه أن التعوذ جائز أيضا، قال سيدي زروق رحمه الله سبحانه وتعالى: وهو التحصن من الآفات بأذكار تقال وتكتب وتعلق.

(1)

الأمر بالاسترقاء من العين متفق عليه من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ.

(2)

متفق عليه، والسفعة الصفرة، والبقعة على غير لون الوجه.

(3)

رواه مسلم والإمام أحمد.

(4)

ورواه أيضا الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، وهذا لفظ الإمام مالك.

ص: 1019

وقد تقدم ذكر بعض ذلك قريبا، وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا مرض أحد أهله نفث عليه بالمعوذتين، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ وأمسح بيده رجأء بركتها،

(1)

وجاء أنه كان يعوذ الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - فيقول: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة "

(2)

وجاء أنه قال لعثمان بن أبي العاص لما أتاه وبه وجع قد كاد يهلكه: " ضع يدك على الذي تَألَّمَ من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر "

(3)

قال: فقلت ذلك فأذهب الله سبحانه وتعالى ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم، قوله: كذا التعالج اتسع، معناه أن تعالج المريض جائز، وقد جاء في الموطإ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لرجلين من أنمار:" أيكما أطب؟ فقالا: أو في الطب خير؟ فقال: " أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء " وجاء أنه كوى سعدا - رضي الله تعالى عنه - في أكحله مرتين،

(4)

وفي الموطإ أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - اكتوى من اللقوة، وفي البخاري أن أبا طلحة كوى أنسا ـ رضي الله تعالى عنهما ـ من ذات الجنب في حياة النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وفي الصحيحين أن خبابا ـ رضي الله تعالى عنه ـ اكتوى في بطنه سبع كيات.

(1)

متفق على معناه، وهذا أقرب إلى لفظ مسلم.

(2)

رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، ولفظ غير البخاري " أعيذكما ".

(3)

رواه مسلم، واللفظ له، وأبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام مالك والإمام أحمد.

(4)

رواه مسلم وابن ماجة والإمام أحمد.

ص: 1020

قوله: والشرب للدوا إلى قوله: حجامة، معناه أن التعالج بشرب الدواء، والفصادة، والكي، جائز، وفي الحديث " إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي "

(1)

وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يمر ليلة أسري به بملإ من الملائكة إلا قالوا: مر أمتك بالحجامة،

(2)

وفي الحديث " عليكم بالسنا والسَّنُّوت، فإن فيهما شفاء من كل داء، إلا السام، قيل: يا رسول الله ـصلى الله تعالى عليه وسلم ـ وما السام؟ قال: الموت "

(3)

وفي الصحيح أنه أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها،

(4)

وفي الصحيح أن أم قيس بنت محصن دخلت على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بابن لها قد أعْلَقَتْ عليه من العُذْرة، فقال:" على م تَدْغَرْنَ أولادكن بهذا العِلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب، يُسْعَط من العُذرة، ويُلَدُّ من ذات الجنب "

(5)

والإعلاق هو أن ترفع العذرة باليد، والعذرة كصبرة: وجع يسمى سقوط اللَّهات، والدغر: الدفع، وذلك أن الواحدة منهن تدخل أصبعها فتدفع به ذلك الموضع، والعِلاق: العصر، ومعنى يسعط أنه يصب في الأنف، قالوا: وذلك بأن يبل ويقطر فيه، قوله: ويلد به، أي: يصب في أحد شقي الفم، وذلك من المرض المسمى ذات الجنب، وفي الصحيح أنه قال للذي شكى إليه استطلاق بطن أخيه:" اسقه عسلا " الحديث المشهور،

(6)

وفيه " الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام "

(7)

(1)

متفق عليه.

(2)

رواه الترمذي وابن ماجة، وهو حديث صحيح.

(3)

رواه ابن ماجة والحاكم، وهو حديث صحيح، والسنوت قيل: العسل الذي يكون في زقاق السمن، وقيل الرب، وقيل الكمون.

(4)

متفق عليه.

(5)

متفق عليه.

(6)

متفق عليه.

(7)

متفق عليه ..

ص: 1021

وقال في التلبينة كما في الصحيحين إنها " تُجِم فؤاد المريض، وتَذْهَب ببعض الحزن " وكانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - تأمر بها وتقول: هو البغيض النافع،

(1)

وفي الصحيح " من تصبح بسبع تمرات عجوةً لم يضره سم ولا سحر "

(2)

وجاء في حديث الإمام أحمد وغيره أن دواء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق، في كل يوم جزء "

(3)

وفي الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم حين اشتد به المرض قال: " هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس "

(4)

ومن أعظم ما يستشفى به الاستغفار والدعاء والصدقة، فقد قال سبحانه وتعالى في الاستغفار:(ويزدكم قوة إلى قوتكم) ويقال: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وقال سبحانه وتعالى:(أجيب دعوة الداع إذا دعان) وفي الحديث " داووا مرضاكم بالصدقة "

(5)

ويتعين ذلك في ما امتنع البرء منه عادة بالتداوي كالبرص والكمه، وذلك أن القرآن الكريم يخاطب آخر الأمة وأولها على حد سواء، فما اقتضى امتناعه عادة، فستظل العادة مطردة بامتناعه حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها.

قوله: والكحل إلى قوله: تزين النساء، معناه أن مالكا - رحمه الله تعالى - كره في الرواية المشهورة عنه اكتحال الرجل لغير علة ولا تداو، ورأى ذلك من الزينة الخاصة بالنساء، وروي عنه أيضا جوازه له من غير تداو، ولا علة، وهو قول الشافعي - رحمهما الله سبحانه وتعالى.

(1)

رواه البخاري.

(2)

متفق عليه.

(3)

ورواه ابن ماجة، واللفظ له، ولفظ الإمام أحمد ألية كبش عربي أسود، ليس بالعظيم ولا بالصغير، يجزأ ثلاثة أجزاء، فيذاب، فيشرب كل يوم جزءا، وهو حديث صحيح.

(4)

رواه البخاري والإمام أحمد.

(5)

رواه أبو الشيخ في الثواب، وهو حديث حسن.

ص: 1022

قوله: وبكلامه علا وجلا البيتين، معناه أن الرقية تكون بالقرآن الكريم كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - وغيره، وتكون بالكلام الطيب كله، لما تقدم في حديث آل عمرو بن حزم، وفي جامع ابن أبي زيد رحمه الله سبحانه وتعالى: قيل لمالك رحمه الله سبحانه وتعالى: فيكتب للمحموم القرآن؟ قال: لا بأس به، ولا بأس أن يرقى بالكلام الطيب، ولا بأس بالمعاذة تعلق وفيها القرآن الكريم، وذكر الله سبحانه وتعالى، إذا خرز عليها جلدا، قيل: إنهم يعقدون في الخيط الذي يربطون به، قال: لا خير فيه، قيل: ويكون في المعاذة خاتم سليمان - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - قال: لا خير في ذلك، قيل له: فهل ترقي الراقية وبيدها حديدة؟ قال: أكره ذلك، قيل: فبالملح؟ قال: هو أخف، وفي رواية أخرى: ترقي بالحديدة والملح، فكره ذلك كله، والعقد في الخيط أشد كراهية، إلى أن قال: قيل لمالك رحمه الله سبحانه وتعالى: فهل تعلق الخرزة من الحمرة؟ قال: أرجو أن يكون خفيفا، وسئل عن النُّشرة بالأشجار والأدهان، قال: لا بأس بذلك، قال: وبلغني أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - سُحرت فقيل لها في منامها: خذي ماء من ثلاثة آبار يجري بعضها إلى بعض فاغتسلي به، ففعلت فذهب عنها ما كانت تجد.

قال سيدي زروق رحمه الله سبحانه وتعالى: وأما الكلام الطيب فهو الكلام العربي المفهوم، المحتوي على ذكر الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والصالحين من عباده، لا الموهمات والمبهمات، إذ حكى المازري أن مالكا - رحمهما الله سبحانه وتعالى سئل عن الأسماء الاعجمية فقال: ما يدريك لعلها كفر.

2241 -

وكرهوا قدوم أرض نزلا

بها الوبا بل بعضهم قد حظلا

2242 -

ومن بها كان كذاك ينهى

عن الفرار بالخروج منها

ص: 1023

معناه أنه لا ينبغي للصحيح إذا وقع الوباء بأرض أن يخرج إليها، ولا ينبغي إذا وقع بأرض هو فيها أن يخرج عنها فرارا منه، وفي الموطإ عن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - خرج إلى الشام حتى إذا كان بسَرْغ لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على الوباء، فقال عمر: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع من كان هاهنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم اثنان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله سبحانه وتعالى؟ فقال عمر - رضي الله تعالى عنهما -: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله سبحانه وتعالى إلى قدر الله سبحانه وتعالى، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما مخصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخَصبة، رعيتها بقدر الله سبحانه وتعالى؟ وإن رعيت الجدبة، رعيتها بقدر الله سبحانه وتعالى؟ فجاء عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ وكان غائبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منه قال: فحمد الله سبحانه وتعالى عمر ثم

ص: 1024

انصرف

(1)

.

والنهي في الموضعين للكراهة على المشهور، وقيل للتحريم، كما في ابن ناجي، وقال ابن رشد - رحمهما الله سبحنه وتعالى -: يتحصل في الأفضل من القدوم على الوباء، والخروج، أو ترك ذلك، بعد الإجماع على أنه لا إثم، ولا حرج في شيء من ذلك، ثلاثة أقوال، الأول أن الأفضل أن يقدم عليه، وأن لا يخرج عنه، والثاني الأفضل أن لا يقدم عليه، وأن يخرج عنه، والثالث أن الأفضل أن لا يقدم عليه، وأن لا يخرج عنه، نقله الحطاب في حاشيته.

2243 -

وكل ما الميتة فيه تقع

به العلاج عندهم ممتنع

2244 -

كذاك بالنجس والخمور

ونحوها من سائر المحظور

معناه أنه لا يجوز التداوي بالميتة، ولا بالخمر، ولا بشيء من النجاسات، اتفاقا إذا كان ذلك في باطن الجسد، كما قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى - وعلى خلاف إذا كان في ظاهره، وفي جامع ابن أبي زيد: قيل لمالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى: هل تغسل القرحة بالبول أو الخمر؟ قال: إذا طهرها بعد ذلك بالماء فنعم، وإني لأكره الخمر في الدواء وغيره، إلى أن قال: ولا يشرب بول الإنسان ليتداوى به، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام التي ذكر الله سبحانه وتعالى، قيل له: فكل ما يؤكل لحمه؟ قال: لم أقل إلا أبوال الأنعام، ولا خير في أبوال الأتُن، قيل: فالشاة تحلب فتبول في الإناء؟ قال: لا بأس به.

2245 -

والشؤم في الخبر جا إن يكن

فهُو في المرأة أو في المسكن

2246 -

أو فرس وبعضهم قد نصا

أن كل ذلك بمعنى خُصا

(1)

متفق عليه.

ص: 1025

يشير به إلى ما جاء في الصحيح من أن الشؤم إن كان ففي ثلاثة، وذكر المرأة والمسكن والفرس،

(1)

وقد اختلف أهل العلم في معناه، فمنهم من تأوله على أن المراد أنه لو قدر وجود الشؤم الذي تزعمه العرب، لكان في هذه المذكورات، لكثرة وقوع ما يكره الإنسان من جهتها، إن كانت على وجه لا يلائم لملازمته لها، إلا أنه غير واقع، لما في الحديث من نفي الطيرة،

(2)

ومنهم من قال: المراد بالشؤم عدم الموافقة والملاءمة لمعنى ظاهر، لا الشؤم بمعنى الطيرة، قال القاضي عياض رحمه الله سبحانه وتعالى: قد يكون الشؤم هنا على غير المفهوم منه من معنى التطير، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع، كما جاء في الحديث الآخر " سعادة ابن آدم في ثلاثة، وشقوة ابن آدم في ثلاثة، فمن سعادته المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الصالح، ومن شقاوته المسكن السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء "

(3)

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه.

(3)

رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم، وصححاه ..

ص: 1026

ومنهم من قال: المراد أنه إذا وقع في نفس المرء عدم البركة في هذه الأشياء كان في سعة من تركها من غير أن يعتقد لها تأثيرا، قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها، لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه أو مع امرأة يكرهها بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود انتهى وقال ابن العربي - رحمه الله تعالى -: حصر الشؤم في الدار والمرأة والفرس، وذلك حصر عادة لا خلقه، فإن الشؤم قد يكون بين اثنين في الصحبة، وقد يكون في السفر، وقد يكون في الثوب يتخذه العبد، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم:" إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا فليقل: اللهم إنا نسألك من خير ما صنع له ".

(1)

2247 -

وكره النبي من الأعلام

سيئها كحرب أو جذام

2248 -

وهكذا كان النبي يحب أن

يقع صدفة له الفأل الحسن

2249 -

صلى وسلم عليه الله

والال والصحب ومن تلاه

(1)

لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول:" اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " ورواه الترمذي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ص: 1027

قوله: وكره النبي البيت، معناه أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يكره الأسماء السيئة، وكان يغيرها، غير اسم عاصية بنت عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما - إلى جميلة،

(1)

وغير حزن إلى سهل،

(2)

وغير أصرم إلى زرعة،

(3)

وغير شهاب إلى هشام، وغير حرب إلى سلم، وغير المضطجع إلى المنبعث، وغير عتلة إلى عتبة، وغير أبا الحكم إلى أبي شريح، ولا يختص هذا ببني آدم، فقد غير أيضا أسماء بعض البقاع، فغير اسم بلاد كانت تسمى عفرة، وسماها خضرة، وسمى شعب الضلالة شعب الهدى،

(4)

وفي الحديث " إن أحب أسمائكمإلى الله تعالى، عبد الله وعبد الرحمن "

(5)

وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " وفي الحديث أيضا " أغيظ رجل عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله سبحانه وتعالى ".

(6)

(1)

رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.

(2)

رواه البخاري.

(3)

رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.

(4)

قال أبو داود رحمه الله سبحانه وتعالى: وغير النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ اسم العاص، وعزيز، وعَتَلَة، وشيطان، والحكَم، وغراب، وحُباب، وشهاب، فسماه هشاما، وسمى حربا سِلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا تسمى عَفِرَة سماها خَضِرة، وشِعْب الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزِّنْية سماهم بني الرِّشْدة، وسمى بني مُغْوِية بني رِشْدة، قال أبو داود رحمه الله سبحانه وتعالى: تركت أسانيدها للاختصار.

(5)

رواه مسلم، ولأبي داود " تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله سبحانه وتعالى عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " وهو حديث صحيح، ما عدا تسموا بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

(6)

متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ص: 1028

قوله: وهكذا كان البيت، معناه أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يعجبه الفال الحسن

(1)

فكان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشد ويا نجيح،

(2)

وروى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ أنه قال للقحة تُحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل،

فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: ما اسمك؟ فقال له الرجل: مرة، فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - اجلس، ثم قال:" من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:" اجلس " ثم قال: " من يحلب هذه " فقام رجل فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " ما اسمك؟ " قال: يعيش، قال:" احلُب " وفي الموطإ أيضا أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لرجل: ما اسمك؟ فقال: جمرة، فقال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، فقال: ممن؟ قال: من الحُرَقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيها؟ قال: بذات لظى، قال أدرك أهلك فقد احترقوا، قال: فكان كما قال عمر - رضي الله تعالى عنه - وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم غير اسم جويرية من برة إلى جويرية، كراهية أن يقال خرج من عند برة،

(3)

ونهى أن يسمي الرجل غلامه يسارا، أو رباحا، أو أفلح، أو نافعا،

(4)

وفي حاشية الحطاب عن القلشاني - رحمهما الله سبحانه وتعالى أنه قال: وقصد سماع الفال ليعمل على ما يسمع من خير أو شر لا يجوز، وكذلك أخذ الفال من المصحف.

(1)

روى مسلم " وأحب الفأل الصالح " وروى الشيخان " لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وما الفأل؟ قال: " الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ".

(2)

رواه الترمذي، وهو حديث صحيح.

(3)

رواه مسلم.

(4)

رواه مسلم والإمام أحمد، وفي روايته " فإنك إذا قلت: أثم هو؟ أو ثم فلان؟ قالوا: لا ".

ص: 1029

2250 -

ويغسل العائن وجها واليدين

ومرفقيه وكذاك الركبتين

2251 -

وطرفيْ رجليه معْ داخلة

إزاره أيضا لدى أجلة

2252 -

ثم يصب ذا على المعِين

فذاك رافع لضر العين

روى مالك - رحمه الله تعالى - في الموطإ أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حُنيف - رضي الله تعالى عنهما - يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخْبَأَة، فلُبِط بسهل، فأُتِي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقيل له: هل لك في سهل بن حنيف، والله ما يرفع رأسه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" هل تتهمون له أحدا؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عامرا، فتغيظ عليه، وقال: " علام يقتلُ أحدُكم أخاه؟! ألا برَّكت، اغتسل له " فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.

(1)

(1)

ورواه ابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، وفي رواية ابن ماجة: وأمره أن يَكْفَأَ الإناءَ من خلفه.

ص: 1030

قال الحطاب - رحمه الله تعالى - في حاشيته: قال أبو عمر - رحمه الله تعالى -: الإزار هو المئزر، فما التصق منه بخصره وسرته، فهو داخلة إزاره، وفي الحديث أن النظر إلى المغتسل مباح إذا لم ينظر إلى عورته، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يلم عامرا إلا على ترك التبريك فقط، لا على النظر، وقد استحب العلماء أن لا ينظر إلى المغتسل، خوف أن تقع عين الناظر على عورته، وفيه ما يدل على أن في طباع البشر الإعجاب بالشيء الحسن، والحسد عليه، وهذا لا يملكه المرء من نفسه، فلذلك لم يعاتبه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - على ذلك، وإنما عاتبه على ترك التبريك الذي كان في وسعه، وفيه أن العين حق، وأنها تصرع وتردي وتقتل، وفي قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" علام يقتل أحدكم أخاه " دليل على أن العين ربما قتلت، وكانت سببا للمنية، وفي تغيظه صلى الله تعالى عليه وسلم على عامر - رضي الله تعالى عنه - دليل أن تأديب من يحصل منه أو بسببه سوء وتوبيخه مباح، وإن كان الناس يجرون تحت القدر، وكذلك يوبخ كل من كان فيه أو بسببه سوء، وإن كان القدر قد سبق له بذلك، وفي قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في غير هذا الحديث " لو كان شيء يسبق القدر سبقته العين "

(1)

(1)

روى مسلم " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " ورواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد ..

ص: 1031

دليل على أن العين لا تسبق القدر، ولكنها من القدر، وفي قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" ألا بركت " دليل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن، وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك، فواجب على من أعجبه شيء أن يبرك، فإنه إذا دعى بالبركة صرف المحذور لا محالة، والله سبحانه وتعالى أعلموالتبريك: أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه، وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال للذي عانه، ويجبر عندي على ذلك إن أباه، لأن الأمر حقيقته الوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، ولا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه، فواجب على العائن الغسل عندي والله سبحانه وتعالى أعلم.

2253 -

ونظر النجوم ما منه يقع

للاهتدا وعلم وقت اتسع

2254 -

وما على ذلك زاد كرها

أو حرمة عنه لديهم ينهى

ص: 1032

النظر في النجوم يقع على وجوه، فالقدر الذي يستدل به على القبلة، وأجزاء اليل، والاهتداء في البحار والمفاوز، جائز، بل مستحب، وقد قال سبحانه وتعالى:(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) وقال سبحانه وتعالى: (وعلمات وبالنجم هم يهتدون) والنظر في ما زاد على ذلك، منه ما هو مكروه، كالقدر الذي يستدل به على تمام الشهور ونقصانها، وأن الشمس ستكشف يوم كذا، أو القمر، لأنه من الاشتغال بما لا يعني، إذ لا ينبني على ذلك شيء، وينهى صاحبه عن التكلم بهذه الأشياء، لأن الجهلة يحسبونه من علم الغيب، ويؤدب عليه، لأن ذلك من حبائل الشيطان، وأما ما يزعم صاحبه به معرفة الحوادث، فهو ضلال، إذ (لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) ولا يعلم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والملائكة عليهم السلام من ذلك إلا ما أطلعهم الله سبحانه وتعالى عليه، فإن كان يزعم تأثير النجوم فذلك كفر، فإن كان يستسر بذلك وظُهر عليه قتل بلا استتابة، وإن أظهره استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وفي الحديث " وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب "

(1)

وإن كان يعلم أن هذه الأمور لا أثر لها، وأنه لا فاعل إلا الله سبحانه وتعالى، وإنما هي أمور يخلقها الله سبحانه وتعالى عند تلك الأشياء، أدب على ذلك أبدا حتى يتوب، ولا يجوز لأحد أن يصدقه في شيء من ذلك، فهو كاذب آثم، وإن وافق في بعض الأحوال.

2255 -

لا تتخذ كلبا بدُور في الحضر

أو في البواد فهْو في الكل انحظر

2256 -

إلا لحفظ الزرع والمواشي

والصيد إن أريد للمعاش

2257 -

والغنم الخصا بها قد حُللا

لطيب لحمها به إن فُعلا

2258 -

والخيل في خصائها لم يُرْخَص

إذ ليس في الخيل امتياز للخصي

2259 -

والوسم بالنار بوجه يُقلى

أما سواه فهْو فيه حلا

2260 -

وكن بمملوكك ذا ترفق

ولا تكلفه بما لم يطق

(1)

متفق عليه.

ص: 1033

قوله: لا تتخذ كلبا البيتين، معناه أن اتخاذ الكلب ممنوع حضرا وبدوا، إلا لهذه الأمور الثلاثة، حفظ الزرع، وحفظ الماشية، والصيد للمعاش، وفي الحديث " من اتخذ كلبا إلا كلب زرع، أو غنم، أو صيد، ينقص من أجره كل يوم قيراط "

(1)

وفي جامع ابن أبي زيد: قيل لمالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى: أهل الريف يتخذون كلابا في دورهم لما فيها من الدواب؟ قال: لا أرى ذلك، إنما الحديث لزرع، أو ضرع، ولم أره يشبه الحائط، وما يكون من المواشي في الصحاري، وأما ما جعل في الدور فلا يعجبني، قيل لمالك - رحمه الله تعالى -: فيخاف اللصوص يقتحمون الباب ويخرجون الدواب، قال: لا يعجبني، قال ابن القاسم - رحمه الله تعالى - إلا أن يكون يسرح معها في الرعي، وينقلب، قيل لمالك - رحمه الله تعالى -: فالمسافر يتخذ كلبا يحرسه؟ قال: ما يعجبني، قيل: فالنخاسون الذين يرتعون دوابهم فيتخذون الكلاب؟ قال: هي من المواشي، قيل: فيتخذ الحاضر الكلب يصيد به؟ قال: إنما ذلك لمن يتخذه لعيشه لا للهو، قال: ولا بأس باتخاذ الكلب للمواشي كلها، ولكن بغير شراء، وإني لأكره شراءه، قال ابن كنانة وغيره: لا بأس أن يشترى لما يجوز اتخاذه له، وقيل لمالك - رحمه الله تعالى -: أتقتل الكلاب؟ قال: نعم يقتل ما يؤذي منها، وما يكون منها في موضع لا ينبغي أن يكون فيه، مثل قيروان الفسطاط.

(1)

متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي بعض رواياتهما " قيراطان ".

ص: 1034

قوله: والغنم الخصا بها قد حللا البيتين، معناه أن خصاء الغنم جائز، لما هو معلوم من فعل الناس لذلك في عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - واشتهاره من غير نكير، وقد جاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءيين،

(1)

وذلك لطيب لحمها بذلك، وكذلك البقر والإبل، ويكره إخصاء الخيل، قال سيدي زروق رحمه الله سبحانه وتعالى نقلا عن التلقين -: لأن نسلها مراد، ولحمها غير مأكول.

وفي جامع ابن أبي زيد عن مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى أنه قال: وأكره إخصاء الخيل، وسمعت أن ذلك يكره فيها، ولا بأس أن يخصى ما سواها من البغال والحمير وغيرها، قال: وإذا كَلَبَ الفرس وامتنع، فلا بأس أن يخصى، قيل: إذا خبث الفحل هل ينزى عليه ذكر مثله ليكسره؟ قال: ما أعلم حراما، وما هو بالأمر الحسن.

قوله: والوسم بالنار البيت، معناه أن وسم الدواب جائز ما لم يكن في الوجه فيكره، وذلك لحاجة الناس إلى ما يعرفون به مواشيهم، وقد جاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى حمارا موسوم الوجه فأنكر ذلك،

(2)

وفي جامع ابن أبي زيد عن مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى: ولا بأس به في الأذن للغنم، لأن صوف جسدها يغيب السمة، وأما الإبل والبقر فتوسم في غير ذلك من جسدها، إذ ليست في أوبارها وأشعارها كالضأن والمعز، قيل: أرأيت قوما لهم سمة قديمة فأراد رجل أن يحدث مثلها؟ قال: ليس له ذلك، لأنه يلبس عليهم، وهم يطلبون بها ضوالهم، وما هلك من إبلهم.

(1)

رواه ابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(2)

رواه مسلم.

ص: 1035

قوله: وكن بمملوكك البيت، معناه أن الإنسان مأمور بالرفق برقيقه، ودابته، ومن له عليه يد، ولا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيق، وفي جامع ابن أبي زيد عن مالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى: وقد قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " للملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق "

(1)

(1)

رواه مسلم والإمام مالك والإمام أحمد، وقد تقدم ..

ص: 1036

قيل لمالك: أكان عمر - رضي الله تعالى عنه - يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل من الرقيق في عمله، ويزيد في رزق من أقل رزقه، قال: نعم، وفي من يعمل من الأحرار ما لا يطيق، وقيل إن الولاة يأمرون أن يخفف عما مر به من بعير أو بغل مثقّل، قال: قد أصابوا، وأكره ما أحدثوا من إجهاد العبيد في عمل الزرانيق، قيل له: فمن له عبيد يحصدون نهارا، أيستطحنهم ليلا؟ قال: أما العمل الذي لا يتعبهم بالمعروف فلا بأس به، وإذا كان في عمل تعب بالنهار، فلا يستطحن باليل، قيل: أكره أحد بالمدينة أن يقول لسيده: يا سيدي، قال: لا، قال الله سبحانه وتعالى:(وألفيا سيدها لدا الباب) وقال الله عز وجل: (وسيدا وحصورا) قيل: يقولون السيد هو الله سبحانه وتعالى، قال: أين هو في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإنما في القرآن ربنا ربنا رب اغفر لي ولوالدي، قيل: هل يكره أن يدعو بيا سيدي؟ قال: بما في القرآن الكريم أحب إلي ودعاء الأنبياء، قال مالك - رحمه الله تعالى -: ولا بأس بسرعة السير في الحج على الدابة، وأكره المهاميز، ولا يصلح الفساد، وإذا أكثر من ذلك خرقها، وقد مر بالنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حمار قد كوي في وجهه فعاب ذلك، وسئل مالك - رحمه الله تعالى - بعد ذلك وقيل له: ينخسها حتى يدميها؟ قال: لا بأس بذلك، قيل: أفيأكل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه؟ ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها؟ قال: أراه من ذلك في سعة، ولكن يكسوهم ويطعمهم، قيل: فحديث أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه -؟ قال: كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت، قال مالك - رحمه الله تعالى -: وأكره أن يسأل الرجل عما أدخله منزله من الطعام.

ص: 1037