الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الطعام والشراب
2165 -
وإن ترد شرابا أو أكلا فسَم
…
حينئذ وذا استنانا انحتم
2166 -
ولتتناول باليمين واحمدِ
…
عند انتهاء وأجِد لعْق اليد
2167 -
من قبل أن تمسحها ولتجعل
…
ثلث بطنك فقط للمأكل
2168 -
وللشراب ثلثا والباقي
…
لنفَس دعْ خوفَ الاختناق
2169 -
وحيث معْ غيرك تأكل كلِ
…
إن كان نوعا واحدا مما يلي
قوله: وإن ترد شرابا البيت، معناه أنه يؤمر إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يسمي الله سبحانه وتعالى، وظاهر عبارة أهل المذهب أنها على الأعيان، وهو ظاهر حديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله تعالى عنهما -
(1)
وهي عند الشافعية على الكفاية، واختلف هل يقتصر على بسم الله، وهو ظاهر الأحاديث، أو يزيد الرحمن الرحيم، والأمر بالبسملة على الاستنان، فلا تجب وجوب الفرائض الذي يأثم التارك فيه، وقد حكى ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - الإجماع على ذلك، وإذا فرغ منه قال:" الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّع ولا مستغنًى عنه ربَّنا ".
(2)
قوله: ولتتناول باليمين، معناه أن الآكل يؤمر أن يأكل بيمينه خاصة استحبابا، لحديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله تعالى عنهما - وكذلك القول في الشرب أيضا، قال ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - في جامعه: وفي بعض الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أكل الرطب بالبطيخ هذا في يد وهذا في يد.
(3)
(1)
يعني حديث " يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه.
(2)
رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.
(3)
روى الطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ في الأخلاق عن أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وهو حديث ضعيف، وإنما الثابت أنه كان يأكل الرطب بالبطيخ، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وفي رواية الإمام أحمد يجمع بين الرطب والخِرْبِز، وهو البطيخ الأصفر.
قوله: واحمد عند انتهاء، معناه أنه يؤمر كذلك استحبابا أن يحمد الله سبحانه وتعالى عند انتهائه من الأكل والشرب، وفي الصحيح " إن الله سبحانه وتعالى ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها "
(1)
وجاء أن من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه،
(2)
وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم شرب لبنا، وقال:" إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، وإذا سقي لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن "
(3)
قوله: وأجد لعق اليد من قبل أن تمسحها، معناه أنه يؤمر بلعق يده قبل أن يمسحها أو يغسلها لما في الصحيح " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يَلْعَقَها أو يُلْعِقَها "
(4)
قال الحطاب - رحمه الله تعالى - في حاشيته: قال في الكافي: ولا يقام عن الطعام حتى يرفع، وقال القرطبي - رحمه الله تعالى -: ولا يأكل طعاما حتى يعرف أحارا هو أم باردا، فإنه إذا كان حارا فقد يتأذى، وروي عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قال:" أبردوا بالطعام، فإن الحار غير ذي بركة "
(5)
قال: ولا يشمه، فإن ذلك من عمل البهائم، بل إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
(1)
رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(3)
رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(4)
متفق عليه.
(5)
رواه الطبراني في الأوسط والديلمي، وهو حديث ضعيف.
قوله: ولتجعل إلى قوله: الاختناق، معناه أنه يستحب للمرء تجنب الشبع، والري، لما في ذلك من المضار، وقد قال سبحانه وتعالى:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وفي الحديث " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه "
(1)
قال القرطبي - رحمه الله تعالى - في قوله سبحانه وتعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أحل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة، فأما ما تدعو الحاجة إليه - وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ - فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس، وحراسة الحواس، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال، لأنه يضعف الجسد، ويميت النفس، ويضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع، ويدفعه العقل، وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر، ولا نصيب من زهد، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا، وأعظم أجرا، وقد اختلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين، فقيل حرام، وقيل مكروه، قال ابن العربي - رحمه الله تعالى -: وهو الصحيح، فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان، والأزمان، والأسنان، والطعمان، ثم قيل في قلة الأكل منافع كثيرة، منها أن يكون الرجل أصح جسما، وأجود حفظا، وأزكى فهما، وأقل نوما، وأخف نفسا، وفي كثرة الأكل كظُّ المعدة، ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل، وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء.
وقد كنت قلت في نظم لي:
فزَيْدُ وزنٍ لتزايد الطلب
…
جدا على أجهزة الجسم سبب
كالقلب والكلى وبنكرياس
…
من كل عضو دوره أساسي
وذاك مُضْعِف لها مؤد
…
لعجزها عن بعض ذاك الجهد
(1)
رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
قوله: وحيث مع غيرك تأكل البيت، معناه أن الذي يأكل مع غيره يؤمر أن يأكل مما يليه، لحديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله تعالى عنهما - " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " وهذا إذا كان الطعام نوعا واحدا، فإن اختلف كالفاكهة ونحوها لم يكن بذلك بأس لما في الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن خياطا دعا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لطعام صنعه، قال أنس - رضي الله تعالى عنه -: فذهبت مع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فرأيته يتتبع الدباء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ.
(1)
2170 -
لا تأخذنَّ لقمة حتى يتم
…
بلْعُ الذي من قبل ذلك التُقِم
2171 -
لا تتنفس في الإناء عندا
…
شربك منه بل أبنْ ورُدَّا
2172 -
والماءَ مُصَّه وفيه العَبَّ ذَرْ
…
فربما ذلك للكباد جر
2173 -
ولُكْ طعامَك ومضغا أنعِم
…
ونظفنَّ فاك بعد المطعم
2174 -
كذا من الغَمَر أيضا واللبن
…
تمضمضٌ والغسل لليد حسن
2175 -
وخللنْ ما بين الاسنان بقي
…
منَ اَثَر الطعام ذا تعلق
2176 -
والاكلَ بالشمال ذر كذا الشراب
…
وفيهما لا تنفخنْ كذا الكتاب
قوله: لا تأخذن لقمة البيت، معناه أنه من الأدب أن يترسل في أكله، فلا يأخذ لقمة حتى يفرغ مما أخذ قبلها، لأن ذلك شره وسوء أدب، وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ومن الأدب إذا أكل الرجل مع القوم أن يأكل كما يأكلون، من تصغير اللقم، والترسيل في الأكل، وإن خالف ذلك عادته.
وقال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وينبغي إذا حضر القوم ذو هيئة أن ينظر إليه، فلا يمد أحد يده إلا بعده، ولا يرفع أحد إلا بعد رفعه، كما قيل، قالوا: ولا يرفع يدا ما داموا في الأكل، وليقم متى أقاموا، قال: والحديث على الطعام من السنة، قالوا: وليكن الكلام بين فترات التناول، لا حالة امتلاء الفم بالطعام، لأنه مثلة، وقد يخرج من فيه ما يكره، مع أنه لا يفهم، أو لا يكاد يفهم.
(1)
متفق عليه.
قوله: لا تتنفس البيت، معناه أنه ينهى عن التنفس في الآنية أثناء شربه منها، للنهي عن ذلك كما في الصحيح،
(1)
فإن ضاق به النفس نحى القدح وتنفس، ثم عاد للشرب، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم للذي قال: لا أروي من نفس واحد،
(2)
وذلك لخوف التقذير، لما يخشى أن يطير مع نفسه في الآنية، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وفي النسائي ما يدل لاستحباب الشرب في ثلاثة أنفاس، يسمي عند كل مرة ويحمد عليها.
(3)
(1)
متفق عليه.
(2)
رواه الترمذي والإمام مالك والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث حسن.
(3)
قال في فتح الباري: أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه يسمي الله سبحانه وتعالى، فإذا أخره حمد الله سبحانه وتعالى، يفعل ذلك ثلاثا، وأصله في ابن ماجة، وله شاهد من حديث ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ عند البزار والطبراني، وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ المشار إليه قبل " وسموا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم " وهذا يحتمل أن يكون شاهدا لحديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ المذكور، ويحتمل أن يوكن المراد به في الابتداء والانتهاء فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: والماء مصه، معناه أن شرب الماء يطلب أن يكون مصا، وينهى عن عبه، لأنه لا يروي، فيوجب الإكثار منه، وقد تقدم النهي عن السرف في الشرب، وجاء في بعض الأخبار أن شربه عبا يضر بالكبد،
(1)
والعب هو شرب الماء بلا تنفس، بأن يواصل بلعه، وينهى عن عب غير الماء أيضا من جهة الأدب إن لم ينه عنه من جهة الطب، وفي جامع ابن أبي زيد: قال مالك - رحمهما الله تعالى -: ولا بأس بالشرب من فم السقاء، وما بلغني فيه نهي، قيل: فمن ثلمة القدح وما يلي الاذن؟ قال: قد سمعت سماعا، وما علمت فيه بشيء، كأنه يضعفه.
وقال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: ومن المعلوم أن السنة شرب الماء بالمص، واللحم بالنهش، والخبز بالقرض، إلا لعذر فيجوز غير ذلك.
قوله: ولك طعامك ومضغا أنعم، معناه أنه يطلب أن يلوك طعامه، بأن يديره في فمه، مجيدا مضغه، ليلين ويمتزج بالريق، فينحدر إلى معدته سهل الهضم، مع ما في ذلك من الاستمتاع بطعمه، وهذا يستلزم تصغير اللقمة مثلا، ويكره التصويت بالمضغ، والارتشاف، واللعق، فيفعل ذلك كله برفق، ويروض نفسه على ذلك.
قوله: ونظفن فاك، معناه أنه يؤمر بتنظيف فمه بعد الفراغ من الطعام، بأن يتمضمض، لأن عدم تنظيفه بعده يؤدي إلى تغير رائحته، خاصة في اللحم ونحوه، ويؤدي إلى تسوس الأسنان، وقد جاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم شرب لبنا فمضمض، وقال:" إن له دسما "
(2)
فإذا كان الأمر كذلك في اللبن مع يسارة دسومته، فما بالك باللحم والودك ونحو ذلك.
(1)
رواه الديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الطب، وهو ضعيف جدا.
(2)
متفق عليه.
قوله: كذا من الغمر البيت، معناه أنه يؤمر بالتمضمض بعد شرب اللبن وما فيه دسومة، سواء أراد صلاة أو لا، للحديث المتقدم، وكذلك يستحب غسل اليد مما فيه دسومة تعلق باليد، وقد جاء في الخبر " إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمر فلم يغسل يده فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه "
(1)
والغمر فسره الجوهري بريح اللحم والسمن، وفسره عياض بالودك، وهو أقرب إلى لفظ الخبر المتقدم، فلعله مشترك، قوله: وخللن ما بين الاسنان بقي البيت، معناه أنه يؤمر بتخليل ما يبقى بين أسنانه من الطعام بعود ونحوه، بالاولى من المضمضة والسواك قوله: والأكل بالشمال ذر كذا الشراب، معناه أنه لا ينبغي أن يأكل الآكل بشماله، ولا أن يشرب بها من غير عذر، وقد جاء في الحديث " ليأكل أحدكم بيمينه، ويشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، ويعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويعطي بشماله، ويأخذ بشماله "
(2)
قوله: وفيهما لا تنفخن كذا الكتاب، معناه أنه ينهى عن النفخ في الطعام والشراب للأخبار في ذلك،
(3)
وذلك لما تقدم في التنفس في الآنية من خوف التقذير، وفي الموطإ أن رجلا قال: يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فإني أرى القذاة فيه - يعني الشراب - قال: " فأهرقها "
(4)
وأما الكتاب فالنهي عن النفخ فيه مخافة أن يصيبه ريق، فهو قذر تجل عنه الكتب، ومخافة أن ينمحي منه بذلك شيء.
2177 -
وناول إن شربت من كان على
…
ناحية اليمين منك مسجلا
(1)
رواه أبو داود والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(2)
رواه ابن ماجة، وهو حديث صحيح.
(3)
أما النهي عن النفخ في الشراب فرواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ والترمذي والإمام مالك والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، وأما النهي عن النفخ في الطعام، فرواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ بإسناد على شرط البخاري.
(4)
تقدم قريبا.
2178 -
والشربَ في آنية النقد ذرِ
…
للنهي عنه في صحيح الخبر
2179 -
وجاز شربك من القيام
…
دون كراهة لدى الإمام
2180 -
ومن لكُراثٍ أو الثُّوم أكل
…
والكل نِيءٌ وكذلك البصل
2181 -
لا ينبغي دخوله المساجدا
…
ونحوها على الذي قدُ اُيدا
2182 -
ولتأكلنْ من جانب الثريد لا
…
وسَطِه فالنهي عن ذا نُقلا
2183 -
وجاز في التمور والمماثل
…
أكلك من غير الذي لك يلي
2184 -
لا تأكلنْ متكئا لا تَقرنِ
…
من بين تمرتين إن لم يُؤذَن
2185 -
وقيل ذا في الشركا، والاهلُ
…
ونحوُهم ذا معهم يحل
قوله: وناول إن شربت البيت، معناه أنه يطلب إذا شرب أن يناول الآنية من على يمينه، وفي الموطإ أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أُتِي بلبن قد شيب بماء البئر وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال:" الأيمن فالأيمن "
(1)
وفيه أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أُتِي بشراب فشرب منه وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: " أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، والله يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في يده.
(2)
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
قوله: والشرب في آنية النقد ذر البيت، معناه أن الشراب في آنية النقد حرام، لما جاء فيه من الوعيد الشديد، وكذلك الأكل فيها، ففي الصحيح أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم،
(1)
وألحق بالأكل والشراب ما سواهما من أنواع الاستعمال، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وجعل ابن رشد - رحمه الله تعالى - العلة التشبه بالأعاجم والأكاسرة المتكبرين المتجبرين، قال: وأما الحلقة من الذهب والفضة تكون في القدح، والتضبيب في شفته، فقياسه قياس العلم من الحرير في الثوب، كرهه مالك - رحمه الله تعالى - وأجازه جماعة من السلف، وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه أجازه على قدر الأصبعين والثلاث والأربع، ووقع ذلك في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان.
وقال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: قال الباجي - رحمه الله تعالى -: ولا يتعدى التحريم إلى الياقوت والفيروزج وشبه ذلك من الجواهر النفيسة لمجرد نفاستها، وقال الأبهري: ما يصنع من الياقوت واللؤلؤ والمرجان أولى بالتحريم من الذهب والفضة، ولابن سابق يكره.
(1)
متفق عليه من حديث أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ.
قوله: وجاز شربك البيت، معناه أن الشرب من قيام جائز عند مالك - رحمه الله تعالى - بلا كراهة، وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم شرب قائما،
(1)
وجاء في الموطإ عن عمر وعلي وعثمان وابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - أنهم كانوا يشربون قياما، وجاء فيه أن عائشة وسعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنهما - كانا لا يريان به بأسا، وجاء في الصحيح أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن الشرب قائما،
(2)
والمتجه الجمع بحمل الشرب من قيام على حال العذر كالاستعجال ونحوه، خصوصا وقد جاء عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنهم كانوا يشربون قياما ويأكلون مشاة.
(3)
قوله: ومن لكراث البيتين، معناه أن من أكل من هذه الأشياء ينهى عن شهود الصلاة في المسجد، لتأذي الناس برائحته، وفي الصحيح " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم "
(4)
وذلك ما لم تذهب الرائحة بالطبخ، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - أن النهي نهي تنزيه، وظاهر ابن رشد - رحمه الله تعالى - أو صريحه أنه نهي تحريم، نظرا إلى التعليل بالأذية وهي غير جائزة، قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: قال عياض - رحمه الله تعالى -: ذكر بعض فقهائنا أن الحكم كذلك في مجالس العلم، والولائم، وحلق الذكر.
وقال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وقال ابن المرابط - رحمه الله تعالى -: من به داء البخر كآكل الثوم في النهي.
(1)
متفق عليه من حديث ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
(2)
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.
(3)
رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(4)
متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وقد نصوا في غسل الجمعة أنه واجب لمن به صنان ونحوه، وقال الحطاب - رحمه الله تعالى - في حاشيته: قال الباجي - رحمه الله تعالى - في المنتقى: فإن دخل المسجد من أكله أخرج، وانظر هل يجوز أن يدخلها من أكل الثوم إذا لم يكن فيها أحد، والظاهر أنه لا يجوز، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم "
…
ولم ير مالك - رحمه الله تعالى - النهي بذلك عن الخروج إلى السوق، ولعل ذلك للضرورة إليها، وإمكان التحفظ من أن يقترب من غيره.
قوله: ولتأكلن من جانب الثريد البيت، معناه أنه ينهى عن الأكل من رأس الثريد ونحوه، لما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أُتي بقصعة من ثريد فقال:" كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها "
(1)
قوله: وجاز في التمور البيت، معناه أنه يجوز إذا اختلف الطعام كالتمر والفاكهة أن يأكل من غير ما يليه، بأن تجول يده في الآنية، وقد تقدم ذلك.
قوله: لا تأكلن متكئا، معناه أن الأكل متكئا مكروه لما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن ذلك، وفي الصحيح أنه قال:"لا آكل متكئا "
(2)
وفي جامع ابن أبي زيد أنه قيل لمالك - رحمهما الله سبحانه وتعالى: أفيأكل ويده يضعها على الأرض؟ قال: إني أتقيه، وما سمعت فيه بشيء.
(1)
رواه الدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح، ورواه بمعناه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
(2)
رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.
وقال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: قال القاضي عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -: والمنع من ذلك للعجب والخيلاء، ولأنه من فعل الأعاجم والجبابرة، وقال الباجي - رحمه الله تعالى -: قال مالك - رحمه الله تعالى -: ومن السنة الأكل جالسا على الأرض على هيئة يطمئن عليها، ولا يأكل مضطجعا على بطنه، ولا متكئا على ظهره، لما فيه من البعد عن التواضع، والتشبه بالأعاجم، ووقت الأكل وقت تواضع وشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه.
قوله: لا تقرن إلخ، يشير به إلى ما جاء في الحديث الشريف من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن القران في التمر، بأن يأخذ تمرتين أو ثلاثا في مرة، إلا أن يستأذن أصحابه،
(1)
وقيل إن النهي عن ذلك خاص بالشركاء، وأما الرجل يأكل مع أهله، أو يكون هو الذي أطعم القوم فلا بأس أن يقرن، قال ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - في جامعه: قال مالك - رحمه الله تعالى -: لا خير في القران في التمر، وقال في موضع آخر: لأنهم شركاء فيه، وروى ابن نافع - رحمه الله تعالى - أنه إن كان أطعمهم فنعم، وفي رواية ابن وهب - رحمه الله تعالى - أن ذلك ليس بجميل، قال غيره: وكذلك التين.
وقيل لمالك - رحمه الله تعالى -: أيأكل الرجل من طعام لا يأكله أهله وعياله ورقيقه ويلبس غير ما يكسوهم؟ قال: إي والله، وأراه في سعة من ذلك، ولكن يحسن إليهم، قيل: فحديث أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه -؟
(2)
قال: كان الناس يومئذ ليس لهم هذا القوت، قيل: فمن أكل مع أهله وولده أيتناول ما يليهم؟ قال: لا بأس به، قيل: فالقوم في مثل الحرس يأكلون فيأكل بعضهم من بين يدي بعض، وهم يوسعون له في ذلك؟ قال: لا خير في ذلك، وليس من الأخلاق التي تعرف عندنا.
(1)
متفق عليه من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
(2)
لعله يقصد حديث الصحيحين وغيرهما " فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ".
وفي حاشية الحطاب - رحمه الله تعالى -: قال الشيخ يوسف بن عمر رحمه الله سبحانه وتعالى: ويكره اليمين على الطعام، وإنما جاء عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه كان يقول:" كل " ثلاثا " وقيل يجوز الحلف بالله سبحانه وتعالى، فإن حلف فلا يبر فيه، إلا أن يأكل حتى يشبع، قال الحطاب - رحمه الله تعالى -: لعل هذا إذا كانت نيته ذلك، أو دل عليه بساط اليمين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
2186 -
وليس غسل اليد من قبل الغذا
…
بسنة إن لم يكن بها أذى
2187 -
وبالنخالة وبالطعام
…
يكره غسلها على المعتام
2188 -
وليمة النكاح من لها دُعي
…
غيابه عنها من الممتنع
2189 -
إلا للهوٍ ثَم لم يخِفَّا
…
أو منكرٍ تحريمه لا يخفى
2190 -
ومثل ذاك كثرة الزحام
…
وترك الاكل ليس بالحرام
قوله: وليس غسل اليد البيت، أشار به إلى أن غسل اليد قبل الطعام إذا لم يكن بها أذى، مكروه عند مالك - رحمه الله تعالى - قال: وأراه من فعل العجم.
والأحاديث الواردة بالأمر به متكلم فيها، ولا ينافي هذا أنه حسن من ناحية الطب
…
قوله: وبالنخالة البيت، معناه أن غسل اليدين بالنخالة والطعام مكروه عند مالك - رحمه الله تعالى - ونقل منعه عن سحنون - رحمه الله تعالى - قال ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - في جامعه: قيل: أيغسل يده بالدقيق؟ قال: - يعني مالكا - غيره أحب إلي منه، ولو فعل لم أر به بأسا، وقد تمندل عمر - رضي الله تعالى عنه - بباطن قدمه، وروى ابن وهب في الجلبان والفول وشبه ذلك، أنه لا بأس أن يتوضأ به، ويتدلك به في الحمام، وقد يدهن جسده بالسمن والزيت من الشقاق، وفي رواية أشهب - رحمه الله تعالى - وسئل عن الوضوء بالدقيق والنخالة والفول؟ قال: لا علم لي به، ولم يتوضأ به؟ إن أعياه شيء فليتوضأ بالتراب، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: إياكم وهذا التنعم، وأمر الأعاجم.
قوله: وليمة النكاح البيتين، معناه أن وليمة النكاح تجب على من دعي إليها على التعيين الإجابة على المشهور، لما في الحديث،
(1)
وقيل تندب فقط، وقال اللخمي - رحمه الله تعالى -: تجب إذا كان بين الداعي والمدعو معنى خاص، كقرابة وجوار ونحو ذلك، وإلا فإن لم يحضر من الناس ما تحصل به شهرة النكاح ندبت الإجابة، وإلا كانت جائزة فقط، قال في الجواهر نقلا عن الباجي - رحمهما الله سبحانه وتعالى: وصفة الدعوة التي تجب لها الإجابة أن يلقى صاحب العرس الرجل فيدعوه، أو يقول لغيره: ادع لي فلانا بعينه، فإن قال: ادع لي من لقيت، فلا بأس على من دعي بمثل هذا أن يتخلف.
ومحل الأمر بإجابة الدعوة إلى الوليمة إذا لم يكن هناك منكر بين، كاختلاط الرجال والنساء، وفرش الحرير، والمزامير، ولم يكن هناك لهو كثير مشتهر مع إباحته، وإلا كره حضورها، خصوصا في حق ذوي الهيئات، وأما اللهو الخفيف كالدف واللعب الخفيف فتجب الإجابة معه، ولم يكن هناك زحام، فإن كان فالتخلف واسع عند مالك - رحمه الله تعالى - للمشقة.
(1)
روى الشيخان من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ".
قوله: وترك الأكل ليس بالحرام، أشار به إلى أن المشهور أن أكل المفطر مندوب، وليس بواجب، فالأمر بالأكل في الحديث الشريف عند مالك - رحمه الله تعالى - على الندب، وقد جاء في حديث آخر " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
(1)
وأما الدعوة إلى غير الوليمة فلا تجب إجابتها، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: والدعوات إلى الأطعمة تنقسم على خمسة أقسام، منها ما يجب على المدعو إليها إجابة الداعي إليها، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر، وهي دعوة الوليمة التي أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بها وحض عليها، وأمر بإجابة الداعي إليها، ومنها ما تستحب الإجابة إليها، وهي المأدبة التي يفعلها الرجل للخاص من إخوانه وجيرانه على حسن العشرة، وإرادة التودد والألفة، ومنها ما يجوز إجابة الداعي إليها، ولا حرج في التخلف عنها، وهي ما سوى دعوة وليمة العرس، من الدعوات التي تصنع على ما جرت به العادة، دون مقصد مذموم، كدعوة العقيقة، والنقيعة، والوكيرة، والخرس، والإعذار، وما أشبه ذلك، ومنها ما يكره إجابة الداعي إليها، وهو ما يقصد به منها قصدا مذموما، من تطاول، أو امتنان، وابتغاء محمدة وشكر، وما أشبه ذلك، لا سيما لأهل الفضل والهيئات، لأن إجابتهم إلى مثل هذه الأطعمة إضاعة للتعاون، وإخلاف للهيبة عند دناءة الناس، وسبب للإذلال، فقد قيل: ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له، ومنها ما تحرم الإجابة إليها، وهي ما يفعله الرجل لمن يحرم عليه قبول هبته، كأحد الخصمين للقاضي وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
(1)
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة والإمام أحمد.