المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة - عون المتين على نظم رسالة القرويين

[محمد بن محمد بن المصطفى اليعقوبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌مقدمة النظم

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌فصل في الحيض والنفاس

- ‌باب طهارة الماء والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌أماكن تمنع الصلاة فيها

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الكسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

868 -

هذا والاضحية بالإمكان

قد وجبت وجوب الاستنان

869 -

وجذعٌ أقلُّ ما في الضانِ

عندهمُ يكفي من الأسنان

870 -

وهُو ذو العام على ما ذكرهْ

بدءا، وقيل ذو شهور عشَرَه

871 -

وقيل ذو الثمان، والست رُوِي

قول بها، وأول هو القوي

872 -

وما سوى الضأن من الأنعام لا

يجزئ حيث عن ثني نزلا

873 -

وهو في المعز الذي قدَ اَكملا

عاما، وفي العام الموال دخلا

874 -

وداخل برابع الأحوال

من بقر، كالست بالآبال

الإضحية: بكسر الهمزة وضمها وتشديد الياء وتخفيفها، جمعها أضاحيٌّ بتشديد الياء، ويقال: الضحية بفتح الضاد المشددة، وجمعها ضحايا، ويقال: أضحاة، وجمعها أضاح وأضاحي، سميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى ووقت الضحى، وسمي يوم الأضحى من أجل الصلاة فيه ذلك الوقت، قاله القاضي عياض - رحمه الله تعالى -.

قوله: هذا والاضحية البيت، معناه أن الأضحية سنة واجبة ـ يعني مؤكدة ـ لمن لا تجحف به، وهذا هو المشهور الذي عليه الأكثر، وقيل إنها واجبة، وفي الموطإ أنها سنة غير واجبة، والمخاطب بها هو المسلم الحر الذي ليس بحاج، ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، ولو يتيما.

قوله: وجذع الأبيات الثلاثة، معناه أن أقل ما يجزئ في الضأن الجذع، وهو ابن سنة على المشهور، وقيل ابن عشرة أشهر، وقيل ثمانية، وقيل ستة، وقيل إن كان ابن فتيين فابن ستة إلى ثمانية، وإن كان ابن شارفين، فمن عشرة إلى سنة.

قوله: وما سوى الضأن الأبيات، معناه أن غير الضأن من الأنعام لا يجزئ منه ما دون الثني، وثني المعز هو ما أكمل سنة ودخل في السنة الثانية دخولا بينا، وثني البقر ما أتم ثلاثا، ودخل في الرابع، وثني الإبل ما أكمل خمسا، ودخل في السادس.

875 -

وفحل ضأن في الضحية على

خصيِّها وغيره قد فُضِّلا

876 -

ثم خصيها، فالانثى، فذكر

معزٍ، فأنثاه، كنحو ما غبر

877 -

وفي الذي من بعد ذلك نُقِلْ

ألخلف هل بقرٌ أولى، أو الابل

878 -

والهدي عند العلماء الابلُ

فبقر، فالضأنُ، فيه أفضل

ص: 438

معناه أن أفضل الأضاحي الضأن، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين،

(1)

ثم المعز، واختلف هل يليه البقر أو الإبل، والأول أشهر، وذكر كل أفضل من أنثاه على المشهور، وفحله أفضل من خصيه على المشهور، وأفضل الهدايا الإبل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم المعز.

879 -

ومنع الإجزاء في الضحايا

عورُها، وهكذا الهدايا

880 -

والمرض البيِّن كُلا، وضَلَعْ

من سيرها بسير الاغنام منع

881 -

وعجَف، وهْو انعدام الشحم

وقيل بل عدم مخ العظم

882 -

والشق في الأذُن ما لم ينزرا

كثلث، وقطْعها كذا جرى

883 -

وكسر قرن معه يدمي، ولا

يضر كسر من الادماء خلا

884 -

واتقينْ بذين كل عيب

وذاك في يسيره ذو ندب

قوله: ومنع الإجزاء الأبيات الثلاثة، معناه أن الضحية تشترط فيها السلامة من هذه العيوب الأربعة المذكورة اتفاقا لحديث البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - سئل عما يتقى في الأضاحي، فأشار بيده، وقال: أربع، فكان البراء يشير بيده، ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي

(2)

.

ومثل الضحية عندنا الهدي والعقيقة، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: واتفق العلماء على العمل به - يعني حديث البراء رضي الله تعالى عنه - في منع ما فيه أحد هذه العيوب، وإلحاق ما هو أشد منها بها، وعلى عدم إلحاق ما هو دونها، واختلفوا في ما هو مساو لها، فمذهب المدونة إلحاقه، وهو المشهور وعليه الأكثر، واللخمي عن الجلاب وابن القصار وغيره من البغداديين عدم الإلحاق.

(1)

متفق عليه من حديث أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ.

(2)

رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي والإمام مالك والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ص: 439

وقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى - في توجيه الخلاف: بناء على تقديم القياس على مفهوم العدد وعكسه.

وفسر المرض البين بما يمنعها من تصرف الصحاح، وفسر العرج البين بالمانع من لحوقها بالغنم مثلا، والعجفاء التي لا تنقي، قال ابن حبيب - رحمه الله تعالى -: هي التي لا شحم فيها، وقال غيره: التي لا مخ فيها، وقال ابن الجلاب ـ رحمه الله تعالى ـ: التي لا شحم لها ولا مخ في عظامها، لشدة هزالها، وعده ثالثا يقتضي أن النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه، إذ لو كان أحد الأمرين أخص مطلقا، لرجع قوله إلى أحد القولين قبله، والمتبادر أن عدم المخ أخص مطلقا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله: والشق في الأذن البيت، معناه أن قطع بعض الأذن إذا كان يسيرا لا يمنع من الإجزاء، بخلاف الكثير، وهو ما زاد على الثلث، وفي حكم القطع الشق، فيجري فيه تفصيله، وفي حكم مقطوعة الأذن أيضا السكاء، وهي صغيرة الأذنين جدا.

قوله: وكسر قرن البيت، معناه أن كسر القرن مانع من الإجزاء، إذا كان يدمي، فإن برئ لم يضر اتفاقا في القرن الخارج، وعلى المشهور في القرن الداخل اعتبارا بالجماء التي اتفق على إجزائها.

ص: 440

قوله: واتقين بذين البيت، معناه أنه يطلب في الضحية أن تكون سالمة من العيوب كلها، وجوبا في العيب الكثير على المشهور كما تقدم، وندبا في غيره لمفهوم الصفة في حديث البراء - رضي الله تعالى عنه - المتقدم، فقد اقتضى إجزاء ناقصة البصر، والعرجاء عرجا خفيفا، والمريضة مرضا خفيفا، مع حديث النهي عن الخرقاء، والشرقاء، والمقابلة، والمدابرة،

(1)

قال اللخمي - رحمه الله تعالى -: يستحب أن تكون من أعلى المكاسب، لقوله سبحانه وتعالى:(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ولقوله سبحانه وتعالى: (وفدينه بذبح عظيم) وبالقياس على قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " أفضل الرقاب أغلاها ثمنا "

(2)

وسمع أشهب وابن نافع: أكره التغالي فيها، أن يجد بعشرة دراهم، فيشتري بمائة، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لأنه يؤدي إلى المباهاة، وقد قال أبو أيوب - رضي الله تعالى عنه -: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن بيته، ثم صارت مباهاة، وذلك في زمانه فكيف الآن قاله ابن عرفة - رحمه الله تعالى -.

885 -

وباشرنَّ ندبا التذكيه

ذبحا وغيره، لدى التضحيه

886 -

ضحى ورا ذبح الإمام عاشرا

ذي حجة، أو نحره إن نحرا

887 -

ومن يكن من قبل ذبحه ذبح

أعاد أضحيته إذ لم يُضَحْ

888 -

واجتهدنْ بذبح أقرب إمام

إذا بقريتك كان ذا انعدام

889 -

وشرطها النهار كالهدي، فلا

يجزئ كل إن بليل فُعلا

890 -

واليوم الاول على باقي ثلا

ث النحر صدره اتفاقا فُضلا

891 -

ومن يفتْه للزوال انتظرا

ندبا ضحى تاليه عند كُبَرا

(1)

رواه أبو داود من حديث علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

حديث أن أفضل الرقاب أغلاها ثمنا متفق عليه.

ص: 441

قوله: وباشرن ندبا البيت، معناه أنه يندب للمضحي أن يباشر ذبح ضحيته أو نحرها، اقتداء به صلى الله تعالى عليه وسلم،

(1)

ولا يوكل عليها إلا من ضرورة، قال في التاج: سمع ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: أحب إلي أن يلي ذكاة أضحيته بيده، وروى محمد: لا يلي ذبحها غير ربها إلا لضرورة أو ضعف، ابن حبيب: أو كبر، أو رعشة، فإن أمر مسلما غيره دون عذر فبيس ما صنع، وروى ابن حبيب: وأحب إلي أن يعيد بنفسه صاغرا، وقال محمد، ورواه عن مالك - رحمهم الله تعالى جميعا -: لتلي المرأة ذبح أضحيتها بيدها أحب إلي، وكان أبو موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - يأمر بناته بذلك

(2)

قال المواق ـ رحمه الله تعالى ـ: وما رأيت من نقل خلاف هذا إلا ابن رشد، فإنه ارتضى أن لا تذبح المرأة أضحيتها إلا من ضرورة.

وما قاله ابن رشد هو ظاهر عبارة الشيخ - رحمهما الله تعالى -.

قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: وظاهر كلام الشيخ أن الصبي والمرأة لا يذبحان، بأنفسهما بل يستنيبان غيرهما، وهو كذلك في الصبي باتفاق، وفي المرأة عند ابن رشد، قائلا: الاظهر منع ذبحها إلا من ضرورة، لنحره صلى الله تعالى عليه وسلم في الحج عن أزواجه

(3)

.

وليس هذا ببين، فإن النحر قد يكون فيه عسر ومشقة على النساء، وأيضا أزواج النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ يجب عليهن من الستر والحجاب ما يجعل خروجن لذلك مرجوحا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

روى الشيخان وغيرهما عن أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، ويضع رجله على صفحتهما ويذبحهما بيده.

(2)

رواه البخاري معلقا جزما، قال في الفتح: وصله الحاكم في المستدرك، ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع، أن أبا موسى ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يأمر بناته أن يذبحن بأيديهن، وسنده صحيح.

(3)

متفق عليه من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ.

ص: 442

وما قاله في الصبي هو ظاهر ابن عرفة - رحمهما الله تعالى - حيث لم يحك فيه خلافا.

وانظر هل هو على إطلاقه.

قوله: ضحى البيتين، أشار به إلى وقت ذبح الضحية، فذكر أنها تذبح ضحى بعد ذبح الإمام أضحيته أو نحرها، وذلك بعد الصلاة والخطبتين، فإن ذبح الإمام أو نائبه قبل بعض ذلك لم تجز، وإن ذبح غير الإمام قبل ذبحه لم تجزه للحديث الشريف

(1)

.

ويندب أن يخرج الإمام أضحيته للمصلى، وأن يذبحها عند نزوله من المنبر، ليرى الناس ذبحه، فإن لم يخرجها وجب على الناس أن يؤخروا ذبحهم إلى قدر ما يبلغ الإمام فيذبح عند وصوله، وليس عليهم انتظاره إن تراخى في الذبح بعد وصوله لغير عذر، فإن أخر الذبح لعذر من اشتغال بقتال عدو أو غيره انتظروه، ما لم يذهب وقت الصلاة بزوال الشمس، نقله في التاج عن ابن رشد - رحمهما الله تعالى -.

وإذا لم تكن للإمام أضحية، فوقت الذبح من انتهاء الخطبة، واختلف في الإمام هل المراد به إمام الصلاة وهو المعول، أو إمام الطاعة أو من أقامه.

قوله: واجتهدن في ذبح البيت، معناه أنه إذا لم يكن في القرية إمام اجتهدوا في ذبح أقرب إمام إليهم، وإن ظهر خطؤهم فالمشهور الإجزاء، لأن الاجتهاد شرعهم، وهو معرض للخطإ، وكذلك الكلام في أهل البادية.

(1)

روى مسلم عن جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ صلى بهم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا، وظنوا أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قد نحر، فأمر النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ من كان قد نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ.

ص: 443

قوله: وشرطها النهار، معناه أنه يشترط في الضحايا والهدايا الذبح نهارا، واحتج له بقوله سبحانه وتعالى:(ليذكروا اسم الله في أيام معلومت) فلا يجزئ ما ذبح منها ليلا على المشهور، وروي عن مالك - رحمه الله تعالى - إجزاء الذبح في الليلتين الأخيرتين، وفرق أشهب - رحمه الله تعالى - بين الضحية والهدي، فاشترط النهار في الضحية دون الهدي.

قوله: واليوم الاول البيتين، معناه أن الذبح في صدر أول أيام النحر، وهو يوم الحج الأكبر أفضل اتفاقا من الذبح في ما بعد ذلك، لمواظبته صلى الله تعالى عليه وسلم على ذلك، فإن لم يذبح قبل الزوال فروى ابن حبيب أنه يستحب أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني، وفي كتاب ابن المواز عن مالك - رحمهما الله تعالى - أن اليوم الأول كله أفضل من الثاني، والثاني كله أفضل من الثالث، وأنكر الشيخ أبو الحسن القابسي - رحمه الله تعالى - رواية ابن حبيب، قائلا الذي عند ابن المواز أحسن منه، وهو المعروف، قاله ابن ناجي - رحمه الله تعالى -.

892 -

ولا تبع من الضحية، ولا

من نسك، أو تُكْرِ شيئا مسجلا

893 -

وهكذا عقيقة، والاكلُ

من الأضاح للمضحي حلُّ

894 -

وفضلوا تصدقا منها، ولـ

ـكن أيضا إن تركه لا خللا

895 -

بعكس الاكل من جزاء الصيد

وفدية الأذى، فذا ذو حَرْد

896 -

وهكذا هدي تطوعٍ عُطِبْ

قبل محله، فتركه يجب

897 -

وهكذا نذر مساكين، وما

سوى ذا الاكل منه لم يحرما

قوله: ولا تبع من الضحية البيت معناه أنه لا يجوز بيع شيء من الضحية، لا لحم، ولا جلد، ولا ودك، ولا عصب، ولا غيره، ولا يجوز كراء شيء منها، كجلدها، ولا الكراء به، كإعطاء السلاخ شيئا منها في نظير سلخه، قال في التاج: قيل لابن القاسم - رحمهما الله تعالى -: فجلد الأضحية وصوفها وشعرها هل يشتري به متاعا للبيت، أو يبيعه؟

ص: 444

قال مالك - رحمه الله تعالى -: لا يشتري به شيئا ولا يبيعه ولا يبدل جلدها بمثله ولا بخلافه، ولكن يتصدق أو ينتفع به، ولا يعطى الجزار على جزره الهدايا، والضحايا، والنسك من لحومها، ولا جلودها شيئا، وكذلك خطمها وجلالها.

قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: والنسك: الهدي ونحوه مما يتعلق بالحج.

ومثل الضحية والنسك العقيقة، قال ابن حبيب: سنها، واجتناب عيوبها، ومنع بيع شيء منها، مثل الأضحية، الحكم واحد، نقله في التاج.

قوله: والاكل، إلى قوله: لا خللا، معناه أن أكل المضحي من أضحيته جائز، بل مندوب كالتصدق، لقوله سبحانه وتعالى:(فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وتصدقوا، وادخروا، ونهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا "

(1)

قوله: بعكس الاكل الأبيات، معناه أن هذه الأربعة لا يجوز لصاحبها أن ينتفع منها بشيء، وهي جزاء الصيد، وفدية الأذى، بعد بلوغ محلهما، ويجوز الأكل منهما إذا عطبا قبل محلهما، لوجوب البدل، والهدي المتطوع به إذا عطب قبل محله، فتلقى قلادته بدمه، ويخلى للناس، وأما بعد محله فله الأكل منه، الرابع النذر المعين للمساكين، كقوله: علي أن أهدي هذه البدنة للمساكين، فليس له أن يأكل منه مطلقا، وأما النذر المضمون فكالتطوع.

898 -

أما الذكاة فهْي حين يقطع

الاوداج والحلقوم كلا تقع

899 -

لا دون ذا كما إذا ما رفعا

من بعد قطعِ بعض ذا ورجعا

(1)

رواه الإمام مالك في الموطإ، وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال:" يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فشكوا إلى رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أن لهم عيالا وحَشَما وخَدَما، فقال: " كلوا وأطعموا واحبسوا أو ادخروا " شك أحد الرواة.

ص: 445

900 -

أما إذا استرسل حتى قطعا

رأسا، فذا أسا، والاكل اتسعا

901 -

والذبح حيث كان من نحو القفا

فمالك تحليله الأكلَ نفى

902 -

والذبح في البقر هو العمل

ولكن إن نحرت أيضا تؤكل

903 -

والشأن في الإبل نحر، وامتنع

مذبوحها على خلاف قد وقع

قوله: أما الذكاة البيتين، أشار به إلى أن الذكاة هي قطع الحلقوم والودجين من المقدم في فور بنية، والحلقوم كعصفور: القصبة البيضاء التي هي مجرى النفس، والودجان: عرقان في صفحتي العنق، ولا يشترط قطع المريء، خلافا لرواية العراقيين، والمريء كجريء: القصبة الحمراء التي تقع تحت الحلقوم، ولا يكفي قطع الودجين دون الحلقوم على المشهور المعروف من المذهب، ولا قطع الحلقوم وأكثر الودجين، أو قطع الحلقوم وأحد الودجين، أو قطع الودجين وبعض الحلقوم على المشهور في ذلك كله، ولا بد من كون قطع ما ذكر من أمام، فلا تجوز بقطع ذلك من خلف على المشهور، لأنه نخعها قبل قطع الحلقوم والودجين، وذلك هو قوله: والذبح حيث كان البيت، وكذلك لا تؤكل أيضا إذا أدخل السكين من تحت الودجين وقطع بها من داخل، ويشترط أن يكون قطع الحلقوم والودجين في فور، فلو قطع بعض ذلك ورفع يده ثم عاد لم تؤكل، إذا كانت لا تعيش إذا تركها بعد الفعل الأول، إذ لم يتم ذكاتها في الفعل الأول، والفعل الثاني وقع وهي في حكم الميتة، قال في التاج: وفي هذه المسألة خمسة أقوال، قال سيدي بن سراج - رحمه الله تعالى -: والذي يترجح قول ابن حبيب - رحمه الله تعالى - إن رجع في فور الذبح وأجهز صحت الذكاة، كمن سلم ساهيا ورجع بالقرب وأصلح، ابن أبي يحيى: وهذا مع الاختيار، أما إذا وقعت السكين من يده، أو كانت لا تقطع فأتي بأخرى بالقرب فلا يضره، ولا فرق بين إبقاء السكين على المذبح إذا لم يمرها، وبين رفعها، لأن المراعى الذبح لا إبقاء السكين، قال سيدي بن سراج - رحمه الله تعالى -: وهذا صحيح، وكذا نقل ابن علاق - رحمه الله تعالى - وكذا

ص: 446

لو تعايا رجل فوضع رجل يده على يده فذبحها، أو رفع الأول يده لا فرق.

ولا بد من نية الذكاة بقطع الحلقوم والوجدين، فلا تصح ذكاة صبي غير مميز، ولا مجنون مطبق، ولا سكران، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفي كتاب محمد: السنة أخذ الشاة برفق، فيضجعها على شقها الأيسر للقبلة، ورأسها مشرف، ويأخذ بيده اليسرى جلد حلقها، اللخمي: الأسفل فيمده لتبين البشرة، فيضع السكين حيث تكون الجوزة في الرأس، ثم يسمي الله سبحانه وتعالى ويمر السكين مرا مجهزا بغير ترديد، فيرفع دون نخع، وقد حدت الشفرة قبل ذلك، ولا يضرب بها الأرض، ولا يجعل رجله على عنقها، ولا يجرها برجلها، وكره ربيعة - رحمه الله تعالى - ذبحها وأخرى تنظر، وكره مالك - رحمه الله تعالى - ذبحها على شقها الأيمن إلا الأعسر.

قوله أما إذا استرسل البيت، معناه أنه إذا قطع الحلقوم والودجين ثم استرسل يقطع حتى أبان الرأس فقد أساء وتؤكل ذبيحته على المعول، وقيل لا تؤكل مطلقا، وقيل لا تؤكل إن تعمد، قال في التاج: من المدونة: قال مالك - رحمه الله تعالى -: من ذبح فترامت يده إلى أن أبان الرأس أكلت ما لم يتعمد، قال ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: ولو تعمد ذلك وبدأ في قطعه بالحلقوم والأوداج أكلت لأنها كذبيحة ذكيت ثم عجل قطع رأسها قبل أن تموت، ابن يونس - رحمه الله تعالى -: وهذا هو القياس أن تؤكل كما قاله ابن القاسم، وما روي عن مالك - رحمهما الله تعالى - أنها لا تؤكل فهو استحسان.

قوله: والذبح في البقر البيت، معناه أن العمل في البقر هو الذبح، وقد قال سبحانه وتعالى:(إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) ونحرها جائز لما في الحديث من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نحر عن أزواجه - رضي الله تعالى عنهن -

(1)

.

(1)

تقدم قريبا.

ص: 447

قوله: والشأن في الإبل البيت، معناه أنه يتعين عند مالك - رحمه الله تعالى - في الإبل النحر، ولا يجوز عنده ذبحها إلا لضرورة، فإن ذبحت لغير ضرورة لم تؤكل على ما لمالك في المدونة، وحمله ابن حبيب على التحريم، وغيره على الكراهة، وقال أشهب وابن مسلمة تؤكل.

وأما إذا كان لضرورة فلا خلاف في جواز أكله، وكذلك نحر الغنم ونحوها، ومن الضرورة جهل صفة الذبح مثلا، أو انعدام آلته، أو عدم التمكن من محله ونحو ذلك، وقيل بجواز كل منهما في الكل من غير ضرورة.

904 -

وليقل الذابح بسم الله معْ

ألله أكبر، فإن سهوا يدع

905 -

تسمية، حلت، وإن تعمدا

تركا، فمنع الاكل إذْ ذا أُيدا

906 -

وسم أيضا عند إرسال الجوا

رح، ورمح، فجميع ذا سوا

907 -

وفي الجنين أجزأت ذكاة الام

إن نبتت أشعاره والخلق تم

908 -

وذات الانخناق، والوقْذ، وما

ذُكر في نص الكتاب معْهما

909 -

تحرم كلها إذا ما تصل

ما معه حياتها لا تؤمل

910 -

وما لغير الله جل قدُ اُهِل

به، فذاك مطلقا ليس يحل

911 -

ولحم خنزير، وما من الدم

سُفِح، فالكل من المحرم

قوله: وليقل الذابح الأبيات الثلاثة، معناه أن المذكي مأمور بالتسمية عند الذكاة، ذبحا، ونحرا، وعقرا، وغير ذلك، وجوبا إن ذكر وقدر، قال سبحانه وتعالى:(والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) وقال سبحانه وتعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وقال سبحانه وتعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وقال سبحانه وتعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) فإن ترك التسمية نسيانا أكلت، وإن تركها تهاونا لم تؤكل ذبيحته باتفاق، كما قال ابن رشد - رحمه الله تعالى - وإن تركها عمدا من غير تهاون أو جهلا لم تؤكل أيضا على المشهور.

ص: 448

قوله: وفي الجنين أجزأت ذكاة الام، معناه أن الجنين الذي يكون في بطن الذبيحة مثلا يؤكل بذكاتها، إن تم خلقه ونبت شعره، وهذا إذا خرج ميتا، وإن خرج حيا نظر، فإن كان به من الحياة ما يرجى أن يعيش به، أو شك في ذلك، افتقر للذكاة، وإن خرج به رمق من الحياة يعلم أنه لا يعيش به ذكي استحبابا فقط على المشهور من المذهب، والوجه في هذا ما صح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من أن ذكاة الجنين ذكاة أمه

(1)

.

قوله: وذات الانخناق والوقذ البيتين، معناه أن المنخنقة والأربع المذكورة معها في آية المائدة، وهي الموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، يحرم أكلها إذا وقع بها من ذلك ما لا يمكن أن تعيش معه، ظاهره سواء أنفذ منها مقتل أو لا، والمعول في الثاني الأكل، لأن ذلك لا يجزم فيه بالموت، فأشبه الصحيح، قال في المدونة: قال مالك - رحمه الله تعالى -: إذا تردت الشاة من جبل أو غيره، فاندق عنقها وأصابها ما يعلم أنها لا تعيش منه، ما لم يكن قد نخعها، فإنها تذكى وتؤكل، لأن بعضها مجتمع إلى بعض، ولو انقطع النخاع لم تؤكل، وإن ذكيت وفيها الحياة، نقله في التاج.

وأما الأولى أعني منفوذة المقتل فحكى الباجي - رحمه الله تعالى - الاتفاق على منعها، وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى - هوالمنصوص، وقال اللخمي - رحمه الله تعالى - إن كان إنفاذها بموضع الذكاة كفري الأوداج لم تؤكل، وإلا فقولان.

(1)

روى أبو داود عن جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " ورواه الدارمي عنه، ورواه الترمذي والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ وهو حديث صحيح.

ص: 449

وكأن المشهور جعل محل الاستثناء أعني قوله سبحانه وتعالى: (إلا ما ذكيتم) ما ترجى حياته خاصة، أو يشك فيه، لأن المقطوع بعدم عيشه وموته فورا في حكم الميت، فلا يصح أن يقصد بالذكاة، كما لا يقصد بها ما مات بالفعل والله سبحانه وتعالى أعلم.

والمقاتل قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: الباجي: المقاتل انقطاع النخاع، المخ الأبيض في فقار العنق أو الظهر، أو انتثار الدماغ، أو الحشوة، وخرق الأوداج، وانفتاق المصير، كل منها مقاتل اتفاقا، عبد الحق: وقطع الودج الواحد مقتل، محمد: وقطع بعض الأوداج والحلق مقتل، قال ابن عرفة: وأطلق الأكثر قولهم: خرق المصير، وكذا وقع لمحمد ولابن حبيب عن مطرف، وقال ابن رشد - رحمهم الله تعالى جميعا - معنى قولهم في خرق المصير إذا خرق أعلاه في مجرى الطعام والشراب قبل تغيره لحال الرجيع، لعدم حياتها أكثر من ساعة، وخرق أسفله حيث الرجيع غير مقتل لبقائها به زمانا تتصرف.

قوله: وما لغير البيتين، معناه أن هذه الأشياء الثلاثة محرمة إجماعا، وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم، وهي ما ذبح تقربا لغير الله سبحانه وتعالى، ولحم الخنزير البري، فإنه رجس، والدم المسفوح، بخلاف ما يكون في العروق، وأما خنزير الماء فقد اختلف فيه، وأبى مالك - رحمه الله تعالى - أن بجيب فيه بشيء، وقال أنتم تقولون: خنزيرا، وقال ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: وأنا أتقيه، ولو أكله رجل لم أره حراما، ووجه جوازه أنه من صيد البحر وقد قال سبحانه وتعالى:(أحل لكم صيد البحر) والله سبحانه وتعالى أعلم.

912 -

وأكل ميتة للاضطرار

بل شبع، ليس بذي انحظار

913 -

وهكذا تزوُّدٌ منها، إلى

وجوده عن ذاك الامر بدلا

914 -

والانتفاع بجلودها ورا

دبغ بلا ضرورة لم يحظرا

915 -

لكن على ذلك لا يصلى

منعا، ولا تباع أيضا حظلا

916 -

بعكس ما كان من اَجلاد السباع

إن ذُكِّيت، فالكل فيه ذو اتساع

ص: 450

قوله: وأكل ميتة البيتين، معناه أن أكل الميتة للضرورة والشبع منها والتزود حتى يظفر ببدل عنها جائز، بمعنى أنه غير حرام، وإلا فهو واجب، والمضطر هو الذي اشتدت حاجته إلى الطعام بحيث يخاف على نفسه الهلاك إذا لم يأكل، ولا يلزمه الصبر إلى الإشراف، لأن الأكل لا ينفعه حينئذ، والأصل في هذا قوله سبحانه وتعالى:(فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)

وما ذكره الشيخ من الشبع والتزود هو المشهور، وهو قول سحنون - رحمه الله تعالى -وأكثر أهل المذهب، وجاء عن مالك - رحمه الله تعالى - أنه لا يزيد على سد الرمق، ولا يتزود منها، ووجه الأول أن الاضطرار لا يرتفع إلا بوجود ما يستغني به عنها، وقصة السرية مع العنبر، حيث أقاموا عندها شهرا يأكلون ويدهنون، وتزودوا منها وهم يعتقدون أنها ميتة

(1)

.

(1)

متفق عليه، وفي بعض رواياته عند البخاري أن أبا عبيدة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وفي سبيل الله سبحانه وتعالى، وقد اضطررتم فكلوا، قال جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: فأقمنا عليه شهرا، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا.

ص: 451

قوله: والانتفاع بجلودها البيتين، معناه أن الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه جائز، واختلف هل يطهر بذلك أو يرخص في الانتفاع به من غير طهارة، وينبني على ذلك الاختلاف في الانتفاع به في غير اليابس والماء، كالزيوت، والألبان، ونحو ذلك، وجواز الصلاة عليه، وجواز بيعه، والمشهور من المذهب أنه لا يطهر بذلك، ولكن يرخص في الانتفاع به في اليابس والماء، وقال ابن وهب - رحمه الله تعالى - وجماعة يطهر بذلك، وهو أبين، والأول أحوط، ومنشأ الخلاف ورود ما يشهد لكل، فحديث " إنما حرم أكلها "

(1)

ظاهره التقرير على قولهم إنه ميتة، مع احتمال الطهارة في الأحاديث المصرحة بالطهارة للطهارة اللغوية، خاصة وأن الطهارة الشرعية لم تعهد بغير الماء والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله: بعكس ما كان البيت، معناه أن جلود السباع المذكاة لأخذ جلودها خاصة تجوز الصلاة عليها، ويجوز بيعها، فمذهب مالك - رحمه الله تعالى - أن كلما يطهره الدباغ تطهره الذكاة، كما قال ابن رشد - رحمه الله تعالى - وقد اختلف أهل المذهب في كراهة أكل السباع وحرمتها، فروى العراقيون عن مالك - رحمه الله تعالى - كراهتها من غير تفصيل، وقال ابن حبيب - رحمه الله تعالى -: لم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية، الأسد، والنمر، والذئب، والكلب، فأما غير العادية كالدب، والثعلب، والضبع، والهر الوحشي والإنسي، فمكروهة دون تحريم، قاله مالك وابن الماجشون، نقله في التاج.

(1)

متفق عليه من حديث ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.

ص: 452

قال: وقال أبو عمر: إدخال مالك حديث أبي هريرة وأبي ثعلبة يدل على أن مذهبه في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع نهي تحريم، وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه، فما كان منه واردا على ما في ملكك، فهو نهي أدب وإرشاد، كالأكل من رأس الصحفة، والاستنجاء باليمين، والأكل بالشمال، وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم، كالشغار، وقليل ما أسكر كثيره، واستباحة الحيوان من هذا القسم، ولا حجة لمن تعلق بقوله سبحانه وتعالى:(قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما) الآية لأن سورة الأنعام مكية، وقد نزل بعدها نهي عن أشياء محرمات، وبإجماع أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان من المدينة المنورة.

917 -

وكل ما من ميتة ينزع في

حال الحياة بالطهارة صِف

918 -

وجوزنْ نفعا به مثل الشعر

وزغب الريش وصوف ووبر

919 -

ولكن الأحب فيه الغسل

بعكس ريشها فلا يحل

920 -

والقرنِ والظلفِ ونابٍ مثلا

فبالجميع الانتفاع حُظلا

921 -

وكرهوا منفعة بناب

فيلٍ، على خلف بذاك الباب

ص: 453

قوله: وكل ما من ميتة الأبيات الأربعة، معناه أن ما ينزع من البهيمة وهي حية من غير تألم، كالشعر، والوبر، والصوف، وزغب الريش، طاهر يجوز أن ينتفع به، وأن يصلى عليه، وأن يباع، سواء نزع منها حية أو ميتة، لعموم قوله سبحانه وتعالى:(ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) ولأن هذه الأشياء لا تحلها الحياة، فلا تنجس بالموت، ويستحب غسل ما ذكر، وقال ابن حبيب - رحمه الله تعالى - يجب غسله، وأما ما لا ينزع منها وهي حية، إلا بتألم فهو نجس من غير المذكى، كالعظم، والريش، والقرن، والظلف، والناب، لأن ميتة البعض على حكم ميتة الكل، قالوا وهذه الأمور موصوفة بالحياة، قال سبحانه وتعالى:(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) وذهب ابن وهب - رحمه الله تعالى - إلى أن حكم هذه الأشياء كحكم التي قبلها.

قوله: وكرهوا منفعة بناب فيل، معناه أن الانتفاع بأنياب الفيلة مكروه، كما لمالك - رحمه الله تعالى - في المدونة، واختلف الشيوخ فمنهم من حمل ذلك على التنزيه، ومنهم من حمله على التحريم، وهو الجاري على ما سبق، وقال ابن ناجي - رحمه الله تعالى - إن الأقرب عنده حمل الكراهة في كلام الشيخ - رحمه الله تعالى - على التحريم.

وقوله: على خلف بذاك الباب، يشير به إلى ما تقدم عن ابن وهب، ووجهه الاعتبار بالجلود، ووجه الآخر أن الجلود خرجت عن الأصل بالنص، فيبقى غيرها على الأصل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

922 -

وذائب السَّمْن إذا به تموت

فأرةٌ، أو بعسلٍ، أو بزيوت

923 -

طُرح ذاك كله، فالاكلُ

منه، كذاك البيع لا يحل

924 -

ولكن الزيوت الاستصباحُ

بها بغير مسجد يباح

925 -

وإن بقوت جامد تمتْ، فما

ظُن وصولها إليه حرما

926 -

ىـ سحنون: ما لم يطلنْ به المقام

فطرْحه إذ ذا جميعا ذو انحتام

ص: 454

قوله: وذائب السمن إلخ، أشار به إلى أن الأطعمة المائعة كالزيت، والسمن الذائب، والعسل، واللبن وغيرها، إذا وقعت فيها نجاسة، تصير نجسة، فيجب طرحها، ولا يجوز أكلها، ولا بيعها، وهذا بخلاف الطعام الجامد، فإنه إنما ينجس منه ما ظن وصول النجاسة إليه خاصة، فإن طال مكثها به حتى ظن سريانها في جميعه طرح كله، والوجه في هذا حديث الفأرة المعروف بألفاظه المختلفة

(1)

.

قوله: ولكن الزيوت الاستصباح البيت، معناه أنه يجوز الاستصباح بالزيوت المتنجسة، وقد وقع التصريح بذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وهذا في غير المسجد، إذ لا يجوز إدخال النجاسة فيه، لحديث الأعرابي

(2)

وغيره، ويجوز أن ينتفع بالمتنجس في غير طعام الآدمي وشرابه، كأن يتخذ منه صابون، أو يعلف للدواب، أو تسقى به الزروع، وذلك لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - الذي وقع فيه التصريح بالانتفاع، وأما طعام الآدمي وشرابه فلا يجوز أن يدخل فيه شيء متنجس، لحديث الفأرة المتقدم وغيره، وأما عين النجاسة فلا يجوز الانتفاع بها لنهيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن طلي السفن بشحوم الميتة

(3)

.

(1)

روى البخاري عن أمنا ميمونة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال:" ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي والإمام أحمد.

ورواه الإمام أحمد عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ بإسناد على شرط الشيخين بلفظ " إن كان جامدا فخذوها وما حولها، وكلوا ما بقي، وإن كان مائعا فلا تأكلوه " وروى الطحاوي " وإن كان مائعا فاستصبحوا به أو انتفعوا به " وقال إن رجاله ثقات.

(2)

" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن " رواه مسلم والإمام أحمد.

(3)

متفق عليه.

ص: 455

927 -

أما طعام الهود والنصرى معا

ما ذبحوا فذاك فيه وُسِّعا

928 -

وكرهوا شحم اليهود دون ما

منعٍ، وقيل إنه قد حرما

929 -

أما الذي ذكى المجوسي فلا

يجوز عندنا بذا أن يؤكلا

930 -

وما إلى الذكاة من قوتهمُ

لم يفتقر، فأكله لا يحرم

قوله: أما طعام الهود البيت، معناه أن طعام أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وذبائحهم مباحة لنا إجماعا، لقوله سبحانه وتعالى:(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وتشترط عندنا في ذبائحهم ثلاثة أمور الأول أن يكون الكتابي قد ذبح لنفسه، فإن ذبح شاة مسلم للمسلم ففي جوازها وعدمه ثالثها تكره، الثاني أن يكون ما ذبحه مما يباح له في شرعه، فإن ذبح ما لا يحل له في شرعه لم يؤكل، إن ثبتت حرمته عليه في شرعنا، كذوات الظفر في حق اليهود، كالإبل، وحمر الوحش، والنعام، والإوز، وأما ما لم تثبت حرمته عليهم في شرعنا مما يزعمون أنه حرام في شرعهم كالطريفة فكان مالك - رحمه الله تعالى - يجيزه أولا، ثم كرهه واستمر على ذلك، وقال ابن القاسم لا يؤكل، وظاهره المنع، وجعل ابن ناجي - رحمه الله تعالى - المشهور الجواز، والطريفة قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: هي فاسدة ذبيحة اليهود، وخالف في هذا الشرط ابن لبابة - رحمه الله تعالى - متعلقا بقوله سبحانه وتعالى:(وطعامكم حل لهم) قال وذوات الظفر طعام لنا، وهذا شذوذ، فالخطاب في قوله سبحانه وتعالى:(وطعامكم حل لهم) لنا، لا لهم، والمعنى - والله سبحانه وتعالى أعلم - أنه يجوز أن نمكنهم من أطعمتنا، وتوجه الخطاب إليهم في شرعنا بمثل هذا، يستلزم تقريرهم على شرعهم ودينهم، وذلك باطل، فلا دين ولا شرع بعد بعثة سيدنا محمد ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ إلا الإسلام.

ص: 456

الثالث أن لا يستحل أكل الميتة، فإن استحلها لم يؤكل ما غاب عليه، واستظهر ابن عرفة - رحمه الله تعالى - عدم أكل ما ذبحه مطلقا غاب عليه أو لا، لاحتمال عدم نية الذكاة، والأصل في هذه الشروط أن الله سبحانه وتعالى إنما أحل لنا طعامهم فما لم يكن لهم أن يطعموه فليس حلالا لنا، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفي كراهة ما ذبحوه لكنائسهم وحرمته ثالثها لا بأس به، إلى أن قال: وفي ما ذكروا عليه اسم المسيح الكراهة والإباحة لابن حارث عن رواية ابن القاسم وأشهب، وعنه قائلا: أباح الله سبحانه وتعالى ذبائحهم لنا، وعلم ما يفعلون، وروى الباجي ومحمد وابن حبيب - رحمهم الله تعالى - كراهة الجميع، وما ذبح للصليب من غير تحريم.

قوله: وكرهوا شحم اليهود البيت، أشار به إلى أن الشحوم التي تحرم على اليهود من البقر والغنم يكره لنا أكلها من ذبائحهم، وقيل يحرم، وقيل يجوز، ووجه المنع أنها ليست من طعامهم، ووجه الجواز عدم الاستفصال في بعض الأحاديث،

(1)

ووجه الكراهة الاحتمال مع أن الأصل الجواز.

قوله: أما الذي ذكى المجوسي البيت، معناه أن ذبائح المجوس لا تجوز لنا، وذلك هو مفهوم الآية الكريمة المتقدمة، وأما حديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "

(2)

فهو في الجزية، واختار بعض أهل المذهب التسوية بينهم وبين أهل الكتاب.

قوله: وما إلى الذكاة البيت، معناه أن أطعمة المجوس التي لا تفتقر إلى الذكاة جائزة لنا، كالأخباز ونحو ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

931 -

ويكره الصيد إذا ما وقعا

لهوا، وما لغير ذاك اتسعا

(1)

كحديث عبد الله بن مغَفَّل ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال: فالتفت فإذا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ متبسما.

متفق عليه، واللفظ لمسلم.

(2)

رواه الإمام مالك في الموطإ بسند فيه انقطاع.

ص: 457

932 -

وما مُعَلَّمُ الكلاب قتلا

أو البُزاة جائز اِنُ اُرسلا

933 -

وهكذا إن قبل قدرة على

ذكاته أنفذ منه مقتلا

934 -

أما الذي من قبل ذلك قُدِرْ

عليه، فهْو للذكاة يفتقر

935 -

كذا الذي اصطدت بسهم أو رماح

فأنفذت مقتله فهْو مباح

936 -

إلا فإن تجده قبل أن يموت

ذَكِّ، وجاز إن تبادرْ فيفوت

937 -

ما لم يبت، وقيل بل لو بات ذا

إن يك منه مقتلا قد اَنفذا

938 -

وإنما يشرط ذا بجرح

ألباز والكلاب لا في الرمح

939 -

والحيوان الإنسي ليس يؤكل

بما به ذكاة صيد تحصل

الصيد مصدرا عرفه ابن عرفة - رحمه الله تعالى - بقوله: أخذ مباح أكله غير مقدور عليه من وحش طير أو بر أو حيوان بحر بقصد ملكه.

قوله: ويكره الصيد البيت، أشار به إلى أن الاصطياد مكروه على المشهور إذا وقع لهوا، وأجازه ابن عبد الحكم، ويحرم إذا كان بغير نية ذكاته، أو ترتب عليه تضييع واجب، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وهو من حيث ذاته جائز إجماعا، الشيخ: روى ابن حبيب: من جعله كسبا أو قرم للحم فلا بأس به ولو كان غنيا، وروى الأخوان خفته لأهل البادية، وخروج الحضري له خفة وسفه، حسين بن عاصم عن ابن القاسم - رحمهم الله تعالى جميعا -: لا أرى صيد البر إلا لذي حاجة، وصيد البحر والأنهار أخف، لا بأس بصيد الحيتان، اللخمي: هو لعيشه اختيارا مباح، ولسد خلته أو لتوسيع ضيق عيش عياله مندوب إليه، ولإحياء نفس واجب، وللهو مكروه، وأباحه ابن عبد الحكم، ودون نية أو مضيعا واجبا حرام.

ص: 458

قوله: وما معلم الكلاب قتلا الأبيات الثلاثة، معناه أنما قتله الكلب المعلم أو الباز المعلم بإرسال منك، أو أنفذ مقتله قبل قدرتك عليه لأنه في حكم الميت جائز، لقوله سبحانه وتعالى:(وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) ولمفهوم قوله سبحانه وتعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وأما ما قدرت على تخليصه منه قبل أن ينفذ منه مقتلا فتتعين فيه الذكاة المتقدم بيانها، ويتعلق البحث في الصيد بأربع جهات، وهي الصائد، والمصيد، والمصيد به، وكيفية الاصطياد، أما الصائد فيشترط فيه الإسلام على مذهب المدونة، وجعله في التوضيح المشهور، وعليه اقتصر في المختصر، حيث قال: وجرح مسلم، قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: وروى ابن المواز عن مالك كراهته، وروى ابن حبيب عن ابن وهب إباحته، إلى أن قال: واحتج في المدونة على المنع بقوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) فخص المؤمنين دون أهل الكتاب، واعترض بأن الآية لم تخرج لبيان جنس الصائدين، وإنما جاءت لبيان ابتلاء المحرم بالصيد الممنوع منه في حال إحرامه، كما ابتلي اليهود بتحريم الصيد في السبت، واحتج غير واحد للإباحة بقوله سبحانه وتعالى:(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)

وهذا يقتضي ثبوت كون صيد البر من طعامهم والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 459

ويشترط في الصائد التمييز ضرورة وجوب النية، فلا يؤكل صيد مجنون، ولا سكران، ولا صبي غير مميز، لأنه في معنى الميت حتف أنفه، فكان من قبيل الميتة، وأما المصيد فقد عرف من تعريف الصيد مصدرا، إلا أن البحري لا يجري فيه شيء من التفاصيل المتقدمة، لجواز الميت منه حتف أنفه كما في قصة العنبر وغيرها، وأما المصيد به فهو نوعان، الأول الجارح، ويشترط فيه التعليم والإرسال، فلو خرج دونه ثم أغراه فقيل يباح، وثالثها إن زاده ذلك قوة وانشلاء، ويشترط أن يواصل الطلب من بعثه له إلى اصطياده، قال في المدونة: ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة، ثم رجع عن الطلب، ثم عاد فقتله، فإن كان كالطالب له يمينا وشمالا، أو عطف وهو على طلبه، فهو على أول إرساله، وإن وقف لأكل الجيفة، أو شم كلبا، أو سقط البازي عجزا عنه، ثم رأياه فاصطاده، فلا يؤكل، إلا بإرسال مؤتنف، نقله في التاج.

والتعليم قال في الكافي: أن يشلى فيشتلي، ويزجر فينزجر، ويرسل فيسترسل، ويطيع إذا نبه، ويسارع إذا صيح عليه، ويتكرر منه ذلك كله حتى يعلم أنه قد فهم وتعلم، قال: فهذا حد التعليم لا ما سواه، وليس بأن لا يأكل، والباز في ذلك والكلب سواء.

الثاني السلاح، ويشترط فيه التحديد، قال ابن عرفة: ابن حبيب عن ابن القاسم - رحمهم الله تعالى جميعا -: لا يعجبني أكل صيد رمي بحجر حاد يذبح به، إذ لعله بعرضه، الباجي -رحمه الله تعالى -: يريد ولو علم إصابته بحده أكل.

وأما الاصطياد فهو بإرسال الجارح، أو إطلاق غيره بنية مع التسمية، على ما تقدم.

ص: 460

قوله: كذا الذي اصطدت بسهم أو رماح الأبيات الأربعة، معناه أن المصطاد بالسهم أو الرمح إن قتلاه أو أنفذا منه مقتلا كفى ذلك في ذكاته، ما لم يبت، فإن أدركه حيا تعين أن يذكيه بما تقدم في ذكاة الحيوان الإنسي، إلا أن يبادر فيموت قبل ذلك، فيؤكل أيضا، وهذا إذا كان غير منفوذ مقتل، فإن كان منفوذ مقتل استحب ذبحه فقط، إراحة له، وفي الموطإ عن مالك - رحمه الله تعالى - أنه سمع أهل العلم يقولون إذا أصاب الرجل الصيد فأعانه عليه غيره من ماء أو كلب غير معلم لم يؤكل ذلك الصيد، إلا أن يكون سهم الرامي قد قتله، أو بلغ مقاتل الصيد حتى لا يشك أحد في أنه قتله، وأنه لا يكون للصيد حياة بعده، قال يحيى: وسمعت مالكا - رحمهما الله تعالى - يقول: لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنك مصرعه إذا وجدت به أثرا من كلبك، أو كان به سهمك، ما لم يبت، فإذا بات فإنه يكره أكله.

وقال في المدونة: قال مالك - رحمه الله تعالى -: من توارى عنه كلبه والصيد، ثم وجده ميتا فيه أثر كلبه أو بازه أو سهمه وهو فيه أكله، وإن لم يجده إلا آخر النهار، ما لم يبت، فإن بات فلا يأكله، وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه، قال ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: أما السهم فلا بأس بأكل ما أنفذ مقاتله وإن بات، وقاله أصبغ - رحمه الله تعالى - قال: وقد أمن عليه مما يخاف الفقهاء أن يكون موته من غير سبب السهم، قال: ولم نجد لرواية ابن القاسم هذه عن مالك - رحمهما الله تعالى - ذكرا في كتب السماع، ولا رواها عنه أحد من أصحابه، ولم نشك أن ابن القاسم وهم فيها.

ص: 461

قال ابن المواز- رحمه الله تعالى -: وبه أقول، ابن يونس: وهو الصواب، ابن رشد: وهو أظهر الأقوال، قال سليمان: وقاله سحنون وعليه جماعة أصحابنا - رحمهم الله تعالى -الباجي: وهذا الخلاف إذا لم ينفذ السهم مقاتله حتى غاب عنه، أما إن أنفذ السهم أو الكلب مقاتل الصيد بمشاهدة الصائد ثم تحامل الصيد وغاب عنه، فقد كملت ذكاته، فلا يؤثر في ذلك مغيبه ولا مبيته، نقله في التاج.

قوله: والحيوان الانسي البيت، معناه أن الحيوان الإنسي لا تحصل ذكاته بالعقر ولو ند على المشهور، وقيل بكفاية ذلك في الناد منه مطلقا، وقيل يكفي في الناد من البقر خاصة.

940 -

أما العقيقة عن المولود

فسنة من غير ما تأكيد

941 -

يُعَقُّ عنه سابعَ الأيام ما

يجزي ضحية، وقد تقدما

942 -

وإن نهارا وُلد الصبي

فاليوم الاول إذا ملغيُّ

943 -

وندب الذبح ضحى، ولا يصح

منها الذي قد كان باليل ذُبح

944 -

ومسه بدمها منهيُّ

عن فعله فهو جاهلي

945 -

وإن يُخَلَّقْ بالخَلوق الرأسُ

بدل ذا فليس فيه بأس

946 -

منها تصدق، أطعمنْ، وتكسر

عظامها، وهل بذاك يؤمر

قوله: أما العقيقة عن المولود البيت، معناه أن العقيقة سنة غير مؤكدة، ومعنى ذلك أنها مستحبة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفي حكمها عبارات، الشيخ: روى ابن حبيب: سنة واجبة يستحب العمل بها، وكانوا يكرهون تركها، وقال محمد: سنة غير واجبة، ابن حبيب: ليست كوجوب الأضحية، ابن رشد: قال ابن حبيب: سنة غير واجبة، وقيل مستحبة، وسمع ابن القاسم: يقع في قلبي أنها شريعة الإسلام، ولم يحك المازري غير أنها مستحبة.

ولا فرق في المولود بين الذكر والأنثى.

ص: 462

قوله: يعق عنه سابع الأيام، معناه أنها تذبح في اليوم السابع من ولادته، وهذا أمر متفق عليه، لحديث سمرة بن جندب " تذبح عنه يوم سابعه "

(1)

فإن فات السابع لم يعق عنه، كما قال مالك - رحمه الله تعالى - وهو المشهور وهو ظاهر المدونة، واختاره اللخمي - رحمه الله تعالى - إعمالا لمفهوم الظرف، وقيل يعق عنه في ما قرب من السابع، وقيل في السابع الثاني، أو الثالث إن فات الثاني أيضا، ولا يعق عن من مات قبل السابع، وإذا تعدد المولود فإن ولد الجميع في يوم واحد عق عن كل بشاة في السابع، وإن اختلفت أيام ولادتهم عق عن كل في سابع ولادته، والعقيقة في مال الأب، فإن لم يكن له مال ففي مال الصبي إن كان له مال، ولو يتيما، ولا يخاطب بها قريب غير الأب.

قوله: يجزي ضحية، معناه أنها كالضحية من حيث السن والسلامة من العيوب، وامتناع بيع شيء منها أو كرائه، وذلك لما في الحديث من تسميتها نسكا،

(2)

ولا تتعين فيها الغنم على المشهور، لكنها أفضل لفعله صلى الله تعالى عليه وسلم.

قوله: وإن نهارا البيت، معناه أن الصبي إذا ولد بعد الفجر لم يعتد بذلك اليوم لنقصانه، فيعق عنه في اليوم الثامن، وهذا هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك - رحمهما الله تعالى - وقيل يعتد به مطلقا، وقيل إن ولد قبل نصف النهار اعتد به، وإلا فلا، ووجه ذلك احتمال السابع في الحديث لإرادة التمام في الأيام وعدمه.

(1)

رواه أبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(2)

روى أبو داود أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سئل عن العقيقة؟ فقال: " لا يحب الله عز وجل العقوق " كأنه كره الاسم، فقيل له: إنما نسألك أحدنا يولد له قال: " من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافَأتان، وعن الجارية شاة " ورواه النسائي والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح، والتخيير هنا لبيان عدم الوجوب، وإلا فالنسك لا يكون مباحا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 463

قوله: وندب الذبح ضحى البيت، معناه أنه يشترط فيها الذبح في النهار، ويندب أن يكون ضحى، قال في المقدمات: وسنتها أن تذبح ضحوة، إلى زوال الشمس، ويكره أن تذبح بالعشي بعد زوال الشمس، أو بالسحر قبل طلوع الشمس، وأما إن ذبحها باليل فلا يجزئ، وقال في التوضيح: نص مالك - رحمه الله تعالى - في المبسوط على عدم الإجزاء إذا ذبحها قبل طلوع الشمس، وأخذه ابن رشد من العتبية، وقال ابن الماجشون يجزئه إذا ذبحها بعد طلوع الفجر، قال في البيان: وهو الأظهر، لأن العقيقة ليست منضمة إلى صلاة، فكان قياسها على الهدايا أولى من قياسها على الضحايا، نقله في المواهب.

قوله: ومسه بدمها البيت، معناه أن مس الصبي بشيء من دم العقيقة - كما كان أهل الجاهلية يفعلون - منهي عنه، بخلاف جعل خلوق عليه فلا بأس به، بل هو مستحب، والخلوق: الطيب، ويستحب حلق شعره والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، وقيل يكره، وقيل يجوز من غير استحباب خاص ولا كراهة.

قوله: منها تصدق أطعمن، معناه أن أهل الصبي يطعمون ويتصدقون من العقيقة، ولا يَدعون إليها، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وسمع ابن القاسم: يطبخ ويأكل منها أهل البيت، ويطعم الجيران، وأما الدعاء إليها فإني أكره الفخر، زاد في سماع القرينين: إن أرادوا صنعوا من غيرها ودعوا إلى أن قال: وسمع عيسى: إطعام أهل الحاجة أحب إلى من الأغنياء، وأرجو أن لا شيء على من فعله.

قال في المواهب: وروي عن مالك - رحمه الله تعالى - أنه قال: عققت عن ولدي، فذبحت بالليل ما أريد أن أدعو إليه إخواني وغيرهم، ثم ذبحت له ضحى شاة العقيقة فأهديت منها لجيراني، وأكل منها أهل البيت، وكسروا ما بقي من عظامها وطبخوه ودعونا إليه الجيران فأكلوا وأكلنا، فمن وجد سعة فليفعل مثل ذلك.

قوله: وتكسر عظامها إلخ، معناه أن كسر عظام العقيقة جائز، مخالفة لأهل الجاهلية في تحرجهم من ذلك، وقيل إنه مستحب.

ص: 464

وسيأتي الكلام على اختيار الأسماء في آخر الكتاب إن شاء الله سبحانه وتعالى.

947 -

وفي الذكور أمْرُ الاختتان

قد جاء بالوجوب الاستناني

948 -

أما الخفاض للنسا فمكرمه

ومن يعبه قل له: يا فدْمُ مَهْ

قوله: وفي الذكور أمر الاختتان البيت، معناه أن ختان الذكور سنة مؤكدة، ووقته المستحب عند أهل المذهب من سبع سنين إلى عشر، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وروى اللخمي: يختن يوم يطيقه، الباجي: اختار مالك - رحمه الله تعالى - وقت الإثغار، وقيل عنه من سبع إلى عشر، وكل ما عجل بعد الإثغار أحب إلي.

قوله: أما الخفاض للنسا البيت، معناه أن خفاض البنات مكرمة أي: مستحب، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وروى الباجي وغيره: الخفاض كالختان، إلى أن قال: الباجي: قال مالك رحمهم الله سبحانه وتعالى: النساء يخفضن الجواري، قال غيره: لا ينبغي أن يبالغ في قطع المرأة، قال صلى الله تعالى عليه وسلم لأم عطية ـ وكانت تخفض ـ:" أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج "

(1)

الشيخ: أي: أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعه.

قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: والخفاض: إزالة ما بفرج المرأة من الزيادة، وهو في نساء المشرق، لا في نساء المغرب.

(1)

أخرجه أبو داود والحاكم والطبراني في الكبير، وحسنه الهيثمي، وصححه الألباني بمجموع طرقه.

ص: 465