الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتاوى في حرمة الاستماع إلى المعازف
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص كتب هذا الكلام كيف نرد عليه؟
في ترجمة إسحاق النَّدِيم (11118) ما مختصره: «الإمامُ، العلامةُ، الحافظ، ذو الفُنون، صاحبُ الموسِيقَى، والشعر الرائق، والتصانيف الأدبية، مع الفقه، واللغة، وأيامِ النَّاس، والبَصَرِ بالحديث، وعُلُوِّ المرتبة. ولم يُكْثر عنه الحفاظ، لاشتغاله عنهم بالدولة. وعنه: "بقيتُ دهراً من عُمُري أُغَلِّس كل يوم، إلى هُشَيْم، أو غيره من المحدثين، ثم أصيرُ إلى الكسائي، أو الفراء، أو ابن غَزالة، فأقرأُ عليه جُزْءاً من القرآن. ثم إلى أبي منصور زلزَل (الذي علّمه ضرب العود) ، فيُضَاربُني طَرْقَيْن (نغمة عود) أو ثلاثة. ثم آتي عاتكةَ بنتَ شَهْدة فآخذُ منها صوتاً أو صوتين". كان ابن الأعرابي يصفُ إسحاق بـ: العلم والصدق والحفظ. وقال المأمون: "لولا شهرة إسحاق بالغناء؛ لوليته القضاء"» . وترجم الصفدي في "أعيان العصر"(5561) لـ: يحيى بن عبد الرحمن، نظام الدين الجعفري (ت 760هـ)، وقال عنه: «الشيخ، المحدث، الكاتب، الموجوّد، المحرر، الموسيقار
…
كان له عناية بالحديث
…
وكان موسيقاراً يتقن اللحون والأنغام» .
وقال الذهبي في السير (10187)، عن عُلَيَّة أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد: «أديبة، شاعرة، عارفة بالغناء، والموسيقى، رخيمة الصوت، ذات عِفَّة، وتقوى، ومناقب
…
كانت لا تغني إلا زمن حيضها، فإذا طهرت أقبلت على التلاوة، والعلم، إلا أن يدعوها الخليفة، ولا تقدر تخالفه. وكانت تقول:"لا غُفِرَ لي فاحشةٌ ارتكبتُها قطُّ، وما أقول في شعري إلا عَبَثاً"» . فاجتمع لها: معرفة: الغناء والموسيقى، مع التقوى.
وأبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ سَعدِ بن إبراهيمَ بن عَبد الرَّحمن بن عَوفِ الزُّهريُّ، كانَ من الثقاتِ الحُفاظِ الكِبارِ، من أتباعِ التابعينَ، من أصحاب الزهري، احتَج بهِ البُخاريْ ومُسلم في "الصحيحَين "، كانَ أمرُهُ في الغِناءِ مَشهوراً.
قالَ الذهبي: "كانَ إبراهيمُ يُجيدُ صِناعَةَ الغِناءِ".
وعَنْهُ في ذلكَ حِكايَة مَروية بإسنادِ صالح، فيها الخَبَرُ عن مَذْهَبِهِ في الغِناءِ والموسيقَى، وَيحكي في ذلكَ شياً عن أبيهِ، وأبوهُ كانَ قاضِيَ المدينَةِ في زَمَنِ أعلامِها كالقاسِمِ بن مُحمد وغيرِه، وهُوَ من ثِقات صِغارِ التابعينَ، وفي القصَّةِ أيضاً شُهودُ مالكِ بن أنَس لذلكَ وهُوَ في مَطلَعِ شَبابِهِ.
قالَ سَعيدُ بنُ كَثيرِ بن عُمَيرِ المصري: قَدِمَ إبراهيمُ بنُ سَعد الزهري العِراقَ سَنَةَ أربَع وثَمانينَ ومِئَةٍ، فأكرَمَهُ الرشيدُ وأظهَرَ بِرهُ، وسُئِلَ عَنِ الغِناءِ؟ فأفتَى بتحليلهِ، وَأتاهُ بَعضُ أصحابِ الحَديثِ ليَسمَعَ منهُ أحاديثَ الزهري، فسَمِعَهُ يَتغَنى، فَقالَ: لَقد كنتُ حَريصاً على أن أسمَعَ منكَ، فأما الآنَ فَلا سَمِعتُ منكَ حَديثاً أبَداً، فَقالَ: إذاً لا افقِدُ إلا شَخْصَكَ، عَلَي وَعَلَي إن حدثت ببَغدادَ ما أقَمتُ حَديثاَ حتَّى أغَنيَ قبلَهُ.
وَشاعَت هذهِ عنهُ ببَغْدادَ، فبَلَغتِ الرشيدَ، فدَعا بهِ فسَألهُ عن حَديثِ المخزوميةِ التي قَطَعَها النبي في سَرِقَةِ الحُليً، فدَعا بِعُودِ، فَقالَ الرشيدُ: أعُودُ المِجمَرِ (يعني الطِيب) ؟ فَقالَ: لا، ولكن عُودُ الطرَبِ، فتَبَسمَ، ففَهِمَها إبراهيمُ بنُ سعدِ، فَقالَ: لعلهُ بَلغكَ يا أميرَ المؤمنينَ حَديثُ السفيهِ ائذي آذاني بالأمسِ وألجَأني أن حَلَقتُ؟ قالَ: نَعَنم، ودَعا له الرشيدُ بعُودٍ، فغَناهُ:
يا أم طَلْحَةَ إنَّ البَيْنَ قَدْ أَفِدَا * قَلَّ الشواءُ لَئِن كانَ الرحيلُ غَدا
فَقالَ لهُ الرَّشيدُ: مَن كانَ مِنْ فُقَهائكم يَكْرَهُ السماعَ؟ قالَ: مَن رَبَطَهُ الله، قالَ: فَهَل بَلَغَكَ عن مالكِ بنِ أنس في هذا شَيء؟ قالَ: لا وَالله، إلا أن أبي أخبَرَني أنهم اجتمَعُوا في مَدعاةِ كانَتَ لبَني يَربوع، وهُم يومَئذِ جِلة، وَمالكَ أقَلهُم مِن فِقهِهِ وقدرهِ، ومَعَهُم دُفوف ومَعازِفُ وعِيدان، يُغَنونَ وَيلعَبونَ، ومَعَ مالك دف مُرَبعٌ، وَهُوَ يُغَنًيهم:
سلَيْمى أجْمَعَتْ بَيْنا * فأينَ لِقاؤها أيْنا
وَقَدْ قالَت لأتْرابِ * لَها زهْرِ تَلاقَيْنا
تَعالَيْنَ فَقَدْ طابَ * لَنا العَيْشُ تَعالَيْنا
فَضَحِكَ الرشيدُ، ووَصَلَهُ بمالي عَظيم.
(أخرجه الخطيب في "تاريخه".. وابن عساكر في "تاريخه" بإسناد صحيح)
وأمَّا المحكي عن أهلِ العراقِ من ثِقاتِهم وفُقَهائهم مِن طَبَقَةِ أتباعِ التابعينَ فيهم، فذَكَروا في البصريينَ القاضِيَ الفَقيهَ الثقَةَ العاقِلَ عُبَيدَ الله بنَ الحَسَنِ العَنبري، حيثُ كانَ حَسَنَ الصوت، وكانَ يَسمَعُ الغِناءَ.
وذَكَروا في الكوفيًينَ المحدًثَ الثقَةَ المنهالَ بنَ عَمرِو الأسَدي، احتج بهِ البُخاري في "صَحيحه"، وحَكَمَ بثِقَتِهِ من نُقَّادِ المحدثينَ يحى بنُ مَعين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا التحقيق في موضوع سماع المعازف مدعما بالدليل من السنة الثابتة وبكلام العلماء في الفتوى رقم: 66001، والفتوى رقم: 54316، والفتوى رقم: 35708، والفتوى رقم: 16947، فراجعها فإنه لا عبرة لقول أحد بعد ثبوت السنة لقوله تعالى: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} ولقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427