المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في العدة والنفقة والاستبراء - عون المتين على نظم رسالة القرويين

[محمد بن محمد بن المصطفى اليعقوبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌مقدمة النظم

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌فصل في الحيض والنفاس

- ‌باب طهارة الماء والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌أماكن تمنع الصلاة فيها

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الكسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

1225 -

ومِن طلاقٍ بثلاثة قُرو

تعتد لو من عبد الحرائر

1226 -

والقرء طهر بين حيضتين

واكتفت الأمة بالقرأين

1227 -

وهِي في غير القُروء والتوى

في الاعتداد كالحرائر سوا

1228 -

من لم تحض عدتها بأشهر

ثلاثة، عن يأس أو عن صغر

1229 -

والمستحاضة هنا تحل

إذا مضى على الطلاق حول

1230 -

أما الحوامل فوضْع الحمل

عدتها، لو بوفات البعل

قوله: ومن طلاق بثلاثة البيتين، معناه أن عدة المطلقة ثلاثة قروء، إذا كانت مدخولا بها، وكانت ممن تحيض، ولم تكن حاملا، ولا مستحاضة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وهذا إذا كانت حرة، فإن كانت أمة فعدتها قرآن كما تقدم قريبا، والقرء في اللغة مشترك بين الحيض والطهر، والمراد به هنا عند مالك وأهل الحجاز الطهر، لأنه مذكر، والعدد في مثل هذا إنما يؤنث للمذكر، ولقوله سبحانه وتعالى:(فطلقوهن لعدتهن) وقد روى مالك في الموطإ ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ومعاوية ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ ورواه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمان وسليمان بن يسار وابن شهاب ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ وروي عن ابن شهاب أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا، يريد قول عائشة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - قال مالك - رحمه الله تعالى -: وهو الأمر عندنا، فتحل المطلقة بأول الحيضة الثالثة، ولو طلقها قبل الحيضة بيسير، وأما المطلقة التي ليست مدخولا بها فلا عدة عليها كما تقدم في قوله:

كذا إذا كان الطلاق قبلا

دخوله، إذ لا اعتداد أصلا

ص: 585

وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (إذا نكحتم المومنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها)

وأما المطلقة التي لا تحيض لصغر أو يأس فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر، سواء كانت حرة أو أمة، لقوله سبحانه وتعالى:(والئ يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والئ لم يحضن) وقيل إذا كانت أمة فعدتها شهران، وقيل شهر ونصف، والمشهور أنها كالحرة، لأن الثلاثة أشهر هي المدة التي يظهر فيها الحمل، وهذا معنى تستوي فيه الحرة والأمة، وإلى هذا أشار بقوله: من لم تحض عدتها بأشهر البيت.

وأما المستحاضة التي لا تميز فتمكث سنة، سواء كانت حرة أو أمة، وقد روى ذلك في الموطإ عن سعيد بن المسيب ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ واختلف هل السنة عدة كلها، أو العدة منها ثلاثة أشهر، والتسعة قبلها للاستبراء، إذ هي معتاد أمد الحمل، وهو صريح ما في الموطإ عن عمر - رضي الله تعالى عنه - في التي ترتفع حيضتها، وإلى هذا أشار بقوله: والمستحاضة البيت، ومثلها في الاعتداد بسنة من ارتفعت حيضتها لمرض، وأما من تأخرت حيضتها لرضاع فتنتظر الأقراء بعد الرضاع، فإن لم تحض حلت بسنة بعد الفطام، وأما المستحاضة التي تميز فالمشهور أنها تعتد بالأقراء.

وأما الحامل فعدتها وضع حملها كله، حرة أو أمة، مطلقة أو متوفى عنها، لقوله سبحانه وتعالى:(وأولت الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقيل تعتد في الوفاة بأقصى الأجلين الوضع وأربعة أشهر وعشر، والمشهور الأول لحديث سُبَيعة الأسلمية " قد حللت فانكحي "

(1)

وإلى عدة الحامل أشار بقوله: أما الحوامل البيت.

(1)

حديث سبيعة الأسلمية متفق عليه، وهذا اللفظ للنسائي والإمام مالك والإمام أحمد.

ص: 586

قوله: وهي في غير القروء البيت، معناه أن عدة الأمة وعدة الحرة سواء، إلا في موضعين أحدهما عدة الأقراء كما سبق، والثاني عدة الوفاة كما سيأتي في الأبيات بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى، والتوى: الهلاك.

1231 -

وعدة الحرة غير الحامل

من موت بعلها وإن لم يدخل

1232 -

وإن تكن كافرة أو طفله

عَشْرٌ ورا أربعة الأهله

1233 -

وغير حرة مقام نصف

ذلك منها في الطلاق يكفي

1234 -

نعم إذا التي تحيض ارتابت

فلتمكثنْ إلى زوال الريبة

1235 -

ومن تكن ليست تحيض من إما

بمكث أشهر ثلاث أَلْزِما

1236 -

في الموت إن كان بها قد دخلا

وحيث لم يدخل كفى ما قد خلا

قوله: وعدة الحرة البيتين، معناه أن عدة المتوفى عنها التي ليست بحامل في نكاح صحيح أربعة أشهر وعشر ليال، صغيرة كانت أو كبيرة، مدخولا بها أو لا، مسلمة أو كتابية، فإن كانت غير مدخول بها حلت بذلك وإن لم تحض في تلك المدة، وإن كانت مدخولا بها فإن حاضت أثناء المدة المذكورة حلت اتفاقا، وإن لم تحض فإن كان ذلك لعدم مرور وقت حيضتها ولم تكن بها ريبة حلت أيضا، وكذا إن تأخر لرضاع أو مرض ولم تكن بها ريبة.

قوله: وغير حرة البيت، معناه أن عدة الأمة في الوفاة شهران وخمس ليال، فتحل بها إذا حاضت فيها اتفاقا، وإذا لم تحض فيها فإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو يأس فلا تحل إلا بثلاثة أشهر إن كان قد دخل بها، وكذا المرضع كما صرح به في التبصرة، وقال إنه الصحيح من المذهب، وإن لم يدخل بها حلت بالخمس والشهرين، وإلى هذا أشار بقوله: ومن تكن ليست تحيض من إما البيتين، وقد روى ذلك في الموطإ عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ.

ص: 587

قوله: نعم إذا التي تحيض البيت، أشار به إلى أن من ارتابت بارتفاع حيضتها لا تحل حتى تزول الريبة، وذلك بمضي تسعة أشهر أمد الحمل غالبا، أو مجيء حيض، ولا فرق في هذا بين الحرة والأمة، لأن المعنى المبني عليه سواء في الحرة والأمة، وقيل تحل الحرة في ذلك وفي الاستحاضة بأربعة أشهر وعشر، واستحسنه اللخمي لوجهين أحدهما عموم الآية

الكريمة في قوله سبحانه وتعالى: (والذين يتوفون منكم) والثاني أنها إنما ألزمت التربص إلى أمد حركة الولد، فلا يلزمها أن تنتظر أمد الوضع.

وعلى هذا القول تكتفي الأمة في ذلك بثلاثة أشهر، وهو الذي لمالك في كتاب محمد، ولابن القاسم في العتبية أنها تعتد بشهرين وخمس كغيرها، نقل ذلك في التبصرة.

وأما المرتابة بحس بطن فلا تحل حتى تزول الريبة بوضع أو مضي أقصى أمد الحمل، والمشهور أنه خمسة أعوام، وقيل لا حد له، فلا تحل إلا بالوضع.

1237 -

ثمت الاحداد اجتناب كل

تزيُّنٍ، كحِلْيةٍ، وكحل

1238 -

وغير ذا، ولتتركنْ ما صُبغا

فليس لبسه لها مسوَّغا

1239 -

ولا تَخَضَّبُ بحناء، ولا

تمس دهنا فيه طيب جُعلا

1240 -

كذا للامتشاط أيضا تذرُ

بكل ما برأسها يختمر

1241 -

وهُو واجب بحق المسلمه

ولو صغيرة تكون أو أمه

1242 -

وفي الكتابية خلف نقلا

هل واجب، وهْو الذي قد عُوِّلا

1243 -

وليس يطلب من المطلقات

وإنما هو بعدة الوفات

ص: 588

قوله: ثمة الإحداد الأبيات الأربعة، معناه أن الإحداد الواجب على المتوفى عنها طول عدتها هو اجتناب كل زينة، من اللباس، والطيب، وكل ما تتزين به المرأة لزوجها، ويدعو الزوج إلى نكاحها، ويهيج الشهوة، كما قال القاضي عبد الوهاب، وذلك كالكحل والحلي، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفيها لا تلبس حليا، ولا قرطا، ولا خاتم حديد، ولا خلخالا، ولا سوارا، ولا تمس طيبا، ولا تدهن بزنبق، أو بنفسج خيري، ولا تمتشط بدهن مربب، ولا حناء، ولا كتم، وتدهن بالشبرق، والزيت، وتمتشط بالسدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها.

وتمنع من حضور عمل الطيب والتجر فيه، وتمنع من الخضاب ودخول الحمام وطلي جسدها بنورة، وتمنع من مصبوغ الثياب، وقال القاضي في المعونة: كل لون يتزين به النساء تمنعه الحاد، وقال اللخمي: أرى أن تمنع من الثياب الحسنة، وإن كانت بيضا، لأنها تزيد في الوضاءة، إلى أن قال: وكذلك الرفيع من السواد، وعلى هذا يدل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب "

(1)

أنه راعى الجيد من الدنيء، ولا أرى أن يمنع الأخضر والأزرق الرديء، ويباح النفيس من الحرير، وإذا لم تجد إلا ثوبا مصبوغا فقدرت على بيعه، أو تغيير صبغه بسواد فعلت، وإن لم تجد لبست، وقد يستخف بقاؤه على حاله إذا كان في تغييره فساد.

قال: والأصل فيه قول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر أن تُحِد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار، أخرجه البخاري ومسلم.

(1)

متفق عليه.

ص: 589

وقيل في قول الله عز وجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) أي عن الزينة والتزويج (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) التزويج وأن تتزين وتتشوف وتلتمس الأزواج، وحمل الآية الكريمة على العموم في كل ما هي ممنوعة منه في العدة من نكاح وغيره.

قوله: وهو واجب البيتين، معناه أن الإحداد يجب على المسلمة الكبيرة اتفاقا، حرة كانت أو أمة، ويجب على الصغيرة والكتابية على المشهور لاستواء الجميع في العلة.

قوله: وليس يطلب من المطلقات البيت، معناه أن الإحداد إنما يطلب من المتوفى عنها خاصة، وليس يطلب من المطلقة، سواء كانت بائنا أو رجعية، لاقتضاء النصوص فيه الاختصاص بالمتوفى عنها، وروي عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وجوبه في المطلقة ثلاثا.

1244 -

واجبر كتابية اَن تعتدا

من مسلم مات، كذا إن ردَّا

1245 -

ومن وفاة سيد أم الولد

والعتقِ تعتد بحيضةٍ فقد

1246 -

وبثلاثة من الشهور إن

من المحيض فيهما تيأس لسن

1247 -

وبانتقال الملك أيضا في الاما

كالبيع، الاستبراء قد تحتما

1248 -

بحيضة فقط، وفي صغيره

توطأ، واليائسة الكبيره

1249 -

بأشهر ثلاثة تستبرأ

وليس مطلوبا بمن لا توطأ

ص: 590

قوله: واجبر كتابية أن تعتدا البيت، معناه أن الكتابية تجبر على العدة في الطلاق والموت إذا كان زوجها مسلما، وتعتد في الطلاق بثلاثة قروء، واختلف هل تعتد في الوفات بأربعة أشهر وعشر وهو المشهور، أو لا تطلب بما زاد على الاستبراء، قال في الإشراف: إذا مات المسلم عن الكتابية ففي عدتها روايتان، إحداهما الشهور كعدة المسلمة، والأخرى استبراء رحمها، فوجه الأولى عموم الظاهر، ولأنه نوع من البينونة كالطلاق، ولأنها زوجة للمسلم مات عنها كالمسلمة، ولأن كل عدة لزمت المسلمة لزمت الكتابية كوضع الحمل، ووجه الثانية أن تربصها يتعلق به حقان، حق النسب، وهو العلم ببراءة الرحم، وحق الله سبحانه وتعالى وهو ما زاد على ذلك إلى آخر الشهور، والكفار لا يؤاخذون بحقوق الله سبحانه وتعالى المتجردة عن حقوق الآدميين.

واختلف إذا لم يدخل بها في الموت هل تجب عليها عدة كالمسلمة، أو لا يجب عليها شيء، وهو راجع في مبناه إلى ما قبله، وقوله في البيت: رد معناه طلق.

قوله: ومن وفات سيد أم الولد البيتين، معناه أن عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة، قال في التبصرة: قال ابن القاسم: وإن مات عنها أو أعتقها وهي في أول دمها لم يجزها واستأنفت حيضة، وذلك لاختلاف أهل العلم فيها، فقال بعضهم عليها أربعة أشهر وعشر، وقال بعضهم ثلاث حيض، فأما الأشهر فلأنها حرة تعتد من وطء ميت فقاسها على الزوجة، وأما الثلاثة الأقراء فلأنها حرة تعتد من وطء ميت بغير زوجية، وقول مالك - رحمه الله تعالى - أصوب، لأن المراعى أصل الوطء، ليس ما آل إليه، فإذا كان بملك يمين كان استبراء.

ص: 591

وقد روى في الموطإ عن ابن عمر والقاسم بن محمد - رضي الله تعالى عنهم - ما ذكر من أن عدتها حيضة، قال مالك - رحمه الله تعالى -: وهو الأمر عندنا، قال: وإن لم تكن ممن تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، قال في التبصرة: وإذا كانت عادة أم الولد تأخر الحيض لبعد الثلاثة الأشهر انتظرت الحيضة، والقياس إذا مرت الثلاثة الأشهر أن تحل.

وقد روى في الموطإ عن القاسم بن محمد أنه أنكر إيجاب يزيد بن عبد الملك على أمهات الأولاد الاعتداد بأربعة أشهر وعشر في موت سادتهن، وقال: سبحان الله تعالى يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) ما هن من الأزواج.

ومثل موت السيد في ما تقدم إعتاقه إياها أعني أم الولد.

قوله: وبانتقال الملك أيضا في الاما البيت، معناه أنه يجب استبراء الأمة على من انتقل إليه ملكها بشراء، أو إرث، أو هبة، أو صدقة، أو وصية، أو من مغنم، أو بغير ذلك، واستبراؤها حيضة، فإن كانت صغيرة لا تحيض ومثلها يوطأ أو يائسة فثلاثة أشهر، وأما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا استبراء فيها أصلا، لتيقن البراءة، وشرط وجوب الاستبراء عدم تيقن البراءة، ويشترط فيه كذلك جواز التسري، بخلاف ما إذا اشترى متزوجة، ويشترط فيه أيضا عدم جواز الوطء قبل الملك، بخلاف ما إذا اشترى زوجته، فلا يجب عليه فيها استبراء، والأصل في وجوب الاستبراء قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في سبي أوطاس:" لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة "

(1)

وحديث أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: أتى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم

(1)

رواه أبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ص: 592

- على امرأة مُجِحٍّ على باب فسطاط، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" لعل صاحبها يلم بها " قالوا: نعم، قال:" لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ "

(1)

وحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره "

(2)

1250 -

ومن تحض بحوزه قبل الشرا

ثم اشترى، كفاه ما قد غبرا

1251 -

إن تك لا تغيب غيبا يمكن

فيه تعاطيها لما يستهجن

1252 -

وإن ملكت حاملا من غير

بكاشترا فوطؤها ذو حظر

1253 -

كذا التمتع إلى أن تضعا

جنينها، بكل وجه منعا

قوله: ومن تحض البيتين، معناه أن من حاضت الأمة في حوزه قبل أن يشتريها كفاه ذلك، فلا يجب عليه فيها استبراء، إذا كانت لا تغيب غيبا يمكن فيه حصول فجور، قال في الجواهر: ولا يجزئ الاستبراء قبل البيع إلا في حالات، منها أن تكون تحت يده للاستبراء، أو بالوديعة فتحيض عنده ثم يشتريها حينئذ، أو بعد أيام، وهي لا تخرج ولا يدخل عليها سيدها، ومنها أن يشتريها ممن هو ساكن معه من زوجته أو ولد له صغير في عياله وقد حاضت، فابن القاسم يقول إن كانت لا تخرج أجزأه ذلك، وقال أشهب: إن كانت معه في دار وهو الذاب عنها والناظر في أمرها أجزأه كانت تخرج أو لا تخرج.

وقال في التاج: المازري: القول الجامع أن كل أمة أمن عليها فلا استبراء فيها، وكل من غلب على الظن حملها أو شك فالاستبراء لازم، وكل من جوز حصوله فالمذهب على قولين كالصغيرة المطيقة للوطء واليائسة، وكاستبراء الأمة خوف أن تكون زنت، وهو المعبر عنه بالاستبراء لسوء الظن، وكاستبراء الوخش، لأن الغالب عدم وطء السادات لهن، وكاستبراء من باعها مجبوب، أو امرأة، أو ذو محرم، والمشهور في هؤلاء الثلاثة الاستبراء.

(1)

رواه مسلم وأبو داود والدارمي والإمام أحمد.

(2)

رواه أبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد، واللفظ للترمذي، وهو حديث حسن.

ص: 593

قوله: وإن ملكت البيتين، معناه أن من ملك أمة حاملا من غيره لم يجز له أن يطأها، ولا أن يستمتع بها حتى تضع، لأنها إن كانت مطلقة فهي معتدة، ولا تنقضي عدتها إلا بالوضع، ولا يجوز الاستمتاع بها بوجه لأنها باقية على الزوجية لزوجها من جهة امتناع الاستمتاع بها لغيره، حتى تنقضي العدة، ولو بنظر أو صوت، وإن كانت مسبية أو كانت حاملا من زنى أو غصب فقد تقدم وجوب استبرائها وهو بالوضع أيضا، وقد نص في المدونة أنه لا يجوز لسيد المستبرأة استمتاع بها بتقبيل، أو جس، أو نظر، لأنه وسيلة الوطء، ووسيلة الحرام حرام، وقد تقدم حديث المجح، ونقل عن ابن حبيب - رحمه الله تعالى - جواز ما سوى الوطء فيهما.

1254 -

وكل من قد طلقت بعد البنا

إسكانها بعدة تعينا

1255 -

وإن يكن دون الثلاث طلقا

كان عليه واجبا أن ينفقا

1256 -

ما لم يكن ذاك بخلع حصلا

إلا إذا ما كانت اَيضا حاملا

1257 -

كذاك مَن ثلاثةً تُطلق

إن تك حاملا عليها يُنفَق

1258 -

وليس بالواجب من إنفاق

لذات الالتعان بالإطلاق

1259 -

وهكذا مَن زوجُها عنها فَنِي

كذاك لا حق لها في السكن

1260 -

إلا بمسكن له، أو نقدا

كراءه لربه قبل الردى

ص: 594

قوله: وكل من قد طلقت البيت، معناه أن كل مطلقة بعد الدخول يجب إسكانها، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، وكذلك المستبرأة من فسخ، أو لعان، أو طلاق، لمساواتها للمطلقة في حبسها، قال في التبصرة في تعليل وجوب السكنى للمطلقة: وذلك حق للزوج، لحفظ النسب، وحق لها، لأنها ممنوعة من الأزواج من أجل مائه، وحق لله سبحانه وتعالى، ثم قال: والأصل في السكنى لها في الطلاق الرجعي قول الله سبحانه وتعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن) وفي وجوبه عليها قوله سبحانه وتعالى: (ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ووجب لها في الطلاق البائن بقوله سبحانه وتعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) ثم قال سبحانه وتعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فبان بهذا أن هذه العدة عن طلاق بائن، لأنه لم يجعل لهن النفقة إلا بوجود الحمل، ولو كان رجعيا لكانت لها النفقة وإن لم تكن حاملا.

وصفة السكنى أن تلزم المسكن بالليل، قال مالك - رحمه الله تعالى -: ولا بأس أن تخرج قبل الفجر، وتأتي بعد المغرب ما بينها وبين العشاء، وذلك لما روى في الموطإ عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن السائب بن خباب توفي وأن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فذكرت له وفات زوجها، وذكرت له حرثا لهم بقناةَ، وسألته هل يصلح لها أن تبيت فيه، فنهاها عن ذلك، فكانت تخرج من المدينة المنورة سحرا، فتصبح في حرثهم فتظل فيه يومها، ثم تدخل المدينة المنورة إذا أمست، فتبيت في بيتها، قال في التبصرة: وهذا في بعض الأوقات وعند الحاجة تعرض، وليس لها أن تجعل هذا عادة تكون سائر النهار في غير الموضع الذي تعتد فيه، قال مالك في كتاب محمد: ولا أحب أن تكون عند أمها النهار كله.

ص: 595

قوله: وإن يكن دون الثلاث طلقا البيت، معناه أنه إذا كان الطلاق رجعيا فلها النفقة أيضا لأنها زوجة، قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من علماء الأمصار أن للمعتدة التي تملك رجعتها السكنى والنفقة، إذ أحكامها أحكام الأزواج في عامة أمورها.

ولا نفقة للبائن إلا أن تكون حاملا، كما أشار إليه بقوله: ما لم يكن ذلك البيت، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) فمفهوم الآية الكريمة عدم وجوب النفقة على غير الحامل، ومنطوقها وجوبها للحامل، وهذا إذا كانت حرة، فإن كانت أمة لم تجب نفقتها للحمل لأنه رقيق، فما يجب له يجب على سيده، ويشترط أيضا كون الأب حرا، فلا تجب على عبد، لأن ذلك تفويت لمال سيده، وتستثنى من الحامل البائن الملاعنة فلا نفقة لحملها إذا نفاه باللعان لعدم لحوقه به، كما أشار إليه بقوله: وليس بالواجب من إنفاق البيت، فإن كان لعانه للرؤية خاصة فعليه النفقة للحمل لأنه لاحق به، وتستثنى من ذلك أيضا المتوفى عنها، فلا نفقة لها مطلقا، حاملا أو لا، أما مع عدم الحمل فلارتفاع أحكام العصمة بالموت كالطلاق البائن، وأما مع الحمل فلأن وجوب النفقة في الحياة للحمل لأنه ولد، فتسقط نفقته كسائر القرابات، وأما السكنى فإن كان المسكن له أو كان قد اكتراه ونقد كراءه فهي أحق به، وإن لم يكن نقد كراءه فلا سكنى لها في ماله، وتؤدي الكراء من مالها ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه، والأصل في لزوم سكناها حديث الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنهما -

(1)

(1)

أنها جاءت إلى النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وذكرت أن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا فقتلوه، وسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وذكرت أنه لم يتركها في مسكن يملكه ولا نفقة، فقال: نعم، فلما خرجت دعاها، أو أمر بها فدعيت، وقال:" كيف قلت؟ " فأعادت عليه، فقال:" امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله ".

ص: 596

في الموطإ وغيره

(1)

.

1261 -

وما لمعتدة أن تفارقا

مسكنها الذي به قد طلقا

1262 -

أو مات عنها، دون عذر ظاهر

مثلِ غُلوٍّ في الكرا مستنكَر

1263 -

ونحو ذا، ولتلزمنَّ الاخَرا

إلا لعذر كالذي قد غبرا

معناه أنه لا يجوز للمعتدة أن تنتقل عن مسكنها في طلاق أو موت، إلا لعذر ظاهر كغلو الكراء، وعورة المنزل، مما لا يمكنها المقام معه لخبر فاطمة بنت قيس أنها قالت يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: أخاف أن يقتحم علي، فأمرها أن تتحول، وقد روى في الموطإ عن يحيى بن سعيد أنه سمع القاسم بن محمد وسليمان بن يسار يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنت عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فأرسلت عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - إلى مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة، فقالت: اتق الله تعالى واردد المرأة إلى بيتها، فقال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان في حديث القاسم: أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان: إن كان بكِ الشر فحسبك ما بين هذين من الشر.

وإذا انتقلت من مسكنها لعذر لزمت الذي تنتقل إليه، ولا يجوز لها أن تنتقل عنه إلا لعذر، قال في التاج: من المدونة: حكمها في ما انتقلت إليه كما انتقلت عنه، وإن انتقلت لغير عذر ردها الإمام.

1264 -

وألزموا إرضاع أم غير

بائن إلا لعلو قدر

1265 -

بدون أجر ولغيرها الإبا

والاجر إن ترضع لها قد وجبا

(1)

رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، وهو حديث صحيح.

ص: 597

معناه أن أم الصبي يلزمها إرضاعه بلا أجر، إذا كانت غير بائن، ولا شريفة لا يرضع مثلها، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) قال في الإشراف: ولا يجوز أن يكون المراد به الخبر لأنه لا فائدة فيه، فثبت أن المراد به الأمر، ولأن العرف جار بذلك في غالب أمور الناس أن المرأة تلي رضاع ولدها بنفسها من غير أن يكلف زوجها أجرة، وما وأما المطلقة طلاقا بائنا، والمتوفى عنها، والرجعية تنقضي عدتها، فلا يلزمهن إرضاع، وإن أرضعن فلهن أجرة المثل، لقوله سبحانه وتعالى:(فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وهذا إذا لم يقبل الولد غيرهن، فإن قبل غيرهن وطلبن زائدا على أجر المثل كان الأب بالخيار، أو الوصي في المتوفى عنها، وإن طلبن أجر مثلهن ووجد الأب أو الوصي من يرضعه بدون ذلك ففيه قولان أشهرهما لزوم ما أردن لعموم الآية الكريمة، وإن مات الأب أو أعسر، ولم يكن للصبي مال، وكان لهن لبان ومال، فإن شئن أرضعن، وإن شئن استأجرن، إلا أن لا يقبل غيرهن فيتعين عليهن الإرضاع، واحتج لوجوب الإرضاع عليهن في هذه الأحوال بأمره صلى الله تعالى عليه وسلم الزانية أن ترضع ولدها، وفي كتاب ابن الجلاب أن رضاعه في عدم الأب أو موته مع عُدم الصبي على بيت المال، واختاره اللخمي - رحمهما الله تعالى - وأما الأم الشريفة القدر فهي في البينونة كغيرها، وفي الزوجية والطلاق الرجعي فإن أرادت أن ترضعه بأجر كان لها ذلك، إن كان الأب موسرا، أو للابن مال على المشهور، إذ لا يلزمها رضاعه بمقتضى الشرط الذي اقتضاه العرف، و قيل لا أجرة لها إذا أرادت أن ترضعه، وإلى هذا أشار بقوله: ولغيرها الإبا إلخ، فالمراد بالغير البائن والزوجة الشريفة التي لا يرضع مثلها.

1266 -

حضانة الصبي حيث ما افترق

ألأبوان أمه بها أحق

1267 -

إلى بناء البنت والغلام

يكفيك من شأنه الاحتلام

1268 -

فجدة فخالة وحيث لم

يكن له من جهة الأم رحم

ص: 598

1269 -

فالاخت فالعمة ثم العصبه

على القرابة له مرتبه

الحضانة مأخوذة من الحضن، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، ونواحي كل شيء وجوانبه أحضانه، وكأن الصبي ضم إلى جوانب المحضون.

وعرف الباجي - رحمه الله تعالى - الحضانة بأنها حفظ الولد في مبيته، ومؤنة طعامه، ولباسه، ومضجعه، وتنظيف جسده.

قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لا خلاف بين أحد من الأمة في إيجاب كفالة الأطفال الصغار، لأن الإنسان خلق ضعيفا مفتقرا إلى من يكفُله ويربيه، حتى ينفع نفسه ويستغني بذاته، فهو من فروض الكفاية، لا يحل أن يترك الصغير دون كفالة ولا تربية حتى يهلك ويضيع، وإذا قام به قائم سقط عن الناس، ولا يتعين ذلك على أحد سوى الأب وحده، ويتعين على الأم في حولي رضاعه إذا لم يكن له أب، ولا مال تستأجر له منه، أو كان لا يقبل ثدي سواها فتجبر على رضاعه.

ص: 599

قوله: حضانة الصبي البيت، معناه أن أم الصبي إذا طلقها أبوه أو مات أحق بحضانته من سائر قراباته لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم للتي قالت: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحِجري له حواء، وأنا له الفداء، فزعم أبوه أنه ينتزعه مني " أنت أحق به ما لم تنكحي "

(1)

وهي لهما معا ما داما زوجين، وتلي الأمَّ أمهاتُها، واختلف في الأب والخالة، والمشهور تقديم الخالة عليه، ثم خالتها، والأصل في الخالة قضاؤه صلى الله تعالى عليه وسلم بابنة حمزة لجعفر، لمكان أسماء بنت عميس خالتها منه - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وقال:" الخالة بمنزلة الأم "

(2)

ثم بعد قرابات الأم اختلف أيضا هل الأب أحق من قراباته من النساء، لأنهن يدلين به، أو بالعكس، لأنه يستنيب في الحضانة غيره، أو الجدات أحق منه، وهو أحق من غيرهن، وهو الذي في المدونة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: نساء الأب من له عليه أمومة، وأول فصل لمن هي له عليه، فتخرج الأخت للأب، ويلي ذلك الوصي، ثم العصبة، قال ابن عرفة: روى محمد الأخ، ثم الجد، ثم ابن الأخ، ثم ابن العم، وهو نقل أهل المذهب.

ويقدم في هذه القرابات عند التعدد الشقيق، لأنه أقوى صلة، ويقدم مع التساوي الأسن، ثم الأشفق، وذلك أن مبنى الترتيب المتقدم التفاوت في العطف والحنان على مجرى العادة، ولذلك قدمت الأم على الأب، وقدمت قرابتها باتفاق على قرابته، وإذا ثبتت قسوة الأقرب مع الصبي قسوة تضر به قدم الأبعد.

(1)

رواه أبو داود والإمام أحمد، وهو حديث حسن.

(2)

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد.

ص: 600

وانتهاء الحضانة في الذكر ببلوغه، فإذا بلغ سقطت حضانته، ولو بلغ زمنا، وقال ابن شعبان لا تنتهي في الغلام حتى يبلغ صحيح العقل والبدن، وروى ابن وهب أنها للإثغار، فإذا أثغر كان للأب أن يضمه إليه، وأما البنت فتستمر حضانتها إلى دخول زوج بها، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وصفة الحاضنة ألا تكون عاجزة عن القيام بالمحضون، لا يخشى إدخالها عليه ضررا ولا فساد طبع، ولا بدن، ولا معيشة، فمن بلغ بها ضعفها

ألا تتصرف إلا بمشقة فلا حضانة لها، والسفه في الدين، أو في العقل، أو حفظ المال بتبذيره قبل تمام مدة فرضه يسقطها، والسفيهة المولى عليها ذات صون وقيام غير متلفة لما تقبضه حضانتها ثابتة.

ويشترط كون مكان الحاضن حرزا، ولا سي ما إذا كان المحضون بنتا يخاف عليها، اللخمي: شرط حضانة الرجل وجود أهل زوجة أو سرية في الذكور، ويطلب في الولي للإناث كونه ذا محرم، فإن لم يكنه فعدم أمنه مانع، فإن كان مأمونا ذا أهل فروى محمد: إن تزوجت أم الصبية ولها وصي بقيت عند أمها مع زوجها، لأنه صار ذا محرم، والوصي ليس بمحرم منها، إلا أن يخاف عليها عنده فالوصي أولى، ولأصبغ في العتبية: الوصي أولى من الأم إذا تزوجت، ومن العم والأخ بالإناث، وإن كن قد بلغن أبكارا، والولي إذا لم يكن بينها وبينه محرم كالوصي، وقول مالك - رحمه الله تعالى - أصوب، لأنها في كفالته لا بد أن يطلع منها على ما لا يحل لطول الصحبة والتربية، وفي من لم تبلغ الوطء نظر، يصح حضانتها الوصي والولي إلى بلوغ حد الوطء فتنزع، ومنعها لمشقة نقلها من قوم إلى قوم قاله ابن عرفة - رحمه الله تعالى -.

ص: 601

ويشترط في الحاضنة الأنثى الخلو عن زوج دخل، فإن كان لها زوج قد دخل بها فقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: إن كان ذا رحم من المحضون فلا يخلو من وجهين أحدهما أن يكون محرما عليه، والثاني ألا يكون محرما عليه، فإن كان محرما عليه فسواء كان ممن له الحضانة كالعم والجد للأب أو ممن لا حضانة له كالخال والجد للأم فلا تأثير له في إسقاط الحضانة، وأما إن كان غير محرم عليه فلا يخلو أن يكون ممن له الحضانة فهي أحق به، ما لم يكن للمحضون حاضنة أقرب إليه منها فارغة من زوج، وإن كان زوجها أبعد من الولي الآخر، وإن كان ممن لا حضانة له فإنه تسقط حضانتها بكل حال كالأجنبي سواء، وذهب ابن وهب إلى أن الزوج يسقط حضانة الحاضنة وإن كان ذا رحم من المحضون.

1270 -

والمرء ليس ملزما أن ينفقا

سوى نسائه كما قد سبقا

1271 -

وإن يكن لهن مال جزُلا

فذا لمتعة بهن قابلا

1272 -

أو والديه ذوي الافتقار

أو فُقَرا أولاده الصغار

1273 -

إلى انتهاء زمن الحضانه

مع السلامة من الزمانه

1274 -

وغير هؤلا من الأقارب

إنفاقه عليهمُ لم يجب

1275 -

نعم على عبيده ينحتم

إنفاقه كذاك تكفينهم

ص: 602

معناه أن الذي يجب على المرء أن ينفق عليه هو نساؤه، ووالداه دنية، وأولاده الصغار دنية أيضا، وأرقاؤه، سواء كان الكل مسلمين أو كفارا، أما زوجاته فتجب لهن النفقة مطلقا أعدمن أو أيسرن، حرائر كن أو إماء، لأن النفقة عليهن وجبت للزوجية والمتعة، وأما الأبوان والأولاد فلا تجب نفقتهم إلا إذا لم يكن لهم مال، وكان عنده ما يزيد على نفقته ونفقة زوجته، لأنها مواساة، وفي معنى المال أن تكون لهم صنعة تقوم بهم لا تلحقهم بها معرة، فتسقط نفقتهم بها إلا أن تكسد أو يعوقهم عنها مرض فتجب لهم النفقة على الأب في مسألة الأولاد، وعلى الابن في مسألة الأبوين، وإذا كانت الصنعة تقوم بالبعض فقط كان الواجب الإتمام، ولا فرق في وجوب نفقة الأبوين بين الذكر والانثى، والصغير والكبير، واليتيم وذي الأب، والمتزوجة والأيم، ويجب على الابن أن ينفق على زوجة أبيه على المشهور، وإن كانت له زوجتان فإن كانت إحداهما أمه أنفق على أمه فقط، ولا يلزمه أن ينفق على الأخرى، إلا إذا كانت شابة وكانت أمه مسنة وكانت في الأب بقية، قال في التبصرة: وليس له إذا كان له مال أن يتلفه بصدقة أو هبة وتعود نفقته على ولده، وللولد أن يرد فعله ذلك، وكذا لو تصدق به على بعض ولده كان للآخر أن يرد فعله.

ولا تسقط نفقة الأم بتزوجها من عاجز عن نفقتها، فإن قدر على البعض فعلى الابن أن يتمها لها، وأما الأولاد فالذكر تسقط نفقته ببلوغه صحيحا قادرا على الكسب، وأما الأنثى فلا تسقط عن أبيها إلا بوجوبها على زوج، والأصل في وجوب نفقة الزوجات والأولاد حديث هند، وفي الزوجات أيضا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف "

(1)

.

وفي نفقة الأبوين الأمر بمصاحبتهما معروفا، والإحسان إليهما، والشكر لهما في الآية الكريمة.

(1)

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.

ص: 603

ويشترط في وجوب النفقة على الوالدين والأبناء حرية المنفق والمنفق عليه، أما الأول فلأن العبد غير مالك حقيقة حتى تجب عليه المواساة، وأما الثاني فلأن الرقيق تجب نفقته على سيده لحديث الموطإ وغيره " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق "

(1)

قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ومعنى بالمعروف أي من غير إسراف ولا إقتار على قدر سعة السيد وما يشبه حال العبد أيضا، فليس الوغد الأسود الذي هو للخدمة والحرث، كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف، نقله في المواهب.

ولا يلزمه أن يكسو رقيقه مثل ما يكتسي، ولا أن يطعمهم مثل ما يطعم، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله سبحانه وتعالى في الباب الجامع.

قوله: كذاك تكفينهم، معناه أنه يجب على السيد تكفين رقيقه، وهذا أمر متفق عليه، وكذلك يجب على المرء تكفين من تجب عليه نفقته بغير الزوجية.

والزمانة في قوله: مع السلامة من الزمانه: العجز لضعف الأعضاء والمرض، والمعنى أن سقوط النفقة يكون بسقوط الحضانة بحيث يبلغ الولد ويدخل بالبنت زوج مع السلامة من الزمانه، فإذا بلغ الابن زمنا، أو غير عاقل، لم تسقط نفقته على المشهور، وإذا دخل بالبنت وهي زمنة وطلقت وهي زمنة عادت نفقتها على أبيها بطلاقها على المشهور.

1276 -

وحيث كان ذا اتساع أخدما

نساءه عندئذ تحتما

1277 -

والخلف هل يلزم كفْن زوجته

لو ذات مال إن تمت بعصمته

1278 -

وذا إلى ابن الماجشون ينتمي

وعدمُ اللزوم لابن القاسم

1279 -

وحتمه لذات فقر دونا

غنية عزوا إلى سحنونا

(1)

رواه مسلم بلفظ " للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " ورواه الإمام أحمد بلفظ " للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق ".

ص: 604

قوله: وحيث كان البيت، معناه أنه إذا كانت للزوج سعة وجب عليه إخدام زوجته، وقال ابن الماجشون هو كالنفقة يجب عليه مطلقا، وتطلق عليه إذا عجز عنه، وقال ابن حبيب إنما يجب الإخدام إذا كان الزوج موسرا والزوجة من ذوات الأقدار.

قال في المواهب: قال القرطبي في كتاب النفقات في حديث السيدة فاطمة

(1)

- رضي الله تعالى عنها -: ولا خلاف في استحباب خدمتها بنفسها تبرعا، لأنه معونة للزوج، وهي مندوب إليها.

قوله: والخلف هل يلزم الأبيات، معناه أنه اختلف هل يجب على الزوج كفن زوجته التي ماتت وهي في عصمته، فقال ابن القاسم لا يجب لانقطاع الزوجية التي هي سبب وجوب النفقة بالموت، وأوجبه عبد الملك لاتصال حكم الزوجية، بدليل جواز التغسيل، واستحسن سحنون وجوبه للفقيرة دون الغنية رحمهم الله سبحانه وتعالى أجمعين ـ.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

تمت مقابلة هذا الجزء المرة الأولى عشية السبت، التاسع عشر، من شهر رمضان المبارك، وتمت مقابلته المرة الثانية عشية الأحد لست بقين من شوال، عام اثنين وأربعين وأربعمائة وألف، من هجرة سيد المرسلين، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، في تسعة وثلاثين مجلسا، بمحروسة كيف، والحمد لله رب العالمين.

(1)

يعني أنها جاءت إلى النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ تسأله خادما، وهو حديث متفق عليه.

ص: 605