المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌مقدمة النظم

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌فصل في الحيض والنفاس

- ‌باب طهارة الماء والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌أماكن تمنع الصلاة فيها

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الكسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في صلاة الجمعة

‌باب في صلاة الجمعة

442 -

والسعي للجمْعة أيضا ذو انحتام

إذا على المنبر يجلس الامام

443 -

وللأذان عند ذاك فوقا

منارة الجامع ندبا يُرقى

444 -

ويحرم البيع به، ككل

أمر عن السعي لها ذي شَغل

445 -

أما الأذان الثان فهْو من عمل

عثمان، والإجماع فيه قد حصل

قوله: والسعي للجمعة البيت، معناه أن السعي إلى الجمعة واجب على الأعيان، إذا أذن لها الأذان الذي يكون بعد جلوس الخطيب، لقوله سبحانه وتعالى:(إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وقيل يجب السعي عند الزوال، وهذا في حق من قربت داره، وأما بعيد المنزل فيجب عليه السعي بقدر ما يدركها، ويشترط في وجوبها الإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورية، والإقامة، والحرية، اتفاقا في ما قبل الحرية، وعلى المشهور فيها.

قوله: وللأذان عند ذاك فوقا البيت، معناه أنه يستحب صعود المؤذن عند جلوس الخطيب على المنار، لأنه أبلغ في الإسماع، والمعول أنه إنما يؤذن لها بعد جلوس الخطيب مؤذن واحد، مرة واحدة.

ص: 264

قوله: ويحرم البيع به البيت، معناه أن البيع وما في معناه من العقود يحرم بوجوب السعي إلى الجمعة كما في الآية الكريمة المتقدمة، واختلف إن وقع هل يفسخ وهو المشهور أو لا، واختلف على المشهور إذا فات هل يمضي بالثمن إذ لا فساد في ثمنه ولا مثمنه أو ترد قيمة الفائت، أو مثله، وهو المشهور، لأن إمضاءه بالثمن إتمام له، واختلف هل تعتبر القيمة وقت القبض، لأنه وقت الضمان أو بعد انقضاء الصلاة، إذ لا قيمة شرعية في وقت النداء إلى انقضاء الصلاة، انظر التنبيه لابن بشير.

قوله: أما الأذان البيت، معناه أن الأذان الأول الذي يكون عند الزوال استحدثه سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه -لما كثر الناس، وكان بالزوراء، ثم نقله هشام بن عبد الملك إلى المسجد، ووصفه بكونه ثانيا باعتبار الاستحداث، فهو أول في اليوم، ثان في التاريخ.

446 -

ووجبت بالمصر والجماعة

أعني إقامة صلاة الجمْعة

447 -

وقبلها يخطب حتما، وبيد

يمنى إلى عصا ونحوها استند

448 -

وليقعدنَّ قبلها، وقعدا

كذاك بينها كما قد عُهِدا

449 -

ولتُقَم الصلاة حين يُكمل

والفصل إن كان كثيرا يبطل

قوله: ووجبت البيت، معناه أن الجمعة تجب بالمصر والجماعة، قال ابن بشير -رحمه الله تعالى -: وأما موضع الاستيطان فإنه شرط في الجمعة، وهل شرط ذلك الموضع أن يكون مصرا في المذهب قولان، المشهور لا يشترط ذلك بل يجمع في القرى، إذا كانت على الصفة المتقدمة من إمكان الثواء والاستغناء.

وأما الجماعة فشرط بلا خلاف، والمشهور أنه لا حد لها سوى إمكان التقري، وإدامة الإقامة والاستغناء عن غيرهم، وحصول أبهة الإسلام في موضعهم، قاله بمعناه ابن بشير أيضا.

ووجه اشتراط هذه الأمور، أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم -لم يقمها، ولم تقم على عهده، إلا مع هذه الأمور، فاقتضى ذلك اشتراطها، لاستحالة خفاء ذلك من أمرهم عليه -صلى الله تعالى عليه وسلم ـ.

ص: 265

وأيضا الأصل الظهر فلا ينتقل عنه إلا بعلم استجماع ما هو شرط، فالشك في السبب لغو، كما هو معلوم، قال في التبصرة: ولم يختلف المذهب أن الجمعة مفارقة للصلوات الخمس، وأن ما سوى الجمعة يقام بالواحد والاثنين، وأن للجمعة حكما آخر، وصفة تطلب، وقدرا تقام الجمعة بحصوله وتسقط بعدمه، وإذا كان ذلك، وجب أن لا تقام إلا على صفة مجمع عليها، وأن الخطاب يتوجه بها، فمتى عدم لم تقم لمختلف فيه، لأن أصل الظهر أربع، فلا ينتقل عنه بمشكوك فيه.

قوله: وقبلها يخطب حتما، أراد به أن الخطبة للجمعة واجبة قبل الصلاة على المشهور، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفي فرضهما - يعني الخطبتين - وسنتهما ثالثها الأولى فقط، لابن القاسم وابن الماجشون مع رواية الثمانية: إن صلوا بلا خطبة أجزأت، ورواية ابن حبيب، وقول ابن بشير: لا نص في وجوب الثانية، ونقل اللخمي لا تساعده الروايات، يرد بنقل الباجي وابن الحارث عن ابن القاسم: إن لم يخطب في الثانية ما له بال أعادوا، والمعروف على وجوبهما شرطيتهما، وقول ابن الحاجب: نفيها لا أعرفه، وأخذه من رواية الثمانية أجزأت، أو قول ابن شاس: صرح القاضي أبو بكر بشرطيتها بعيد، وأقلها، قال ابن القاسم وروى القاضي: مسماها لغة، ابن العربي: حمد وتصلية وتحذير وتبشير وقرآن، العارضة: إن اقتصر عليه أجزأ، وفي إجزاء تحميد أو تسبيح أو تهليل قولا ابن عبد الحكم مع روايته ومطرف وابن القاسم.

وأشار ببقية البيت إلى أنه يندب للخطيب أن يتوكأ على عصا ونحوها كقوس، قال في التاج: من المدونة قال مالك: يستحب للإمام أن يتوكأ على عصا غير عمود المنبر إذا خطب، ويقال إن فيها شغلا عن مس اللحية، والعبث باليد، ابن حبيب: والقوس كالعصا، وسواء خطب في ذلك على المنبر أم إلى جانبه.

ص: 266

قوله: وليقعدن قبلها البيت، معناه أن الخطيب مأمور بالجلوس قبل الخطبتين، وبينهما استنانا، على المشهور، وقيل بالوجوب فيهما، ويندب للخطيب أن يرفع صوته بالخطبة لما في الصحيح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته،

(1)

قال في التاج: عياض: تكون حركات الواعظ والمذكر وحالاته في وعظه، بحسب الفصل الذي يتكلم فيه، ومطابق له، حتى لا يأتي بالشيء وضده، ابن شاس: يؤمر الخطيب أن يرفع صوته، ولذلك استحب المنبر، لأنه أبلغ في الإسماع، ألا ترى أنه لو خطب بالأرض جاز.

وقال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: ويستحب بدؤها بالحمد، وختمها بأستغفر الله لي ولكم، وقصر الثانية عن الأولى، وفي الطهارة لها طرق، القاضي والجلاب: هي مستحبة، ابن العربي: فرض، اللخمي قولا مالك وسحنون.

وقال ابن ناجي -رحمه الله تعالى -: واختلف في مقداره -يعني الجلوس بين الخطبتين -فقال يحيى بن يحيى: قدر الفصل بين السجدتين، وقيل قدر ما يقرأ (قل هو الله أحد) حكاه ابن عات.

قوله: ولتقم الصلاة البيت، أشار به إلى اشتراط اتصال الخطبة بالصلاة، فالفصل بينهما إذا كان طويلا مفسد، ويغتفر الفصل اليسير، قال ابن ناجي -رحمه الله تعالى -: فإن طرأ ما يمنع إمامته كحدث، أو رعاف، فإن كان الماء بعيدا فإنه يستخلف باتفاق، وإن قرب فكذلك عند مالك، وقيل ينتظر، قاله ابن كنانة وابن أبي حازم، وحيث يستخلف ففي المدونة: من حضر الخطبة أولى، ولأشهب إن قدم غيره ابتدأها أحب إلي.

450 -

ولتقرأنْ جهرا بالاولى الجمعه

ندبا، لما بها منَ اَمر الجمعه

451 -

ولتقرأنْ كذاك بالغاشية

ونحوها في الركعة الثانية

452 -

ووجبت على الذي في المصر مع

من كان منه نحو فرسخ يقع

453 -

ولم تجب على الذي قد ظعنا

ولم تجب أيضا على أهل منى

454 -

والعبد والمرأة معْ ذوي الصغر

وأجزأت كلا إذا لها حضر

(1)

رواه مسلم وابن ماجة.

ص: 267

455 -

ولكن النساء تُنهى عن ذهاب

لها، متى يكنَّ في عصر الشباب

قوله: ولتقرأن جهرا البيتين، معناه أنه يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بسورة الجمعة، وفي الركعة الثانية بسورة (هل أتيك حديث الغاشية) قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: وفي المجموعة: قيل لمالك - رحمه الله تعالى -: سورة الجمعة سنة؟ قال: ما أدري ما سنة، ولكن من أدركنا كان يقرأ بها، إلى أن قال: وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه صلاها بالجمعة والمنافقون، وبالجمعة وهل أتيك، وسبح وهل أتيك، والكل في صحيح مسلم.

وقال أبو الحسن اللخمي في التبصرة: والقراءة فيها جهرا، قال مالك -رحمه الله تعالى -: أحب إلي أن يقرأ فيها بسورة الجمعة وهل أتيك.

وقال أيضا: يقرأ في الثانية بـ (سبح اسم ربك الأعلى) قال: وهم يقرؤون اليوم بالتي تلي الجمعة، قال الشيخ -رحمه الله تعالى -: وكل ذلك واسع، ليس في الثانية شيء موقت، وأما الأولى فينبغي أن يلتزم قراءة سورة الجمعة، لأن آخرها متضمن لوجوبها، ووجوب السعي لها، وترك البيع والشراء، ففي قراءتها تذكرة لوجوبها، وتحضيض على أن لا يفرط فيها.

وقال القاضي عبد الوهاب -رحمه الله تعالى -: المستحب أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إنها وغيرها سواء، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك ويداوم عليه، هو ومن مضى من السلف بعده، ولأن فيها ذكرا بالجمعة والحض عليها، وكثيرا من أحكامها من النداء لها، وتعليق السعي به، ومنع البيع بعده، وجواز الانتشار بعد الفراغ منه، ووجوب الخطبة والإنصات لها، فكان قراءتها أولى ليتجدد على أسماع الناس.

ص: 268

قوله: ووجبت على الذي في المصر البيت، معناه أنه يجب شهود الجمعة على من كان في المصر، وإن كان على خمسة أميال أو أكثر، ويجب على من كان خارج المصر، إذا كان منه على مسافة ثلاثة أميال أو ما قاربها، قال في التبصرة: واختلف هل المراعى ثلاثة أميال من المنار، أو من طرف المدينة، فقال مالك - رحمه الله تعالى - في المجموعة: عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك ثلاثة أميال، وظاهره من المنار، وقاله أبو محمد عبد الوهاب، إن المراعى من المنار، وقال محمد بن عبد الحكم إنما ينظر إلى ثلاثة أميال من المصر، وحيث يقصر الصلاة المسافر في خروجه، وليس ينظر إلى المسجد، وقد يكون بين المسجد وآخر البلد أكثر من ثلاثة أميال.

وفي البيان عن مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال: وإنما أخذنا ذلك من قبل أن أهل العالية كانوا ينزلون يوم الجمعة إلى الجمعة على عهد رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ من العالية، وأقصا العالية على ثلاثة أميال، ولم يعلم أن من وراءهم نزلوا ولا لزمهم ذلك.

ص: 269

قوله: ولم تجب على الذي قد ظعنا البيتين، معناه أن الجمعة لا تجب على المسافر، ولا الحاج بمنى، واختلف في أهل منى أيام منى، ولا تجب على عبد ولا امرأة ولا صبي، قال في التبصرة: الجمعة واجبة على الرجال الأحرار المقيمين، قال مالك -رحمه الله تعالى -: ولا جمعة على النساء، ولا على الصبيان، ولا على العبيد، ولا على المسافرين، فسقطت عن النساء بإجماع، والإجماع فيهن في موضعين: أحدهما سقوطها، والآخر أنهن إن حضرنها وصلينها أجزأت عن الظهر، وأما الصبيان ففرض الصلاة ساقط عنهم، الجمعة وغيرها، وأما العبيد فاختلف فيهم في ثلاثة مواضع: أحدها هل تجب عليهم، الثاني إذا لم تجب عليهم هل تنعقد بهم، الثالث هل يصح أن يقيمها العبد بالأحرار، ولا خلاف أنه إذا صلاها مأموما أجزأته عن الظهر، والمعروف من قول مالك أنها غير واجبة على العبيد، إلى أن قال: وسقطت في السفر لأن من شرطها المصر، ولأن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قد مر عليه في سفره جمع، ولم يجمع، وكان وقوفه في حجته يوم الجمعة، فلم يجمع، وكذلك إذا دخل المسافر في الحضر، هو على حكم المسافر في القصر، فلا تجب عليه جمعة، واختلف إذا شهدها وصلاها مأموما، واستخلف على إقامتها، فقال مالك: إذا صلاها مأموما أجزأت، وقال ابن الماجشون في ثمانية ابن أبي زيد لا تجزئه، وإن كانت صلاته للظهر ركعتين، لأنه صلاها على نية الجمعة، وقول مالك أحسن، وأن تجزئه، قياسا على المرأة، فالجمعة ساقطة عنها، وإن شهدتها أجزأتها عن أربع، وقال مالك في العتبية: إذا أحدث الإمام فاستخلف المسافر لم تجزهم، ويعيدون الخطبة والصلاة ما لم يذهب الوقت، فإن ذهب الوقت أعادوا ظهرا أربعا، وأجاز أشهب أن يستخلف.

ص: 270

قوله: ولكن النساء البيت، معناه أن الشواب يكره حضورهن الجمعة، إذا لم يكن فواتن، قال في المواهب: قال في الطراز: بعد أن ذكر لفظ المدونة، وحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله "

(1)

ما نصه: ولا فرق في ذلك بين صلاة النهار وصلاة اليل، لأن الحديث عام، مع أنه قد خرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال:" لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد باليل " وهذا لأن الصلاة المكتوبة في جماعة جاء فيها فضل كبير، وكذلك المشي إلى المساجد، فبالنساء أكبر حاجة إلى ذلك، كما بالرجال، ويرجع الحال إلى شأن المرأة، فإن عرف الرجل منها الديانة والصحة، فلا بأس أن يأذن لها في ذلك، وإن عرف منها المكر ولم يتحقق له أنها تريد المسجد، حتى يتحقق توجه الخطاب إليه، فله في ذلك مقال، وقد منع النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من يوجد منها ريح البخور أن تخرج إليه باليل،

(2)

وذكر حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - ثم قال: وقد كره مالك ذلك للشابة، ولعل هذا هو المعهود من عمل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فلا يعرف أن أبكارهن ومن ضاهاهن يخرجن إلى المسجد، ولو خرج جميع الناس لملأن المسجد، وعادلن الرجال في ذلك، ومثل ذلك كان يتصل به العمل في العادة، وكره في رواية أشهب ترداد المتجالة إليه، ورأى في غيرها أن تخرج إليه المرة بعد المرة، ثم قال: وخرج أبو داوود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن "

(3)

(1)

متفق عليه.

(2)

روى مسلم أن زينب الثقفية ـ رضي الله تعالى عنها ـ كانت تحدث عن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أنه قال: " إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة " ورواه النسائي والإمام أحمد.

(3)

ورواه أيضا الإمام أحمد، وهو حديث صحيح ..

ص: 271

وهذا يقتضي أن خروجهن إليها جائز، وتركه أحب، على ما قاله مالك في المختصر.

ونقل قبل ذلك عن القاضي عياض -رحمه الله تعالى -ما نصه: وشرط العلماء في خروجهن أن يكون بليل، غير متزينات، ولا متطيبات، ولا مزاحمات للرجال، ولا شابة مخشية الفتنة، وفي معنى الطيب إظهار الزينة، وحسن الحلي، فإن كان شيء من ذلك، وجب منعهن خوف الفتنة، وقال ابن مسلمة -رحمه الله تعالى -تمنع الشابة الجميلة المشهورة، قال الشيخ محي الدين: ويزاد لتلك الشروط أن لا يكون في الطريق ما تتقى مفسدته، قال القاضي عياض: وإذا منعن من المسجد، فمن غيره أولى.

ولعل مما يشهد لقوله: فلا يعرف أن أبكارهن إلخ، حديث أم عطية -رضي الله تعالى عنها -في العيد

(1)

.

ووجه الشروط المذكورة ما في الحديث من نهيهن عن الطيب في غدوهن إلى المسجد، فالمعنى في ذلك ترك ما يبعث على الافتتان بهن، وخروجهن مع استجماع الشروط المذكورة مرجوح لحديث " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها "

(2)

.

456 -

وأنصتنَّ وقت خطبة الامام

واستقبلنَّه، فكل ذو انحتام

457 -

والغسل عند سعيه لها يجب

وجوب سنة، وتهجير ندب

458 -

ومثله تناول الأطياب

ولبسه لحسن الثياب

459 -

والنفل بالمسجد بعدها خلافْ

الاحب، فالأحب إذ ذا الانصراف

460 -

والنفل قبلها من المعتام

بمسجد لمن سوى الإمام

461 -

أما الامام فبلا تأخر

يرقى كما يدخل فوق المنبر

(1)

أمرنا ـ تعني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحُيض أن يعتزلن مصلى المسلمين متفق عليه، واللفظ لمسلم، والعواتق جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، أو التي قاربت البلوغ.

(2)

رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.

ص: 272

قوله: وأنصتن وقت خطبة الامام، معناه أن الإنصات للخطبة واجب، قال في التبصرة: الإنصات للخطبة والاستماع لها واجب، لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم ـ": إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت

(1)

" وإذا كان من استنصت المتكلم لاغيا، كان المتكلم الأول أبين أنه لاغ، وفي كتاب مسلم - رحمه الله تعالى - قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: " من حرك الحصى فقد لغا " فلا يجوز له حينئذ أن يحرك شيئا له صوت، كتاب، ولا ثوب جديد، ولا ما أشبه ذلك، لأن ذلك مما يشغل السامع، وقال مالك - رحمه الله تعالى - في المبسوط: إذا تكلم رجلان، فلا بأس أن يشير إليهما بيده ينهاهما، أو يغمزهما، أو يسبح بهما، ولا يرفع صوته بالتسبيح، إلى أن قال: واختلف في الإمام إذا تكلم بما لا يجوز من سب من لا يجوز سبه، أو مدح من لا يجوز مدحه، هل يسكت الناس عند ذلك، فقال مالك - رحمه الله تعالى - في المجموعة: لا ينبغي الكلام وإن خرج إلى ما لا يجوز له، وقد قال عبد الملك بن حبيب: إذا لغا الإمام في خطبته، أو تكلم بغير ما يعني الناس، أو خرج إلى اللعن والشتم، لم يكن على الناس الإنصات عند ذلك، ولا التحول إليه، قال: وقد فعل ذلك سعيد بن المسيب لما لغا الإمام، أقبل سعيد على رجل يكلمه، فلما رجع إلى الخطبة سكت سعيد - رحمه الله تعالى - وهذا هو الصواب، والأول حماية.

(1)

متفق عليه بلفظ " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ".

ص: 273

قوله: واستقبلنه فكل ذو انحتام، يعني به أن استقبال الإمام في الخطبة واجب، ولا فرق في ذلك بين من يسمع ومن لا يسمع، ولا بين الصف الأول وغيره، قال مالك -رحمه الله تعالى -في الموطإ: السنة عندنا أن يستقبل الناس الإمام يوم الجمعة إذا أراد أن يخطب من كان يلي القبلة وغيرها انتهى قال ابن حبيب -رحمه الله تعالى - وللمستقبل أن يلتفت يمينا وشمالا، زاد ابن زياد عن مالك: وله أن يلتفت وإن حول ظهره إلى القبلة، نقله في المواهب.

قوله: والغسل عند سعيه لها يجب، معناه أن الغسل عند السعي واجب وجوب السنن، لمن لا رائحة له، ووجوب الفرائض لمن له رائحة كريهة كالحوات والقصاب وغيرهما، أما الأول فلقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " من توضأ يوم الجمعة فبها ونِعْمَتْ ومن اغتسل فالغسل أفضل

(1)

" ولقول عثمان -رضي الله تعالى عنه -لما قال له عمر -رضي الله تعالى عنه -: أية ساعة هذه؟!

إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت

(2)

.

وأما الثاني فلنهيه عن إتيان المسجد على تلك الهيئة في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا "

(3)

ولوجوب شهود الجمعة.

(1)

رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

(2)

متفق عليه.

(3)

متفق عليه.

ص: 274

قوله: وتهجير ندب، معناه أن التهجير إلى الجمعة وهو الرواح إليها بعد الزوال أفضل من التبكير عند طلوع الشمس لمن قربت داره، قال في التنبيه: وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة الحديث كما ورد،

(1)

واختلف المذهب هل أراد الساعة السادسة، فيكون الرواح من أول النهار، أم هي ساعة قدرها الشرع عقيب الزوال، وهذا هو المشهور من المذهب، والأول قول ابن حبيب، ولفظ الرواح يقتضي القول المشهور، لأن المشي قبل الزوال لا يسمى رواحا، وقوله:" الساعة الأولى " يقتضي قول ابن حبيب، ولا بد من التجوز في أحد اللفظين، وقد احتج فيها للمشهور بأن قول ابن حبيب يقتضي أن تكون الصلاة قبل الزوال، لأن الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - جعل آخر الرواح الساعة السادسة، قال:" إذا خرج الإمام حضرت الملئكة يستمعون الذكر " والساعة السادسة هي قبل الزوال لا بعده، وهذا الذي قلناه في الرواح بعد الزوال جار في حق من يمكنه إدراك الجمعة إذا راح حينئذ، وأما من لا يمكنه إلا بالرواح قبل ذلك، فيجب عليه الرواح متى علم أنه لو أخر لفاتته الجمعة، ولا تفوت عندنا إلا بأن يرفع الإمام رأسه من الركعة الثانية، ولكن لا يجوز لكل الناس التراخي إلى هذا المقدار.

(1)

الحديث متفق عليه ولفظه عند البخاري " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملئكة يستمعون الذكر ".

ص: 275

وجاء عن مالك أيضا - رحمه الله تعالى - في سماع أشهب أن التهجير المندوب يكون قبل الزوال، قال ابن رشد ? رحمه الله تعالى -: كره مالك الغدو بالرواح إلى الجمعة من أول النهار لأنه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره عن أصحاب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كانوا لا يغدون إلى الجمعة، فاستدل بذلك على أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يرد بالخمس ساعات في قوله:" ثم راح في الساعة الأولى " إلى آخر الحديث، ساعات النهار المعلومة من أولها على ما ذهب إليه جماعة من العلماء، ومنهم الشافعي - رحمه الله تعالى - وأنه إنما عنى بذلك ساعة الرواح، وهي التي تتصل بالزوال وقت خروج الإمام، فهي التي تنقسم على الخمس فيكون الرائح في الأولى منها كالمهدي بدنة، وفي الثانية كالمهدي بقرة، وفي الثالثة كالمهدي كبشا أقرن، وفي الرابعة كالمهدي دجاجة، وفي الخامسة كالمتصلة بالزوال، وخروج الإمام كالمهدي بيضة، ولما لم تكن هذه الساعة منقسمة على الخمس ساعات محدودة بجزء معلوم من النهار، قبل زوال الشمس فيعلم حدها حقيقة، وجب أن يرجع في قدرها إلى ما اتصل به العمل، وأخذه الخلف عن السلف، فلذلك قال مالك - رحمه الله تعالى -: إنه يهجر بقدر، أي يتحرى قدر تهجير السلف، فلا ينقص منه، ولا يزيد عليه، فيغدو من أول النهار، لأنه إذا فعل ذلك عليهم شذ عنهم، فصار كأنه فهم من الحديث ما لم يفهموه، أو رغب من الفضيلة ما لم يرغبوه، نقله في المواهب.

ص: 276

وهذا بين، فإن السنة التركية كالسنة الفعلية، فقد عاب صلى الله تعالى عليه وسلم على من سرد الصوم وهجر النوم، وقال " من رغب عن سنتي فليس مني

(1)

" وقال أبو بكر حين أشار عليه عمر -رضي الله تعالى عنهما -بجمع القرآن: كيف أصنع شيئا لم يصنعه رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم -أو كلاما هذا معناه، ولما كلما زيدا -رضي الله تعالى عنهم أجمعين -قال لهما مثل ذلك

(2)

.

وقول ابن بشير في كلامه السابق: ولكن لا يجوز لكل الناس التراخي إلى هذا المقدار، يريد به أنه يتعين حضور العدد الذي لا تنعقد بأقل منه، من أول الخطبة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله: ومثله تناول البيت، معناه أنه يندب لمريد شهود الجمعة أن يتزين لها، ويلبس أحسن ثيابه، ويستاك، وينال من طيبه، وقد روى البزار أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " حق على كل مؤمن أن يغتسل يوم الجمعة، ويتسوك ويمس من طيب إن كان له

(3)

" قال سيدي زروق -رحمه الله تعالى -: وفي بعض الأحاديث ما يدل أنه -يعني الطيب -يكفي عن الغسل لمن تعذر عليه.

ويندب له كذلك قص شاربه، وقلم أظافره، ونتف إبطيه، وحلق عانته، إن احتاج إلى ذلك.

قوله: والنفل بالمسجد البيت، معناه أن التنفل بعد الجمعة في المسجد مكروه، فالأحب إذا صلوا الجمعة أن ينصرفوا إلى منازلهم، ويتنفلوا بها، ونقل فيه قول بالمنع.

قوله: والنفل قبلها البيت، معناه أن النفل قبل الجمعة مندوب، مرغب فيه، حتى يدخل الإمام، فإن دخل وهو في أثناء نافلة خفف، وهذا في حق غير الإمام، وأما الإمام فالسنة أن يرقى المنبر إثر دخوله، ولا يركع لأنه يشرع في فرض، وإنما يركع من يريد الجلوس، قاله الباجي كما في التاج.

(1)

متفق عليه.

(2)

رواه البخاري والترمذي والإمام أحمد.

(3)

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، وفي حديث الشيخين " الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبا إن وجد ".

ص: 277