الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث: "ستكون أمراء
…
" وحكام اليوم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا"، وهل ينبطق على حكامنا اليوم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
الحديث المذكور أخرجه مسلم (1854) من حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-َ قَالَ: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا". وقوله في الحديث: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُون"َ أي: يعمل الأمراء أعمالاً منها ما تعرفون كونه معروفاً، ومنها ما تعرفون كونه منكراً..... أي: أن أفعالهم منها ما يكون حسناً موافقاً للشريعة، ومنها ما يكون قبيحاً مخالفاً للشريعة..وقوله:"فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ"، والرواية الأخرى في مسلم أيضاً:"فمن كره فقد برئ". ومعناه: فمن كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه، فيكره بقلبه.. وقوله:"وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِم"َ. أي: من أنكر باللسان تلك الأفعال القبيحة إذا استطاع ذلك فقد سلم من الهلاك.. ويحتمل أن يكون الإنكار أيضاً بالقلب، ويكون المعنى: اعتقد الإنكار بقلبه، وقد جاء في رواية في صحيح مسلم:"أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه"، قال القرطبي: أي اعتقد الإنكار بقلبه، وجزم عليه بحيث لو تمكن من إظهار الإنكار لأنكره. ومَن كان كذلك فقد سلم من مُؤاخذة الله -تعالى- على الإقرار على المنكر. وهذه المرتبة هي رتبةُ مَن لم يقدر على تغيير المنكر لا باللسان، ولا باليد، وهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم:"وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفي الحديث الآخر: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم (50) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه، وقوله:"وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ....." أي: من رضي المنكر، وتابع عليه فعليه الإثم والعقوبة والمؤاخذة. قال النووي: وفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت. بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَا بِهِ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ. وقوله في الحديث:"أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا.." أي: ما أقاموا الصلاة في الناس، وفي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه كما سيأتي:"لا ما أقاموا فيكم الصلاة" رواه مسلم (1855) قال النووي: "لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يغيروا شَيئاً من قواعد الإسلام." وقال شيخ الإسلام: "هذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور، وأنه يُكره ويُنكر ما يأتونه من معصية الله، ولا تنزع اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن منهم خياراً وشراراً".
وقد دلت أحاديث أخرى على ما دل عليه حديث أم سلمة رضي الله عنها من ترك الخروج على أئمة الجور
ما لم يوجد منهم كفر بواح، والسمع والطاعة ما لم يأمروا بمعصية. - ففي صحيح مسلم (1855) من حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ:" لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ " وفي الصحيحين البخاري
(7199)
، ومسلم (1842) من حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-َ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ" زاد في رواية عندهما بعد قوله:"وألا ننازع الأمر أهله" قال: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "وفي الصحيحين البخاري (3455)، ومسلم (1842) من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُم، ْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" وفي الصحيحين البخاري (7053)، ومسلم (1849) من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" وفي صحيح مسلم (1846) من حديث سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رضي الله عنه -أنه سأل رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-َ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاء، ُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-َ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ". وفي الصحيحين البخاري (7084) ، ومسلم (1847)) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَر، ٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَم"ْ قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْت: ُ كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ" قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُك، َ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" وقد أخذ بما دلت عليه هذه الأحاديث جمهور أهل السنة والجماعة، فذهبوا إلى تحريم
الخروج على أئمة الظلم والجور ما لم يحصل منهم كفر بواح..قال الإمام أحمد: " والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة، فاجتمع الناس عليه، ورضوا به"وقال الإمام الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة" وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: " وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور" وقال ابن بطال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء.. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح" وقال شيخ الإسلام: " استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم" وقال: "وإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وإن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد "وقال أيضاً: " إن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه، وقد قيل: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام. وإذا قدر كثرة ظلمه فذاك ضررٌ في الدين، كالمصائب تكون كفارة لذنوبهم، ويثابون عليها، ويرجعون فيها إلى الله، ويستغفرونه، ويتوبون إليه، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو.. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال من يقاتل على الدين الفاسد من أهل البدع كالخوارج، وأمر بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم والخروج عليهم"، وكلام الأئمة في هذا الموضوع كثير يطول المقام بذكره، ولعل فيما ذكرته كفاية، وينبغي الإشارة إلى أن حرمة الخروج على أئمة الجور لا تعني عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإظهار الشرع وإعلاء كلمة الحق بحسب الاستطاعة، وقد سبق في حديث عبادة رضي الله عنه قال:" بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ "وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " أخرجه الترمذي (4001) ولكن الأمر والنهي يحتاج إلى الرفق والصبر والعلم والحكمة..... قال بعض السلف: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه"، وأما إذا ظهر من
الحاكم كفر بواح قام عليه البرهان وجب الخروج مع القدرة، ويدل على هذا ما تقدم في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، ولأنه لا ولاية للكافر على المسلم، والمخاطب في ذلك الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد
…
قال القاضي عياض: " أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفرٌ وتغيير للشرع أو بدعة مكفرة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك وجب عليهم القيام بخلع الكافر " وينبغي هنا الإشارة إلى الفرق بين الحكم على القول أو الفعل بالكفر وتكفير المعين، فقد يحكم على القول أو الفعل بأنه كفر ويتوقف في تكفير المعين، قال ابن تيمية في تكفير الخوارج والروافض ونحوهم ممن يقول بالكفر، ويفعل أفعالاً من جنس أفعال الكفار:" الصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها، التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً..... ولكن تكفير الواحد المعين منهم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له". هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.