الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جامع في الصلاة
309 -
وستر الانف في الصلا يُقلى
…
والوجه أيضا مثله بالاولى
310 -
وضمَّك الثيابَ في الصلاة ذر
…
فهو مكروه، كذا كفت الشعر
311 -
واسجد لسهو سجدتين بعدا
…
سلام، إن سهوك كان زيدا
312 -
ولتتشهدنَّ من بعدهما
…
تشهدا مقصرا، وسلما
313 -
وإن يكن نقصا فهكذا اسجدا
…
قبل السلام بعد أن تَشَهَّدا
314 -
ولتتشهدنَّ أيضا فيهما
…
على الذي من الخلاف يعتمى
315 -
وإن ترادف لك الأمران
…
فاكتفينْ بموجَب النقصان
قوله: وستر الانف البيت، يعني به أن ستر الأنف في الصلاة مكروه، ومثله ستر الوجه بالأولى، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفيها: وبلغني عن مالك - رحمه الله تعالى - إن صلت متنقبة لم تعد، ابن القاسم: وكذا المتلثمة، اللخمي: يكرهان، وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل، وشدد مالك - رحمه الله تعالى - كراهية تغطية اللحية في الصلاة، وقول ابن شعبان: لا يغطي لحيته، ولا بأس بتغطية ذقنه، مشكل، ابن رشد: قول ابن الجهم: إنما كره تغطية الأنف، ليباشر به الأرض في سجوده منقوض بالنهي عن تغطية الفم، الطراز: في كراهية تغطية لحيته روايتان، واستحب ابن رشد تلثم المرابطين لأنه زيهم به عرفوا وهم حماة الدين، ويستحب تركه في الصلاة، ومن صلى به منهم فلا حرج.
وأشار بقوله: وضمك الثياب البيت، إلى أنه يكره كذلك في الصلاة ضم الثياب وكفت الشعر، لحديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوبا ولا شعرا،
(1)
قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: يعني في الصلاة، وقيل مطلقا، يريد لأن ذلك من أفعال المتكبرين، وهو مناف لمقصود الصلاة الذي هو الخضوع والذلة فهو مكروه، وقد ينتهي إلى التحريم، إذا قصد لكبر ونحوه، قاله ابن بشير، وفي الإكمال كراهيته مطلقا كظاهر ما هنا، وعزاه لجمهور المحققين، قائلا: وقال الداودي: إنما يكره إذا كان لأجل الصلاة، وفي المدونة ما يوافقه، وهو قولها: ومن صلى محتزما أو جمع شعره بوقاية أو شعر كميه فإن كان ذلك لباسه، أو كان في عمل، حتى حضرت الصلاة فلا بأس به، وإن تعمد إكفات ثوبه أو شعره فلا خير فيه، قال أبو محمد: ولا يعيد، وفي الطراز: كل موضع في المدونة فلا خير فيه على المنع إلا هذا.
(1)
متفق عليه.
وأشار بقوله: واسجد لسهو البيتين، إلى أن من سها في الصلاة بزيادة يؤمر أن يسجد سجدتين بعد سلامه لحديث ذي اليدين -رضي الله تعالى عنه
(1)
-ويتشهد بعدهما ويسلم منهما، قال ابن ناجي: وظاهر كلام الشيخ أنه لا يحرم للسجود البعدي، وهو نقل الأكثر، وقيل إنه يحرم له، وقيل إن سهى وطال أحرم وإلا فلا، قال: واختلف قول مالك -رحمه الله تعالى -هل يجهر بالسلام البعدي أو يسر على قولين.
ومحلهما غير الإمام كما في المواهب، ثم محل ما ذكر من الأمر بالسجود، ما لم تكثر الزيادة جدا، أو تكون مما يباح في الصلاة كإنصات قل لمخبر، وإدارة مؤتم ومشي صفين لحاجة، لصلاته صلى الله تعالى عليه وسلم على المنبر ونزوله عند السجود،
(2)
فالأولى مبطلة، والثانية لا تقتضي سجودا، واختلف هل يراعى في ذلك مجموع الصلاة، أو ينظر إلى كل ركعة على حدتها، ووجهه حديث حمل أمامة - رضي الله تعالى عنها -
(3)
ومنهم من حمله على الخصوصية، وفي معنى الفعل الجائز الفعل الخارج عن الاختيار كسقوطه، وأما القول فيسجد لسهوه يسيرا كان أو كثيرا ولو حرفا، ما لم يكن من جنس الأقوال المشروعة في الصلاة، كالتكبير وقراءة غير الفاتحة، فلا يسجد لسهوه، وله التسبيح عمدا للإفهام لحديث " من نابه شيء في صلاته فليسبح "
(4)
وإن أفهم بما سوى ذلك بطلت صلاته على المشهور، لأن ذلك في معنى الكلام، إلا أن يكون ذلك من غير انتقال إليه بأن كان في محله، ولكنه رفع به صوته للإفهام فلا تبطل صلاته، والمشهور أن سجود البعدي سنة، وحكي فيه الوجوب.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله: وإن يكن نقصا البيتين، يعني به أن من نقص في صلاته سنة من السنن المؤكدة كالسورة، والتشهدين، والجلوس، والجهر بالقراءة، يجبر ذلك بسجدتين يسجدهما قبل سلامه بعد تشهده، لحديث ابن بُحينة في القيام من اثنتين،
(1)
ويتشهد بعدهما على المشهور، وقيل لا يتشهد بعدهما، وهو لمالك أيضا، وما ذكر من السجود قبل السلام خاصة هو المشهور، وفي المجموعة أنه بالخيار إن شاء سجد قبل السلام، وإن شاء سجد بعده، وعبارته على ما في التبصرة: ما كان الناس يحتاطون في سجود السهو، لا قبل ولا بعد، كان ذلك كله عندهم سهلا.
وقيل لمالك -رحمه الله تعالى -: يؤمنا قوم يرون خلاف ما ترى فيجعل سجود النقص بعد السلام؟ فقال: اتبعوه، فإن الخلاف شر.
واختلف على المشهور في سجود القبلي، فقيل سنة، وهو المشهور، وقيل واجب، وقيل إن كان عن ثلاث سنن فهو واجب، وإلا فسنة.
وأما نقص السنة على وجه العمد، فالمشهور فيه يستغفر الله تعالى، ولا شيء عليه، وقاله ابن القاسم، وقال عيسى تبطل صلاته، لأن المتهاون بالسنن كالمتهاون بالفرائض، وثالثها يجبر بالسجود، ورابعها يعيد في الوقت، وأما الجهل فالمشهور إلحاقه بالعمد.
قوله: وإن ترادف البيت، يعني به أن من اجتمع له في سهوه نقص السنة المؤكدة مع الزيادة يسجد قبل السلام، وذلك هو نقل الأكثر كما قال ابن ناجي، قال: وقيل إنه يسجد بعد، قاله في العتبية وأخذه ابن لبابة من قول ابن القاسم: يسجد مصلي النافلة خمسا سهوا بعد السلام لنقص السلام، وزيادة الركعة، وروي عن مالك أنه مخير، وقال عبد العزيز بن الماجشون: يسجد قبل وبعد.
(1)
متفق عليه.
ووجه الفرق بين النقص والزيادة، أن السجود للنقص إصلاح، وللزيادة ترغيم للشيطان، والمناسب للإصلاح أن يكون قبل الإكمال، والمناسب للترغيم أن يكون بعد الفراغ، وقد روى الطبراني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - حديثا بما سبق من الفرق بينهما في السجود القبلي والبعدي، إلا أن فيه عيسى بن ميمون المدني المعروف بالواسطي، وقد اختلف الأئمة فيه، وممن قبله يحيى بن معين، ووجه تغليب النقصان على الزيادة أن السجود لها إصلاح، وهو مقدم، والقاعدة الاكتفاء بمسبب واحد عند تعدد السبب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
316 -
وغافل عن بعدي متى ذكر
…
يسجده، لو من زمان قد غبر
317 -
كذاك قبلي دنا، وفاته
…
بالطول، وابتدا إذا صلاته
318 -
ما لم يكن عن نقص ما خف، فلا
…
شيء، إذا عنه طويلا غفلا
319 -
وذاك كالسورة أو تشهدينْ
…
معَ أدا الجلوس أو تكبيرتينْ
أشار بالبيت الأول إلى أن من نسي أن يسجد البعدي إثر صلاته التي ترتب منها، سجده متى تذكره، ظاهره ولو تذكره في وقت نهي، ونقل عبد الحق عن بعض شيوخه اختصاص ذلك بالمترتب من فريضة، وقال صاحب الطراز: وظاهر الكتاب التسوية، لأنه جائز مفارق للنوافل، نقله في المواهب.
وإن ذكره في صلاة أتمها وسجده، ولا يقطعها نافلة كانت أو فريضة، وظاهر الشيخ أنه يسجده في كل مكان ولو ترتب من جمعة، والمذهب أنه لا يسجد بعدي الجمعة إلا بالجامع الذي تصلى فيه الجمعة، ولو كان غير الجامع الذي صلى فيه، كما نقله في المواهب عن غير واحد.
قوله: كذاك قبلي الأبيات أشار به إلى أن من نسي أن يأتي بالقبلي قبل سلامه يسجده إذا تذكره بالقرب، وإن لم يتذكره حتى حصل طول فات، وأعاد صلاته إن تأكد ما نسيه كجلوس الوسط، لا إن لم يتأكد كتكبيرتين وتسميعتين والسورة، فلا تبطل صلاته على المشهور ولا يسجد، وفي الجلاب أنه يسجد، وفي التاج عن المازري أنه ظاهر المذهب.
وما ذكره الشيخ من أن قبلي السورة لا يبطل قيده بعض شروح الرسالة بما إذا قام لها، قال الحطاب في حاشيته على الرسالة: قال الجزولي: قال في كتاب ابن سحنون: وهذا إذا وقف لها مقدار ما يقرؤها فيه، وأما إذا لم يقف لها فتبطل به الصلاة، لأنه ترك ثلاث سنن السورة وصفة القراءة والقيام، وقيل لا تبطل وإن لم يقف لها، وما قاله ابن سحنون به فسر الشيوخ الرسالة.
قال ابن ناجي: والأقرب عندي أن الشيخ أراد أن السورة بجملتها لا تبطل لأن الجهر والإسرار صفة للقراءة، فهي سنة تابعة، وهذا هو الفارق بينها وبين الجلوس الوسط، ولهذا قال في المدونة: ومن ترك السورة عمدا فلا شيء عليه.
وظاهر الشيخ أن قبلي ثلاث تكبيرات مبطل، وقد اختلف في ذلك، قال في التاج: ابن يونس: اختلف قول ابن القاسم في إيجاب إعادة من ترك ثلاث تكبيرات، أو ثلاث تسميعات، وتذكر ذلك بعد أن تباعد ولم ير أصبغ الإعادة، وبه أقول، بخلاف من نقص الجلسة الأولى فلم يختلف أنه يعيد الصلاة إذا تباعد، أبو عمر: جمهور الفقهاء من ترك غير تكبيرة الإحرام لا شيء عليه، وعن عكرمة: صليت خلف شيخ كبر اثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس - رضي الله تعالى عنهم جميعا - إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك سنة أبي القاسم - صلى الله تعالى عليه وسلم ـ
(1)
.
(1)
رواه البخاري والإمام أحمد.
وكان عمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم وابن جبير لا يتمون التكبير، قيل لعمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه -لم لا تتم التكبير وعاملك يتمه؟ فقال: تلك الصلاة الأولى، وذكر ابن أبي شيبة أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان لا يتم التكبير،
(1)
وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما -لا يكبر إذا صلى وحده، أبو عمر: حجة من لا يرى شيئا على من ترك غير تكبيرة الإحرام هذه الآثار عن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -وعن جماعة من الصحابة في تركهم التكبير، فما عاب بعضهم على بعض.
وما ذكره من الإعادة في نقص الجلسة الأولى، محله الجلوس الأصلي، وأما الجلوس في القضاء فقال في المواهب: قال الهواري في فصل المسبوق: لو سهى مدرك ركعة من الرباعية أو من المغرب عن الجلوس الأول من قضائه لكان كمن نسي الجلوس من اثنتين، إلا أنه إن نسي سجود السهو حتى طال لم يكن عليه إعادة الصلاة في ما يقع بقلبي لدخول الخلاف فيه من كل وجه، وكذا لو تعمد تركه على مراعات الخلاف، ولم أر فيه نصا، قال الحطاب: وهو الظاهر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
320 -
والجبر بالسجود ليس ياتي
…
لترك ما يجب في الصلاة
321 -
مثل ركوع، وسجود، قصد
…
والام من إمام أو من فرد
322 -
إن تك من صبح، كذا سواها
…
إن يتعدد تركه إياها
323 -
إلا ففيه الاختلاف قد جرى
…
فبالسجود بعضهم قد جبرا
324 -
وبعضهم رآه كالنقصان
…
لغيرها من سائر الأركان
325 -
وبعضهم يعيدها بالكل
…
من بعد أن يجبرها بالقبلي
326 -
وثالث الأقوال هو الأحسن
…
للاحتياط فهْو الامر الايقن
(1)
رواه أبو داود والإمام أحمد، وهو حديث ضعيف.
القصد: النية، والأم: أم القرآن، وهي الفاتحة، أشار بهذه الأبيات إلى أن أركان الصلاة إذا نسي المصلي منها شيئا، فتركه له لا ينجبر بالسجود، وقد ذكر ابن ناجي الإجماع في ما كالركوع والسجود مما اتفق على ركنيته، فيعود لذلك الركن إن كان غير النية والإحرام، ويلغي ما فعل سهوا مما هو بعده في الأصل، للإجماع على وجوب ترتيب الأداء، ومحل رجوعه للركن إذا لم يركع بعده، أو يسلم إن كان من الركعة الأخيرة، فإن لم يتذكر حتى ركع بعده أو سلم ألغى ركعة النقص، وأتى بركعة مكانها إن ذكر بالقرب، وإلا بطلت صلاته، كما تبطل مطلقا في السهو عن النية أو تكبيرة الإحرام لعدم الانعقاد أصلا، واختلف في السهو عن قراءة الفاتحة إذا وقع في ركعة واحدة من غير الثنائية، فقيل يجزئ فيه سجود السهو قبل السلام، وقيل يلغي تلك الركعة ويأتي بركعة، وهو في المدونة، واختاره القاضي عبد الوهاب، وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة، ويعيد الصلاة احتياطا، قال الشيخ: وهذا أحسن ذلك إن شاء الله سبحانه وتعالى انتهى وهو قول ابن القاسم وجعله اللخمي المشهور، قاله سيدي زروق - رحمهم الله تعالى جميعا ـ.
وأما إذا وقع ذلك في ركعة من الصبح، أو ركعتين من غيرها فالصلاة باطلة، وهذا كله على قولي مالك -رحمه الله تعالى -المشهورين من أن الفاتحة واجبة في كل ركعة، أو في جل الركعات، وفي المسألة أقوال أخرى، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -ولابن الماجشون يسجد لتركها في ركعة مطلقا وفي أكثر، ويعيد، وروى ابن حبيب يسجد لتركها من ركعة من غير الثنائية، ومنها، أو من ركعتين من غيرها ويعيد.
واختلف في ترك آية منها، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: وفي ترك آية منها ثلاثة، المازري عن بعضهم كتركها، إسماعيل عن المذهب يسجد بعد، وقيل لا سجود عليه.
327 -
لا تسجدنْ للسهو عن تكبيرة
…
فقط، أو القنوت، أو تسميعة
يعني أن من ترك سنة خفيفة، كتكبيرة واحدة، أو تسميعة واحدة فلا سجود عليه على المشهور، ووقع لابن القاسم -رحمه الله تعالى -أنه يسجد، ولا سجود على من ترك فضيلة، كالقنوت على المشهور فيه، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه.
وذكر ابن ناجي -رحمه الله تعالى -أن الأحوط أن يسجد له بعد السلام، وهو نحو قول أشهب في مدونته في التكبير: وأحب إلي أن يسجد بعد السلام لأني لا أراه لازما، وقد جعله بمثابة السهو عن التسبيح في الركوع والسجود، كما في التبصرة.
328 -
ومَن مِن الصلاة ساهيا يذر
…
بعضا فإن بالقرب ذلك ادكر
329 -
رجع محرما وصلى الباقيا
…
وهكذا من السلامَ نسيا
330 -
وائتنف الذاكر عن تباعد
…
كذاكر بعد خروج المسجد
331 -
ومن يكن لم يدر كم صلى أتم
…
على الذي بفعله له جزم
332 -
وليسجدنْ من بعد أن يسلما
…
وهكذا من ساهيا تكلما
333 -
ومن يشُك في السلام يؤمر
…
بأن يسلم وليس يجبر
أشار بالبيت الأول وشطر الثاني إلى أن من انصرف من الصلاة ثم تذكر أنه قد بقي عليه شيء منها، سواء تيقن ذلك، أو ظنه، أو شك فيه، فإن كان ذلك بالقرب، ولم يخرج من المسجد، أحرم وأتى بما بقي من صلاته، وسجد بعد السلام، كما هو حديث ذي اليدين - رضي الله تعالى عنه - وقيل لا يحرم إن رجع بالقرب جدا، وحكى ابن بشير الاتفاق على ذلك، قال في التاج: ابن يونس: ذهب غير واحد من علمائنا أن ليس عليه أن يحرم إذا رجع بالقرب لأنه في الصلاة بعد، ابن يونس: والقياس أن ليس عليه إحرام في الوجهين، لأنه في الصلاة بعد، الباجي: السلام من الصلاة على ضربين، أن لا يقصد التحلل، فهذا بمنزلة الكلام سهوا، لا يحتاج إلى تجديد إحرام للصلاة، لأنه لم يتحلل منها، الثاني أن يقصد بسلامه التحلل يظن أنه قد كملت صلاته، فهذا يحتاج إلى تحريم يعود به إلى صلاته، وإلا كان بناؤه عاريا من الإحرام.
وإذا تذكر ذلك وهو قائم، فهل يطلب بالجلوس، لأنه الحالة التي فارق الصلاة عليها، وهو قول ابن شبلون، وصوبه ابن رشد، أو يجوز له أن يحرم وهو قائم، ليكون إحرامه بالفور، وهو قول قدماء أصحاب مالك - رحمهم الله تعالى جميعا - وعليه فهل يرجع للجلوس قولان، وأما إن تذكر وهو جالس فلا يؤمر بالقيام، وإذا لم يتذكر حتى حصل طول، أو خرج من المسجد بطلت صلاته، على المشهور، خلافا لأشهب، حيث قال يبني في البعد كالقرب، وهو رواية في المبسوط، وإلى هذا الإشارة بقوله: وائتنف الذاكر عن تباعد البيت، والطول هنا بالعرف.
قوله: وهكذا من السلام نسيا، معناه أن من نسي السلام ولم يتذكر فورا، وإنما تذكر بعد الطول الذي لا يمنع البناء، يحرم ويتشهد ويسلم ويسجد بعديا، وكذا إذا تذكر بالفور وقد انحرف عن القبلة، وأما إذا تذكر بالفور ولم ينحرف عن القبلة، فإنه يسلم ولا شيء عليه، كمسألة الشك في السلام المشار إليها بقوله: ومن يشك في السلام البيت، ومسألة السهو عن السلام داخلة في المسألة التي قبلها، ونص عليها لما جاء من الاختلاف في الاكتفاء عن السلام بالمنافي.
قوله: ومن يكن لم يدر كم صلى البيت، يعني به أن من شك في شيء من صلاته ركنا أو ركعة لم يعتد به، إذا لم يكن موسوسا، وأتم صلاته على ما تحقق أنه فعله، وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه -الصحيح " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانت ترغيما للشيطان "
(1)
واختلف في الظن والمشهور أنه كالشك، لقوله " على ما استيقن "
(1)
رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي من غير تصريح بكون السجود قبل السلام.
قوله: وليسجدن من بعد أن يسلما، يعني به أنه يسجد لذلك بعد السلام، لاحتمال الزيادة، وهذا هو المشهور، وقال ابن لبابة -رحمه الله تعالى -يسجد قبل السلام، قال ابن ناجي: وبه أقول لنص النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -بذلك حسب ما هو في مسلم، يعني حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه -السابق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: وهكذا من ساهيا تكلما، يعني به أن من تكلم أثناء صلاته ساهيا، يجبر ذلك بالسجود بعد السلام، إذا لم يكثر فإن كثر بطلت صلاته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
334 -
ومن يك الشك له قد لازما
…
فترْكه ما شك فيه حتما
335 -
وليسجدنْ بعدُ نعم إن جزما
…
بأنه نسي بعضا تمما
336 -
وسجد البعدي وبالإتمام
…
يؤمر من يسهو على الدوام
337 -
وليس يسجد ومن سهوا يدع
…
ألجلسة الوسطى لفعلها رجع
338 -
إن يك من قبل الفراق باليدين
…
للارض قد ذكرها والركبتين
339 -
وليتماد إن يك التذكر
…
من بعد ذا وبالسجود يجبر
قوله: ومن يك الشك، إلى قوله: وسجد البعدي، يعني به أن من استنكحه الشك هل سهى عن شيء من صلاته أو لا، بأن كان يقع له ذلك كل يوم، فلا إصلاح عليه للمشقة والحرج، ويجب عليه أن يعرض عنه، ويؤمر أن يسجد كلما عرض له ذلك استحبابا بعد السلام على المشهور، وروى أبو مصعب أنه يسجد قبل السلام، وقال ابن نافع لا سجود عليه، وإن خالف وفعل ما شك فيه أثم ولم تبطل صلاته بذلك، وذكر ابن بشير أنه يبني على أول خاطريه، قال: وهذا لأنه في الخاطر الأول مساو للعقلاء، وفي ما بعد ذلك مخالف لهم، نقله في التاج.
وإذا تيقن في بعض الأوقات أنه سهى، فكغيره يصلح ويجبر، كنحو ما تقدم في صاحب السلس يبول بولا معتادا.
قوله: وبالإتمام إلى قوله: يسجد، أشار به إلى أن من استنكحه السهو بأن كان يسهو في صلاته كل يوم، لكنه لا يتردد في ما وقع، بل يعلم أنه فعل كذا وكذا، فهذا يصلح ولا سجود عليه على المشهور، وقال فضل: يسجد كغير المستنكح.
قوله: ومن سهوا يدع إلخ، يعني به أن من نسي فقام عن الجلسة الوسطى، فإن تذكر قبل أن يفارق مكانه بيديه وركبتيه جميعا، رجع جالسا، لأنه لم يجاوز محلها، ولا سجود عليه في تزحزحه على المشهور، وإن لم يتذكر حتى فارق الأرض ولو لم يستقل قائما، فلا يرجع ويسجد قبل السلام، ولمالك - رحمه الله تعالى - في الواضحة أنه يرجع ما لم يستقل قائما، واختاره اللخمي - رحمه الله تعالى - وقال القاضيان ابن القصار وعبد الوهاب إن كان إلى القيام أقرب تمادى، وإلا رجع، فإن استقل قائما لم يرجع اتفاقا، لما في خبر الترمذي من أنهم سبحوا به صلى الله تعالى عليه وسلم بعد القيام فلم يعد، واختلف هل تبطل إن رجع عامدا.
340 -
ومن تذكر صلاة قد غبر
…
زمانها فعلها متى ذكر
341 -
كنحو ما فاتت ولو بساعة
…
منعٍ، كوقت خطبة الجمعة
342 -
وليُعدنْ ما كان صلاه ورا
…
ءها إذا ما وقته قد حضرا
343 -
وإن يك الفائت من خمس اَقل
…
فقبل حاضرة الصلاة ذاك صل
344 -
وإن إلى خروج وقت الحاضره
…
أدى قضاء الصلوات الغابره
345 -
وقدمنْ حاضرة على الكثير
…
إن يضق الوقت وإلا فالاخير
قوله: ومن تذكر صلاة البيتين، أشار به إلى أن من ذكر صلاة لم يصلها، يقينا، أو ظنا، أو شكا إذا لم يكن موسوسا، سواء تركها عمدا أو سهوا، أو لنوم، صلاها وجوبا فورا، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري)
(1)
وإنما خص النسيان والنوم بالذكر لأنهما مظنة السقوط، ولذلك قضى صلى الله تعالى عليه وسلم العصر حين شغل عنها بالأحزاب، قبل أن تشرع صلاة الخوف، ولم يكن تركها نسيانا ولا عن نوم، وتقضى الصلاة على نحو ما فاتت، لحديث الموطإ " فليصلها كما كان يصليها في وقتها " ولا تراعى القدرة على الأركان، أو الوضوء وقت الفوات، فإذا كان وقت التذكر مثلا عاجزا عن القيام والجلوس، أو عاجزا عن الوضوء، تيمم وصلى على ما يستطيع، ولا ينتظر القدرة على ذلك بعد، ومن كانت عليه صلوات كثيرة اجتهد في قضائها بقدر استطاعته وجوبا، قال ابن العربي - رحمه الله تعالى -: توبة من فرط في صلاته أن يقضيها، ولا يجعل مع كل صلاة صلاة، ولا يقطع النوافل لأجلها، وإنما يشتغل بها ليلا ونهارا، ويقدمها على فضول معاشه، وأخبار دنياه، ولا يقدم عليها شيئا إلا ضرورة المعاش، ولا يشتغل بأموره الزائدة على حاجته، حتى إذا جاء وقت الصلاة أقبل على القضاء للفوائت، وترك النوافل، فهذا مأثوم، نقله في التاج.
(1)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وقال أبو الحسن الصُّغيِّر: من عليه صلوات، أمر أن يصلي متى قدر، ووجد السبيل إلى ذلك من ليل أو نهار، دون أن يضيع ما لا بد له من حوائج دنياه، ولا يجوز له أن يشتغل في أوقات الفراغ بالنافلة، وإنما يجوز له أن يصلي قبل تمام ما عليه من المنسيات الصلوات المسنونة، وما خف من النوافل المرغب فيها، كركعتي الفجر، وركعتي الشفع المتصل بوتره، لخفة ذلك، ولما روي أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح يوم الوادي،
(1)
قال: وأما ما كثر من النوافل المرغب فيها كقيام رمضان فلا، نقله في المواهب.
وقضاء الفوائت يكون في سائر الأوقات، ولو كان الوقت وقتا يمتنع فيه التنفل، للحديث المتقدم " فليصلها إذا ذكرها " ولحديث " من أدرك ركعة من الصبح
(2)
" إلا أن يكون فواتها مشكوكا فيه، فيتقي بالقضاء أوقات النهي، ولا عبرة بشك لا علامة عليه، فالاشتغال به عن النوافل كما دأب عليه بعض العوام مخالف للسنة، والنفل جابر كما في الحديث لما يتوقع من ذلك.
قوله: وليعدن ما كان البيت، يعني به أنه يستحب له أن يعيد ما صلاه بعد الفائتة، أو الفوائت اليسيرة، مما حضر وقته، فإذا ذكر بعد صلاة الظهر أنه لم يصل الظهر من اليوم الذي قبل ذلك اليوم، صلاه وأعاد ظهر اليوم ندبا، ولا يعيد ما بينهما من الصلوات.
قوله: وإن يك الفائت البيتين، يعني به أن الفوائت إذا كانت يسيرة يؤمر بتقديمها على الحاضرة، وإن أدى ذلك إلى خروج الحاضرة، وقال ابن وهب يقدم الحاضرة حينئذ، وقال أشهب هو بالخيار، ووجه المشهور صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم العصر يوم الأحزاب قبل المغرب، مع ضيق وقتها، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم " فليصلها إذا ذكرها "
(1)
رواه مسلم وأبو داود والإمام أحمد.
(2)
متفق عليه.
وقد خرج الكثير من عموم هذا الحديث بالإجماع كما ذكر ابن رشد -رحمه الله تعالى - في المقدمات، ويسير في ما ذكر الشيخ ما دون صلاة يوم وليلة، وهو نص المدونة، وذكر القاضي في التلقين أن الخمس من اليسير، ولا فرق بين أن يكون هذا اليسير جملة العدد الذي لم يكن عليه سواه، أو كان لبقية بقيت عليه من فوائت قضاها، وعزا هذا ابن عرفة لعبد الحق، قاله في التاج.
قوله: وقدمن حاضرة البيت، يعني به أن الحاضرة تقدم على الفوائت الكثيرة إذا ضاق وقتها على المشهور للمشقة في الترتيب بينهما، وقال ابن مسلمة تقدم الفوائت وإن خرج وقت الحاضرة إذا كان يستوفي ما عليه، ويتخرج منه قول في حد اليسير، وإذا اتسع الوقت قدم الفوائت، قال ابن ناجي: والوقت في ذلك المختار قاله ابن حبيب، وقيل الاصفرار، نقله يحيى بن عمر عن ابن القاسم - رحمهما الله تعالى - وقيل الغروب، نقله سحنون عن ابن القاسم أيضا، وما ذكرناه من العزو هو لابن رشد، وعن اللخمي الغروب لمالك مع ابن القاسم - رحمهما الله تعالى - وعزى القول بالاصفرار لمالك أيضا، وعزى قول ابن حبيب له ولأشهب - رحمهما الله تعالى ـ.
346 -
وبطلت صلاة من تذكرا
…
وهو في الصلاة فرضا آخرا
347 -
وضاحك أثنا صلاته يعيد
…
صلاتَه فقط على القول السديد
348 -
وليس من شيء عليك في ابتسام
…
والنفخ جار عندهم مجرى الكلام
349 -
ولْتُعِدنْ في الوقت إن أخطأتا
…
قبلة، أو بنجس صليتا
350 -
أو فوقه، كمن توضأ بما
…
نجسٍ على مقال بعض العلما
351 -
وأبدا يعيد من تطهرا
…
وضوءا اَو غسلا بما تغيرا
قوله: وبطلت صلاة من تذكرا البيت، يعني به أن من تذكر صلاة بقيت عليه وهو في صلاة واجبة، بطلت الصلاة التي هو فيها، وقيل لا تبطل، ويؤمر بقطعها استحبابا، إذا كان فذا أو إماما، ولا يستخلف عليهم بل يقطعون بقطعه، لعدم الاتفاق على القطع فأشبه المختار، وأما المأموم فيتمادى وإذا سلم صلى ما تذكر، وأعاد صلاته التي تذكر فيها ندبا، هذا والمشهور في الخروج من الصلاة التي تذكر فيها، أنه إن ذكر قبل ركعة يقطع، وبعدها يشفع، وإن ذكر بعد أكثر الصلاة، كركعتين من المغرب، أو ثلاث من غيرها أتم، وكان كمن ذكرها بعد سلامه، قاله مالك، وقال ابن القاسم: ويقطع بعد ثلاث أحب إلي، ثم يصلي التي ذكر، ثم يعيد ما كان فيه، انظر جامع ابن يونس.
قوله: وضاحك أثنا صلاته يعيد البيت، يعني به أن من ضحك قهقة في صلاته، بطلت صلاته إجماعا إن تعمد، وكذا إن نسي على المشهور، خلافا لأشهب وسحنون وأصبغ، ولا يعيد وضوءه خلافا لأبي حنيفة.
قوله: وليس من شيء عليك في ابتسام، يعني به أنه لا سجود في التبسم سهوا، ولا يبطل عمده ولكن يكره، وقد جاء في الحديث عن جابر - رضي الله تعالى عنه -" لا يقطع الصلاة الكشر ولكن يقطعها القهقهة
(1)
" وروى أشهب أنه يسجد له قبل السلام لما فيه من نقص الخشوع، وقال ابن عبد الحكم يسجد بعده لما فيه من الزيادة، وقال في المواهب: قال في النوادر: قال أصبغ: لا شيء عليه في التبسم، إلا الفاحش منه شبيه بالضحك فأحب إلي أن يعيد في عمده، ويسجد في سهوه، وقال في الطراز: فإن أشكل عليه تبسمه قال أصبغ وذكر كلام النوادر هذا عنه، ثم قال: وهذا مذهب أصبغ في الضحك، وعلى مذهب الكتاب يعمل بالأحوط متى أشكل.
(1)
رواه الطبراني في الصغير مرفوعا وموقوفا، ورجاله موثقون، قاله في مجمع الزوائد.
قوله: والنفخ جار عندهم مجرى الكلام، يعني به أن النفخ في معنى الكلام، فيبطل تعمده، ويسجد لسهوه، وروى علي أنه ليس كالكلام، ووفق بينهما بحمل الأول على ما يظهر منه حرف.
قوله: ولتعدن في الوقت إن أخطأتا قبلة، يريد به أن من كانت قبلته اجتهادية واجتهد، ثم ظهر بعد سلامه أنه صلى لغير جهة القبلة، فإنه يعيد في الوقت على المشهور الذي هو مذهب المدونة، وقال ابن سحنون - رحمهما الله تعالى - يعيد أبدا، وقال ابن مسلمة - رحمه الله تعالى - يعيد في الوقت إلا أن يستدبر فيعيد أبدا، وأما إذا كانت قبلته قبلة عيان، فإنه يعيد أبدا، وكذلك الذي لم يجتهد، والذي اجتهد وخالف اجتهاده، وإن صادف كل منهما، وأما من ظهر له خطؤه في القبلة الاجتهادية أثناء صلاته، فإما أن يكون بصيرا أو أعمى، فإن كان أعمى دار إليها وأتم صلاته، وإن كان بصيرا فإن كان انحرافه يسيرا فكذلك، وإن كان كثيرا، بأن خرج عن الجهة جملة، قطع، وقال أشهب يدور إليها أيضا، وأما إذا ظهر ذلك أثناء الصلاة في قبلة العيان، فإنه يقطع مطلقا، واختلف في الناسي، فقيل يعيد أبدا، وقيل في الوقت، وجعله ابن رشد المشهور، وجعله المشهور في الجاهل أيضا، والمراد الجاهل بأدلة القبلة، وأما الجاهل بحكم الاستقبال فيعيد أبدا اتفاقا.
قوله: أو بنجس صليتا أو فوقه، يعني به أن من صلى بالنجاسة في بدنه، أو ثيابه، أو مكانه، غير عالم بها، ثم علم ذلك بعد سلامه، وكذلك من صلى بثوب نجس - مثلا - لا يجد غيره، ثم وجد ثوبا طاهرا بعد سلامه، أو ما يطهر به النجاسة، يعيد في الوقت، وهو في الظهرين إلى الاصفرار، وفي العشاءين إلى طلوع الفجر، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: الإعادة في الوقت استحباب، فأشبهت التنفل، فكما لا يتنفل إذا اصفرت الشمس، فكذلك لا يعيد فيه ما طلبت إعادته في الوقت، وكما جاز التنفل اليل كله، جازت الإعادة فيه، نقله في التاج.
وأما إن ظهر على نجاسة ثيابه -مثلا -في الصلاة ولم يكن متلبسا بها حينئذ -على ظاهر المدونة عند ابن عرفة وأفتى بعض الشيوخ بخلافه -فإنه يقطع إن اتسع الوقت، بحيث إذا قطع أدرك بعد تحصيل الطهارة ركعة من الوقت الذي هو فيه، إن علم أنه إذا قطع وجد ثوبا طاهرا، أو ماء يطهر به النجاسة.
ووجه ما ذكر في القبلة ما في الحديث من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة،
(1)
وما جاء من استدارة الصحابة إلى الكعبة حين أخبرهم المخبر بتحويل القبلة، والآثار عن السلف في عدم الإعادة إذا لم يظهر على الاستدبار إلا بعد الوقت، ووجه الفرق بين الأعمى وغيره، بين، فالعمى مانع من الاطلاع على الأدلة، فكان صاحبه أعذر من المجتهد، مع ملازمة ذلك المعنى له، فعذر به للمشقة، ووجه ما ذكر في النجاسة ما سبق من الخلاف في حكمها.
قوله: كمن توضأ بما البيت، يعني به أن من توضأ بماء مختلف في طهارته ونجاسته، كالماء اليسير الذي وقعت فيه نجاسة لم تغيره، أو ولغ فيه كلب، ونحو ذلك، يعيد في الوقت، سواء فعل ذلك سهوا أو عمدا أو جهلا، وأما الماء المتغير فصلاة المتطهر به باطلة، فيعيد أبدا، سواء كان التغير في لونه أو طعمه أو رائحته، كان التغير شديدا أو لا، كان مغيره طاهرا أو لا، وإلى ذلك أشار بالبيت الأخير من الأبيات، وذلك لما تقدم من أنه غير طهور.
352 -
ورخصة جمع العشاءين معا
…
لمطر واقع، أو تُوُقِّعا
353 -
وهكذا للطين والظلام
…
لا الطين وحده على المعتام
354 -
فأذِّنَنْ خارج مسجد لدى
…
أول وقت المغرب الذْ عُهِدا
355 -
وأقِمَنْ داخلَه، لكن ورا
…
تريثٍ عند الامام نزرا
356 -
وصل مغربا، وأذنْ داخلا
…
وأقِمَنَّ للعشا على الولا
قوله: ورخصة جمع العشاءين البيتين، يعني به أن جمع العشاءين للمطر رخصة، قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: وشرط المطر أن يكون وابلا، لا خفيفا جدا، وسواء كان واقعا أو متوقعا.
(1)
رواه الترمذي وابن ماجة، وهو حديث صحيح.
ويرخص في جمعهما أيضا إذا كان طين وظلمة، وإن لم يكن مطر كما في المدونة، قال في التوضيح: واعلم أنه إذا اجتمع المطر والطين والظلمة، اواثنان منها جاز الجمع اتفاقا، وإن انفرد واحد منها، فإن كان الظلمة لم يجز الجمع اتفاقا، وإلا أدى إلى الجمع في أكثر اليالي، فإن انفرد الطين والمطر فقال صاحب العمدة: المشهور جواز الجمع لوجود المشقة، وقال في الذخيرة: المشهور في الطين عدمه، وهو الأظهر لأن المازري وسندا وابن عطاء الله تعالى وغيرهم قالوا ظاهر المذهب عدم الجواز، في انفراد الطين لقوله في المدونة: ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر، وفي الطين والظلمة، فاشترط الظلمة مع الطين.
وقال في التاج: الجزولي: لا يجمع للريح وحده ولا للظلمة وحدها من غير خلاف، واختلف إذا كان شدة الريح مع الظلمة، فقال عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه -: يجوز الجمع، وقال مالك -رحمه الله تعالى -: لا يجوز، قال: والمراد بالظلمة ظلمة اليل، لا ظلمة السحاب يبقى النظر في الجمع للثلج للشافعية فيه قولان.
واختلف في الجمع للمطر هل هو راجح، وعليه الأكثر، أو مرجوح، وهو خاص بالمساجد.
قوله: فأذن خارج المسجد الأبيات، أشار به إلى صفة الجمع، فذكر أنه يؤذن للمغرب على المنار بالصفة المعهودة في أذانها لدخول وقتها في حق كل أحد، وتؤخر يسيرا، كما لمالك في المدونة، ثم يقام للمغرب، فتصلى، ثم يؤذن للعشاء داخل المسجد، وقيل في صحنه بصوت منخفض، لعدم دخول وقتها في حق غير أهل الرخصة الذين بالمسجد، ثم ينصرفون إلى منازلهم قبل أن يغيب الشفق، قال في التاج: وقد روي عن مالك - رحمه الله تعالى - أنه يجمع بينهما عند الغروب، ابن العربي: وهذه الرواية أصح، ابن يونس: وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو العباس، وهو مذهب ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم، ابن بشير: قال المتأخرون وهو الصواب، ولا معنى لتأخير المغرب قليلا إذ في ذلك خروج الصلاتين معا عن وقتيهما.
فإن لم ينصرفوا حتى غاب الشفق، أعادوا العشاء، وقيل لا يعيدونها، وقيل إن قعد الجل أعادوا وإلا فلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
357 -
والجمع للظهرين يوم عرفه
…
له الوجوب الاستناني صفه
358 -
عند الزوال بأذانين على
…
ما من خلافهم بذاك عُوِّلا
359 -
وهكذا جمع العشاءين لدى
…
جَمْعٍ، فهو ذو استنان أُكِّدا
جمع: اسم للمزدلفة، ومعنى الأبيات أن الجمع بين الظهرين يوم عرفة عند الزوال، وبين العشاءين ليلة النحر بعد الشفق بالمزدلفة مسنون، ويؤذنون لكل صلاة ويقيمون لها، وقيل يكتفون بالأذان للأولى، واختلف في الفذ هل يرخص له في ذلك.
وسيأتي الكلام على هذه المسألة -إن شاء الله سبحانه وتعالى -في الحج.
360 -
والجمع للظهرين جاز عندا
…
سفرٍ، إن كان به قد جدَّا
361 -
وذاك في آخر وقت الظهر
…
ومبتدا دخول وقت العصر
362 -
وفي العشاءين كذاك ذاك حل
…
وإن يكن قبل زوال ارتحل
363 -
فليجمعنْ حينئذ عند الزوال
…
ومثل ذاك في العشاءين يقال
364 -
وليجمعنَّ هكذا إن يخف
…
الاغماءَ عن ثانية ذو دنف
365 -
وليجمعنْ وسَط وقت الظهر
…
من كان بطنه لداء يجري
366 -
وفي العشاءين لدى غيب الشفق
…
أولِ مختار العشا كما سبق
أشار بالبيت الأول إلى أن الجمع بين الظهرين يجوز للمسافر إذا جد به السير، ظاهره وإن لم يكن ليدرك أمرا، وهو خلاف ظاهر المدونة، واشترط أشهب في ما يخاف فواته أن يكون أمرا مهما، قال في التاج: وفي الموطإ في غزوة تبوك، كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، الحديث،
(1)
قال أبو عمر: فيه جواز الجمع في السفر وإن لم يجد به السير، وهو قول ابن حبيب، إذ جمع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - الصلاة وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه وفسطاطه، يخرج فيقيم الصلاة، ثم ينصرف إلى خبائه، ففيه أقوى حجة في الرد على من شرط جد السير.
وتختص الرخصة في هذا بمسافر البر خاصة، ولا فرق فيها بين الراكب والماشي، على المعول عند الحطاب.
وظاهر الشيخ أنه لا يشترط في السفر المذكور أن يكون سفر قصر، وهو كذلك كما نص عليه القاضي عبد الوهاب -رحمه الله تعالى ـ.
والمعول في الجمع المذكور أنه جائز بلا كراهة، للرجال والنساء، خلافا لمن قال بكراهته مطلقا، ولمن كرهه للرجال دون النساء.
وانظر هل هذا جار حتى في الجمع الصوري؟
وأشار بالبيت الثاني إلى صفة الجمع، فذكر أنه يؤخر الظهر إلى آخر مختارها، ويتبعها بالعصر في أول مختارها، وهذا في حق من كان على ظهر سفر، وأما النازل الذي يريد الارتحال فسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى، وما قيل في الظهرين جار في العشاءين أيضا كما أشار إليه بقوله: وفي العشاءين كذاك ذاك حل.
(1)
ورواه مسلم أيضا والإمام أحمد.
وأشار بقوله: وإن يكن وقت زوال ارتحل فليجمعن حينئذ عند الزوال، إلى أنه إذا ارتحل عند الزوال ونوى أن لا ينزل حتى تغرب الشمس، صلى العصر مع الظهر وقت ارتحاله، قال في التاج: أبو عمر: ذكر أبو الفرج عن مالك يجمع متى أحب، إما في وقت الأولى، أو في وقت الآخرة، أو في وسط الوقت، ثم رشح هذا إلى أن قال: وقد روى مالك عن سالم بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهم أجمعين -أنه قيل له: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، لا بأس به، ألا ترى الناس بعرفة؟ فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا، وهذا أصل صحيح، لمن ألهمه الله سبحانه وتعالى رشده، ولم تمل به العصبية إلى المعاندة، ومعلوم أن الجمع للمسافر رخصة وتوسعة، فلو كان الجمع على ما قاله ابن القاسم من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، لكان ذلك أشد ضيقا، وأكثر حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، ولو كان الجمع على ما ذكره ابن القاسم أيضا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، وبين العشاء والصبح.
ولا يخفى عليك أن قوله: لكان ذلك أشد ضيقا، وأكثر حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، غير بين، وكذلك قوله: لجاز الجمع بين العصر والمغرب إلخ لما في ذلك من إخراج العصر عن مختارها، وكذلك العشاء، والأبين أن ما ذكره أكثر ورودا على مذهبه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإذا كان ينوي النزول قبل الاصفرار أخرها حتى ينزل، وإذا كان ينوي النزول بعد الاصفرار وقبل الغروب، فقال ابن بشير -رحمه الله تعالى -المشهور الجمع، وقيل يؤخر الثانية حتى ينزل، وظاهر الشيخ استواء الظهرين والعشاءين في ذلك، وفي المدونة لم يذكر المغرب والعشاء في الجمع عند الرحيل، كالظهر والعصر، وقال سحنون: الحكم في ذلك سواء، الباجي: وجه رواية ابن القاسم أن ذلك الوقت ليس بوقت معتاد للرحيل.
قوله: وليجمعن هكذا إن يخف البيت، يعني به أن الجمع عند الزوال في الظهرين، وعند الغروب في العشاءين، جائز أيضا للمريض الذي يخاف إن أخر الثانية إلى وقتها أن يغلب على عقله، خلافا لابن نافع -رحمه الله تعالى ـ.
قوله: وليجمعن وسط وقت الظهر البيتين، يعني به أن المريض الذي لا يخاف أن يغلب على عقله إلا أن الجمع أرفق به، لشدة المرض أو بطن به، يجمع بين الظهرين في وسط الظهر، وبين العشاءين عند مغيب الشفق، وروى علي: لمريد طلوع البحر بعد الزوال ويخاف عجزه عن القيام في العصر لعلمه ميده، جمعه بينهما بالبر قائما.
367 -
وما على المغمى عليه مِن قضا
…
إن يكن الوقت في الاغماء انقضى
368 -
وإن يُفِقْ مُدرِكَ ركعة فما
…
فوقُ، قضى مُدرَكَه تحتما
369 -
ومثل ذا الحائض عند الطهر
…
قرب غروب، أو بقرب الفجر
370 -
فلتقض ما قدَ اَدرك الطهر ورا
…
تطهر بلا توان قُدِّرا
371 -
فحيث خمس ركَعات قبلا
…
ألليل تدرك، تصلي الكلا
372 -
كأربع ليلا، ودون ذا العدد
…
فبالاخيرة التحتم استبد
373 -
وإن تحض قبل الأدا كذلكا
…
سقط ما العذر له قدَ اَدركا
374 -
وإن تحض لأربع ليلا، فهل
…
تلزمها المغرب أو يسقط كل
375 -
مبناه الاختلاف في التقدير
…
هل هو بالأول أو الاخير
أشار بالبيت الأول إلى أن المغمى عليه إذا لم يفق حتى خرج الوقت جملة، أو بقي منه يسير لا يظرف ركعة، فالصلاة ساقطة، ومثله الحائض والنفساء والمجنون، سواء استغرق الإغماء وما معه من الأعذار الوقت، بأن أغمي عليه مثلا أول الوقت ولم يفق حتى خرج الوقت، أو لم يستغرقه بأن أغمي عليه في آخر الوقت قبل الصلاة، إذا كان حين الإغماء مدركا لركعة، كما أشار إليه في الحائض بقوله: وإن تحض قبل الأدا كذلك البيت، فإذا حصل العذر قبل غروب الشمس بمقدار خمس ركعات في الحضر، أو ثلاث في السفر سقطتا، وإن حصل قبل الغروب بمقدار ركعة، أو ركعتين في السفر سقطت العصر فقط، وكذلك إذا حصل بمقدار ثلاث أو أربع في الحضر، وهذا في الظهرين، وأما العشاءان فإن أدرك العذر خمس ركعات قبل الفجر سقطتا، وإن أدرك ثلاثا، أو اثنتين، أو واحدة، سقطت العشاء فقط، واختلف إذا أدرك أربعا فقيل تسقطان، وقيل تسقط العشاء فقط، ومبنى الاختلاف الاختلاف في التقدير، هل هو بالأولى، وهو قول ابن القاسم وأصبغ، وهو المشهور، أو بالثانية، وهو قول ابن عبد الحكم وعبد الملك وابن مسلمة وسحنون، وينبني عليه أيضا الخلاف إذا ارتفع العذر لثلاث قبل الفجر في السفر، فقال ابن القاسم ليس عليه إلا العشاء ركعتين، وإلى ذلك الإشارة بقوله: وإن تحض لأربع ليلا البيتين.
قال ابن ناجي: والركعة معتبرة بالنسبة إلى الأداء باتفاق، واختلف في السقوط على أربعة أقوال، فقيل كذلك، وهو المشهور، وقيل يعتبر أقل لحظة، قاله ابن الحاجب، ونصه: قلت واعتبار قدر الركعة للأداء، وأما السقوط فبأقل لحظة، وإن أثم المتعمد، وقيل لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر كل الصلاة، نقله اللخمي عن بعض المتأخرين، وألزمه عدم قصر المتعمد يسافر حينئذ، وقيل لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر ركعة إن كان متعمد التأخير متوضئا، حكاه المازري عن بعض شيوخه، قلت وقول ابن الحاجب ضعيف، ولو عكس لكان أولى من طريق الاحتياط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله في البيت الرابع: ورا تطهر بلا توان قدرا، يعني به أن ذوي الأعذار إنما يجب عليهم من الصلاة بقدر ما يدركون بعد تحصيل الطهارة من غير تراخ، فإن تراخوا كان عليهم ما يدركونه لو لم يقع تراخ، قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: بهرام: ويعتبر مقدار الطهر للصبي اتفاقا، وفي غيره أربعة، اعتباره للجميع، ونفيه، واعتباره لغير الكافر، وقيل والمغمى عليه، وجرد في النوادر الحائض عن الخلاف، كالصبي، وأجرى غيره الخلاف في الجميع حتى الصبي.
376 -
ومن تيقن الوضو وشك هل
…
أحدث بعده وضوءه بطل
377 -
ومَن مِن الوضوء فرضا ذكرا
…
بقربه، فعله وما ورا
378 -
وليقتصر عليه إن تطاولا
…
وعمد ذاك حيث طال أبطلا
379 -
وإن يكن بعد صلاة ادَّكر
…
فذي الصلاة والوضو قبلُ هدر
380 -
وذاكر الذي يسن يقتصر
…
عليه، لو مع دُنُوٍّ يدكر
381 -
ولا يعيد حيث كان قبلا
…
أن يذكر الذي نسي صلى
382 -
ويفعل المنسي لما سياتي
…
به بذا الوضو من الصلاة
أشار بالبيت الأول إلى أن من تيقن الوضوء وشك في الحدث بعده، يجب عليه الوضوء، كما هو ظاهر المدونة، وذلك لعمارة الذمة بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين، وقد تقدم الكلام على ذلك في الوضوء، وتأول بعض الشيوخ المدونة على الاستحباب، وقيل لا يطلب منه الوضوء جملة، لا وجوبا ولا استحبابا، وقيل إن شك وهو في غير صلاة، وجب عليه الوضوء، وإن شك وهو في صلاة، أتم صلاته ولا شيء عليه، وقيل إن كان شكه لنحو ريح خُيل له لم ينقض، وإلا نقض، والمشهور الوجوب مطلقا، وهذا بالنسبة لغير الموسوس، وأما هو فلا ينتقض وضوءه بالشك، ومحل هذا كله إذا تيقن الوضوء، وتيقن سبقيته، وإلا نقض مطلقا، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن محرز: صوره ست، إن تيقنهما وشك في الأحدث، وجب الوضوء، ولو شك معه في وجودهما فكذلك، ولو أيقن الحدث وشك في رفعه فواجب، ولو شك مع ذلك في تقدمه فأوجب، ولو تيقن الوضوء وشك في نقضه جاء الخلاف، فإن شك مع ذلك في تقدمه فالوضوء أضعف.
وأشار بقوله: ومَن من الوضوء البيتين إلى أن من نسي فرضا من فرائض وضوئه -ولو لمعة منه -فإن تذكر بالقرب فعله فورا، ويستحب أن يعيد ما بعده للترتيب، وإن أخر بعد أن ذكر حتى حصل طول بطل وضوءه، وإن لم يتذكره حتى حصل طول اقتصر عليه على المشهور، وقال ابن حبيب يفعل ما بعده أيضا كما إذا تذكر بالقرب.
قوله: وعمد ذاك حيث طال أبطلا، يعني به أنه إذا فرق بين أعضاء وضوئه عمدا حتى حصل طول بطل وضوءه، والمشهور في الطول أنه بما تجف فيه الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل، وقيل هو باجتهاد المتطهر، حكاه الباجي، كما نقله ابن عرفة - رحمهما الله تعالى ـ.
قوله: وإن يكن بعد صلاة البيت، يعني به أنه إذا صلى بوضوئه الناقص فرضا ساهيا فصلاته باطلة، لأنه محدث، وأما ما ذكره من إعادة الوضوء فهو خاص بما إذا كان ذلك عمدا، وهو ساقط في بعض النسخ، وهو أحسن.
قوله: وذاكر الذي يسن البيت، يعني به أن من ذكر سنة من سنن الوضوء، يؤمر بالإتيان بها استنانا، ولا يعيد ما بعدها، سواء تذكر بالقرب أو لا، لأن الترتيب بين المسنون وما بعده مستحب فقط، خلافا لابن حبيب - رحمه الله تعالى - وهذا خاص بالسنة التي لم يؤت في محلها بعوض، ولم يترتب على فعلها تكرار، قال ابن بشير - رحمه الله تعالى -: وحقيقة ما يعاد من السنن المتروكة في الوضوء وما لا يعاد، أن كل سنة إذا تركت ولم يؤت في محلها بعوض، فإنها تعاد، وهذا كالمضمضة، والاستنشاق، ومسح داخل الأذنين، والترتيب، وكل سنة عوضت في محلها كغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، ومسح الرأس عائدا من المقدم إلى المؤخر، فلا تعاد لأن محلها قد حصل فيه الغسل والمسح، نقله في المواهب.
قوله: ولا يعيد حيث كان قبلا البيتين، يعني به أن من لم يذكر أنه نسي سنة من وضوئه حتى صلى به فلا إعادة عليه على المشهور، وقيل يعيد في الوقت، ويسن له أن يفعل تلك السنة إذا كان باقيا على وضوئه، وكان يريد أن يصلي به، وإلا فلا
383 -
ومن يصلي بمكان قد طهر
…
من الفراش فسواه لا يضر
384 -
ومن يكن ذا مرض لا بأسا
…
حيث فراشه يكون نجْسا
385 -
إذا يصلي فوقه معْ سَتر
…
عليه ذي كثافة وطهر
قوله: ومن يصلي بمكان البيت، يعني به أن من صلى على طرف فراش طاهر، كحصير مثلا، صحت صلاته، وإن كان طرفه الآخر نجسا اتفاقا إن كان لا يتحرك بحركته، وعلى المشهور إن كان يتحرك بحركته، قال سند -رحمه الله تعالى -: كالمركب يكون في بعض خشبه نجاسة، وهو يتحرك بحركة المصلي، وكالسقف يضطرب بالمصلي، وفي بعض أرضه نجاسة، لا يلتفت إلى ذلك إجماعا، ومثله من صلى على حصير، وعلى الحصير ثوب نجس، نقله في المواهب.
قوله: ومن يكن ذا مرض البيت، يعني به أن للمريض إذا كان فراشه نجسا، أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه، كما في المدونة، قال في التاج: ابن يونس: قال بعض شيوخنا: إنما رخص في هذا للمريض خاصة، وقال بعضهم بل ذلك جائز للصحيح، لأن بينه وبين النجاسة حائلا طاهرا، كالحصير إذا كان بموضعه نجاسة، والسقف إذا صلى بموضع طاهر وتحرك منه موضع النجس، أن ذلك لا يضره، لأن ما صلى عليه طاهر، فكذلك هذا، ابن يونس: وهو الصواب.
386 -
وصل جالسا إذا لم تقدر
…
على القيام، والتربع حري
387 -
وحيث يعجز عن السجود
…
أوما له أيضا من القعود
388 -
وليجعل إيماء السجود أنزلا
…
هناك من إيما الركوع أولا
389 -
وإن عن القعود كلا انعذر
…
صلى لشق اَيمنٍ إذا قدر
390 -
وعاجز عن الصلاة إلا
…
لظهره، للظهر أيضا صلى
391 -
تأخيرها عن وقتها ما العقل
…
بقي بالإطلاق لا يحل
392 -
لكن يؤديها على المسطاع
…
والأمر في المعجوز ذو اتساع
قوله: وصل جالسا إذا لم تقدر البيت، معناه أن العاجز عن القيام في الصلاة ولو مستندا بأن كان لا يقدر عليه جملة، أو يلحقه بتكلفه ضرر مبيح للتيمم، يصلي جالسا، ولا تتعين عليه في جلوسه هيئة، والأولى أن يتربع على المشهور، وحكى ابن عبد الحكم أن الأولى أن يجلس في موضع القيام، كجلوسه في موضع الجلوس، واستحسنه المتأخرون لأنه أقرب للتواضع، وفي الموطإ أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنكر على الذي رآه تربع، فقال له: إنك تفعل ذلك، فقال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: إني أشتكي،
(1)
ابن بشير: فعول في المشهور على فعل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، وابن عمر إنما تربع من علة، الباجي: التربع ضربان: أحدهما أن يخالف بين رجليه، فيضع رجله اليمنى تحت ركبته اليسرى، ورجله اليسرى تحت ركبته اليمنى، قال الجزولي: كجلوس المرضع، الباجي: الضرب الثاني: أن يتربع ويثني رجله اليمنى عند أليته اليمنى، ويشبه أن تكون هذه التي عاب عليه ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - نقله في التاج.
قوله: وحيث يعجز البيتين، يعني به أن العاجز عن السجود يومئ له من القعود، وإذا كان يومئ للركوع والسجود معا من الجلوس، فليجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع كما في المدونة، ومقتضاه أن الإيماء لا يجب فيه الوسع، وهو المشهور، قوله: وإن عن القعود البيتين، معناه أن العاجز عن الصلاة جالسا مستندا، يصلي مضطجعا على أحد جنبيه، أو على ظهره، واختلف في الأولى من ذلك، والمشهور تقديم الجنب الأيمن، ثم الأيسر، ثم الظهر، قاله ابن المواز وغيره، وهو ظاهر الشيخ، وقيل يقدم الظهر على الجنب الأيسر، ونسب لابن القاسم - رحمه الله تعالى - وقيل لا مزية للأيسر على الظهر، ولا للظهر على الأيسر، وقيل يقدم الظهر على الجنبين معا، ونسب لابن القاسم وأشهب وابن مسلمة - رحمهم الله تعالى جميعا - كما في ابن ناجي.
(1)
ورواه البخاري.
والوجه في هذا وما بعده من مسألة العجز عن الأركان، ومسألة الخضخاض، حديث عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه -قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -فقال: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك "
(1)
قوله: تأخيرها عن وقتها البيتين، معناه أنه لا يجوز للعاجز عن الإتيان بالصلاة على الوجه المعهود، إخراجها عن وقتها، إذا كان في عقله، لكن يأتي بها على ما يطيق، ووجه هذا ما تقرر في صلاة المسايفة، وحديث " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
(2)
ومن هذا المعنى ما ذهب إليه اللخمي -رحمه الله تعالى - من أن الكلام الواجب كالكلام لإنقاذ أعمى، لا تبطل به الصلاة عند ضيق الوقت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
393 -
وحيث يَعدِم مُناولَ مَلا
…
فحائط الطين له قد حُللا
394 -
كحائط عليه طين، واحظلي
…
بما بجِصٍّ أو بجير قد طُلِي
معنى البيتين أن المريض الذي لا يقدر على الطهارة المائية، إذا لم يجد من يناوله صعيدا، فله أن يتيمم على الحائط بجنبه، إذا كان طوبا نِيئا، أو حجارة، وكذلك إذا كان من غير الصعيد وكان مطليا بالطين، ومثله في ذلك الصحيح، وقيل يختص ذلك بالمريض، وفي العتبية: وسئل ابن القاسم عن تفسير: يتيمم بجدار، فقال: تفسيره من ضرورة، بمنزلة المريض لا يكون عنده أحد يوضئه ولا ييممه، فيمد يده إلى الجدار بجنبه، إذا كان جدارا أسود، يريد أن يكون الجدار من طوب نيء.
(1)
رواه البخاري. وأبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.
(2)
متفق عليه.
قال محمد بن رشد: وجه هذا السؤال أنه سأله عن تفسير ما روي أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سلم عليه رجل في سكة من السكك، وقد خرج من بول أو غائط، فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار وتيمم،
(1)
فقال: تفسيره من ضرورة، أي أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ لم يفعل ذلك إلا من ضرورة، إذ لم يصل إلى الصعيد الطيب لكونه في السكك والطرق التي لا تنفك عن النجاسات، وخشي أن يفوته الرد الذي قد أوجبه الله سبحانه وتعالى بقوله:(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) إن أخره إلى أن يجد الماء فيتوضأ، إذ لا يكون ردا إلا بالقرب، وذلك أن ذكر الله سبحانه وتعالى على غير طهارة كان في أول الإسلام ممنوعا ثم نسخ، فأراد أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ تيمم الحائط من ضرورة.
وأما حائط الطين المطلي بالجص، أو الجبس، أو المشوي طينه، فلا يتيمم عليه.
395 -
وحيث في الخضخاض من قد سافرا
…
كان ولم يجد مكانا آخرا
396 -
فلينزلنَّ وليصل ماثلا
…
وليجعل اِيماءَ السجود أنزلا
397 -
وراكبا صلى تِجاه القبلهْ
…
إن يك ذا النزول لم يمكن لهْ
398 -
والنفل فوق الظهر للمسافر
…
سفرَ قصر لاتجاه السفر
399 -
مجَوَّزٌ، لو كان نفلَ الوتر
…
والفرض لا يجوز فوق الظهر
400 -
إلا لذي الداء الذي إذا نزل
…
يفعل مثل ما على الظهر فعل
401 -
فليس يؤمر إذا اَن ينزلا
…
بل يوقَف الظهر له مقَبَّلا
(1)
تقدم في التيمم.
أشار بالبيتين الأولين إلى أن من أدركه الوقت في خضخاض، وضاق الوقت، نزل عن دابته، وصلى قائما، يومئ للركوع والسجود، وإن لم يخف إلا على ثيابه على المشهور، وقال ابن عبد الحكم وابن نافع وأشهب - رحمهم الله تعالى جميعا - إذا لم يخف إلا على ثيابه صلى بالركوع والسجود، وقيل إن كانت ثيابه رفيعة، وكانت تفسد بذلك أومأ، وإلا ركع وسجد، ولا مفهوم للمسافر، وإذا لم يمكنه النزول بأن خاف به ضررا بينا، صلى على دابته بعد أن يوجهها إلى القبلة، إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه صلى على ما يمكنه، وإلى هذا أشار بالبيت الثالث.
قوله: والنفل فوق الظهر، إلى قوله: نفل الوتر، معناه أن المسافر إذا كان راكبا على دابة، وكان سفره سفر قصر، جاز له أن يصلي النافلة على دابته، متوجها حيث ما توجهت به، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: والتوجه شرط، فلا يصلي محولا رأسه لدبر البعير، ابن رشد: ولو كان تحوله تلقاء القبلة، ولا يشترط ابتداؤه إلى القبلة، ولا تلحق السفينة بالدابة خلافا لابن حبيب فيهما، ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وروى اللخمي: ويرفع عمامته عن جبهته، إذا أومأ، ويقصد الأرض، ابن حبيب: لا يسجد على قربوسه، ويضرب دابته لركوبه وغيره، ولا يتكلم، وسمع ابن القاسم - رحمه الله تعالى - للمصلي في محمله يعيا فيمد رجله، أرجو خفته، وسمع القرينان: لا بأس بتنحية وجهه من الشمس، وكون ذلك في سفر القصر شرط، ككون الصلاة نفلا، وقد نبه على ذلك بقوله: ويوتر على دابته إن شاء، لأن وتره من نافلته، لعدم وجوبه، وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم يوتر على دابته،
(1)
ولا يصلي الفريضة - وإن كان مريضا - إلا بالأرض.
قوله: والفرض لا يجوز فوق الظهر إلخ، معناه أن صلاة الفريضة لا تجوز على الدابة، ولو كان مريضا، إلا أن يكون إذا نزل لا يقدر أن يصلي إلا كما يصلي على الدابة، فتوقف الدابة له موجهة، ويصلي عليها إيماء.
(1)
متفق عليه.
402 -
وإن رعفتَ في صلاة معْ إمام
…
فاخرج لغسل الدم، واحذر الكلام
403 -
ولا تطأ نجْسا، وعد إليه ما
…
لم تقطعنَّ أنه قد سلما
404 -
ما لم تكن جمعة، فالجامع
…
بغيره الجمْعة ليست توقع
405 -
وألغ ركعة الرعاف حيث لم
…
يكن سجودها قبيله استتم
أشار بهذا إلى رخصة البناء بالرعاف التي روى مالك -رحمه الله تعالى -في الموطإ من عمل ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما ـ.
ومعنى قوله: وإن رعفت البيتين، يعني به أن المؤتم إذا رعف أثناء صلاته، رعافا غير خفيف، بأن كان سائلا أو قاطرا، ولم يظن دوامه، خرج وغسل عنه الدم في أقرب مكان إليه، يمكن غسل الدم فيه، ولا بد أن يكون قريبا في نفسه، ولا يضر كونه لغير القبلة إذا تعين، ويتحرز في خروجه من الكلام، ووطء العذرة ونحوها، وأما ما لا تنفك عنه الطريق من أرواث الدواب وأبوالها، فلا يضر للضرورة، وإذا غسل عاد لإمامه، إذا لم يجزم بأنه فرغ من صلاته، وإلا أتم مكانه، أو بأقرب مكان إليه، إن لم يكن مكان الغسل ممكنا، وهذا ما لم تكن الصلاة جمعة، وأما الجمعة فإنه يعود فيها إلى الجامع مطلقا، إذ لا تصح إلا في الجوامع، ولا يعتد بعد غسله بالركعة التي رعف أثناءها، وإنما يعتد بركعة كملت بسجدتيها، وقد اختلف في البناء والقطع أيهما أولى، فقال مالك - رحمه الله تعالى -: البناء أولى، اتباعا للعمل، وهو المشهور، وقال ابن القاسم - رحمه الله تعالى - القطع أولى، وقيل هما سواء، وقيل بتعين البناء، وقيل بتعين القطع، وظاهر الشيخ اختصاص رخصة البناء بالمؤتم، وأن الفذ والإمام يتعين في حقهما القطع، وقد حكى ابن رشد في المقدمات، وسند في الطراز، الاتفاق على بناء الإمام، ففيه طريقتان، وأما الفذ ففي جواز بنائه وعدمه قولان مشهوران.
406 -
ومن ورا سلام من أم رعف
…
سلم هو عند ذاك وانصرف
407 -
وإن يك الإمام لم يسلم
…
فليخرجن لغسل ذلك الدم
408 -
وبعد ذا جلس ثم سلما
…
كمثل ما بمن سواه قُدِّما
409 -
وإن يك الدم خفيفا فافتل
…
فقط، إذا لم يقطرنْ أو يسل
410 -
ولا بناء في سواه من خبث
…
كقيئه، ولا بناء في حدث
قوله: ومن ورا سلام الأبيات الثلاثة، أشار به إلى أن المؤتم إذا رعف بعد سلام الإمام، وقبل أن يسلم هو، فليسلم ولينصرف، كما في المدونة، خلافا لسحنون، وكذلك إذا رعف قبل أن يسلم الإمام، وسلم قبل أن ينصرف فليسلم أيضا ولينصرف، وإذا رعف قبل سلام الإمام فلينصرف، وليغسل عنه الدم، ثم يتشهد، ولو تشهد قبل رعافه على المشهور، ويسلم.
قوله: وإن يك الدم خفيفا البيت، يعني به أن الدم إذا كان خفيفا، بأن كان راشحا، وظن انقطاعه بالفتل، فتله بالأنامل العليا من يده اليسرى، فإن زاد عليها بدرهم في الوسطى قطع، والوجه في هذا ما رواه مالك -رحمه الله تعالى -في الموطإ عن سعيد بن المسيب وسالم ابن عبد الله -رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ.
قوله: ولا بناء في سواه البيت، يعني به أنه لا يجوز البناء في ما سوى الرعاف من النجاسات، كالقيء، ولا في حدث، لأنها مبطلة، فبقيت على الأصل، وخرج الرعاف بما سبق بيانه، وروي عن أشهب أنه يبني في الحدث، كمذهب أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى ـ.
411 -
ولتغسلنْ عن ثوبك الدم اليسير
…
ولا تعد إلا من الدم الكثير
412 -
وما سوى الدم من الأنجاس
…
قليله وجمه سواسي
413 -
وغسل ثوب من دم البرغوث لا
…
يطلب ما لم يتفاحش مسجلا
قوله: ولتغسلنْ عن ثوبك البيت، معناه أن الدم يطلب غسله مطلقا استحبابا إذا قل، وذلك للملازمة والمشقة، ووجوبا إذا كثر، وتعاد الصلاة منه، إذا لم يظهر عليه إلا بعد السلام، وإذا ظهر عليه فيها قطع على نحو ما تقدم في إزالة النجاسة، واختلف في حد اليسير قال في التوضيح: ما دون الدرهم يسير، وما فوقه كثير، وفي الدرهم روايتان، روى ابن زياد في المجموعة أنه يسير، وقاله ابن عبد الحكم، وروى ابن حبيب في الواضحة أنه كثير، هكذا نقل في النوادر، وكذلك نقل الباجي وغيره، إلى أن قال: ومنهم من رأى أن اليسارة والكثرة إنما يرجع فيها إلى العرف، وهو ظاهر العتبية، لأنه قال فيها: وسئل عن وقت الدم، فقال: ليس له عندنا وقت، فقيل له: أفقليله وكثيره سواء؟ فقال: لا ولكن لا أجيبكم إلى هذا الضلال إذا كان مثل الدرهم، ثم قال الدراهم تختلف.
واختلف في القيح والصديد، والمشهور أنهما كالدم، وهو مذهب المدونة، وعن مالك -رحمه الله تعالى -في المبسوط أنهما ليسا كالدم، فلا عفو فيهما.
قوله: وما سوى الدم من الأنجاس البيت، معناه أن ما سوى الدم من النجاسات قليله وكثيره مبطل، قال في التوضيح: وحكى عياض في الإكمال عن مالك -رحمه الله تعالى -اغتفار ما تطاير من البول كرؤوس الإبر، ثم اغتفاره يحتمل أن يكون عاما في كل يسير من البول، ويحتمل أن يكون عند بوله فقط، لأنه محل الضرورة لتكراره.
قوله: وغسل ثوب من دم البرغوث البيت، معناه أن دم البراغيث لا يؤمر بغسله، ما لم يتفاحش منظره، وتتغير رائحته، فيؤمر بغسله وجوبا على ظاهر الشيخ، وحمله بعضهم على الاستحباب، والوجوب هو ظاهر المدونة، كما قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -قال في التوضيح: قال المتيوي: بعد قول ابن أبي زيد -رحمهم الله تعالى -: ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش، يريد فيستحب له غسله، وذكر مصنف الإرشاد في العمدة قولين إذا تفاحش بالوجوب والاستحباب، وكذا نقل اللخمي -رحمه الله تعالى ـ.