الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة
51 -
حكم اشتراط الجماعة لصحة الصلاة
س: هل الصلاة مع الجماعة شرط لصحة الصلاة أم لا؟ نرجو ذكر الدليل إن أمكن، وفقكم الله (1)
ج: اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال قوم: إن أداء الصلاة في الجماعة شرط، وإن من صلى وحده بدون عذر بطلت صلاته. وقال آخرون: بل واجبة، تجب الصلاة في الجماعة، ويجب السعي إليها، وأن تؤدى في المساجد. وهذا أعدل الأقوال. وقال قوم: إنها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي صار أداؤها في حق الباقين سنة. وقال آخرون: سنة. ولكن الصواب من هذه الأقوال وأعدلها وأصحها قول من قال: إنها واجبة. إن أداء الصلاة في الجماعة واجبة وفي المساجد بالذات، يجب أن تؤدى في المساجد مع المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر ". قالوا: وما
(1) السؤال الثالث من الشرط رقم (8).
العذر؟ قال " خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى (1)» خرجه ابن ماجه والحاكم وجماعة بإسناد جيد. قال الحافظ في (البلوغ): على شرط مسلم. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني للمسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " هل تسمع النداء بالصلاة "؟ قال: نعم، قال: " فأجب (2)» فهذا أعمى ليس له قائد يلائمه، ومع هذا يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: أجب، ولم يجد له رخصة. وفي رواية قال:«لا أجد لك رخصة (3)» فصرح النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمى الذي ليس له قائد يلائمه ليس له رخصة في ترك
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب في التشديد في ترك الجماعة، برقم (551) والحاكم في المستدرك برقم (896) ج (373).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه، برقم (15064) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (552) والنسائي في كتاب الإمامة، باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، برقم (851) وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات في التخلف عن الجماعة، برقم (792).
الصلاة في الجماعة في المساجد، وثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه هم أن يحرق على من تخلف عن صلاة الجماعة بيوتهم، قال:«ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم - وفي لفظ: إلى رجال - لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (1)» فلولا أنهم فعلوا منكرا لما هم بتحريق بيوتهم؛ لأنه لا يهم إلا بالحق عليه الصلاة والسلام، فلولا أنهم أتوا جريمة توجب هذه العقوبة لما هم بأن يتخلف عن الصلاة، ويستخلف من يصلي بالناس، ثم يذهب إليهم في وقت الصلاة؛ حتى لا يتعذروا ويقولوا: قد صلينا أو كذا أو كذا. يأتي إليهم وقت الصلاة؛ حتى تكون الحجة قائمة. ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت الصلاة صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار (2)» فهذا كله يدل على وجوب أداء الصلاة في الجماعة، أما الشرط فلا، ليست بشرط على الصحيح؛ لأنها لو كانت شرطا لأمر الناس بالإعادة، وقال:
(1) أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة برقم (2420) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة الجماعة برقم (651) واللفظ له.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (8578).
من صلى في بيته فليعد، ومن صلى في غير جماعة فليعد. فلما لم يأمرهم النبي بالإعادة عليه الصلاة والسلام، وإنما توعدهم وأمرهم بالحضور دل على الوجوب؛ لأن الأصل في الأوامر الوجوب، والأصل في الوعيد الدلالة على وجوب ما توعد عليه، هذا هو الحق؛ أنها تجب الصلاة في الجماعة في المساجد، في بيوت الله لا في بيته، بل يصلي مع الجماعة في مساجد الله، هذا هو الواجب، وهذا هو الحق والله المستعان، ومن المصائب العظيمة تساهل كثير من الناس اليوم في الصلاة وهي عمود الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عنه الإنسان يوم القيامة هذه الصلاة، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1)» وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2)» رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «رأس الأمر الإسلام،
(1) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم (22428) والترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621) والنسائي في كتاب الصلاة باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82).
وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (1)»
فالواجب على جميع المسلمين العناية بهذا الأمر على النساء والرجال، فيجب على النساء المحافظة عليها في الأوقات، وأن تؤدى بطمأنينة وإخلاص لله وإقبال عليها، مع الطمأنينة الكاملة في ركوعها وسجودها وقراءتها، وفي الجلسة بين السجدتين، وفي الوقفة بعد الركوع، كل هذا يجب أن يعتنى به، وأن يكون المصلي مطمئنا سواء رجل أو امرأة، هذا أمر عظيم، فيجب على النساء والرجال العناية بهذا الأمر، وعلى الرجال أداؤها في الجماعة في مساجد الله مع إخوانهم المسلمين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما فعل أصحابه رضي الله عنهم؛ وتنفيذا لأمره عليه الصلاة والسلام، وطاعة له صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن الصلاة في البيت فيه تشبه بالمنافقين، وفيه عصيان للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو وسيلة إلى تركها، متى تساهل بها وصلاها في البيت، فقد يغفل عنها وقد يؤخرها كثيرا، وقد يتركها
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، برقم (21563) والترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616)، وابن ماجه في كتاب الفتن باب كف اللسان في الفتنة، برقم (3973).
بالكلية، إذ لو كانت لها أهمية لما صلاها في البيت، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق - يعني الصلاة في الجماعة - ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (1)» من حرص الصحابة رضي الله عنهم على الصلاة في الجماعة كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، يعضدون له حتى يقام في الصف، هذا من عناية الصحابة بالصلاة، وأنها تهمهم كثيرا، ومن المصائب أيضا تساهل كثير من الناس بصلاة الفجر خاصة، فإنها يتساهل بها أكثر من غيرها مع أنهم في بيوتهم، لكن بأسباب السهر الكثير يتخلفون عن صلاة الفجر في الجماعة في المساجد، وربما أخروها إلى ما بعد طلوع الشمس إلى أن يذهبوا إلى أعمالهم، وهذه من المصائب العظيمة، ومن المنكر العظيم، فيجب على المسلم أن يحذر ذلك، وألا يسهر سهرا يضره، ويسبب تخلفه عن الصلاة في الجماعة في المساجد، ولو كان سهره في أعمال مباحة، أو مستحبة كقراءة القرآن، أو التهجد بالليل، أو ما أشبه ذلك لا يجوز له أن يسهر سهرا يجعله يتخلف عن صلاة الفجر في الجماعة، ويتثاقل عنها، فكيف إذا كان سهره في معاصي الله؛ في سماع الأغاني وآلات الملاهي.
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب صلاة الجماعة من سنن الهدى، برقم (654).