الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الجهاد
949 -
ثم الجهاد واجب على الكفا
…
ية، فإن يقم به بعض كفى
950 -
ولْيُدعَ أهل الكفر للإسلام
…
إن لم يعاجلوا بالالتحام
951 -
ثم لجزية إذا لم يقبلوا
…
ذاك، فإن أبوا كذاك قوتلوا
952 -
وإنما الجزية في مقام
…
يتبع في الأحكام للإسلام
953 -
فحيث عن ذا خرجوا، فليرحلوا
…
له، فإن أبوا فليست تقبل
الجهاد من الجهد وهو التعب، فالجهاد المبالغة في إتعاب النفس في ذات الله سبحانه وتعالى قاله ابن رشد - رحمه الله تعالى -.
قوله: ثم الجهاد واجب البيت، أشار به إلى أن الجهاد فرض كفاية، لقوله سبحانه وتعالى:(وما كان المؤمنون لينفروا كافة) الآية.
قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: حاصل أنقال المذهب أنه فرض كفاية على قادر عليه لم ينزل به عدو، ولم يبلغه نزوله بمن عجز عن دفعه من مسلم أو ذمي، ونقل ابن القطان الإجماع.
ولوجوبه شروط وهي الإسلام، والحرية، والذكورية، والبلوغ، والعقل، والاستطاعة بصحة البدن وما يحتاج إليه من المال، قال جل من قائل:(ليس على الضعفاء ولا على المرضى) الآية، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاث "
(1)
وقال سبحانه وتعالى: (وقرن في بيوتكن) والعبد لا يجد ما ينفق، نقله في التاج عن ابن رشد.
قوله: وليدع أهل الكفر البيتين، معناه أن الجيش مأمور بدعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم، فإن أبوا دعوا إلى الجزية، فإن أبوا قوتلوا، وقد اختلف في دعوتهم المذكورة قبل قتالهم هل هي واجبة وهو ظاهر حديث معاذ - رضي الله تعالى عنه - وهو قول مالك - رحمه الله تعالى - قال أصبغ: وبهذا كتب عمر بن عبد العزيز، لأنا إنما نقاتلهم على الدين، وإنه يخيل إليهم وإلى كثير منا أن ما نقاتلهم على الغلبة، فلا يقاتلون حتى يتبينوا، قيل لأصبغ: أرأيت من دعا إلى الإسلام والجزية فأبوا فقوتلوا مرارا، أيدعوا كلما غزوناهم؟
قال: أما الجيوش الغالبة الظاهرة فلا يقاتلوا قوما ولا حصنا حتى يدعوهم، لأنهم لم يخرجوا لطلب غرة ولا انتهاز فرصة، وإنما خرجوا ظاهرين قاهرين، وأما السرايا وشبهها التي تطلب الغرة وتنتهز الفرصة، فلا دعوة عليهم، لأن دعوتهم إنذار وتجليب عليهم، مع ما في الدعوة من الاختلاف، وقد قال جل الناس الدعوة بلغت جميع الأمم، نقله في التاج.
وقيل إن دعوتهم غير واجبة مطلقا، وقيل تجب في من بعدت داره خاصة، وقيل غير ذلك، وهذا كله ما لم يعاجلوا بالقتال، وإلا فلا تجب قولا واحدا.
(1)
تقدم.
قوله: وإنما الجزية في مقام إلخ، معناه أن الجزية لا تقبل منهم إلا إذا كانوا بموضع يناله سلطان الإسلام، فإن خرجوا عن ذلك ارتحلوا إليه، وإلا لم تقبل.
954 -
والفر يوم الزحف من كبائر
…
ألذنب إجماعا لما في الخبر
955 -
إلا إذا ما المسلمون نقصوا
…
عن نصف الاعداء ففيه أرخصوا
956 -
وقاتل الكفارَ خلفَ البر
…
والفاجرين من وُلاة الأمر
957 -
وجاز قتْل العِلْج بعد الاسر ما
…
يُعطَ تأمينا، وإلا حرما
958 -
وليس يُخْفَر لهم بعهد
…
منعا، وقتل مرأة ذو حرد
959 -
وهكذا الكلام في الصبيان
…
أيضا، مع الأحبار، والرهبان
960 -
وقتلهم إن قاتلوا لم يُحظل
…
وهكذا المرأة إن تقاتل
قوله: والفر يوم الزحف البيت، معناه أن الفرار من العدو يوم الزحف كبيرة من كبائر الذنوب قال سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير) وفي الحديث الصحيح " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: وما هي يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -؟
قال: " الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "
(1)
(1)
متفق عليه.
وإن كان الفرار تحرفا جاز مطلقا، وإن كان تحيزا إلى فئة جاز إن كان خوفا، ثم محل امتناع الفرار إذا كان المسلمون نصف العدد فأكثر، فإن كانوا أقل من نصفه جاز الفرار، لقوله سبحانه وتعالى:(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) وجعل العراقيون محل ذلك ما إذا لم يبلغ المسلمون اثني عشر ألفا، فإن بلغوا ذلك حرم الفرار مطلقا، وعزاه ابن رشد - رحمه الله تعالى - لأكثر أهل العلم، وذلك لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة "
(1)
واختلف هل تراعى العدة مع العدد أو لا يراعى إلا العدد خاصة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: قال ابن حبيب: لا يحل فرار مائة من ضعفها، ولو كانوا أشد سلاحا، وقوة، وجلدا، إلا أن يكون العدو بمحل مدده ولا مدد للمسلمين، ففي التولية سعة، الصقلي: المعتبر مع تقارب القوة والسلاح، وأما لو لقي مائة غير معدة ضعفها معدا فلا، لأن الواحد معدا، يعدل عشرة غير معدة.
(1)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد
قوله: وقاتل الكفار البيت، معناه أن الكفار يقاتلون مع البر والفاجر من ولاة الأمر، إذ لو ترك القتال مع الجائر - كما كان مالك رحمه الله تعالى يقول به أولا - لكان ذلك ضررا على الإسلام، وخذلانا عظيما للمسلمين، قال في التاج: ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون لا بأس بالغزو معهم وإن لم يضعوا الخمس موضعه، ولم يفوا بعهد، وإن عملوا ما عملوا، وقاله الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ حين أدركوا من الظلم، فكلهم قال: اغز معهم على حظك من الآخرة، ولا تفعل ما يفعلون من فساد وخيانة، ابن بشير: اختلف في معاونة ولاة الجور في الجهاد، والولايات، والأحكام، والأصل في هذا أنه من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فتنظر من توجه ذلك عليه أو دعي إليه هل يؤديه الدخول فيه إلى أمر عظيم مما يدعو إليه فلا يجوز له الدخول، أو يؤديه تركه إلى مضرة تطرأ على المسلمين أو عليه في نفسه، فيجوز له الدخول، أصل هذا تركه صلى الله تعالى عليه وسلم الأعرابي يبول في المسجد خوف مضرة أشد، وتركه صلى الله تعالى عليه وسلم بناء الكعبة المشرفة على ما هو الحق، خيفة على اعتقاد من لم يتمكن الإيمان في صدره.
قوله: وجاز قتل العلج البيت، معناه أن العلج يجوز قتله بعد أسره ما لم يؤمّن، فإن أمّن امتنع قتله، كما يأتي قريبا إن شاء الله سبحانه وتعالى، والمراد بالبيت أنه لا يمتنع قتله بالأسر، وإنما يمتنع بالتأمين، والواجب على الإمام العمل بما تقتضيه المصلحة في الأسرى المقاتلة من قتل، أو فداء، أو من، أو جزية، أو استرقاق، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن رشد حاصل مذهب مالك تخيير في قتل الأسير، واسترقاقه، وفدائه، وضرب الجزية عليه، وعتقه بالاجتهاد في تحصيل الأصلح، فذو النجدة والفروسية والنكاية يقتل، وغيره إن كان ذا قيمة استرقه أو قبل فيه الفداء إن ناف على قيمته، ومن له قوة على الجزية ضربها عليه، وإن لم تكن له قوة كالزمنى أعتقه، ولو جهل هل له نجدة أو فروسية أو غائلة أو لا ففي قتله روايتان، الأولى قول عمر - رضي الله تعالى عنه - قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: هو ظاهر قولها: يقتل من الأسرى من لا يؤمن منه، ألا ترى ما كان من أبي لؤلؤة، ابن رشد: ولو رأى الإمام خلاف ما قلناه باجتهاده فله ذلك، كرأيه فداء ذي النجدة بكثير المال يتقوى به المسلمون، قال ابن عرفة: نحوه نقل الصقلي عن محمد: لا يفادى حربي علج من أهل الذكر والنجدة إلا بمسلم مثله، فإن لم يكن اجتهد الإمام فيه، وخص اللخمي هذا التخيير بالرجال المقاتلة، الباجي: مقتضى الاجتهاد في ذي الرأي والشجاعة قتله، وفي غيره إن كان صانعا أو عسيفا استبقاؤه، ومن رجي إسلامه والانتفاع به مُن عليه.
ثم قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن حبيب: وقتل الأسير بضرب عنقه، لا يمثل به ولا يعبث عليه، سحنون: قيل لمالك - رحمهما الله تعالى -: أيضرب وسطه؟
قال: قال جل وعلا: (فضرب الرقاب) لا خير في العبث.
قوله: وليس يخفر لهم بعهد، معناه أنه يجب الوفاء لهم بما عوهدوا عليه، وخفر العهد: نقضه، قوله: وقتل مرأة إلخ، أشار به إلى النهي عن قتل المرأة والصبي والراهب المنعزل، فإن قاتل أو كان له رأي قتل، وكذلك الأحبار والزمنى، وكذلك المرأة إذا قاتلت بالرمح والسيف وشبهه، ومثلها الصبي، قال الرجراجي: وأما النساء فإن كففن أذاهن عن المسلمين، ولزمن قعر بيوتهن، فلا خلاف في تحريم قتلهن، وإن شعرن في مدح القتال وذم الفرار، فإن قاتلن وباشرن السلاح فلا خلاف في جواز قتلهن في حين القتال في المسايفة، لوجود المعنى المبيح لقتلهن، وكذا أيضا يباح قتلهن بعد الأسر إذا قتلن، فإن رمين بالحجارة ولم يظهرن النكاية ولا قتلن أحدا فلا يقتلن بعد الأسر اتفاقا وهل يعرض عنهن في حين المقاتلة، ويشتغل بغيرهن، أو يقاتلن قتالا يكفهن من غير أن يؤدي إلى قتلهن، يتخرج على قولين، فإن شهرن السلاح وباشرن الكفاح فقاتلن ولم يقتلن حتى أسرن، فهل يقتلن بعد الأسر أم لا على قولين، الأول لرواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية، والثاني في قول سحنون في كتاب ابنه.
والصبي المراهق كالنساء في جميع ما ذكر، واختلف فيه إذا أنبت ولم يحتلم، فالمذهب على قولين، وأما الشيخ الفاني الذي لا يخشى منه نكاية، ولا يتقى من ورائه غائلة ذميمة، فلا إشكال أنه لا يقتل، وهو مذهب المدونة، واختلف في الأجراء والحراثين وأهل الصناعات إذا لم يخش من جهتهم وأمنت جهتهم، فهل يقتلون أم لا على قولين، أحدهما أنهم لا يقتلون وهو قول ابن القاسم في كتاب محمد، وبه قال عبد الملك في الصناع بأيديهم، والثاني أنهم يقتلون وهو قول سحنون، وأما ذووا الأعذار من الزمنى، والمرضى، والعميان، والأشل، والأعرج، فلا يخلو أن يخشى منهم في الحال، لما ظهر منهم من الحيل والتدبير، أو لا يخشى منهم إلا في المآل، فإن خشي منهم في الحال لما يكون من نجابة غيرهم وعلمهم بمصالح الحرب، فلا خلاف أنهم يقتلون جميعا، وإن كان لما يتوقع منهم في ثاني حال، فأما المريض إن كان شابا فالنظر فيه إلى الإمام كسائر الأسرى، وإن كان شيخا فلا يقتل إذا كان صحيحا، فكيف إذا كان مريضا، وأما من عداهم من سائر الزمنى وذوي الأعذار، فقد اختلف المذهب في جواز قتلهم على قولين بعد الاتفاق على جواز أسرهم نقله في المواهب.
961 -
وجائز أمان أدنى المسلمين
…
على الذي بقي منهم أجمعين
962 -
كذا أمانُ مرأةٍ، وطفل
…
بشرط كونه لذا ذا عقل
963 -
وقيل إن أجاز ذلك الامام
…
وإن يرده فما له انبرام
معناه أنه يجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم، فإذا أمن أحدهم حربيا وجب على الجميع الوفاء بأمانه، ولو كان امرأة أو صبيا إذا كان يعقل الأمان كما في المدونة، للحديث الصريح في ذلك،
(1)
وليس للإمام رده، وقال ابن الماجشون يخير الإمام بين أن يمضيه أو يرده، قال ابن بشير - رحمه الله تعالى -: وهذا كله إذا كان التأمين قبل أن يقع الفتح وما دام الذي أمن ممتنعا، وأما إذا وقع الفتح وصار في قبضة المسلمين فإن أمنه الأمير صح تأمينه، وإن أمنه غيره فهل يصح تأمينه فيكون مانعا من القتل قولان أحدهما صحة ذلك لكنه لا يمتنع من الأسر وهذا لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأم هانئ - رضي الله تعالى عنها -:" قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ "
(2)
وكانت إجارتها بعد الفتح، وعزى اللخمي هذا لابن المواز الثاني عدم صحته لأنه صار في قبضة المسلمين، وليس لغير الإمام صيانة دمه، وقال سحنون لا يحل لمن أمنه قتله، والإمام يتعقب ذلك، إن رأى قتله أصلح قتله، وهذا أحسن إذ لو كانت إجارة أم هانئ لازمة لم يقل صلى الله تعالى عليه وسلم:" أجرنا من أجرت" قال ابن الماجشون وسحنون إنما تم أمانها بإجازة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - نقله في التاج.
وقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ومتعلق الأمان في الأسير عدم قتله، وفي الحربي إن قيد به، وبعدم استرقاقه، أو بالأول فقط فواضح، وإن أطلق عمهما، لنقل ألشيخ عن كتاب ابن حبيب: إذا استأمن حربي في منعة فهو آمن، لا يقتل ولا يسترق، ثم قال الباجي: التأمين المطلق هو تأمين الإمام رجلا أو جماعة، فيكون لهم الأمان من القتل والاسترقاق، أو إن أراد البقاء على الجزية فله ذلك، وإن أراد الرجوع فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، وهذا حكم من أمنه المسلم الجائز الأمان.
964 -
وما بإيجاف عليه يُغنم
…
إلى سهام خمسة يقسَّم
(1)
كحديث " ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم " متفق عليه
(2)
متفق عليه.
965 -
وأربعا قسِّمْ على المجاهدين
…
وواحد لبيت مال المسلمين
966 -
والنفل منه حسب اجتهاد
…
الامام فيه ليس ذا انحراد
967 -
وليس جائزا من الأخماس
…
الاخرى، فهم معا بها سواسي
968 -
وإنما النفل ورا المغنم، لا
…
قبلُ، وفيه سلب قد دخلا
969 -
والقسم في بلد حرب عملُ
…
ألسلف الصالح، فهْو أفضل
قوله: وما بإيجاف البيتين، معناه أن ما أخذ من الكفار بإيجاف عليه بالخيل والركاب - وهو الغنيمة - يقسم خمسة أجزاء، تقسم منها أربعة على المجاهدين، ويأخذ الخمس الباقي ويجعله في بيت المال، وحكمه حكم الفيء، وهو ما أخذ من غير إيجاف عليه، فيعطي الإمام قرابته صلى الله تعالى عليه وسلم بالاجتهاد، ولا يعطون من الزكاة، اللخمي: يبدأ منه بسد مخاوف ذلك البلد الذي جبي منه، وإصلاح حصون سواحله، ويشترى منه السلاح والكراع، إذا كان بهم حاجة إلى ذلك، وغزاة ذلك البلد، وعامليه، وفقهائه، وقاضيه، فإن فضل شيء أعطي للفقراء، فإن فضل شيء وقف عدة لما ينوب المسلمين، وإنما بدئ بمن تقدم على من يستحق الزكاة، لأن أولئك لا تحل لهم الزكاة، فكانوا أحق بالارتفاق بما لهم الأخذ منه، وينتفع الآخرون بما جعل لهم مما لا يجوز لأولئك، ابن حبيب: ويقطع منه رزق العمال، والقضاة، والمؤذنين، ولمن ولي شيئا من مصالح المسلمين، ثم يخرج عطاء المقاتلة، ابن عرفة: ظاهره تبدئة العمال على المقاتلة، ويأتي لابن عبد الحكم عكسه، وهو الصواب، نقله في التاج.
قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن حبيب: لما ولي أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -: قال: من كان له من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وعد فليأتني، فقال جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه -: قال لي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " إن جاءني مال اليمن أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " وحفن بيده، فلما جاء مال اليمن أعطاه أبو بكر - رضي الله تعالى عنهما - فحفن له ملء يديه، ثم قال: عدها، فوجدها خمسمائة، فزاده ألفا،
(1)
(1)
متفق عليه ..
وقدم عليه حملان من مال اليمامة، فما أمسى حتى فرقه، وجمع المهاجرين، والأنصار، وأبناء السبيل، والمساكين، فيحثي بيديه من المال في ثوب أحدهم حتى فرغ، وكان يساوي بين الناس في القسم، قال غير ابن حبيب: ولم يكن يكثر في أيامه، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وفضل عمر - رضي الله تعالى عنه - بين الناس في العطاء، يحيى بن سعيد: بلغت المغانم يوم جلولاء ثلاثين ألف ألف، بعث سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - خمسها إلى عمر فاستكثره، فصب في المسجد وغطاه بالمسوح والأنطاع، وبات عليه علي بن أبي طالب، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن أرقم خازن عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فلما أصبح عمر دعا بالناس ثم كشف عنه، فإذا فيه حلي، وجوهر، وتيجان، فلما أصابته الشمس التهبت، فحمد الله سبحانه وتعالى عمر والمسلمون حمدا كثيرا، وفرح المسلمون، واشتد بكاء عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء، قال ابن عرفة: زاد في الرواية: إنما هو يوم شكر، ابن حبيب معها: فقال عمر: والله ما فتح الله تعالى على قوم إلا قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، ووقعت العداوة بينهم، قال ابن حبيب: وكان في المال تاج كسرى، وسواراه، وفروه، فدعا عمر سراقة بن جعشم وكان طويل الشعر، فألبسه فرو كسرى، ووضع تاجه على رأسه، وسواريه في يديه، ثم قال: اللهم لك الحمد أنت سلبت هذا كسرى، وألبسته سراقة، اللهم منعت هذا نبيك إكراما له، وفتحته علي لتسألني عنه، اللهم قني شره، واجعلني أنفقه في حقه، وأمر سراقة فنبذ ذلك في المال، فما برح حتى لم يبق منه شيء إلى أن قال: وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - يستجيد الحلل الرفيعة بخمسمائة إلى ألفين يكسوها الصحابة، ويلبس الخشن المرقع، فخرج الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - إلى المسجد وعمر - رضي الله تعالى عنه - ولم يلبساها فقال: لم لا تلبسانها؟ فقالا - رضي
الله تعالى عنهما -: كبرت علينا يا أمير المؤمنين، فاغتم وأسرع بكتاب إلى عامل اليمن يستحثه في حلتين على قدرهما، فبعث بهما فكساهما ذلك، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ابن حبيب: الحلة رداء ومئزر، أو رداء وجبة، لا ثوب واحد، إلى أن قال: فيها لابن القاسم: قال مالك: مر عمر - رضي الله تعالى عنه - ليلة فسمع صبيا، فقال لأهله: ما لكم لا ترضعونه، فقالوا: إن عمر لا يفرض للمنفوس حتى يفطم ففطمناه، فولى عمر - رضي الله تعالى عنه - قائلا: كدت والله تعالى أن أقتله، ففرض للمنفوس من يومئذ مائة درهم، ابن القاسم: ويبدأ بالمنفوس الفقير والداه، قال: وذكر مالك أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر زمن الرمادة وبلغني أنها كانت ست سنين: واغوثاه ثلاثا، فكتب له عمرو: لبيك لبيك لبيك، فكان يبعث إليه بالعير عليها الدقيق في العباء، فكان عمر يدفع البعير بحمله لأهل البيت يقول: كلوا دقيقه، والتحفوا العباء، وانحروا البعير، فائتدموا بشحمه، وكلوا لحمه، ابن حبيب: لما ولي عمر - رضي الله تعالى عنه - لم تكفه الدرهمان فزادوه درهمين، فلما فرض للعيال فرض لعياله، وترك الأربعة دراهم، وكان يكتسي من بيت المال، ويأخذ عطاءه مع أصحابه، ثم ترك ذلك وجعل طعامه من خالص ماله، فلما احتضر أمر بحصر ما أخذ من بيت المال، فوجد أربعة وثمانين ألفا، فأمر ابنه عبد الله أن يقضيها من صلب ماله، فإن لم يف فليستعن ببني عدي، فباع من ماله بعده بمثل ذلك، ثم أتى عثمان - رضي الله تعالى عنهما - فقال: قبلناها منك ووصلناك بها، قال: لا حاجة لي أن تصلني بأمانة عمر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -.
وولي عثمان قال الحسن: فأقام للناس كما فعل عمر، فكان العطاء دارّاً، والعدو منفي، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا أن يسل عليه سيفا، قال ابن سيرين: كثر المال أيامه حتى بيعت الجارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم، قال ابن حبيب: وكان على منهاج من قبله في النفقة من ماله قصدا وتنزها، قال: وولي علي - رضي الله تعالى عنه - فسار في قسم المال بالعراق بسيرة عمر، غير أنه لم يفاضل بين الناس، قال: وأخبره صاحب بيت ماله أنه امتلأ من صفراء وبيضاء، ففتحه ثم قسمه بين الناس، وأمره بكنسه، وتنزه أن ينفق من مال الله سبحانه وتعالى شيئا.
وتستثنى من قسم الغنيمة قال ابن شاس: أراضي الكفار المأخوذة بالاستيلاء قهرا وعنوة، تكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين، وأرزاق المقاتلة، والعمال، وبناء القناطر والمساجد، وغير ذلك من سبل الخير، ولا تقسم، وظاهر الشيخ - رحمه الله تعالى - أن الغنيمة تقسم بعينها، ولا تباع ليقسم ثمنها، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: الباجي: والأظهر عندي قسمة ذلك لفعله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأن حقوقهم متعلقة بعينه، وإنما كان قسمها ببلد الحرب أولى لأنه أبلغ في نكاية العدو، وقال في المدونة: وهم أولى برخصها، ولأنه أبعد من الضياع، لأن من حاز سهما حفظه، وإذا كان الأمر شائعا كان الحفظ متراخيا.
قوله: والنفل منه البيتين، معناه أن النفل يكون من الخمس المذكور، ولا يكون من الأخماس الأربعة، لأن الله سبحانه وتعالى جعل الأخماس الأربعة للمجاهدين على ظاهر قوله عز وجل:(واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الآية، فلا يجوز للإمام أن يتصرف فيها بإيثار بعضهم على بعض، وذهب علماء الشام وبعض علماء العراق إلى أنه يكون من جملة الغنيمة، والنفل أن يزيد الإمام مجاهدا على سهمه، أو يهب لمن لا يسهم له، ولا يجوز للإمام أن يفعله إلا لوجه كشجاعة، أو اختصاص بفعل كحراسة، أو نحو ذلك.
ومن النفل السلب، وهو ما يوجد مع القتيل من ثياب، وآلة حرب، وفرسه الذي يقاتل عليه.
قوله: وإنما النفل البيت، معناه أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل قبل الغنيمة بأن يقول: من قتل فلانا، أو قتيلا، أو جاء من الموضع كذا، أو من فعل كذا، فله كذا، مخافة أن يقاتل الناس لذلك، فيكون قتالهم للدنيا، ولأن ذلك يؤدي إلى التحامل في القتال، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: لا تقدموا جماجم الرجال إلى الحصون، فلمسلم أستبقيه أحب إلي من حصن أفتحه، وإن قال الإمام ذلك مضى، ومن أهل العلم من لم ير بذلك بأسا.
قوله: والقسم في بلد حرب البيت، معناه أن قسم الغنائم ببلد الحرب هو السنة الماضية المأثورة من عمله صلى الله تعالى عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وذلك لتعجيل المسرة على المجاهدين، وإغاظة للعدو.
970 -
وجاز أخْذُك من الغنائم
…
قوتا له تحتاج قبل المقسم
971 -
وهكذا العلف للبهائم
…
من قبله لحاجة لم يحرم
972 -
ومن يكن غاب فذا لا سهم له
…
ما لم يك الجيش لأمر اَرسله
973 -
واسهمنَّ للمريض إن حضر
…
على خلاف جاء في بعض الصور
974 -
وأسهمنْ لفرس مع الرهصْ
…
وفي المريض مثل ذا الإمام نص
975 -
واضرب بسهمين هنا للفرس
…
واضرب بسهم واحد للفارس
قوله: وجاز أخذك البيتين، معناه أنه يجوز للمجاهدأخذ ما احتاج إليه من طعام وشراب وعلف لدابته من الغنيمة قبل قسمها لعمل السلف الثابت، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: عياض: أجمع علماء المسلمين على إجازة أكل الطعام منها بأرض العدو، وبقدر الحاجة، وجمهورهم على عدم شرط إذن الإمام، وحكاية الزهري شرطه لم يوافق عليها، وفيها الطعام والعلف والبقر والغنم بأرض الحرب جائز أكله، وأخذه للانتفاع به دون إذن الإمام، الشيخ عن ابن حبيب: من السنة عدم قسم المطعم والمشرب، ومن أصابه أحق به، إلا أن يواسي به أو يفضل عن حاجته، وله النفقة منه إلى منصرفه دون إذن الإمام، ولو نهاهم عنه ثم اضطروا إليه جاز لهم أكله، ولو أخذ الناس منه حاجتهم وضم الإمام باقيه للمغنم جاز لمن احتاج أكل ذلك.
قوله: ومن يكن غاب البيت، معناه أنه لا يسهم لمن لم يحضر القتال من الجيش، إلا أن تكون غيبته في أمر كلفه الجيش به، فيسهم له.
قوله: وأسهمن للمريض البيت، معناه أن من مرض من المجاهدين ولم يزل مريضا حتى شهد القتال يسهم له، قال القاضي عبد الوهاب: القتال سبب الغنيمة، فمن قاتل أو حضر القتال أسهم له، قاتل أو لم يقاتل، لأنه قد حضر سبب الغنيمة، وهو القتال، ولأنه ليس كل الجيش يقاتل، لأن ذلك خلاف مصلحة الحرب، لأنه يحتاج أن يكون بعضهم في الردء، وبعضهم يحفظون السواد، وبعضهم في العلوفة، على حسب ما يحتاج إليه في الحرب، ولو قاتل كل الجيش لفسد التدبير، ولذلك قلنا إن المريض يسهم له، لأنه قد شهد الواقعة، ويحصل منه التكثير، وقد قيل في قوله سبحانه وتعالى:(قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) أي: كثروا، نقله في التاج.
وذكر في المواهب أن للمريض أحوالا الأول أن يخرج وهو صحيح ثم يمرض بعد بدء القتال ويتمادى به المرض إلى أن ينهزم العدو، والمشهور أنه يسهم له، الثاني أن يخرج وهو صحيح ويشهد أكثر القتال وهو صحيح ويمرض بعد الإشراف على الغنيمة، فيسهم له اتفاقا، الثالث أن يخرج وهو مريض ولا يزال كذلك حتى ينقضي القتال، فقيل يسهم له وثالثها الفرق بين ذي الرأي والتدبير وغيره، واستظهره ابن عبد السلام، الرابع أن يخرج صحيحا ويمرض قبل اللقاء وفيه قولان، واستظهر ابن عبد السلام منهما القول بالإسهام.
قوله: وأسهمن لفرس البيت، معناه أن الفرس الرهيص يسهم له إذا شهد به اللقاء، قال مالك - رحمه الله تعالى -: يسهم للفرس المريض والرجل المريض، وما كل من حضر القتال يقاتل، ولا كل فرس يقاتل، وقال: لو شهد القتال بفرس رهيص فله سهمه، قال ابن حبيب - رحمه الله تعالى -: بخلاف الحطيم والكسير، نقله في التاج.
والرهيص: هو الذي حصل له مرض في باطن قدمه من وطئه الحجارة، قوله: وفي المريض إلخ معناه أن الفرس المريض يسهم له أيضا في قول مالك كما تقدم، خلافا لأشهب وابن نافع رحمهم الله تعالى جميعا.
قوله: واضرب بسهمين البيت، معناه أن الفرس يضرب له بسهمين، والفارس يضرب له بسهم واحد، وذلك للسنة الثابتة في ذلك.
976 -
لا تسهمنْ لمرأة، ولا رقيق
…
وهكذا الصبي إلا أن يطيق
977 -
معَ إجازة الإمام، فاجعلا
…
له إذًا سهما إذا ما قاتلا
978 -
وهكذا الأجير لا يسهم له
…
إلا إذا ما باشر المقاتله
قوله: لا تسهمن لمرأة البيتين، معناه أن المرأة لا يسهم لها لما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - من أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم فلم يضرب لهن بسهم،
(1)
وخصه ابن حبيب - رحمه الله تعالى - بما إذا لم تقاتل، فإن قاتلت قتال الرجال أسهم لها، ولا يسهم لعبد على المشهور لعدم توجه الخطاب إليه بالجهاد، وقيل يسهم له، ولا يسهم للصبي إلا أن يطيق القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له، كما نقل ابن المواز عن مالك - رحمهما الله تعالى - لأنه حينئذ في معنى البالغ، واختار اللخمي - رحمه الله تعالى - أنه يسهم له حينئذ وإن لم يقاتل، إذا حضر الصف بأهبة الحرب، وقيل لا يسهم له وإن قاتل، وهو قول المدونة، وذلك لأنه ليس من أهل الخطاب بالجهاد، قوله: وهكذا الأجير البيت، معناه أن من خرج مع المجاهدين أجيرا لا يسهم له إلا أن يقاتل أو يخرج بنية الغزو فيسهم له، لخطابه بالجهاد وشهوده القتال، كما يجزئ حج من خرج ومعه تجارة، وأما إذا لم يقاتل ولم يخرج بنية الغزو فلا يسهم له، لأنه إنما خرج لحظ نفسه خاصة، ولم يخرج غازيا، وكذلك الكلام في التجار والصناع.
979 -
ومَن مِنَ العدو أسلم على
…
مال لنا، فهْو له قد حُللا
980 -
وحيث يبتاع من الأعدا فلا
…
يُؤخذ من مبتاعه سبهللا
981 -
وإنما يأخذه مولاه
…
بالثمن الذي به اشتراه
982 -
وهكذا ما في المقاسم وقع
…
فهْو له إن ثمنا عنه دفع
983 -
أما الذي من قبل قسمةٍ دُرِي
…
فهْو به من غير تعويض حَرِي
قوله: ومن من العدو أسلم البيت، معناه أن من أسلم من الكفار على مال لمسلم طاب له بإسلامه اتفاقا، قال في التاج: ابن يونس: لأن للكافر شبهة ملك على ما حازه، إذ لا خلاف أن الكافر لو استهلك في حال شركه ثم أسلم لم يضمنه، ولو أتلفه مسلم على صاحبه لضمنه.
(1)
رواه مسلم والترمذي.
ويستثنى من هذا الحر المسلم، فإنه ينزع منه مجانا، قال في المواهب: وكذلك الفرس المحبس والأرض المحبسة.
قوله: وحيث يبتاع من الأعدا البيتين، يعني به أنه إذا خرج رجل مثلا إلى بلاد الحرب واشترى سلعة من حربي كعبد مثلا، أو وهبه له، وظهر أنه لمسلم وأن الحربي كان قد أسره أو أبق إليه كان لربه أخذه مجانا في مسألة الهبة، وبالثمن الذي دفع عنه في مسألة الشراء، وبما أثاب عليه إن وهب له وأثاب عليه، ويصدق فى قدر الثمن إذا ادعى مشبها، فإن ادعى ما لا يشبه قضي بالقيمة.
قوله: وهكذا ما في المقاسم وقع البيتين، معناه أنه إذا وقع في الغنيمة ما علم أنه لفلان من مسلم أو ذمي قبل القسم أخذه مجانا إن كان حاضرا، وإن كان غائبا حمل له إن كان خيرا له، وإلا بيع ووقف له ثمنه، ولزمه لأنه بيع نظر، وإن لم يعرف إلا بعد القسم كان لربه أن يأخذه بالقدر الذي قوم به في الغنيمة إن علم، فإن لم يعلم فبقيمته يوم القسمة.
984 -
وعظَّموا أجرَ الرباط في الثغور
…
وحيث زاد الخوف زادت الأجور
985 -
وحفظها على الجميع حُتِما
…
وترْكه به الجميع أُثِّما
986 -
ودون إذْن الابوين الغزوُ
…
منْعٌ اِذا لم يفجإ العدوُّ
987 -
إذ العدوُّ إن يُفاجئ لزما
…
جميعَ مَن هناك أن يقاوما
قوله: وعظموا أجر الرباط البيت، يعني أن الرباط بالثغور، ورد فيه أجر عظيم، كحديث الصحيح " رباط يوم في سبيل الله تعالى خير من الدنيا وما عليها "
(1)
وحديث الصحيح أيضا " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان "
(2)
وحديث الترمذي وغيره عن فضالة بن عبيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال: " كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله سبحانه وتعالى فإنه يُنْمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر " قال: وسمعت رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه ولم ـ يقول: " المجاهد من جاهد نفسه " وهو حسن صحيح، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: الرباط المقام حيث يخشى العدو بأرض الإسلام لدفعه، الباجي: ولو بتكثير السواد، الشيخ عن كتاب سحنون وغيره: قال مالك - رحمهم الله تعالى: ليس من سكن بأهله كالإسكندرية وطرابلس ونحوها من السواحل من المرابطين، إنما المرابط من خرج من منزله يرابط في نحر العدو حيث الخوف، ابن حبيب: قال مالك: سكان الثغور يريد الأهل والولد ليسوا بمرابطين، وذكر مثل ما تقدم، الباجي: وعندي أن من اختار استيطان ثغر للرباط فقط ولولا ذلك لأمكنه المقام بغيره له حكم الرباط، قال ابن عرفة: هو مقتضى نقل ابن الرقيق: أن سبب خط القيروان بمحلها رعي كون بينها وبين البحر أقل من مسافة القصر لتكون حرسا.
قوله: وحفظها البيت، معناه أن الرباط بالثغور فرض كفاية، فإذا قام به البعض سقط الطلب عن غيرهم، وإذا ضيع أثموا جميعا.
(1)
متفق عليه من حديث سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله تعالى عنه ـ واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم " والغدوة يغدوها العبد في سبيل الله تعالى خير من الدنيا وما فيها "
(2)
رواه مسلم والإمام أحمد.
قوله: ودون إذن الأبوين البيت، معناه أنه لا يغزى إلا بإذن الأبوين، لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، وفي الحديث أن رجلا هاجر إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من اليمن، فقال: هل لك أحد باليمن؟ فقال: أبواي، فقال: أذناك؟
فقال: لا، قال:" ارجع إليهما فاستئذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما "
(1)
وفي الصحيح أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال:" أحي والداك " قال: نعم، قال:" ففيهما فجاهد "
(2)
وجاء أن جاهمة السلمي جاء إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يستشيره في الغزو، فقال:" هل لك من أم " قال: نعم، فقال:" الزمها فإن الجنة تحت رجليها "
(3)
فإن تعين الغزو بأن فاجأهم العدو أو فاجأ من بقربهم وقد عجزوا عن صده لم يتوقف على إذنهما، ولا فرق في ما ذكر بين الأبوين المسلمين والأبوين الكافرين، إلا أن يعلم أن منع الكافرين له من الجهاد كراهة إعانة المسلمين فلا يعتبر منعهما، واختلف في الجدين هل هما كالأبوين أو لا، الأول ذكره في الإكمال، والثاني ذكره ابن عرفة عن سحنون، وسئل مالك - رحمه الله تعالى - عن الرجل من أهل الأندلس أراد أن يلحق بالمصيصة والسواحل وله ولد وأهل بالأندلس أترى له في ذلك سعة؟
قال: نعم، ثم قال: أيخشى عليهم الضيعة؟
قال: نعم، فكأنه لم يعجبه ذلك حين خاف الضيعة، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وهذا كما قال لأن القيام عليهم وترك إضاعتهم أوجب عليه، بخلاف الغزو والرباط، لا ينبغي لأحد أن يضيع فرضا واجبا عليه بما هو مندوب إليه، نقله في المواهب.
(1)
رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ بإسناد صحيح.
(2)
متفق عليه من حديث عبد بن عمرو ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
(3)
رواه النسائي، وهو حديث حسن صحيح.
قوله: إذ العدو البيت، معناه أن الجهاد قد يتعين بفجإ العدو، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: وقد يعرض لفرض الكفاية ما يوجبه على الأعيان، في التلقين: قد يتعين في بعض الأوقات على من يفجؤهم العدو، الشيخ عن سحنون: إن نزل أمر يحتاج فيه إلى الجميع كان عليهم فرضا، ولو سبى المشركون النساء والذرية والأموال وجب استنقاذهم على من قوي عليه ولو صاروا لحصونهم، ما لم يخافوا على أنفسهم وأهليهم، وينفر من بسفاقس لغوث سوسة إن لم يخف على أهلها برؤية سفن أو خبر عنها، ولتعينه أولا.