الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يقتضي حديث: "سياحة أمتي الجهاد" تحريم السياحة للنزهة
؟!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
يدَّعي بعض الناس أن السفر لغرض السياحة محرَّم، وهم يستندون في دعواهم على حديث:"سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" نرجو التكرم بإيضاح الأمر بالتفصيل على ضوء الحديث أعلاه.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
السياحة المنهي عنها في بعض الأحاديث والآثار، والتي ذمها أهل العلم في القديم ليست بالسياحة التي تعارف الناس عليها اليوم، ولكنها سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس، وقد كانت هذه السياحة مما يتعبد به رهبان النصارى.
وقد عقد أبو داود رحمه الله في سننه باباً سماه: بابٌ في النهي عن السياحة (سنن أبي داود/ كتاب الجهاد) وأورد فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! ائذن لي في السياحة. فقال: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". كما أخرجه الحاكم 2/83 وصححه، والبيهقي 9/161، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2172) .
قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى (10/642) : (السياحة في البلاد لغير قصد شرعي، كما يفعله بعض النساك ـ أي ذهابهم في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس ـ أمرٌ منهي عنه)، قال الإمام أحمد:(ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا هي من فعل النبيين والصالحين) أهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره "عند تفسيره للآية 112 من سورة التوبة": (وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين) أهـ.
ويقابل هذه السياحة المذمومة سياحةٌ شرعية مستحبة، ندب الله إليها بالثناء على أهلها في كتابه، كما في قوله تعالى:"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ"[التوبة: من الآية112] وفي وقوله: "مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً"[التحريم: من الآية5] .
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المقصود بهذه السياحة هو الصيام، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والضحاك وابن عيينة وغيرهم.
وعلى ما تقدم فإن كل سياحة رغب إليها القرآن فهي التقرب إلى الله بالصيام، وكل سياحة ذمّها أهل العلم السابقون فهي سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس.
وأما السياحة بمفهومها المعاصر وعرف الناس اليوم والتي تعني السفر للتنزّه والفرجة والاستمتاع وما إلى ذلك فمصطلح حادثٌ لا يصح أن تُنزّل عليه النصوص التي سيقت فيها السياحة مدحاً أو ذماً.
وظاهرٌ من صورة السياحة بمفهومها المعاصر أنها مندرجة في حكم السفر، فإن كانت السياحة بقصد مباح إلى مكان لا يحرم قصده فهي سياحة مباحة حتى وإن تخللها ارتكابٌ لمعصية، وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالمعصية في السفر، وهو أن يكون أصل السفر مباحاً لكن ارتكب المسافر أثناءه معصيةً ما، أما العاصي بسفره فهو الذي أنشأ السفر لقصد محرم؛ كارتكاب فاحشة أو إبرام عقدٍ ربوي مثلاً، وهذا (العاصي بسفره) هو الذي يحرم عليه في قول كثير من أهل العلم أن يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأن الرخص ـ عندهم ـ لا تُستباح بالمعصية.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.