الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى علو الله تعالى
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
أعلم أن العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره؛ إلا أن قريبة لي قالت لي عندما رأتني أرفع يديّ لله عز وجل قالت: لماذا رفعت يديك؟ ولما قلت: لله سبحانه وتعالى، قالت لي: وما يدريك أن الله في السماء؟ وذكرت لي أقوال وأحاديث كالآتي: قال سيدنا علي كرم الله وجهه: "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان". أما أهل الحق فقد أجمعوا على تنزيه الله عن المكان والجهات والحد والتغير والحدوث والجلوس والقعود وغيرها من العقائد التي تبثها المشبهة بين المسلمين، يلي ذكر القول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولا جهة.
(1)
قال مصباح التوحيد ومصباح التفريد الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه (40 هـ) ما نصه (1) : (كان- الله- ولا مكان، وهو الآن على ما- عليه- كان اهـ. أي بلا مكان.
(2)
وقال أيضا (2) : "إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا لذاته" أهـ.
(3)
وقال أيضا (3) : (من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود" اهـ. (المحدود: ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا) .
(4)
وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (94 هـ) ما نصه (4) : (أنت الله الذي لا يحويك مكان" أهـ.
(5)
وقال أيضا (5) : (أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا) اهـ.
(6)
وقال الإمام جعفر الصادق (6) بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم (148 هـ) ما نصه (7) : "من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء فقد أشرك. إذ لو كان على شيء لكان محمولاً، ولو كان في شيء لكان محصوراً، ولو كان من شيء لكان محدثاً- أي مخلوقا" أهـ.
(7)
قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه (8) : "والله تعالى يرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة" اهـ.
(8)
وقال أيضا في كتابه الوصية (9) : "ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق" اهـ.
(9)
وقال أيضًا (10) : " قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال- أي أبو حنيفة-: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء، وهو خالق كل شىء" اهـ..
(10)
وقال أيضا: (11) : "ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا" اهـ.
أرجو الرد على هذه الأقوال، وهل يجب علينا أن ننكر صفة المكان والجهة كما ورد؟. حفظكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن مما دلت عليه نصوص الكتاب العزيز وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة العلو لله تعالى كما يليق به سبحانه، وأنه تعالى على العرش استوى، استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبهه شيء من مخلوقاته:"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"[الشورى:11] .
أما إنكار رفع اليدين إلى السماء فهو إنكار لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من المواقف والجامع العظيمة، كما حصل منه صلى الله عليه وسلم أمام عشرات الألوف من الصحابة رضي الله عنهم في عرفة في حجة الوداع، وعند الجمرات، وعلى الصفا والمروة، وعند الاستسقاء، فكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى السماء في الدعاء، ومن أنكر ذلك فقد رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية كما تقدم، والقولية في قوله صلى الله عليه وسلم: "
…
يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب" رواه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي حديث استحياء الله من عبده أن يرفع يديه إليه بالدعاء، فيردهما صفراً، انظر ما رواه الترمذي (3556) وأبو داود (1488) وابن ماجة (3865) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وغيرها من الأحاديث.
أما نصوص آيات العلو فأكثر من أن تحصر، ومنها قوله تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور
…
" [الملك:16] ولم يقل سبحانه: أأمنتم من في كل مكان، أو من لا في مكان، كما تدعي المنكرة، وكذلك قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب
…
" [فاطر:10] فهل الصعود إلا إلى العلو؟ وكذلك: "تعرج الملائكة والروح إليه" [المعارج:4] والعروج لا يكون إلا إلى العلو، وكذلك: "تنزيل الكتاب" [السجدة:2] من العلو إلى الأسفل وغيرها من النصوص التي لا تحصى، ثم إن دعوى أن الله لا في مكان فهذه لا يوصف بها إلا العدم، ومن قال بذلك يلزمه القول بنفي وجود الله تعالى، وكذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم: "لما سأل الجارية أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال – صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه، فهذا إقرار من النبي –صلى الله عليه وسلم للجارية على جوابها، ولو كان لا يجوز أن يقال إن الله في السماء لما أقرها على جوابها، ولا يجوز عليه – صلى الله عليه وسلم تأخير البيان وقت الحاجة.
والمراد بقولنا: في السماء، ليس معناه أن شيئاً من مخلوقاته يحويه سبحانه وتعالى، ولكن المراد بـ (في) هنا بمعنى (على) كما في قوله تعالى:"يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون"[النحل:50]، وقوله تعالى:"وهو القاهر فوق عباده"[الأنعام:18]، فقولنا: الله في السماء بمعنى في العلو أو على السماء، وكذلك قولنا باستواء الله على العرش فهو استواء يليق بجلاله تعالى كما أخبرنا به عن نفسه سبحانه، وقد قال تعالى:"قل أأنتم أعلم أم الله"[البقرة:140] ، ولا يدل ذلك على أن شيئاً من مخلوقاته يحويه أو أنه محتاج إليه أو نحو ذلك من لوازم استواء المخلوقين.
ثم إن توجه القلب واليدين إلى السماء عند الدعاء هو من أدلة الفطرة السليمة التي تثبت ما أثبته الكتاب والسنة من أن الله تعالى في العلو.
ولذلك لما قام الجويني - أحد كبار المتكلمين- يقول ما قالته المنكرة على المنبر: (كان الله ولا مكان وهو على ما كان
…
إلخ..) ، قال له رجل من الحاضرين: أخبرنا يا إمام عن الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل وقال: حيرني الهمداني.
أما ما ذكرته المعترضة من لوازم باطلة فهذه اللوازم لوازم صفات المخلوقين من الجلوس والقعود، أما الله تعالى فليس كمثله شيء.
وما ذكرته من شبه هي شبه المتكلمين الذين تأثروا بعلم الكلام في القرن الثالث الهجري، ولم تكن معروفة عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ولا أتباعهم ولا الأئمة الأربعة، وإنما قال بها الأشاعرة والمعتزلة من المتكلمين، وهذا مخالف للكتاب والسنة، وعقيدة أهل السنة والجماعة.
وما نقلته من بعض الكتب عن أئمة آل البيت رضي الله عنهم وعن الإمام أبي حنيفة فكله كذب وافتراء عليهم، ولم تكن هذه المقولات معروفة في زمانهم، وعليك أختي السائلة مراجعة كتاب:(العلو للعلي الغفار للإمام الذهبي لتقفي على أقوال الأئمة الصحيحة عن هذه العقيدة) . وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه وسائر المسلمين.