الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الأيمان والنذور
988 -
بالله جل فاحلف إن أردْتا
…
حَلْفا، وإلا فاصمتنَّ صمتا
989 -
وأدبنْ مَن كان بالطلاق
…
أقسم، أو أقسم بالعتاق
990 -
وذاك لازم إذا تخلفا
…
الامر الذي كان عليه حلفا
991 -
والحل بالثُّنْيا به لايقع
…
كذاك تكفير به لا ينفع
الأيمان جمع يمين: اسم للحلف والقسم، سمي بذلك لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه، وعرفه خليل بقوله: اليمين: تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله تعالى أو صفته، وعرفه القرافي بأنه جملة خبرية وضعا، إنشائية معنى، متعلقة بمعنى معظم عند المتكلم، مؤكدة بجملة أخرى من غير جنسها، والنذور: جمع نذر، وهو إيجاب الشخص على نفسه لله سبحانه وتعالى أمرا.
قوله: بالله جل فاحلف البيت، أشار به إلى حديث الصحيح " من كان حالفا فليحلف بالله سبحانه وتعالى أو ليصمت "
(1)
وذلك بأن يحلف باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى أو ما في معناه كوالذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة، وفي الحلف بصفاته كعلمه وقدرته وكرمه طريقة الأكثر أنه جائز باتفاق، وطريقة تحكي الخلاف وتشهر الجواز، ويكره الحلف لغير حاجة، وأما الحلف بمخلوق معظم كالكعبة فلا يجوز منعا عند اللخمي، وكراهة عند ابن رشد - رحمهم الله تعالى -.
(1)
متفق عليه.
قوله: وأدبنْ البيتين، معناه أن الحالف بالطلاق أو العتق يؤدب، للنهي عن الحلف بذلك، ويلزمه ما تقتضيه يمينه من طلاق أو عتق، إن حنث فيها، قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: ونص مطرف وابن الماجشون على ذلك، يعني التأديب إذا تعدد الحلف بهما، وهي جرحة في الشهادة والأمانة، قال ابن القاسم: ويضرب من لا امرأة له ومن لا عنده ما يعتق أكثر، لإضافته إلى النهي الكذب.
قوله: والحل بالثنيا البيت، معناه أن الحلف بالطلاق والعتق ونحوهما من كل ما سوى اليمين بالله سبحانه وتعالى وما في معناها، لا ثنيا فيه ولا كفارة، والثنيا: تعليق الأمر بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فإذا قال: إن جاء زيد فهند طالق أو حرة إن شاء الله تعالى فجاء زيد لزمه الطلاق والعتق، ولا تنفعه في ذلك ثنياه ولا تكفيه فيه كفارة، بل بمجرد حنثه يقع عليه ما ذكر، قال ابن يونس - رحمه الله تعالى -: الأصل في من أوجب على نفسه فعل شيء بيمين من الأيمان فلم يفعله، أو حلف أن لا يفعله ففعله، أن يلزمه ما حلف عليه، ولا يقيم الاستثناء بمشيئة الله سبحانه وتعالى فيه، إذ لا علم لنا بمشيئته سبحانه وتعالى، فخرج الاستثناء في اليمين بالله سبحانه وتعالى من ذلك بالسنة، وبقي ما عداه على أصله.
992 -
ومَن يقل إن شاء ربي بعد ما
…
قد كان بالله تعالى أقسما
993 -
فلا يكفر إذا ما نطقا
…
قاصدا الثنيا به ونسقا
994 -
فإن يكن سكت قبله بلا
…
ضرورة فلا يفيد مسجلا
أشار بهذا إلى أنه يشترط في رفع حكم الحنث بالثنيا في اليمين بالله سبحانه وتعالى وما في معناها، أن ينطق بها فلا تكفي نيتها فقط، وأن يقصد بها الاستثناء، فلو جرت على لسانه من غير قصد، أو بقصد غير الحل كالتبرك ونحوه، لم تنحل بها اليمين، ويشترط كذلك أن يصلها باليمين، فلو فصلها عنها اختيارا لم تسقط عنه الكفارة، وأما الفصل لضرورة من عطاس أو سعال أو نحوه فهو مغتفر، كما أشار إليه بالبيت الأخير.
والوجه في ما ذكر حديث الموطإ وغيره " من حلف على يمين فقال إن شاء الله تعالى فلا حنث عليه " فالعطف بالفاء يقتضي الترتيب، والمرجع في ذلك إلى المعتاد، فلا يخرج عنه ما لا يملك من عطاس ونحوه، والقول حقيقة في اللفظ، وظاهر المعنى أن المراد قول ذلك على وجه التقييد، مثل قوله سبحانه وتعالى:(ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) والتقييد بذلك يستلزم قصده وقصد معناه والله سبحانه وتعالى أعلم.
995 -
وقسم بالله جل واقعه
…
عندهمُ على ضروب أربعه
996 -
لأفعلنْ، أوِ اِنْ فعلتُ، اثنان
…
بالحنث فيهما يكفران
997 -
ثالثها اللغو، وذا أن يقسما
…
على حصول ما به قد جزما
998 -
وبعد ذا خلاف ذاك يظهر
…
فليس آثما، ولا يكفِّر
999 -
ثم الغموس قسَم عمدا على
…
كذِب، أو ما شك هل قد حصلا
1000 -
ولا يكفر، ولكن يزر
…
حالفه، وبالمتاب يؤمر
اليمين أربعة أنواع، وذلك أنها منعقدة وغير منعقدة، والمنعقدة نوعان منعقدة على بر، نحو إن فعلت كذا، أو لا فعلت كذا، ومنعقدة على حنث نحو لأفعلن، أو إن لم أفعل، قال في التاج: قال بعض البغداديين: إنما كان ذلك لأن الأيمان مترددة بين البر والحنث، فالبر بالموافقة، والحنث بالمخالفة، لأنه إذا حلف لا فعلت كذا فهو وقت حلفه غير فاعل، فهو على بر لأنه موافق لما حلف عليه، وإنما الحنث مترقب، فإذا فعل حنث، لأن المخالفة حينئذ وجدت، وكذلك قوله: إن فعلت، وأما إن لم أفعل أو لأفعلن فالمخالفة موجودة وقت الحلف، لأنه إن قال: إن لم أضرب عبدي فهو في الحال غير ضارب، فهو على حنث، لأنه مخالف لحلفه، والبر مترقب، فإذا فعل بر.
والمنعقدة إذا حنث فيها وجبت عليه الكفارة الآتي بيانها إن شاء الله سبحانه وتعالى، سواء كانت برا أو حنثا.
وغير المنعقدة نوعان: لغو وغموس، واللغو عند مالك - رحمه الله تعالى -: أن يحلف على وقوع أمر وهو يعتقد وقوعه، فيظهر عدم وقوعه، وقيل إن يمين اللغو هي اليمين من غير قصد حلف خاصة، قال في التبصرة: واختلف إذا كانت اليمين بغير نية، وإنما خرج على سبق اللسان، فقيل تكون يمينا منعقدة، وأخرج البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: أنزل لغو اليمين في قول الرجل لا والله وبلى والله، وبه أخذ إسماعيل القاضي، لأنها يمين بغير نية.
قال ابن ناجي: قال ابن عبد السلام: وهو الأقرب لأنه أسعد بظاهر قوله سبحانه وتعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) وبقوله جل وعلا: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم).
ولو قيل إن المشهور أسعد بظاهر الآية الثانية لم يكن بعيدا فإن اليمين في صورته مبنية على الخطإ، وقد تقرر عدم المؤاخذة عليه، وقال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: لغو اليمين: أن يحلف على شيء يظنه على ما حلف عليه، ثم يتبين له أنه بخلافه، سواء قصده أو لم يقصده، وقال الشافعي: إن قصد فليس بلغو، فدليلنا أن من حلف على علمه أو ظنه لم يوجد منه استخفاف لحرمة اليمين، ولا جرأة وإقدام على التغرير بها.
وقال في الكافي: فأما اللغو فهو أن يحلف الرجل على الماضي أو الحاضر في الشيء يرى أنه صادق فيه، ثم ينكشف له بخلاف ذلك، فإذا كان ذلك فلا كفارة عليه، ولا يؤاخذ به إن شاء الله سبحانه وتعالى، ومثال ذلك أن يحلف على رجل يراه بعيدا أنه فلان ثم تبين أنه غيره، أو يحلف على طائر أنه غراب ثم تبين له خلاف ما علم منه، وقد ذكر في موطئه عن عائش ـ رضي الله تعالى عنها ـ ما يدل على أن اللغو كل ما يعتقده الإنسان، ولا يقصد به عقد اليمين، نحو قول الرجل في درج كلامه: لا والله، وبلى والله، غير معتقد لليمين، وقد قال بكلا الوجهين من أهل العلم جماعة من أهل المدينة وغيرها، من السلف وأئمة الفتيا بأمصار المسلمين، وقد ذكرناهم في كتاب الاستذكار.
وأما الغموس فهي أن يحلف على وقوع أمر يعتقد جزما أو ظنا أنه لم يقع، أو يشك في وقوعه، ولا كفارة فيها، لما في الأحاديث من ترتب الإثم العظيم عليها بمجرد وقوعها، فظاهره عدم جريان التكفير فيها، وقد عدت في الحديث من الكبائر،
(1)
والأصل أنها لا تكفر إلا بالتوبة، كما في حديث:" كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر " قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: لا كفارة في اليمين الغموس خلافا للشافعي لقوله سبحانه وتعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فأخبر أن المؤاخذة بالكفارة لا تكون إلا في يمين منعقدة، والغموس وقعت محلولة غير منعقدة، بدليل أن المنعقدة ما أمكن حله، لأنه في مقابلة المحلول، والغموس واقعة على وجه واحد فلا يتصور ذلك فيها، وقوله سبحانه وتعالى:(واحفظوا أيمانكم) يريد مراعاتها ليؤدي الكفارة بالحنث فيها، وذلك يقتضي أن تكون اليمين مما يمكن حفظها ومراعاتها، بأن تعلق بما يتأتى به البر والحنث، وهو لا يتأتى في الغموس، ولأنها يمين لا يتأتى فيها بر ولا حنث، فلم تجب بها كفارة كاللغو، ولأن الكفارة معنى ترفع حكم اليمين فلم تتعلق بالحلف على الماضي كالاستثناء، ولأن معنى الحنث وقوع المحلوف عليه مخالفا لما حلف عليه، وذلك يقتضي بعد اليمين على وقوعه، ليصح وصفه إذا وقع بالحنث أو البر.
والحاصل أن اليمين إما أن تكون على ماض أو مستقبل، فالأولى لا كفارة فيها مطلقا وافق أو خالف، والثانية تجب فيها الكفارة إن لم يكن ما حلف عليه.
وهذا كله في اليمين بالله سبحانه وتعالى وما ألحق بها، وأما اليمين بالطلاق والعتق ونحوه فلازمة مطلقا إذا لم يكن ما حلف عليه.
(1)
كما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله تعالى عنهما ـ والترمذي والدارمي.
تنبيه قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: الشيخ: روى ابن حبيب: الإلغاز في اليمين لمكر أو قطع حق يصيرها غموسا، وما كان لعذر أو خوف سخط أخيك فلا بأس به.
وقال في التبصرة: ولا يجوز له أن يلغز ولا أن ينوي غير ظاهر يمينه إذا كانت اليمين في حق، ويجوز إذا كان يدفع بها ظلما، واختلف إذا لم تكن في حق ولا دفع بذلك ظلما، هل يجوز أو يكره.
وظاهر الحديث اختصاص الغموس بالكاذبة التي يقتطع بها مال امرئ مسلم.
1001 -
وبأمور يقع التكفير
…
الاطعامُ، والكسوةُ، والتحرير
1002 -
إطعام عشْرةٍ من الأحرار
…
ألمسلمين ذوي الافتقار
1003 -
عشرة أمداد، لكل واحد
…
مد، بمد المصطفى محمد
1004 -
صلى وسلم عليه الله
…
والال والصحب ومن تلاه
1005 -
وندبوا زَيْدانَ كلِّ فرد
…
بنصفٍ، أو بثلُثٍ من مد
1006 -
بقدر ما يكون ذلك وسط
…
من قوتهم، فهْو بذا المعنى ارتبط
1007 -
فالنصف في السعة، والثلث في
…
حال الغلا فقط، بلا تخالف
1008 -
وإن كساهمُ كسى الذكرانا
…
صغارا أو كبارا القُمصانا
1009 -
وليزد الإناث بالأخمرة
…
من كبرت منها ومن صغرت
1010 -
أوَ اَعتقنْ رقبةً أسلمتِ
…
من فاحش العيوب قد سلمت
1011 -
ومن يكن جميع ذا لم يجدِ
…
فليصم اَياما ثلاثة قدي
1012 -
وندْب اَن يكون صومها ولا
…
وحيث فرَّق كفى ما فعلا
1013 -
وأجزأ التكفير قبل الحنث لـ
…
ـكن كونه من بعده قد فُضِّلا
قوله: وبأمور يقع التكفير البيت، معناه أن تكفير اليمين بالله سبحانه وتعالى وما ألحق بها من النذر المبهم، وقوله: عليَّ يمين أو كفارة، يقع بأمور، ثلاثة منها على التخيير، وهي الإطعام، والكسوة، والعتق، فإن عجز عنها صام ثلاثة أيام كما قال سبحانه وتعالى:(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: وبدأ - يعني القرآن بالطعام - لأنه كان الأفضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة إليه وعدم شبعهم، ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير، قال ابن العربي: والذي عندي أنها تكون بحسب الحال، فإن علمت محتاجا فالطعام أفضل، لأنك إذا أعتقت لم ترفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم، وكذلك الكسوة تليه، ولما علم الله سبحانه وتعالى الحاجة بدأ بالمقدم المهم.
والتكفير بالإطعام أن يطعم عشرة مساكين كما في الآية الكريمة، وذلك بأن يعطي كل واحد منهم مدا بمده صلى الله تعالى عليه وسلم من القمح إذا كان ذلك بالمدينة، قال مالك - رحمه الله تعالى -: وأما سائر البلدان فإن لهم عيشا غير عيشنا، فليخرج وسطا من عيشهم، وقال ابن القاسم - رحمه الله تعالى -: حيث ما أخرج مدا بمد النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ أجزأه، نقله في التاج.
قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: محمد: أفتى بمصر ابن وهب بمد ونصف، وأشهب بمد وثلث، وأنه الوسط من عيش أهل الأمصار.
قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: وكلاهما ليس بخلاف لمالك، والخلاف بينهما في قدر المزيد خلاف في حال قاله ابن عبد السلام.
واختلف إذا أطعمهم غير القمح، هل يجب قدر وسط الشبع منه، أو قدر مبلغ شبع القمح، وهي كصدقة الفطر في نوع ما تخرج منه، ويجزئ من ذلك شبعهم مرتين بأدم، ولو نقص عن المد، أو رطلان لكل واحد بالبغدادي خبزا مع أدم، ويعطى الصغير ولو فطيما مثل ما يعطى الكبير، واختلف في إجزاء الرضيع.
وأما الكسوة فلا يجزئ فيها إلا ما تحل به الصلاة، حملا للكسوة على معناها الشرعي، وذلك ثوب للرجل، ولا تجزئ عمامة وحدها، قال ابن عرفة: الباجي: لا نص في ما يؤتزر به ولا يشتمل به، والأظهر منعه لأنه ليس كسوة.
وتعطى المرأة درعا وخمارا، قال ابن العربي ـ رحمه الله تعالى ـ: وما كان أحرصني على أن يقال: إنه لا يجزئ إلا كسوة تستر عن أذى الحر والبرد، كما أن عليه طعاما يشبعه من الجوع، فأقول به، وأما القول بمئزر واحد فلا أدريه، والله يفتح لي ولكم في المعرفة بعونه، قال القرطبي: قد راعى قوم معهود الزي والكسوة المتعارفة، فقال بعضهم لا يجزئ الثوب الواحد إلا إذا كان جامعا مما قد يتزيا به كالكساء والملحفة.
واختلف في كسوة الصغير، فقيل يعطى الصغير كسوة كبير، والصغيرة كسوة كبيرة كالطعام، قاله ابن القاسم، وقال أشهب تكسى الصغيرة التي لم تبلغ الصلاة الدرع دون الخمار، وظاهره الدرع الذي يصلح للباسها، فإذا بلغت الصلاة أعطيت الدرع والخمار، وروى ابن المواز عن ابن القاسم أنه لم يعجبه كسوة الأصاغر، وكان يقول من أمر بالصلاة فله الكسوة قميصا، وقيل يعطى صغار الإناث ما يعطى كبار الرجال قميصا كبيرا، نقله ابن ناجي.
ولا يراعى في الكسوة كونها وسط كسوة أهله، قال اللخمي: ولو كانت الكسوة كالإطعام يراعى فيها المكفر وأهله لكسى الرجل ذو الهيئة كسوة مثله من أعداد القمص والعمامة وما عليها والسراويل والنعلين والشمشكين، وفي المرأة كسوة أهله من حرير أو خز إن كانت تمتهن ذلك في بيتها، نقله ابن عرفة.
وهذا بين على رأي من يرى أن المراد بالأهل في الآية أهل المكفر لا أهل البلد، ونسبه في التوضيح لكتاب محمد قال: لأن إطلاق الأهل على أهله حقيقة، وعلى أهل البلد مجاز، ونسب خلافه للمدونة.
ومصرف الطعام والكسوة المسلم الفقير الحر.
وأما العتق فيشترط في الرقبة هنا ما يشترط فيها في الظهار وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وإذا عجز عن هذه الأمور الثلاثة صام ثلاثة أيام، ويستحب أن يتابعها.
قوله: وأجزأ التكفير البيت، معناه أن الحالف إذا كفر يمينه قبل أن يحنث ثم حنث أجزأه ذلك، والأحب أن لا يكفر حتى يحنث، وقيل إن ذلك ممنوع، ثالثها يجوز في ذات الحنث دون ذات البر، وقيل غير ذلك.
تنبيه
إذا حلف على فعل وعرض له مانع منه، نظر فإن كان المانع شرعيا وكان لا يرتفع حنث، سواء كان عروضه سابقا على اليمين أو لاحقا، وإن كان يرتفع فإن كان قد وقت لفعله واستغرق المانع الوقت حنث أيضا، وإلا انتظر ارتفاع المانع، وإن كان المانع عاديا فإن كان عروضه متأخرا عن اليمين حنث به وإلا فلا، وإن كان المانع عقليا لم يحنث بعروضه بعد اليمين إلا أن يكون قد فرط، وقد كنت قلت في ذلك:
من يول أن يفعل، إن عرض ما
…
نعٌ من الذي عليه أقسما
حنث حيث الشرع منه حظرا
…
سبق حظْره اليمينَ، أو طرا
إذا يكون حظْره مُداما
…
مثل عصير قد غدا مُداما
أو لا، ووَقَّتَ، كأن يجامعا
…
زوجته هندَ مساء الاربعا
فوجد الزوجة ذلك المسا
…
حائضا أو محرمة أو نفسا
وحيث لا، أُنظر لارتفاع
…
ألسبب المانع للجماع
وعدم الحنث بذاك الدائم
…
للعالم النحرير سحنون نُمي
وغيره بعض الهداة شرطا
…
للحنث فيه أن يكون فرطا
والمانع العادي حيث لحقا
…
يمينَه أحنث، لا إن سبقا
مثاله سرقة اللصوص
…
لمقسم عليه كالقميص
والمانع العقلي إن تأخرا
…
أحنث إن فرَّط، لا إن بادرا
كحالف لينحرنَّ الثورا
…
فهلك الثور هناك فورا
والحنث إن قَيَّد بالإمكان في
…
ألشرعي والعادي عنه منتفي
انتهى
1014 -
ومن يكن لطاعة قد نذرا
…
بفعلها على الوجوب أُمرا
1015 -
ومن يكن نذر أمرا حرما
…
فتركه لذاك الامر انحتما
1016 -
وما عليه فيه غير توبه
…
لله جل وعلا من ذنبه
1017 -
وهكذا الكلام إن نذر ما
…
لم يك قربة ولا محرما
ساق الشيخ - رحمه الله تعالى - هنا لفظ حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الذي رواه مالك والبخاري وغيرهما " من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه " و قد اقتضى هذا الخبر وجوب الوفاء بنذر الطاعة، وقد دلت على ذلك أخبار أخرى كثيرة، كخبر عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ـ يوما ينهانا عن النذر ويقول:" إنه لا يرد شيئا، ولكنه يستخرج به من البخيل "
(1)
وقال سبحانه وتعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله لنصدقنَّ ولنكوننَّ من الصالحين فلما آتيهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) قال في التبصرة: وقد قيل إن الآية الكريمة نزلت في مانع الزكاة، وهذا غير مانع للاحتجاج بما قلناه، لأن الله سبحانه و تعالى أخبر أنه لم يذممهم ويعاقبهم لمخالفة أمره، وأن ذلك لمخالفة الوعد.
وقد اقتضى الحديث المذكور أيضا حرمة الوفاء بنذر الحرام، ويشمل ذلك عند مالك - رحمه الله تعالى - نذر ما ليس بطاعة مما ليس محرما في الأصل، قال يحيى بن يحيى في موطئه: وسمعت مالكا يقول معنى قول رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " من نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه " أن ينذر أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة أو ما أشبه ذلك مما ليس لله سبحانه وتعالى بطاعة إن كلم فلانا أو ما أشبه ذلك، فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه، لأنه ليس لله سبحانه وتعالى في هذه الأشياء طاعة، وإنما يوفى لله سبحانه وتعالى بما له فيه طاعة.
(1)
متفق عليه.
وقد جاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه، فقالوا: إنه نذر أن يسكت فلا يتكلم، وأن يقوم فلا يقعد، وأن يضحى فلا يستظل، وأن يصوم فلا يفطر، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه "
(1)
وفي الحديث " لا نذر إلا في ما يبتغى به وجه الله تعالى "
(2)
قال في التبصرة: لأنه لا يختلف أن ذلك مما لا يجوز أن ينذر، وهذا من التلاعب.
فتحصل أن النذر الذي يجب الوفاء به هو أن يوجب المكلف على نفسه أمرا مندوبا، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: لأن الطاعة الواجبة لا تأثير للنذر فيها، وكذلك ترك المعصية المحرمة لا تأثير للنذر فيه، لوجوب ترك ذلك عليه بالشرع، دون النظر، وإنما يلزم من الترك بالنذر الترك المستحب، مثل أن ينذر الرجل ألا يكلم أحدا بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وما أشبه ذلك، نقله في التاج.
ويشترط في لزوم النذر كون الناذر مكلفا مسلما، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن رشد: أداء ملتزمه كافرا بعد إسلامه عندنا ندب، ابن زرقون والمغيرة: يجب الوفاء بما نذر في الكفر.
1018 -
لا شيء حيث نذر التصدقا
…
بمال غيره إذا ما أطلقا
1019 -
وهكذا لاشيء حيث نذرا
…
إعتاقَه رقيقَ شخصٍ آخرا
1020 -
وناذر عمل بر إن فعل
…
الامر كذا، لزمه ذاك العمل
1021 -
إن فعل الذي عليه عَلَّقا
…
كما إذا نذر ذاك مطلِقا
1022 -
ومَخرَج النذر إذا ما لم يُسَمْ
…
فكفرنَّ عنه تكفير قسم
(1)
رواه البخاري وأبو داود والإمام مالك.
(2)
رواه أبو داود بإسناد حسن.
قوله: لا شيء البيتين، معناه أنه لا شيء على من نذر أن يتصدق بمال غيره، أو يعتق مملوك غيره، كعليَّ صدقة بشاة زيد أو عتق عبده، إذ لا نذر للإنسان في ما لا يملك كما جاء في حديث الصحيح،
(1)
وهذا إذا لم يعلق ذلك على ملكه، فإن علقه على ملكه كعليَّ التصدق بشاة زيد إن ملكتها، أو عتق عبده إن ملكته، لزمه ذلك إن ملكهما.
قوله: وناذر عمل بر البيتين، معناه أن من نذر قربة من القرب إن وقع الأمر كذا فوقع لزمه الوفاء به، كما لو نذره غير معلق، وسواء كان المعلق عليه فعلا له أو لغيره، وسواء كان طاعة أو معصية أو غير ذلك، نحو إن شفيت، أو إن كذبت، أو إن جاء زيد، أو إن أمطرت السماء، فعليَّ صدقة بدينار.
قوله: ومخرج النذر البيت، معناه أن من نذر نذرا مبهما بأن لم يسم مخرجه كأن يقول عليَّ نذر، أو إن فعلت كذا فعلي نذر، ففعله فعليه في ذلك كفارة يمين.
1023 -
ومن على فعل حرام أقسما
…
تحنيثه لنفسه قد لزما
1024 -
مكفرا حتما، وحيث اقتحما
…
فلا يكفر إذًا، وأثما
1025 -
وقائل: عليَّ عهد الله معْ
…
ميثاقه، إذا ما حنثه وقع
1026 -
لزمه كفارتان حسبا
…
ما الشيخ في ذاك إليه ذهبا
1027 -
وحيث أقسم على ما اتحدا
…
مكررا قسمه، مؤكِّدا
1028 -
فذاك في الحكم يمين واحد
…
فليس في تكفيره تعدد
1029 -
ومن يقل: أشركت إن فعلت
…
الامر كذا، أو من يهودَ صرت
1030 -
فليس مطلوبا بأن يكفرا
…
وإنما عليه أن يستغفرا
قوله: ومن على فعل البيتين، معناه أن من حلف أن يفعل محرما وجب عليه أن يكفر عن يمينه، ويدع ما حلف عليه، ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى من يمينه، وإن تجرأ وفعل ما حلف عليه فلا كفارة عليه، وليتب إلى الله سبحانه وتعالى من حلفه وعصيانه.
(1)
متفق عليه من حديث ثابت بن الضحاك ـ رضي الله تعالى عنه ـ.
قوله: وقائل علي عهد الله البيتين، معناه أن من حلف بعهد الله سبحانه وتعالى وميثاقه على أمر وحنث عليه كفارتان، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: عبد الوهاب: العهد عندنا يمين، والميثاق يمين، فإذا اجتمعا في يمين كانا يمينين.
وقال ابن ناجي - رحمه الله تعالى -: واختلف المذهب إذا كرر الحلف بالصفات على ثلاثة أقوال، فقيل بالتعدد وعكسه، وقيل إن كانت الصفة المذكورة ثانيا هي الأولى في المعنى لم تتعدد، وإلا تعددت.
واقتصر في التاج على التعدد عند عدم الترادف، ونصه: نصوا أنه إذا حلف بأسماء كثيرة وحنث فعليه كفارة، لأن الاسم هو المسمى، والمسميات عبارة عنه، بخلاف من حلف بصفات كثيرة وحنث، فعليه بكل صفة كفارة، وإن كنا نقول في صفات الله سبحانه وتعالى إنها لا هي هو، ولا هي غيره، ولا هي متضادة، ولا هي متماثلة.
وقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وتتعدد - يعني الكفارة - في ذكر الصفة مع الذات، كوالله تعالى وعزته.
قوله: وحيث أقسم البيتين، معناه أنه إذا كرر اليمين على شيء قاصدا التأكيد وحنث فعليه كفارة واحدة إذا لم يقصد تعدد الكفارة.
قوله: ومن يقل البيتين معناه أنه ليس من اليمين قول الرجل إن فعل كذا فهو يهودي، أو مشرك، أو نصراني، أو كافر، أو زان، أو سارق، فلا كفارة عليه إذا فعل ذلك، ولا يصير بفعله له كافرا، وليستغفر الله سبحانه وتعالى من هذا القول، سواء فعل ذلك أو لا، وذلك لأنه التزم هتك الحرمة على تقدير حصول أمر ممكن، واللائق تجنب ذلك على كل حال.
1031 -
أما إذا حرم ما قد حلا
…
فذاك لا يجعل ذاك حظْلا
1032 -
إلا لذي زوج، فإن زوجتَه
…
بذا تصير عندهم مبتته
1033 -
واكتفيَنْ بثلْث مال من جعل
…
جميعَ مالِه لوجه الله جل
1034 -
صدقةً اَو هديا، إن لم يذكُرِ
…
معيَّنا، إلا فتبعيضا ذَر
1035 -
ومن يكن لنحر نجله نذر
…
فإن يكن بذا المقام قد ذكر
1036 -
أهدى إذًا حتما على المشهَّرِ
…
وما عليه شيء اِن لم يذكر
قوله: أما إذا حرم البيتين، معناه أنه إذا حرم شيئا مما أحل الله سبحانه وتعالى له، لم يحرم عليه بذلك إلا الزوجة، فإنه إذا حرمها صارت بتة، وذلك كأن يقول زوجتي حرام، أو إن فعلت كذا فزوجتي حرأم وفعله، فتطلق عليه ثلاثا اتفاقا عندنا كما قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى - وكذلك إذا قال الحلال علي حرام، أو إن فعلت كذا فالحلال علي حرام وفعله، فتطلق عليه زوجاته ثلاثا ثلاثا على المشهور، قال في التاج: ووقع لابن رشد - رحمه الله تعالى - في من قال لغريمه: احلف لي بالطلاق، فأبى أن يحلف بالطلاق، فقال: احلف لي بالحلال عليك حرام، فحلف وهو جاهل بأن الحلال عليه حرام يدخله الطلاق، فحنث في يمينه، قال ابن رشد: إن أتى مستفتيا جرى ذلك على الاختلاف في مجرد اللفظ دون النية هل يلزم به الطلاق أم لا، والأظهر أنه لا يلزم، وكذلك الحكم في كنايات الطلاق البينة.
قوله: واكتفين البيتين، معناه أن من جعل ماله صدقة على المساكين، أو هديا للكعبة المشرفة كفاه أن يتصدق بثلثه، أو يهدي ثلثه، ولا يقضى عليه بذلك، إن جعله لغير معين كالمساكين، وإن جعله لمعين لم يقض عليه أيضا إن كان ذلك في يمين، وإن لم يكن في يمين قضي له بجميعه، واختلف في مسجد معين هل هو كشخص معين، فيقضى عليه فيه، أو كالمساكين فلا يقضى عليه فيه.
قوله: إلا فتبعيضا ذر، يعني به أنه إذا عين شيئا لزمه، وإن لم يكن له غيره، كأن يقول ناقتي صدقة إن فعلت كذا وفعله وليس له غيرها، وكذلك إذا عين شخصا كأن يقول على زيد، فيترك له من ماله ما يترك للمفلس، قال في المواهب: والضابط في ذلك أنه حيث أبقى لنفسه شيئا لزمه ما نذر، وحيث لم يبق لزمه الثلث، وإنما لزمه إذا نذر جميعه لشخص لأن المستحق له معين يطالب به، وإنما لزمه إذا نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله كما سيأتي في كلام المصنف لأنه قد أبقى شيئا ولو ثياب بدنه وما لم يعلم به من المال.
قوله: ومن يكن لنحر البيتين، معناه أن من نذر نحر ابنه فإن تلفظ بالهدي، أو نواه، أو ذكر مقام إبراهيم - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - أو ذكر البيت، أو المسجد، أو منى، أو مكة، أو الصفا، أو المروة، لزمه هدي، وإلا فلا شيء عليه، قال في التوضيح: المسألة على ثلاثة أوجه إن قصد الهدي والقربة لزمه باتفاق، وإن قصد المعصية لم يلزمه باتفاق، واختلف حيث لا نية، والمشهور عليه الهدي نقله في المواهب.
1037 -
ومن يكن حنث في يمين
…
بمشيه للبلد الأمين
1038 -
فمشيه من موضع الإقسام
…
عليه إن أبهم ذو انحتام
1039 -
وإن يشأ حج إذًا، أو اعتمر
…
إن لم يكن قصد أمرا إذ نذر
1040 -
ولم يكن صَرورة، أما الصرو
…
رة فإنه بذا يعتمر
1041 -
ثمت من مكة إذ يُحِلُّ
…
من عمرة بفرضه يُهِلُّ
1042 -
وفي التحلل هنالك على
…
حِلاقه تقصيره قد فُضِّلا
قوله: ومن يكن البيتين، معناه أن من حلف بالمشي إلى مكة المكرمة فحنث لزمه المشي إليها، من حيث حلف، حيث لم يعين موضعا، وإن شاء جعل ذلك حجا أو عمرة إذا لم يعين أحدهما بنيته، إلا أن يكون صرورة فيجعله في عمرة، ثم يحج حجة الإسلام.
قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ثم نقل - يعني عبد الحق - عن محمد إن كان في أشهر الحج وهو صرورة فبدؤه بالفرض أولى، وإن أراد الراحة بدأ بمشيه في عمرة، ويحرم بعدها للفرض، وقاله مالك، وإن كان في غيرها فلا بأس أن يبدأ بنذره، اللخمي: إنما يتخير في أحدهما المدني، ويتعين للمغربي، لأنه لا يعرف العمرة، وإن عرفها لا يقصد مشيها.
قوله: وفي التحلل البيت، معناه أنه إذا كان صرورة ومشى بعمرة، فالأفضل أن يقصر ولا يحلق، استبقاء للشعث.
1043 -
وليركبِ اِن عجز عن مشي ورا
…
شروعه، وليأت عاما آخرا
1044 -
وليمشيَنَّ في الذي تعذرا
…
من قبل ذاك مشيه إن قدرا
1045 -
وكونه يُهدي وليس يرجع
…
مع اقتدار، عن عطاء يُسمع
1046 -
وإن بعجزه درى في الابتدا
…
أهدى إذا هديا فقط وقعدا
معناه أن من نذر المشي وظن عند الابتداء القدرة على مشي الجميع، وركب كثيرا، وعرف مواضع ركوبه، ولم يكن بعيدا جدا كأهل إفريقية والأندلس، وذلك كالمصري ومن دونه، فعليه أن يعود في عام قابل، ويمشي في المواطن التي ركب فيها، ويهدي لتفريق المشي، وقال عطاء بن أبي رباح - رضي الله تعالى عنه - لا يرجع ثانية وإن قدر، ولكن يهدي، وأما إذا ظن عند الابتداء عجزه عن مشي الجميع فإنه يمشي مقدوره، ويركب ما عجز عنه ويهدي، وإذا ركب القادر يسيرا لم يعد له، سواء كان لعذر أو لا، وعليه هدي، وإذا ركب كثيرا ولم يعلم مواضع ركوبه عاد ومشى الجميع، ولا يعود بعيد الدار مطلقا اتفاقا.
1047 -
وناذر مشيا اِلى طيبة لم
…
يؤمر بمشيها لها على القدم
1048 -
بل بالركوب يكتفي إن يقصدِ
…
بنذره صلاتَه بالمسجد
1049 -
وإن يكن ذلك لم يقصد فلا
…
يلزمه هناك شيء مسجلا
1050 -
والمشْي للقدْس إذا ما نذره
…
في الحكم كالمدينة المنوره
1051 -
وناذر فعل صلاةٍ بسوى
…
هذي الثلاث ببلاده ثوى
1052 -
لكنه مطالب أن ياتي
…
ثم بما نذر من صلاة
1053 -
وناذر الرباط في مكان
…
ثغر، فهو واجب الإتيان
قوله: وناذر مشيا البيتين، معناه أن من نذر المشي إلى المدينة المنورة فإن قصد صلاة بمسجدها لزمه الذهاب إليه ليصلي به، ولا يلزمه المشي بل يركب إليها، وكذلك إذا لم ينو الصلاة إلا أنه سمى المسجد، لأنه إذا سماه فكأنه قال علي الصلاة فيه، لأنه الشأن، وإذا لم يسم المسجد ولم ينو الصلاة فلا شيء عليه، وظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - التسوية في الصلاة المذكورة بين الفريضة والنافلة، قال أبو الحسن: أما إن نوى صلاة الفريضة فلا إشكال، وأما إن نوى صلاة النافلة فلا تضعيف فيها بل في البيوت أفضل، نقله في المواهب.
ثم قال: وانظر أواخر الشفاء فإنه حكى فيه قولين، الشيخ: إلا أن ينوي أن يقيم أياما يتنفل، فيتضمن ذلك صلاة الفرض.
ولعل محل هذا التفصيل من قربت داره أو كان بالمدينة المنورة، وأما غيره فذلك منه يستلزم قصد الفرض معه عادة والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: والمشي للقدس البيت، معناه أن الكلام في نذر المشي إلى القدس الشريف كالكلام في نذره للمدينة المنورة بأنواره صلى الله تعالى عليه وسلم.
قوله: وناذر فعل صلاة البيتين، معناه أن من نذر أن يذهب إلى مسجد غير هذه المساجد الثلاثة ليصلي فيه صلاة لا يلزمه أن يذهب إليه للنهي عن شد الرحال لغيرها، ويأتي بتلك الصلاة بموضعه، وهذا ما لم يقرب جدا، فإن قرب جدا فقولان قال ابن عبد السلام: الأقرب لزومه الذهاب لتناول الدليل الدال على وجوب الوفاء بالنذر له، وعدم تناول حديث إعمال المطي، ثم الأقرب لزوم المشي لأنه جاء في الماشي إلى المسجد من الفضل ما لم يأت مثله في الراكب، نقله في المواهب.
قوله: وناذر الرباط البيت، معناه أن من نذر الرباط في ثغر من الثغور وجب عليه الإتيان إليه ليرابط فيه إلا أن يكون موضعه الذي هو فيه أشد خوفا أو مساويا.