الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك العضوض والملك الجبري
المجيب د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 14/4/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: حفظه الله آمل من فضيلتكم شرح الحديث الآتي: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد 273/4: ثنا سليمان بن داود الطيالسي: ثنا داود بن إبراهيم الواسطي: ثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً في المسجد _ وكان بشير رجلاً يكف حديثه _ فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد! أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة:(فذكره مرفوعاً) . قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز - وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته - فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني: عمر - بعد الملك العاض والجبرية. فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز، فسر به وأعجبه. (والحديث حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى) ، (ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن العزيز؛ لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة، ولم يكن بعد ملكان: ملك عاض وملك جبرية والله أعلم. ملاحظة: أرجو بيان معنى كلمة ملكاً عاضاً وجبرياً.
الجواب
هذا الحديث حسن أخرجه أحمد (30/355 حديث 18406) ، والبزار والطبراني في الأوسط (6577) وسند أحمد حسن فيه داود بن إبراهيم الواسطي روى عنه الطيالسي ووثقه وذكره ابن حبان في الثقات [يراجع تحقيق المسند طبعة الرسالة (30/355) ] .
وهذا الحديث خبر منه صلى الله عليه وسلم عن أمر أمته وأنها تمر بخمس أحوال:
الحالة الأولى: حال النبوة وهو أكمل أحوالها حيث يوجد نبيها عليه السلام ويتنزل الوحي إليه، ويرشد الأمة إلى الحق والخير.
والحالة الثانية: خلاف على منهاج النبوة، وهي تلك الفترة الذهبية من عمر هذه الأمة، وقد جاء تحديدها في الحديث الذي رواه سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك، قال سفينة: أمسك؛ خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة وخلافة علي ست سنين" رواه أحمد (حديث 21919) وأبو داود (4647) ، والترمذي (2226) وابن حبان (6943) وغيرهم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وإنما سميت هذه الفترة بالخلافة كما في بعض الروايات، وبخلافة النبوة في روايات أخرى، لأن الخلفاء صدقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والتزموا الشرع في أحكامهم، كما قاله حميد بن زنجوية فيما نقله عنه البغوي في شرح السنة.
الحالة الثالثة: الملك العضوض وهو الذي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنه معضوض فيه عضاً، ويقال عضوض بضم العين وأعضاد جمع عض وهو الخبيث الشرس.
الحالة الرابعة الملك الجبري وهو الذي يكون فيه عتو وقهر.
الحالة الخامسة: خلافة على منهاج النبوة وقد سبق بيان معنى كونها على منهاج النبوة.
وهذا الحديث وما في معناه يبين فضل الخلافة على الملك لما في الملك من النقص من بعض الوجوه، ولذا لما خير الله نبيه عليه السلام بين أن يكون ملكاً أو يكون عبداً رسولاً اختار صلى الله عليه وسلم أن يكون عبداً رسولاً؛ كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه أحمد (7160) ، وابن حبان في صحيحه (6365)[السلسة الصحيحة حديث رقم 1002] ، وقد روى ابن سعد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل سلمان رضي الله عنه عن الفرق بين الخليفة والملك؟ فقال سلمان رضي الله عنه إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك، أما الخليفة فهو الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهل بيته، والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله " [الطبقات الكبرى 3/306] .
على أنه مما ينبغي أن ينتبه له أن هذه الأحكام في الملك إنما هي في الجملة وإلا فقد يحصل من بعض الملوك من اتباع السنة ونشر الشريعة والجهاد في سبيل الله مثل ما يحصل في زمن الخلفاء، كما كان في عهد عمر بن عبد العزيز وبعض الملوك من بعده، ثم إنه يجوز إطلاق الخليفة على الملوك من بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وإنما اختص الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم بكمال الخلافة، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم [البخاري (3455) - الفتح 6/495، مسلم حديث رقم 1842] ، وعلى كل ففي الحديث بشارة لهذه الأمة أنه سيكون في آخرها خلافة النبوة، فيعز الإسلام وتعلو رايته وينتشر دين الله في الأرض، فعلى المسلم أن يثق بهذا الوعد الكريم، وأن يحدث نفسه بالجد في أن يكون من أسباب تحقق هذا الوعد.
وما ذكره السائل من استبعاد أن يكون عمر بن عبد العزيز من الخلفاء بعد فترة الملكين حق، خاصة وأن الخلافة الأخيرة التي على منهاج النبوة هي خاتمة هذه الأمة أو قرب خاتمتها، فلعل سروره رضي الله عنه لما ستكون عليه خاتمة الأمة.
للتوسع [مجموع الفتاوى 35/18 وما بعدها، تحفة الأحوذي 9/70 وما بعدها، عون المعبود 13/397) .