الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التيمم
143 -
وحيث ماءً المسافرُ عَدِمْ
…
معَ الاِياسِ فالتيمم حُتم
144 -
ومثل ذاك خائف من داء
…
وعادم مناولا للماء
145 -
وهكذا من خاف لصا إن سعى
…
يطلب ماء، أو يخاف سبعا
146 -
ومُوقِن لحوقَ ماً قبل فواتْ
…
ألوقت أخر لذلك الصلاتْ
147 -
وأولَ الوقت يصلي من قنط
…
والمتردد يصلي بالوسط
148 -
ولا يعيد كل هؤلا عدا
…
ذا مرض مناولا قد وجدا
149 -
كذاك من لحق ماء كان في
…
لحوقه بالوقت ذا توقف
150 -
وخائف كسبع، وعوْدُ
…
ألكل بالوقت فقط لا بعدُ
التيمم قال في التنبيه: أصله من الأم، وهو القصد، يقال: تيممت فلانا، ويممته، وتأممته، وأممته أي: قصدته، وقال الجوهري: يممته: قصدته، وتيممته: تقصدته، وتيممت الصعيد للصلاة، وأصله التعمد والتوخي، من قولهم: تيممتك وتأممتك، قال ابن السكيت: قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا (اقصدوا الصعيد الطيب، ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة، حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب، ويممته برمحي تيميما أي: توخيته وقصدته دون من سواه، ويممت المريض فتيمم للصلاة، نقله في شفاء الغليل.
شرع التيمم سنة خمس، أو ست، في غزاة بني المصطلق، ولم يتفق للنبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -للفريضة، قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يصل منذ افترضت عليه الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل، أو معاند انتهى
وإنما تيمم للنوم، ولرد السلام، فقد جاء في الصحيح عن أبي جهيم بن الحرث بن الصمة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال أقبل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل، فسلم عليه، فلم يرد عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام،
(1)
زاد أبو داود: ثم اعتذر إليه، وقال:" إني كرهت أن أذكر الله سبحانه وتعالى إلا على طهر " أو قال: " على طهارة " نقله كنون، قال: وهذا من استباحة ما ندبت له الطهارة بالتيمم، وهو غير خاص به صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد قال الحطاب: ينبغي للشخص أن كل فعل تشترط له الطهارة لا يفعله في الحضر بالتيمم إذا خاف فواته، وكل فعل تندب له الطهارة، كقراءة القرآن، والدعاء، والمناجات، والنوم، ونحو ذلك، فينبغي له أن يتيمم إذا لم يجد الماء وخاف فوات ذلك الفعل، لجواز الإقدام على ذلك بغير طهارة، والتيمم لا يزيده إلا خيرا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
متفق عليه.
وليس في هذا ونحوه إحداث قول، إنما فيه الخروج من الخلاف، في ما حصل فيه منع من بعض العلماء، وتقليد بعض العلماء في اكتساب فضيلة لا يمنع منها غيره والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومما يشهد لهذا في الجملة تيمم الجنب للنوم، وكذلك وضوءه عند من يعلله بالطهارة والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: الإياس معناه القنوط، واللص - مثلث -: السارق جمعه لصوص، وألصاص، ولصصة، كفلوس، وأحمال، وقردة، والأنثى لصة، جمعها لصات، ولصائص، كجنات وخزائن، وقنط: فعل ماض من القنوط، وهو انعدام الأمل، والمتردد: الذي لم يترجح عنده طرف، والوسط قال الواحدي: اسم لما بين طرفي الشيء، فأما اللفظ به، وبما أشبهه في لفظه فقال المبرد: ما كان اسما فهو وسط - بالتحريك - كقولك: وسط رأسه صلب، وما كان ظرفا فهو مسكن، كقولك: وسط رأسه دهن، أي: في وسط رأسه دهن، وقال الازهري: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان، ولم يجيزوا في الساكن الفتح فافهمه، نقله في شفاء الغليل.
واللحوق: مصدر لحق، إذا أدرك، والتوقف المراد به هنا التردد، مجاز، علاقته السببية.
أشار بالأبيات الثلاثة الأولى إلى أن التيمم يجب على المسافر إذا يئس من وجود الماء في الوقت، وأما إذا كان يرجو وجود الماء، أو يتردد في ذلك فسيأتي الكلام عليه، ولا يشترط في السفر أن يكون سفر قصر على المشهور، واختلف هل يشترط فيه أن يكون مباحا، وإليه ذهب القاضي أبو محمد، أو لا يشترط فيه ذلك وعول، والمراد بالسفر السفر بالفعل، بأن يكون في صحراء، فلو كان وقت الصلاة مارا بقرية كان في معنى الحاضر، كما ذكره ابن عاشر -رحمه الله تعالى ـ كما في حاشية كنون.
ويجب التيمم كذلك على من يخاف باستعماله هلاكا، أو شديد أذى، سواء كان ذلك بحضر أو سفر، وله أن يتيمم أيضا على المشهور إذا خاف حدوث مرض لا يخشى منه هلاكا ولا أذى شديدا، كحمى ونزلة، خلافا لما رواه بعض البغداديين، كما في الجواهر
وأما مجرد حصول ألم في الحال، فلا يبيح له التيمم، والمراد بالخوف العلم أو الظن الناشئ عن إخبار طبيب أو تجربة.
ويجب أيضا على الذي لا يقدر على تناوله ولم يجد من يناوله إياه، وكذلك الذي يمنعه منه خوف اللصوص، أو السباع، أو العقارب، أو الحيات، أو العطش، أو نحو ذلك، سواء كان خوفه في مسألة اللصوص أو السباع على نفسه أو ماله، اتفاقا في الأول، وعلى المشهور في الثاني، وسواء كان خوفه في مسألة الخوف على نفس حاصلا على نفسه، أو نفس أخرى محترمة.
وأما الحاضر الصحيح يعدم الماء، فالرواية المشهورة عن مالك أنه يتيمم، قياسا على المسافر، وإنما خص السفر بالذكر لأن شأن الحضر توفر الماء، وشأن السفر قلته، فالمدار على وجود الماء وعدمه، فكما لا يجوز له أن يتيمم في السفر مع وجود الماء، فكذلك يرخص له في التيمم عند فقد الماء حضرا، والتيمم إنما شرع تداركا للوقت، وقد جاء عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: انتقلت بأهلي إلى الربذة، فكنت أجنب وأعدم الماء الخمسة الأيام والستة، فأعلمت بذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال: " الصعيد الطيب وضوء المسلم، ولو لم يجد الماء عشر حجج
(1)
" قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: فهذا نص بين في المقيم، لأن أبا ذر - رضي الله تعالى عنه - إنما انتقل إلى الربذة للإقامة بها، وهذا أقيس الأقوال.
قال في الجواهر: وروي في غير الكتاب أنه لا يتيمم بحال، قال: وإذا فرعنا على الأول، فهل يعيد، المشهور أنه لا إعادة عليه، وقال ابن عبد الحكم وابن حبيب يعيد أبدا، قال ابن حبيب: وإليه رجع مالك.
(1)
حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه المشار إليه رواه أبو داوود والترمذي والنسائي والإمام أحمد وهو حديث صحيح.
واختلف في واجد الماء الذي يخاف باستعماله خروج الوقت، والمشهور أنه يتيمم، لأن التيمم إنما شرع لإدراك الوقت، فكان بخوف خروج الوقت في معنى العادم للماء رأسا، وقيل لا يتيمم، لأن التيمم إنما شرع مع عدم الماء، وهذا واجد للماء، وقد قال سبحانه وتعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (وعلى المشهور اختلف إذا حصل له ذلك في الجمعة، والمشهور أنه يتوضأ ويصلي الظهر، وقيل هي كغيرها يشرع التيمم لإدراكها، وبالغ سند في إنكاره، وقال إنه مخالف للإجماع، نقله عنه في المواهب.
وحكى ابن يونس عن بعض أشياخه - رحمهم الله تعالى -أنه لو قيل بالثاني، ويعيدها ظهرا بوضوء ما بعد، وظاهره اختياره كما قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى ـ.
والمشهور أن المسافر والمريض ومن في حكمه يتيممون للفرائض والسنن والنوافل ومس المصحف، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ويتيمم المسافر ولو لنفل، ومس مصحف، ومنعه ابن أبي سلمة لغير الفرض، المازري واللخمي: والمريض مثله.
وأما الحاضر الصحيح فليس له التيمم لمطلق النفل، واختلف في تيممه للسنن قال ابن عرفة: ثالثها للعينية كالفجر، لا الكفاية كالعيد، لابن سحنون، وابن بشير عنها، واللخمي عن المذهب، وفيها لابن القاسم: يتيمم المسافر والمريض للخسوفين، ولمالك: لا يتيمم محدث في صلاة عيد، والجنازة غير المتعينة كالعيد، والمتعينة قال القاضي: كفرض: وتردد ابن القصار في رواية الصلاة على قبر من فاتته، المازري: قول ابن وهب: إن انتقض وضوءه بعد خروجه لها تيمم، وإلا فلا، لأنه رأى الخارج غير متوضئ كالمختار ترك الماء، وغيره مضطرا لما يخشى فوته دون بدل.
قوله: وموقن البيتين، معناه أن الذي يوقن وجود الماء في الوقت، يحب عليه أن يؤخر حتى يخاف خروج الوقت، وكذلك الراجي، فالمراد باليقين ما يعم الظن، وظاهر كلام الشيخ أن الراجي كالمتردد، وأما الآيس فإنه يصلي أوله، وأما المتردد فيصلي وسطه، هذا هو المشهور، وروي عن مالك - رحمه الله تعالى - تأخير الجميع لآخر الوقت، وروى ابن عبد الحكم أن المسافر يتيمم أوله مطلقا، وفي المجموعة الراجي آخره، وغيره وسطه، وقيل الجميع آخره إلا الآيس فأوله، والمراد بالوقت الوقت المختار، كما نقله أبو محمد في مختصره عن ابن عبدوس فإن قدم ذو التأخير ثم وجد الماء أعاد في الوقت، وقيل أبدا، قاله ابن عبدوس وغيره، وقيل إن ظن إدراكه ففي الوقت، وإن أيقن فأبدا، قاله ابن حبيب، وإن قدم ذو التوسط، ففي إعادته في الوقت المختار خلاف، ولا يعيد بعده اتفاقا، قاله ابن ناجي.
وما قيل في رجاء الماء وعدمه، يقال أيضا في رجاء القدرة على استعماله، وعدمه.
قوله: ولا يعيد كل هؤلا عدا الأبيات معناه أنه لا إعادة على من تيمم من المذكورين ثم وجد الماء بعد صلاته، سوى المريض الذي تيمم لعدم وجود من يناوله الماء، والخائف من السباع ونحوها، والمسافر يصلي في أول الوقت مع رجاء الماء، وإنما يعيد هؤلاء في الوقت خاصة، على ظاهر المصنف، وقال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: الأصوب أنه الوقت المختار، وقد اختلف في الراجي بنوعيه المتيقن والظان، فقال ابن القاسم: يعيد في الوقت، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: لأنه حين حلت الصلاة وجب القيام لها وهو غير واجد للماء، فدخل في قوله سبحانه وتعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا (وإنما أمرناه بالإعادة استحبابا، والوقت قائم، نقله في التاج.
وقيل يعيد أبدا، وفرق ابن حبيب -رحمه الله تعالى -فقال: يعيد المتيقن أبدا، والظان في الوقت، وإنما يؤمر بالإعادة إذا وجد الماء الذي كان يرجوه، فإن وجد غيره فلا إعادة عليه، كما قيد به ابن عبد السلام، نقله سيدي زروق -رحمه الله تعالى
…
-واختار ابن ناجي -رحمه الله تعالى -في المريض الذي لم يجد من يناوله الماء قول ابن نافع، ونصه: والأقرب أنه لا إعادة مطلقا بالنسبة إلى المريض، لأنه إذا لم يجد من يناوله إياه إنما ترك الاستعداد للماء قبل دخول الوقت، وهو مندوب إليه على ظاهر المذهب، وذلك لا يضر فلا إعادة مطلقا.
والمعول إعادته لأنه كالمختار، وأما الذي يجد الماء أثناء الصلاة أو بعد التيمم، فإن ضاق الوقت مضى على ما أراد قبل أن يجد الماء، وإن اتسع فإن كان لم يحرم بطل تيممه قطعا، وإن كان قد أحرم تمادى على المشهور، إلا أن يكون قد نسيه فذكر أثناءها أن معه ماء فيقطع، قال في المدونة: وإن ذكر الماء في رحله وهو في الصلاة قطع، ولو اطلع عليه رجل بالماء وهو في الصلاة، تمادى وأجزأته صلاته، ابن يونس: الذي ذكر الماء في رحله حين قيامه للصلاة، كان واجدا للماء ومالكا له، فلما اجتمع عليه مع ذلك العلم به في حال الصلاة بطلت عليه، لأنه قادر على الماء قبل تمامها، ومالك له حين القيام إليها، بخلاف الذي اطلع عليه بالماء وهو في الصلاة، هو غير واجد للماء، وغير مالك له، فقد دخل في الصلاة بما أمر به، وحصل له منها عمل بإحدى الطهارتين، فوجب أن لا يبطله لقوله سبحانه وتعالى:(ولا تبطلوا أعمالكم).
وقال في وجه إعادة الناسي في الوقت: وجه إعادته في الوقت أنه غير عادم للماء، ولم يوجب عليه الإعادة أبدا، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "
(1)
فجعل له بهذا حكما بين حكمين وذلك الإعادة في الوقت نقله في التاج.
ونقل في المواهب عن ابن راشد القفصي أنه حكى في الذكر أثناء الصلاة قولا بالتمادي.
واختلف في من أمر بالإعادة في الوقت إذا نسي بعد أن ذكر هل يعيد بعده، قال ابن شاس: المشهور أنه لا يعيد، وهو الأصل، وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بالإعادة عند ابن حبيب، ثم قال: ويجريه في كل من أمر أن يعيد في الوقت، قال لأنه يرى أنه إذا أمر بالإعادة فقد ترتبت في ذمته فلا يبرأ إلا بفعلها كما في الجواهر.
تنبيه
قال ابن رشد -رحمه الله تعالى -: كل من عمل في وضوئه، أو صلاته بما اختلف أهل العلم فيه، فلا إعادة عليه إلا في الوقت نقله سيدي زروق -رحمهم الله تعالى جميعا ـ.
ولا يخفى أن المراد الخلاف الذي لم يضعف مدركه جدا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
151 -
ولا يصلي بتيمم فريـ
…
ـضتين غير دنف لم يقدر
152 -
من مرض لازمه وقيل بل
…
ذلك أيضا يتيمم لكل
153 -
وبتيمم فقط كذلكْ
…
قضا الفوائت رُوِي عن مالكْ
154 -
ثم التيمم على ما طهرا
…
من الصعيد، وهْو ما قد ظهرا
155 -
بوجه الارض مطلقا كمثل
…
سَبَخة، وحجر، ورمْل
(1)
رواه الطبراني وصححه الحاكم وابن حبان والضياء والذهبي والنووي رحمهم الله تعالى أجمعين.
الدنِف بكسر النون: صفة من الدنف بفتح النون، وهو مصدر دنف بكسر النون إذا ثقل وأشفى على الموت، أو أزمن مرضه، والمرض بفتح الراء: فساد المزاج، وتغير الصحة بعد اعتدالها، وبسكونها: الشك، والصعيد قال ثعلب: وجه الأرض، لقوله سبحانه وتعالى: (فتصبح صعيدا زَلَقا (والجمع: صُعُد وصُعُدات، مثل طريق وطرق وطرقات، وقال في المغرب: الصعيد: وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، قال الزجاج: ولا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك.
ومن قال: هو فعيل بمعنى مفعول أو فاعل من الصعود، ففيه نظر، نقله في شفاء الغليل.
والسبخة محركة ومسكنة: أرض ذات نَزٍّ وملح جمعها سباخ، والنز: ما يتحلب من الأرض من الماء.
أشار بالبيتين الأولين إلى الخلاف في جواز صلاة فريضتين بتيمم واحد، والمشهور من المذهب أنه لا يجوز أن يصلى بالتيمم الواحد فرضان، وقيل يجوز ذلك للمريض الذي لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم، قال الشيخ أبو محمد: أخبرت به عن ابن شعبان، لعدم وجوب الطلب عليه، وعلى المشهور إذا فعل ذلك، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: في إعادة الثانية في الوقت، أو أبدا، ثالثها إن اشتركتا، ورابعها ما لم يطل كاليومين، لأبي عمر عن يحيى عن ابن القاسم، وسماعه أبو زيد، مع الأخوين، وأبي عمر عن أصبغ، مع الباجي عن يحيى عن ابن القاسم، والشيخ عن سحنون.
وروى أبو الفرج جواز قضاء الفوائت بالتيمم الواحد، وهو المشار إليه بالبيت الثالث.
وأشار بالبيتين الأخيرين إلى أنه إنما يتيمم على الصعيد الطاهر، وأن الصعيد هو ما ظهر على وجه الأرض من تراب، أو رمل، أو حجارة، أو سبخة، ونحو ذلك على المشهور، كالشب، والنورة، والزرنيخ، والكحل، والكبريت، والزاج، وفي الحديث " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "
(1)
قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: فعمم ولم يخص موضعا، وجمع بين الصلاة والتيمم عليها، فكما جازت الصلاة على الجبل، والحصباء، وكلما صعد على الأرض مما هو منها باتفاق، فكذلك يجوز التيمم عليه.
ولا يجوز التيمم بالجير والآجر والجص بعد حرقه، والياقوت، والزبرجد، والرخام، والذهب، والفضة، فإن فقد سوى ما منع وضاق الوقت، تيمم به، نص على ذلك جميع البغداديين، نقله ابن ناجي.
واختلف في الثلج، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: وفي الثلج، ثالثها إن عدم الصعيد، ورابعها ويعيد في الوقت بالصعيد، للباجي عن رواية علي، وأشهب، وابن القاسم، واللخمي عن ابن حبيب.
وأفضل ما تقدم التراب، ويجوز التيمم بغيره مما تقدم مع وجوده، على خلاف في بعض ذلك.
فخرج بالصعيد غير الصعيد، كالزرع والخشب، فلا يجوز التيمم على شيء من ذلك على المشهور، وخرج بالطاهر النجس فلا يجوز التيمم عليه، ومن تيمم عليه عالما متيقنا أعاد أبدا، والطاهر هو الطيب المذكور في الآية على المشهور من المذهب، وقيل المنبت.
156 -
ولْتضربنَّ بيديك الارض معْ
…
نفض خفيف، إن بها الترب اجتمع
157 -
وعممنْ وجهَك واضرب الارضا
…
من بعد ذاك باليدين أيضا
158 -
واجعل اَصابع اليد اليسرى على
…
طَرَف ظاهر اليمين مكملا
159 -
يدا مع الذراع أيضا حانيا
…
من فوقه لمرفق منتهيا
160 -
ثم انتقل من طي مرفق اِلى
…
بطن ذراعك لكوع قافلا
161 -
وبعد ذاك أجرينَّ بطنا
…
الابهام من فوق بَهِيم اليمنى
162 -
وهكذا اليسار وامسح بطنَ كفْ
…
يمناك باليسرى لآخر الطرف
163 -
وكيف ما عممتَ أجزأ، وما
…
ذُكر في التعميم هو المعتمى
(1)
متفق عليه.
الترب - بضم التاء -: التراب، وهو ما نعم من الأرض، جمعه أتربة وتربان بكسر التاء، ومنه قولهم: تُربا له، في الدعاء بالهلاك، وطرف كل شيء: حرفه ومنتهاه، والذراع من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى، والساعد، جمعه أذرع كأفلس، وذرعان كقضبان، والمرفق: موصل الذراع من العضد، وطيه: مكان انعطافه وانثنائه، والكوع كفول، ويقال: كاع كراع: المفصل بين الذراع والكف مما يلي الإبهام، وفي المثل: أحمق يمتخط بكوعه، والإبهام وقع في كلام الشيخ في النسخ التي وقفت عليها كسهل، وهو ظاهر من تعرض له من الشروح، وقد اعترض الفاكهاني على الشيخ التعبير به، وقال: إنه لا يعلم أحدا من أهل اللغة نقل ذلك البناء في الإبهام، وإنما البهم أولاد الضأن: جمع بهمة كثمرة، وبهم كزفر: شجعان، وظاهر الزبيدي أنه بياء بعد الهاء كأمير ووزير، ونصه في تاج العروس: ومما يستدرك عليه البهيم كأمير: اسم للإبهام التي هي الأصبع نقله الأزهري.
قال: ولا يقال لها بهام، وقد أنكر شيخنا على ابن أبي زيد القيرواني حين ذكر البهيم في رسالته بمعنى الإبهام، وندد عليه، وقال: لا وجه له، مع أنه موجود في التهذيب وغيره من كتب اللغة انتهى
ولا يتوجه الرد بهذا على الفاكهاني لأنه إنما أنكر البهم بلا ياء.
واليسار: اليد الشمال، قال ابن عبد السلام -رحمه الله تعالى -: بفتح الياء وكسرها، والفتح أفصح عند الجمهور، وخالفهم ابن دريد، نقله في شفاء الغليل.
والكف: اليد، جمعه أكف، وكفوف، وكف كصم.
أشار بهذه الأبيات إلى صفة التيمم، فذكر أنه يضرب الأرض بيديه، والمراد وضعهما على الأرض، ثم إن تعلق بهما شيء من التراب نفضهما نفضا خفيفا، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: عياض: لضرر كثيره بتلويث وجهه، أو دقيق حجر يؤذيه.
وهذا النفض ذكر في المواهب أنه سنة.
(1)
وقال ابن حبيب: ينفخ فيهما، وهو نص الحديث، قاله سيدي زروق -رحمه الله تعالى -.
فإن لم يعلق بهما شيء لم يؤمر بنفضهما، ولا ينفضهما حيث علق بهما شيء نفضا قويا، فإن مسحهما بشيء قبل أن يمسح بهما، ففي إجزاء ذلك خلاف، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ولو مسح بيديه بعد الضرب غير محله، ثم مسحه بهما، فقال الطابثي: لا نص ومقتضى معروف المذهب عدم اشتراط التراب الإجزاء، وقال بعض أصحاب عبد الحق لا يجزئ.
وظاهر التوضيح اختيار الثاني، حيث قال -بعد نقل قول ابن عبد السلام: والأظهر أن ذلك لا يضره، إذ النقل غير مشروط -ما نصه: وفيه نظر، لأن تيممه لم يحصل للأعضاء بل للممسوح.
ثم يمسح بهما وجهه، قال في الطراز: وليس على المتيمم تتبع غضون وجهه، وعليه أن يبلغ بيديه حيث يبلغ بهما في غسل الوجه، ويمرهما على شعر لحيته الطويلة، على نحو ما جرى في الوضوء، وما لا يجزيه الاقتصار عليه في الوضوء، لا يجزيه في التيمم، وخفف ابن مسلمة ترك اليسير نقله في المواهب.
ثم يضرب بيديه الأرض مرة ثانية، فيمسح بهما يديه إلى مرفقيه، وقد اختلف هل تستحب في مسحهما صفة معينة، فقال ابن عبد الحكم: لا يستحب في ذلك شيء، والمشهور خلافه، واختلف عليه في الصفة المستحبة، وقد اقتصر الشيخ على رواية الأخوين، وهي أن يمسح يديه وذراعيه إلى باطن الكوعين، ثم يمسح كفه بكفه، وعليها حمل بعضهم المدونة، وروى ابن القاسم أنه يمسح باطن يديه لآخر الأصابع، قال الباجي: واختار أصحابنا رواية ابن القاسم، لأن أعضاء الطهارة مبنية على أنه لا يشرع في تطهير عضو إلا بعد استيفاء الذي قبله، نقله الرهوني.
(1)
وقد جاء كل من النفض والنفخ في حديث عمار الذي أراه فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صفة التيمم عند الشيخين وغيرهما.
وصفة المسح أن يبدأ بيمناه فيمسحها أولا، بأن يجعل باطن أصابع يده اليسرى، على أطراف أصابع يده اليمنى، ثم يمر أصابعه على ظاهر يده وذراعه، حانيا أصابعه على ذراعه كالقابض، حتى يبلغ المرفق، وقد اختلف هل يمسح أو يقف عنده، والمشهور الأول، ثم يدير كفه من طي المرفق إلى باطن ذراعه قابضا عليه حتى يبلغ الكوع، على رواية الأخوين التي اتبع الشيخ، قال الشيخ: ثم يجري باطن بهمه على ظاهر بهم يده اليمنى، ونحوه لابن الطلاع، كما نقله ابن عرفة - رحمه الله تعالى - ونحوه أيضا لأبي عمر في الكافي، ونصه: يبدأ بيمنى يديه فيمسحها باليسرى منهما، ويجري باطن أصابع اليسرى وكفه على ظاهر راحته اليمنى وذراعه إلى مرفقه، ثم يمر باطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى.
وقال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: وظاهر الروايات مسح ظاهر إبهام اليمنى مع ظاهر أصابعها.
ونقله ابن ناجي -رحمه الله تعالى -وارتضاه.
ثم يمسح اليسرى باليمنى كذلك، فإذا بلغ الكوع مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أصابعه، قال ابن شعبان: يخلل أصابعه، قال الشيخ أبو محمد: لا أعرفه لغيره، قال ابن ناجي: وعادة الشيخ إذا قال مثل هذا أراد أن المذهب على خلافه، كمن قال: يا فلان فعل الله تعالى بك كذا، قال ابن شعبان: تبطل صلاته، قال الشيخ: لا أعرفه، وقول ابن بكير: من التذ بالفكرة في القلب انتقض وضوءه، وقال أيضا: لا أعرفه، ففهم عنه أهل المذهب ما قلناه.
وقال ابن عبد الحكم: ينزع خاتمه، قال في التوضيح: لا خلاف أنه مطلوب بنزع خاتمه ابتداء، لأن التراب لا يدخل تحته، فإن لم ينزعه فالمذهب أنه لا يجزئه، واستقرأ اللخمي من قول ابن مسلمة الإجزاء.
وهذه الصفة غير متعينة، كما أشار إليه بقوله: وكيف ما عممت أجزأ البيت.
وقد أشار الشيخ في صدر الوضوء في الكلام على الاستنجاء، إلى تعين النية في ما كان من الطهارة من قبيل الحدث، ومما يجب في طهارة الحدث أيضا على المشهور الموالاة، فهذان فرضان لم يتكلم الشيخ عليهما تفصيلا، والوجه في إيجاب الفور أنه المعنى الذي يتبادر من إطلاق الماهية، مع أن الطهارة من الحدث تعبد لم ينقل إلا على هذا الوجه، فلا يخرج به عنه، وأن شأن العبادة الواحدة الاتصال، وقد أخرج أبو داوود من طريق خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة
(1)
.
وسيتكلم الشيخ على موالات الوضوء في مباحث الصلاة، إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ويشترط في التيمم للفريضة خاصة أن يكون بعد دخول الوقت على المشهور، خلافا لابن شعبان.
(1)
ورواه ابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ وهو حديث صحيح.
والصفة التي ذكر الشيخ تشتمل على واجبات، وسنن، ومندوبات، فمن الواجبات الضربة الأولى بلا خلاف، واختلف في الثانية، والمشهور استنانها لثبوت الأخبار في الاكتفاء بالضربة الواحدة، ومنها مسح الوجه واليدين إلى الكوعين للآية الكريمة، واختلف في مسحهما إلى المرفقين، فقيل واجب، وقيل سنة، وهو المشهور، وقيل يجب إلى المنكبين، وقيل يجب إلى الكوعين، ويسن إلى المرفقين، ويستحب إلى المنكبين، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: فوجه قول مالك - رحمه الله تعالى -: إنه يتيمم إلى الكوعين، قوله سبحانه وتعالى:(فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ولم يحد كما حدد في الوضوء إلى المرفقين، وقال سبحانه وتعالى:(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولم يحد، فأبانت السنة أن القطع من الكوعين، وأجمعت عليه الناس إذ ليس فيه حد، فأعطي أخص أسماء اليد، وكذلك التيمم، لأن المعقول من اسم اليد والأخص بها من الكوع، وأيد ذلك ما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تيمم إلى الكوعين، ووجه قوله يتيمم إلى المرفقين، قياسا على الوضوء الذي هو بدل منه، وقد ثبت الحديث بمثله، ووجه قول من قال إلى المنكبين فلأن ذلك يقع عليه اسم اليد، وهذا أضعف الأقوال.
قوله: وقد ثبت الحديث بمثله، ذكر الكاندهلوي في شرح الموطإ عن صاحب نهاية النهاية، أن جابرا ـ رضي الله تعالى عنه ـ روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال:" التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين " قال: رواه الدارقطني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال العيني: أخرجه البيهقي أيضا والحاكم، من حديث إسحاق الحربي، وقال: صحيح، وقال الذهبي: إسناده صحيح انتهى
(1)
(1)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وما عداهما فضعيف، أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه.
وروى مالك في الموطإ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما -أنه كان يتيمم إلى المرفقين.
والقول بالتيمم إلى المنكبين لابن شهاب كما فسر به سحنون كلام مالك -رحمهم الله تعالى أجمعين -كما في الجامع.
ومن السنن تقديم مسح الوجه على اليدين، ونفض التراب، كما تقدم عن المواهب.
ومن المندوبات تقديم يده اليمنى على يده اليسرى، وتقديم الظاهر على الباطن، ومقتضى كلامهم ندب تقديم أول العضو، والله سبحانه وتعالى أعلم.
164 -
وصاحب الأكبر حيث عدما
…
ماء كفى اغتساله تيمما
165 -
وإن يجد ماء تطهر، ولا
…
يعيد ما صلاه قبل مسجلا
166 -
ولا يحل وطء من عنها انقضى
…
الحيض بالتيمم الذي مضى
167 -
حتى تَطهرَ بماء معَ ما
…
كفى لطهر من جنابتهما
أشار بالبيتين الأولين إلى أن الجنب إذا لم يجد ماء كافيا لاغتساله تيمم وجوبا، وكذلك الحائض والنفساء، سواء وجد ما يكفي لوضوئه أو لا، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: عياض: قال من أصحابنا أحمد بن صالح المصري عرف بالطبري من أصحاب ابن وهب: من خاف على نفسه من الغسل أجزأه الوضوء، لحديث عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنه -قال ابن أبي دليم: لم يقله فقهاء الأمصار إلا بعض المحدثين.
وإذا وجد الماء اغتسل اتفاقا كما بينه المازري -رحمه الله تعالى -ولا يعيد ما صلاه بالتيمم كما في المدونة.
وأشار بالبيتين الأخيرين إلى أنه لا يجوز لزوج الحائض وطؤها بتيممها للصلاة، بل لا يجوز حتى تغتسل، مع وجود ما يغتسلان به من الجنابة التي هما بصدد الوقوع فيها، قال في الجامع عازيا لمالك - رحمهما الله تعالى -: وإذا طهرت امرأة من حيضتها في سفر فتيممت، فلا يطؤها زوجها حتى يكون معهما من الماء ما يغتسلان به جميعا، قال سحنون - رحمه الله تعالى -: يعني ما تغتسل هي به من الحيضة، ثم ما يغتسلان به جميعا من الجنابة، إذ بأول الملاقات ينتقض تيممهما، ثم قال: قال ابن شعبان: وإذا تطهرت بالتيمم لعدم الماء جاز له وطؤها، وقاله ابن بكير، وغيره من البغداديين.
وقال ابن عرفة -رحمه الله تعالى - وفيها منع وطء المسافر وتقبيله امرأته وليس معهما ما يكفيهما لغسلهما ووضوئهما، وليس كذي شجة له الوطء لطول أمره، فقالوا لقرب الأول، وعكسوا حكميهما لعكس وصفيهما، ابن رشد: المنع استحباب، وأجازه ابن وهب، الطراز: منعه ابن القاسم البول، إن خفت حقنته.
ونقله في التاج، وقال عقبه: وانظر هذا مع قولهم في وقت المغرب: يقدر بفعلها بعد شروطها، لعدم وجوب شروطها قبل دخول وقتها، مع ما تقدم لعياض والباجي وأبي عمر.
ويعني بذلك قول أبي عمر: غير واجب حمل الماء للوضوء، وقول الباجي: يجوز السفر في طريق يتيقن فيه عدم الماء، طلبا لمال، ورعي المواشي، ويجوز المقام على حفظ ماله، وإن أدى ذلك إلى أداء الصلاة بالتيمم، قال المواق: ونحو هذا في الإكمال.
وهذا بين لحديث أبي ذر -رضي الله تعالى عنه -السابق.
وهذا الاستشكال إنما يتوجه على غير تفسير ابن رشد -رحمه الله تعالى ـ.
هذا وقال في المواهب: قال البرزلي في مسائل الطهارة: سئل عز الدين عن من لا يمكنه قرب أهله إلا باليل، وإذا فعل أخر أهله الصلاة عن وقتها لتكاسلها، فهل يجوز له فعل ذلك، وإن أدى إلى إخلالها بالصلاة، أم لا، فأجاب بأنه يجوز أن يجامع أهله ليلا، ويأمرها بالصلاة في وقت الصبح، فإن أطاعت فقد سعد وسعدت، وإذا خالفت فقد أدى ما عليه، قال الحطاب: قوله: ليلا، يحتمل أن يكون لفظا مقصودا، إذ لا يجب عليها حينئذ غسل ولا صلاة، فلا يترك ما وجب له لما لم يجب عليها، وهذا نحو مما ذكر الباجي عن بعض أصحاب مالك، وأظنه في حديث الوادي أنه يجوز للإنسان أن ينام بالليل وإن جوز أن نومه يبقى حتى يخرج وقت الصبح، إذ لا يترك أمرا جائزا لشيء لم يجب عليه، وعلى هذا فلو كان بعد الفجر فلا يمكن من ذلك حتى يخرج وقتها أو يصليها، ويكون كقوله في المدونة: ولا يطأ المسافر زوجته حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما، ويحمل على الوجوب أو الندب خلافا لابن وهب في هذه المسألة، ويحتمل أن يتخرج ذلك في المسألة المذكورة.
ولا يبعد أن يقال إن مسألة السؤال تختلف عن مسألة المدونة من جهة عدم تعذر الغسل، فيكون عليها إثم تكاسلها، كمثل ما قالوا في المحرمة قبل الميقات، وقد تردد الأصحاب في منعه إياها من الصلاة أول الوقت، قال ابن عرفة في كتاب الحج: ابن بشير: ليس له منعها من فرضها إذا تعين، فيتعين باستطاعتها على الفور، وعلى التراخي تردد المتأخرون في تمكينه من منعها، ونزلوا عليه قضاء رمضان، والصلاة أول وقتها، وقول ابن الحاجب: ليس له منعها على الأصح، كالصلاة أول الوقت، وقضاء رمضان، يقتضي الاتفاق عليهما، خلاف نقل ابن بشير، وهو الأصح.
ولعل هذا صريح في موافقة مسألة السؤال خاصة، وأنه سيق في قضية المحرمة قبل الميقات التي قالوا فيها إن له أن يباشرها، والإثم عليها، مع أنها قد دخلت في العبادة، والله سبحانه وتعالى أعلم.