الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وفي لساني نورا، وفي شعري نورا، وفي بشري نورا، وفي عظمي نورا، وفي لحمي نورا، وفي دمي نورا، اللهم اجعل أمامي نورا، وخلفي نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، اللهم أعطني نورا، وزدني نورا، وأعظم لي نورا (1)» كل هذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهذا الدعاء الأخير رواه البخاري في الصحيح، وهو دعاء عظيم عند قصد العبد الصلاة.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب الدعاء إذا انتبه بالليل برقم (6316) بلفظ " اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا، قال كريب وسبع في التابوت فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر خصلتين "، وأخرجه مسلم كذلك مع اختلاف في الألفاظ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامها برقم (763).
56 -
حكم التهاون في أداء صلاة الجماعة
س: هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب في نزع البركة من حاله وماله؟ وما الدليل على ذلك (1)
ج: لا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي أعظم الواجبات
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (77).
والفرائض بعد الشهادتين، وقد دل على ذلك آيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك قوله عز وجل:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)، وقوله سبحانه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2)، وقوله سبحانه:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (3)، وقوله سبحانه:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5) إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (6){أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (7){الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (8)، وقال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (9)، فجعلها قرينة التوحيد قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} (10)
(1) سورة البقرة الآية 238
(2)
سورة البقرة الآية 43
(3)
سورة العنكبوت الآية 45
(4)
سورة المؤمنون الآية 1
(5)
سورة المؤمنون الآية 2
(6)
سورة المؤمنون الآية 9
(7)
سورة المؤمنون الآية 10
(8)
سورة المؤمنون الآية 11
(9)
سورة البينة الآية 5
(10)
سورة البينة الآية 5
هذا هو التوحيد، هذا هو معنى:(لا إله إلا الله)، ثم قال بعده {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (1) وقال سبحانه:{فَإِنْ تَابُوا} (2) يعني: من الشرك {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (3)، فدل على عظمتها وأنها قرينة التوحيد، قال سبحانه {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله (5)» ومن أهم واجباتها وأعظم واجباتها أداؤها في الجماعة في حق الرجل، حتى أوجبها الرب سبحانه في حال الخوف، قال جل وعلا
(1) سورة البينة الآية 5
(2)
سورة التوبة الآية 5
(3)
سورة التوبة الآية 5
(4)
سورة التوبة الآية 11
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، حديث رقم (25) ومسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. .، برقم (22).
فأوجب صلاة الجماعة في حال الخوف وفي حال مصافة المسلمين لعدوهم الكافر، فأمرهم أن يصلوا جماعة، وأن يحملوا السلاح لئلا يحمل عليهم العدو، وقال عليه الصلاة والسلام:«من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2)» وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال:«يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: " هل تسمع النداء بالصلاة "؟ قال: نعم، قال: " فأجب (3)» خرجه مسلم في صحيحه. فهذا رجل أعمى لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجماعة، وفي اللفظ الآخر: قال: «لا أجد لك رخصة (4)» فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى،
(1) سورة النساء الآية 102
(2)
أخرجه ابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653).
(4)
أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه، برقم (15064) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (552) والنسائي في كتاب الإمامة، باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، برقم (851) وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات في التخلف عن الجماعة، برقم (792).
ليس له قائد يلائمه، يعني: يحافظ على الذهاب معه. فإذا كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يعتني به ويحافظ عليه ليس له رخصة، بل عليه أن يذهب ويتحرى ويجتهد حتى يصل المسجد فكيف بحال القوي المعافى؟ فالأمر في حقه أعظم وأكبر، ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل في التهاون بها، وتركها بعد ذلك؛ فإنه اليوم يتخلف وغدا يترك، ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عن أدائها في الجماعة، وفي المساجد التي هي بيوت الله، التي قال عنها سبحانه:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (1)، وهي المساجد، وهذا أمر مجرب، فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب، ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية؛ لقلة وقعها في صدورهم، ولقلة عظمتها في قلوبهم، فيتركونها بعد ذلك، فترك الصلاة في الجماعة وسيلة قريبة وذريعة معلومة إلى تركها بالكلية، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2)» خرجه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود والترمذي والنسائي
(1) سورة النور الآية 36
(2)
أخرجه أحمد في مسنده، من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم (22428) والترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621) والنسائي في كتاب الصلاة باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
وابن ماجه بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1)» وهذا يدل على أنه كفر أكبر، هذا الكفر والشرك، فأتى بالكفر المعرف والشرك المعرف، وهذا الذي عليه أن المراد به كفر أكبر، ويمكن أن بعض أهل العلم رأى أنه كفر دون كفر إذا كان غير جاحد لوجوبها، بل يعلم أنها واجبة ولكن تساهل، وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم وحكى بعضهم قول الأكثرين: إنه كفر دون كفر، وإنه لا يكفر كفرا أكبر. لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر، وهو ظاهر إجماع الصحابة قبل من خالفهم بعد ذلك، وقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الثقة «عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة (2)» فعندهم الصلاة تركها كفر، ومرادهم كفر أكبر؛ لأن هناك أشياء عملها كفر، لكن ليس هو كفرا أكبر، مثل الطعن في الأنساب والنياحة على الأموات، سماها النبي كفرا، والصحابة يسمونها كفرا، لكنها كفرا أصغر، فلما أخبر عنهم أنه لا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2622).
علم أنهم أرادوا بذلك الكفر الأكبر، كما جاء به الحديث.
وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة، وتسبب أيضا شرا كثيرا عليه في بدنه وفي تصرفاته هذا لا يستغرب، فإن المعاصي لها شؤم كثير، ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان، وفي قلبه، وفي تصرفاته، وفي رزقه، فلا يستغرب هذا، فقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«إن العبد ليحرم الرزق بذنب يصيبه (1)» ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض، ومنع المطر، وحصول الشدة، وهذا كله من أسبابه المعاصي كما قال عز وجل {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2)، وقال سبحانه {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (3)، هذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع، فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها، وأن يتباعد عنها، وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه، وعلى المسارعة إلى
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث ثوبان رضي الله عنه، برقم (21907) وابن ماجه في كتاب الفتن، باب العقوبات، برقم (4022).
(2)
سورة الشورى الآية 30
(3)
سورة النساء الآية 79