الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الحيض والنفاس
الفصل لغة: الحاجز بين الشيئين، واصطلاحا: اسم لطائفة من مسائل الباب يجمعها معنى مشترك بينها، تختص به عن بقية مسائله، والحيض قال المطرزي: حاضت المرأة حيضا ومحيضا: خرج الدم من رحمها، وهي حائض وحائضة، وهن حوائض وحُيَّض، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ": لا يقبل الله تعالى صلاة حائض إلا بخمار
(1)
" أراد البالغة مبلغ النساء، واستُحِيضت - بضم التاء - وتَحَيَّضتْ: قعدت وفعلت ما تفعل الحُيض، ومنه " تَحَيَّضي في علم الله تعالى ستا أو سبعا
(2)
" استمر بها الدم، ويقال للخرقة: حِيضَة، ومنه قول عائشة - رضي الله تعالى عنها -: ليتني كنتُ حِيضة مُلقاة، والحَيضة - بفتح الحاء -: المرة، وهي الدفعة الواحدة من دفعات دم الحيض، وعند الفقهاء: اسم للأيام المعتادة، إلى أن قال: والحِيضة - بالكسر -: الحالة من تجنب الصلاة والصوم ونحوه، ومنه " ليست حِيضتكِ في يدك "
(3)
وقيل في قوله سبحانه وتعالى: (ويسألونك عن المحيض (هو موضع الحيض وهو الفرج، وقيل هو مصدر وهو الصحيح، نقله أبو الحسن في الشفاء.
(1)
رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد رحمهم الله تعالى جميعا وهو حديث صحيح.
(2)
من حديث حمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها، وقد ورواه أبو داوود والترمذي والإمام أحمد رحمهم الله تعالى جميعا، وحسنه الترمذي، وكذلك الإمام أحمد والبخاري رحمهم الله تعالى، وقال ابن منده رحمه الله تعالى: لا يصح بوجه من الوجوه، وقال ابن أبي حاتم رحمهما الله تعالى: سألت أبي عنه فوهنه ولم يقو إسناده.
(3)
رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة رحمهم الله تعالى أجمعين.
قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: ودرجات الحيض في قوامه ولونه ونحوهما ستة، أوله أسود غليظ منتن، ثم يصير أحمر، ثم صفرة كماء العصفر، ثم كدرة كغسالة اللحم، ثم ترية، وهي أفتح منها، ثم قصة، وكلها علامة للحيض، فيجب فيها ما يجب فيه، إلا الأخير فإنه علامة الطهر، انتهى
والترية كقضية.
وأما النفاس فقال في التنبيه: النفاس- بالكسر -: ولادة المرأة إذا وضعت، يقال: نَفِسَت المرأة -بفتح النون وكسر الفاء -ونُفِسَت المرأة غلاما على ما لم يسم فاعله، والولد منفوس، وهي نُفْساء -بضم النون وإسكان الفاء - عن اللحياني في نوادره، ونِسوة نُفاس، قال الجوهري: وليس في كلام العرب فُعَلاء يجمع على فعال غير نفساء، وناقة عشراء، ويجمع أيضا على نُفَساوات وعُشَراوات، وامرأتان نُفساوان أبدلوا من همزة التأنيث واوا، نقله أبو الحسن في الشفاء.
56 -
بقَصَّةٍ وبالجفوف الحُيَضُ
…
تطهر، والقصة ماء أبيض
57 -
أما الجفوف فخُلُوُّ ذا المكان
…
عما من الدم به من قبلُ كان
58 -
والحيض قد تعْروه طورا صفرة
…
وربما شابته أيضا كدرة
59 -
ومن تحض يوما ونحوا وانقطع
…
فاغتسلت وبعد ذلك رجع
60 -
فلتجلسنْ وذاك حيض اتحد
…
من حيث الاستبرا ومن حيث العِدد
61 -
ما لم يك العَود ورا ثمان
…
أو عشرةٍ، فذاك حيض ثان
62 -
وإن تمادى الدم خمسة عشر
…
فهْو وراء ذاك ليس يعتبر
63 -
فلْتتطهرْ ولْتُصَلِّ ولْتَصُم
…
ولِتَطُفْ، ووطؤها ما إن حَرُم
64 -
وأكثر النفاس ستون، ولا
…
حد لأدناه كأدنى ما خلا
القصة قال عياض - رحمه الله تعالى ـ: بفتح القاف ماء أبيض يكون آخر الحيض، وبه يستبين نقاء الرحم، قال علي عن مالك -رحمهما الله تعالى -هو شبه المني، وروى ابن وهب عنه: شبه البول، وقيل هو كالخيط الأبيض، يخرج بعد انقطاع الدم كله، وسميت قصة لشبهها بالقصة، وهي الجير لبياضها انتهى
قال في الطراز: يجوز أن يكون ذلك يختلف، إلا أن الذي يذكره بعض النساء أنه شبه المني، نقله في المواهب.
والحيض -بضم الحاء - جمع حائض كما تقدم، والعِدد -قال في التنبيه -: جمع عدة بكسر العين فيهما، سميت بذلك لاشتمالها على العدد، وقال ابن راشد: هي تربص المرأة زمانا معلوما، قدره الشرع علامة على براءة رحمها، مع ضرب من التعبد.
والاستبراء كالعدة، إلا أن العدة تختص بالنكاح، والاستبراء يختص بالملك والمياه الفاسدة، من استبرأ من الشيء إذا استنقى منه، أشار بالبيتين الأولين إلى أن الحائض تطهر من حيضها بأحد أمرين، القصة أو الجفوف، ولو بعد ساعة من حيضتها أو أقل من ذلك، فأقل الحيض بالنسبة للعبادة لا حد له على المشهور، وقال ابن الماجشون والمغيرة أقل الحيض خمسة أيام، وقيل ثلاثة أيام، واختلف هل القصة أبلغ في الدلالة على الطهر وهو قول ابن القاسم، وهو المشهور، أو الجفوف أبلغ، وهو قول ابن عبد الحكم، أو هما سواء، قال اللخمي في التبصرة: قيل الجفوف أبرأ من القصة، فتبرأ به من عادتها القصة، ولا تبرأ بالقصة من عادتها الجفوف، وقيل عكس ذلك، أن القصة أبرأ وهو أحسن، نقله في المواهب، قال ابن عرفة في مختصره: وثمرته انتظار الأقوى معتادته إن رأت الآخر ما لم يضق الوقت، وفي كونه الضروري أو الاختياري قولا شيوخ عبد الحق انتهى
وأما المبتدأة فقال ابن القاسم إذا رأت الجفوف تطهر به ثم تراعي بعد ما يظهر من أمرها نقله القاضي عبد الوهاب.
وإنما يعتبر الدم النازل من قبل المرأة حيضا إذا كانت في سن من تحمل عادة، وكان خروجه بنفسه، قال صاحب الطراز: كلامه في المدونة يقتضي أنه لا يحكم للدم بأنه حيض إلا إذا كان في أوان البلوغ بمقدمات وأمارات، من نفور الثدي ونبات شعر العانة، وعرق الإبط وشبهه، فأما بنت خمس وشبهها إذا رأت دما فإنما يكون من بواسير وشبهها، وليس بحيض، وسن النساء قد يختلف في البلوغ، قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: أعجل من سمعت النساء يحضن، نساء تهامة يحضن لتسع سنين، ورأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة، فالواجب أن يرجع في ذلك إلى ما يعرفه النساء، فهن على الفروج مؤتمنات، فإن شككن أخذ في ذلك بالأحوط نقله في المواهب.
وكذلك ما تراه الآيسة أيضا فهو غير حيض، واختلف في سن اليأس فقال ابن شعبان: خمسون، قال ابن عرفة: ولم يحك الباجي غيره، إلى أن قال: وقال ابن شاس: سبعون. وقال في التوضيح: وقال ابن رشد: والستون، وقال ابن حبيب: يسأل النساء، وروي عن مالك، وقال الأبي: وفي المدونة: بنت السبعين آيس، وغيرها يسأل النساء، نقله في المواهب.
ومما تختلف النساء لأجله في سن اليأس الولادة وعدمها، وقلتها وكثرتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الدم الخارج لعلاج، فإن كان استعمال العلاج لأجل تأخره عن وقته فالخارج لأجله حيض، على ما استظهره الحطاب، وهو بين جدا، قال: لأن تأخر الحيض إذا لم يكن حمل، إنما يكون لمرض، فإذا جعل الدواء لرفع المرض لم يخرجه عن كونه حيضا، وإن كان استعمال العلاج لتعجيله عن زمنه المعتاد، فقد سئل عن ذلك المنوفي هل تحصل به البراءة من العدة، فأجاب بأن الظاهر أنها لا تحل به، وتوقف عن ترك الصلاة والصيام، واستظهر خليل عدم تركهما على بحثه، وذلك أنه اعتبره مشكوكا، فلم يعتد به في الاعتداد، لأن الشك في السبب لغو، وكذلك الشك في المانع، فلا تسقط به الصلاة، ولم أقف على شيء في وطئها، ولو قيل بسؤال أهل المعرفة والعمل بقولهم في ذلك كله لم يكن بعيدا، وأما إن كان استعمال العلاج لتأخيره عن وقته فقد سئل عن ذلك مالك - رحمه الله تعالى - فقال: ليس ذلك بصواب وكرهه، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: إنما كرهه مخافة أن تدخل على نفسها ضررا بذلك في جسمها، وكذلك الحال أيضا في شرابها علاجا تستعجل به الطهر، قال ابن كنانة: يكره ما بلغني أن يصنعنه يتعجلن به الطهر من الحيض من شراب الشجر، والتعالج بها وبغيره، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى: - المعنى في كراهة ذلك ما يخشى أن تدخل على نفسها من الضرر بجسمها بشرب الدواء الذي قد يضرها، قال الحطاب: فعلم من كلام ابن رشد أنه ليس في ذلك إلا الكراهة خوف ضرر جسمها، ولو كان ذلك لا يحصل به الطهر لبينه ابن رشد رحمه الله تعالى.
وقوله: والحيض قد تعروه البيت، أشار به إلى أن الكدرة والصفرة والترية حيض، وفي المدونة قال ابن القاسم: وإذا رأت صفرة أو كدرة في أيام حيضتها أو في غيرها فهو حيض، وإن لم تر معه دما انتهى
وذلك لما في الموطإ عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - أنها قالت كان النساء يبعثن إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - بالدَّرَجة فيها الكُرْسُف فيه الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة، وفرق ابن الماجشون بين أن ترى ذلك عقيب الطهر فلا يكون حيضا، لحديث أم عطية - رضي الله تعالى عنها - كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا، وأن تراه قبله فيكون حيضا، ونسب هذا لأكثر أهل العلم.
والمعول قول ابن القاسم، وأما خبر أم عطية ـ رضي الله تعالى عنها ـ فالمتجه أن موضوعه التي يقع لها ذلك لبرد الماء ونحوه، وقد عرف عن كثير من النساء أنهن إذا تطهرن قرب طهرهن عاودهن بعض الدم للاغتسال، فيكون المراد بالطهر في كلامها الغسل، فيكون قولها بعد الطهر إيماء لسبب عدم الاعتبار، وإلا فما وجه اختصاص عدم الاعتداد بكون ذلك واقعا بعد الغسل، وقد وقع الخبر عند الدارمي بإسناد صحيح بلفظ " كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل " وإذا ثبت كون الصفرة والكدرة من جنس الحيض كما في خبر علقمة - رحمه الله تعالى - فما وجه اختصاص ذلك بأول الحيض وآخره عما كان بعد الطهر.
فإن قيل إذا كان هذا هو المراد في خبر أم عطية -رضي الله تعالى عنها -فلم خصت الصفرة والكدرة؟
أجيب بأنها خصت ذلك بالذكر جريا على ما هو الشأن، فإن شأن الدم الذي ليس بحيض أن يكون مفتوح اللون كما دل عليه حديث الصحيح في المستحاضة والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: ومن تحض يوما، إلى قوله حيض ثان، أشار به إلى حكم التي يتقطع طهرها، وهو أنها تغتسل كل ما انقطع الدم، ويكون لها حكم الطاهر في الصوم والصلاة والوطء وغير ذلك، فإن عاودها جلست وتجنبت ما تتجنبه الحائض، وتلفق أيام الدم دون أيام الطهر حتى تتم خمسة عشر على ما يأتي أنه أكثر الحيض، ثم إذا استمر لها الأمر كذلك كانت مستحاضة لها حكم الطاهر، إلا أن ترى ما لا تشك في كونه حيضا للونه أو رائحته أو نحو ذلك، بعد مضي أقل الطهر على حكم الاستحاضة، وقال ابن الماجشون وابن مسلمة: إنما تلفق التي يتقطع طهرها أيام الدم فقط إذا كانت أيام الدم أكثر، وإلا جمعت أيام الطهر طهرا، وأيام الحيض حيضا، فتكون طاهرا حائضا على قولهما، ولو بقيت كذلك طول عمرها، والمراد بيوم الدم اليوم الذي حصل فيه دم، ولو في جزء يسير منه.
وقول ابن مسلمة وابن الماجشون هو ظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - في العبادة، وظاهره في العدة والاستبراء بل صريحه أنه لا بد من توالي أقل الطهر، وهو المشهور، لكن ذكر أن أقل الطهر ثمانية أو عشرة، وكونه ثمانية قول سحنون، قال المواق: قال سيدي ابن سراج: بهذا ينبغي أن تكون الفتوى وقد استقرأه الشيخ أبو محمد من المدونة، وكونه عشرة قول ابن حبيب، وقال مالك في المدونة: لا حد لأقل الطهر إلا ما تعلم النساء أن ذلك طهر، وقال في غير المدونة: أقل الطهر خمسة أيام قاله ابن يونس في جامعه، وقال ابن مسلمة: أقله خمسة عشر يوما، قال ابن عرفة في مختصره: واعتمده القاضي وجعله ابن شاس المشهور.
وقال ابن يونس في جامعه: وقال القاضي: اتفق العلماء إلا من شذ منهم أن أقل الطهر خمسة عشر يوما، وقال ابن العربي في القبس: والدليل على صحة ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل عدة الحائض ثلاثة أقراء، وجعل عدة اليائس ثلاثة أشهر، فقابل كل قرء بشهر، ولا يخلو أن يقابله بأكثر الحيض وأكثر الطهر، وذلك محال لأن أكثر الطهر لا حد له أو بأقلهما، وذلك أيضا محال، لأن أقل الحيض لا حد له فلم يبق إلا أنه قابله بأقل الطهر وأكثر الحيض، وذلك خمسة عشر يوما، وعلى هذه الأصول التي بينا تتفرع جميع مسائل الحيض.
قوله: وإن تمادى الدم
…
البيت، أشار به إلى أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين المبتدأة والمعتادة، ولا بين الحامل وغيرها، - إن كان يرى حيضها - وهو كذلك على خلاف، أما المبتدأة فقال في الجامع: قال ابن القاسم: وما رأته المرأة من الدم أول بلوغها فهو حيض في قول مالك تترك له الصلاة، فإن تمادى بها قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوما، ورواه عن مالك، ثم هي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتوطأ، إلا أن ترى دما لا تشك أنه دم حيض فتدع له الصلاة وتعتد به من الطلاق، والنساء يعرفن ذلك بريحه ولونه، وروى علي بن زياد عن مالك في غير المدونة أنها تقعد بقدر لداتها - يعني أترابها في السن - قال ابن المواز: لا تستظهر على أيام لداتها، وقال ابن عبد الحكم وابن كنانة وأصبغ: تستظهر على أيام لداتها، قال ابن القصار: ما لم تزد على خمسة عشر يوما، قال: وإنما استحسن مالك - رحمه الله تعالى - هذا القول احتياطا للصلاة، قال عبد الوهاب: ولأن الحيض يزيد وينقص فكان الأولى ردها إلى عادة أترابها، قال ابن القصار: والقياس رواية ابن القاسم، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى:(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وهذا يدل على أن كل دم وجد في الفرج فهو حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى - فالحكم له ما لم يجاوز خمسة عشر يوما.
وأما المعتادة فكان مالك - رحمه الله تعالى - يقول أكثر دهره إذا تمادى بها الدم جلست خمسة عشر يوما من أيام الدم، وما لم تر فيه دما من الأيام ألغته، فإذا استكملت خمسة عشر يوما من أيام الدم اغتسلت وصنعت ما تصنع المستحاضة، ثم رجع وقال: أرى أن تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها، ما لم تجاوز خمسة عشر يوما، قال عنه ابن وهب: ورأيت أن أحتاط لها فتستظهر وتصلي، قال الأبهري: فهذه علة مالك في الاحتياط للصلاة، وأما القياس فهو أن تترك الصلاة إلى خمسة عشر يوما، لثبوت حكم الحيض فلا تنتقل عنه إلا بيقين، وليس الاحتياط في صلاة الحائض مع جواز أن تكون غير حائض أولى بترك صلاتها مع جواز أن تكون حائضا، لأن صلاة الحائض ممنوعة بالشرع، كما أن ترك صلاة الطاهر ممنوعة بالشرع، وإذا تساوى هذان الأمران جميعا رجعنا إلى أصل الحيض وحصوله فعلمناه، فهذا هو أصل قول مالك المعول عليه، والقول الآخر استظهار على ما فسرنا نقله في الجامع بأطول من هذا.
واختلف فيها -على ما رجع إليه مالك رحمه الله تعالى من الاستظهار -في ما بين الاستظهار وبين خمسة عشر يوما، فقيل هي طاهر حقيقة، وهو مذهب المدونة، وقيل: تحتاط، فتصوم وتصلي ولا يأتيها زوجها، فإذا أتمت خمسة عشر يوما اغتسلت وقضت صيامها، وعلى هذا القول فهم الأبهري وابن الجهم واللخمي وغيرهم رواية ابن وهب التي في المدونة كما في التوضيح.
وأما الحامل فقد اختلف في ما تراه هل هو حيض، وهو المشهور في المذهب، وهو قول مالك -رحمه الله تعالى -وروى في الموطإ عن عائشة -رضي الله تعالى عنها -أنها كانت تُفتيهن بذلك، أو ليس بحيض، وهو لابن لبابة، وفُهم من قول ابن القاسم في من اعتدت بحيض ثم ظهر حملها: لو علمته حيضا مستقيما لرجمتها، والوجه فيه ما ورد من النصوص في الاستبراء بالحيض، وقال الداودي: لو أخذ فيها بالأحوط تصلي وتصوم وتقضي ولا توطأ لكان أحوط، نقله ابن عرفة رحمه الله تعالى في مختصره.
واختلف على المشهور من أنها تحيض إذا استرسل عليها، فقال مالك -رحمه الله تعالى - في المدونة: تمسك عن الصلاة قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس أول الحمل كآخره، وقال ابن القاسم: إن رأته في الثلاثة أشهر ونحوها تركت الصلاة خمسة عشر يوما ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر من حملها تركت الصلاة ما بين العشرين ونحوها، قال ابن ناجي: واختلف أصحابنا من التونسيين هل هو خلاف لقول مالك السابق، أو هو تفسير له انتهى
وروى أشهب -رحمه الله تعالى -أنها كالحائل تمسك أيام حيضتها -يريد والاستظهار ـ قال: أرأيت من قعدت عن الحيض سنة وهي ممن تحيض، ثم أتاها الحيض بعد ذلك أليس هذا دما قد احتبس واجتمع أفتريد هذه أيضا أن تقعد مقدار ذلك الحيض كله؟! إلى أن قال: ولقد سمعت مالكا يقول واستفتته امرأة وهي في خمسة أشهر أو ستة، فقالت له: كانت أيام حيضتي ستة أيام، واليوم لي سبعة أيام، فقال لها: أقيمي يومين آخرين استظهارا، ثم اغتسلي وصلي، وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: تجلس خمسة عشر يوما كان في أول الحمل أو في آخره، للاختلاف فيه، فإن بعض السلف لا يراه حيضا، انظر الجامع.
قوله: فلتتطهر
…
البيت، أشار به إلى أن المستحاضة لها حكم الطاهر، فيجب عليها ما يجب عليها من الصلاة والصوم ونحوهما، ويحل لها ما يحل لها من جماع ونحوه على المشهور، حتى تميز بعد مضي أقل الطهر، خلافا لأبي حنيفة حيث قال تَتَحيَّض أيام عادتها من كل شهر، وخلافا للشافعي حيث فرق بين المميزة وغيرها، فوافق في الأولى مالكا، وفي الثانية أبا حنيفة - رحمهم الله تعالى جميعا -، قال المازري في شرح التلقين: ودليلنا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم وصف دم الحيض بأنه أسود ثخين، وهذا يقتضي اعتبار هذا الوصف، فمتى حصل حكم أنه حيض ما لم يمنع منه مانع انتهى
وتعتبر في عدم التمييز ممن قعدت عن الحيض، كما يقع مع عدم الدم، وأما أخبار المستحاضة فقد تقدم قول مالك -رحمه الله تعالى ـ: الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك، يعني على المختار من أن مراده حديث فاطمة بنت أبي حبيش، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وفي هذا البيت إشارة إلى بعض ما يمنعه الحيض، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى ـ: ويمنع الحيض الصلاة والصوم، وتقضيه دونها، ودخول المسجد، إلى أن قال: ومس المصحف، وروى ابن العربي جوازه كقراءتها، والطلاق والطواف والوطء في الفرج، وفي منعه بعد طهرها قبل غسلها، ثالثها يكره، للمشهور والمبسوطة عن ابن نافع مع عياض عن تأويل بعض البغداديين قول مالك عليه وابن بكير، وفي منعه بتيمم صحيح قولان لها ولابن شعبان، إلى أن قال: عياض: وقراءتها في المصحف دون مسها إياه كقراءة حفظها انتهى
وقال في التوضيح: والخلاف في قراءة الحائض إنما هو قبل أن تطهر، وإلا فهي بعد النقاء من الدم كالجنب.
تنبيهات:
الأول: قال ابن القاسم - رحمه الله تعالى ـ في امرأة رأت في ثوبها دم حيض وقد لبسته نقيا ولا تدري متى حاضت، وهل حاضت أم لا، فإن كانت لا تنزعه اغتسلت وصلت من يوم لبسته، وتعيد الصوم الواجب، قال أبو محمد: يريد ما لم تجاوز أقصى أيام الحيض، قال: وإن كانت تنزعه وتلبسه أعادت من أحدث لَبْسة لبسته، وقال ابن حبيب في الصوم: إنما تعيد يوما واحدا لأنه دم حيض انقطع مكانه، قال ابن يونس: وهو أي قول ابن حبيب أبين عندي، لأنه لو كان الدم بها أياما لشعرت به ولظهر في ثوبها بقعا، وإنما كانت دفعة ثم انقطعت انظر الجامع، ونقل ابن عرفة في مختصره عن اللخمي أنها تقضي من الصوم عدد نقط الدم، وإن شك الرجل في الخارج منه أمذي هو أو مني، فقال ابن عرفة: روى علي: لا أدري، ابن نافع: يغتسل، ونقل ابن شاس: يغسل ذكره ويتوضأ، لا أعرفه نصا، اللخمي: شك الجنابة كالحدث، وتجويز جنابته دون شك لغو، لو اغتسل له ثم تيقن لم يجزه.
قال ابن عرفة: قال ابن القاسم وقال عيسى يجزئه انتهى
ومحل وجوب الغسل على من يجد في ثوبه منيا إذا كان لا يلبسه غيره، وأما إذا كان يلبسه هو وغيره ممن يحتلم، فلا يجب عليه الغسل، ولكنه يستحب، لجواز أن يكون هو المحتلم، نقله في المواهب عن العارضة، وصرح في لوامع الدرر بجريان هذا القيد أيضا في ثوب المرأة تجد به أثر الحيض، وهو بين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الثاني: روى الشيخان ومالك في الموطإ عن بنت زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنهما -أنه بلغها أن نساء كن يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر، فكانت تعيب عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
وقال مالك في تفقد الحائض أمرها إنما يلزمها ذلك إذا أرادت النوم أو قامت لصلاة الصبح، وعليهن أن ينظرن في أوقات الصلاة، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى ـ: كان القياس أن يجب عليها أن تنظر قبل الفجر بقدر ما يمكنها إن رأت الطهر أن تغتسل وتصلي المغرب والعشاء قبل طلوع الفجر، إذ لا اختلاف في أن الصلاة تتعين في آخر الوقت، فسقط ذلك عنها من ناحية المشقة، فإن استيقظت بعد الفجر وهي طاهر فلم تدر لعل طهرها كان من اليل حملت في تلك الصلاة على ما قامت عليه، ولم يجب عليها قضاء صلاة اليل، حتى توقن أنها طهرت قبل الفجر، وأمرت في رمضان بصيام ذلك اليوم، وتقضيه احتياطا، نقله في التاج.
الثالث: نقل في المواهب عن الطراز أنه يستحب للحائض والنفساء والمستحاضة أن يطيبن فروجهن إذا طهرن.
قوله: وأكثر النفاس
…
البيت، أشار به إلى أكثر زمن النفاس وأقله، أما أكثره فستون يوما، فإن زاد عليها كان استحاضة، وقد تقدم الكلام عليها، وهذا هو قول مالك المرجوع عنه وهو المشهور، واقتصر عليه القاضي عبد الوهاب في التلقين، وقد رجع عنه مالك وقال: أكره أن أحد فيه حدا، ولكن تسأل النساء عن ذلك وأهل المعرفة فتجلس أبعد ذلك فإن تمادى الدم على ذلك كانت مستحاضة، انظر الجامع.
وقال ابن عرفة في مختصره: النفاس دم إلقاء حمل، فيدخل دم إلقاء الدم المجتمع على المشهور، عياض: قيل ما خرج قبل الولد غير نفاس، وما بعده نفاس، وفي ما معه قول الأكثر والقاضي، إلى أن قال: وفيها إن دام جلست شهرين، ثم قال: قدر ما يراه النساء، ابن الماجشون: الستون أحب إلى من السبعين، والقول بالأربعين لا عمل عليه، إلى أن قال: ولو وضعت ولدا وبقي آخر ففيها دم الأول نفاس، وقيل دم حامل، وعليها إضافة دم الثاني للأول واستقلاله انتهى
وأما أقله فلا حد له، وقد تقدم الكلام على الغسل من النفاس بلا دم، والنفاس كالحيض في التلفيق إذا تقطع، وفي ما يمنع، وما في مختصر ابن الحاجب من منع القراءة على النفساء رده خليل وغير واحد.
قوله: كأدنى ما خلا، يعني الحيض، فالحيض لا حد لأقله، وقد تقدم الكلام على ذلك، والبيت مضمن من نظم سيدي محمد مولود ابن أحمد فال -رحمهما الله تعالى -المسمى بالكفاف، والحمد لله رب العالمين.