الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
"
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هناك حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". أريد توضيح الحكم المستفاد من هذا الحديث، وهل هناك أي اختلاف بين العلماء بهذا الشأن؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه مسلم (710) ، والترمذي (421) ، والنسائي (865) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ".
والحديث يدل على النهي عن الاشتغال بالنافلة بعد الشروع في إقامة الصلاة، سواء كانت النافلة راتبة الفجر أو غيرها، وقد جاء في رواية:(قِيلَ: يَا رَسُول اللَّهِ، وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْر؟ قَالَ: "وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ". أخرجها ابن عدي 7/246 والبيهقي 2/483 وحسّن إسنادها الحافظ في الفتح (2/149) .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من صلى ركعتي الفجر وقد أقيمت الصلاة، ففي الصحيحين: البخاري (663) ، ومسلم (711) ، من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قَالَ لِي: "يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَرْبَعًا".
وقال أبو بكر الأثرم: سئل أحمد بن حنبل، وأنا أسمع، عن الرجل يدخل المسجد والإمام في صلاة الصبح ولم يركع الركعتين؟ فقال: يدخل في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ". واحتج أيضًا بقوله: "أَصَلاتَانِ مَعًا". أخرجه الترمذي (422)[التمهيد (22/74) ] .
وقد أشار غير واحد من الأئمة إلى الحكمة من هذا النهي، قال النووي، رحمه الله:(الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة) .
وقال القاضي عياض، رحمه الله:(وفيه حكمة أخرى: وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة) . شرح النووي على مسلم (5/ 230) .
وأباح بعض العلماء صلاة ركعتي الفجر ولو بعد إقامة الصلاة، منهم من قيد ذلك بألا تفوته الركعة الأولى، ومنهم من قيده بألا تفوته الركعة الثانية، ومنهم من قيده بألا يكون ذلك في المسجد بل يكون خارج المسجد، قال مالك: إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الإمام ولا يركعهما، وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركع خارج المسجد، ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد.
وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معهم ولم يصلهما، وإلا صلاهما وإن كان قد دخل المسجد.
وقال الأوزاعي: إذا دخل المسجد يركعهما إلا أن يوقن أنه إن فعل فاتته الركعة الآخرة، فأما الركعة الأولى فيركع وإن فاتته.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن خشي أن تفوته الركعتان ولا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه، وإن رجا أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام.
وقد استدلوا بدليلين:
1-
أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها. انظر صحيح البخاري (1163) ومسلم (724) .
2-
ما روي عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه جاء والإمام يصلي الفجر، فصلى ركعتين إلى سارية، ولم يكن صلى ركعتي الفجر. أخرجه عبد الرزاق (4021) . وما روي عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه دخل المسجد والناس في الصلاة، فدخل بيت حفصة، رضي الله عنها، فصلى ركعتين، ثم خرج إلى المسجد فصلى. أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 75) .
والأولى الأخذ بما دل عليه عموم الحديث أنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، والسنة هي الحجة عند التنازع.
وإذا تقرر ما سبق من النهي عن الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة، فهل يقطع النافلة من كان داخلاً فيها بعد إقامة الصلاة؟ من العلماء من قال بقطع النافلة عند سماع الإقامة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ".
قال العراقي: (إن قوله: " فَلَا صَلَاةَ ". يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذٍ في صلاة عند إقامة الصلاة. ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة، وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة، بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم، أو أنها تبطل بنفسها، وإن لم يقطعها المصلي. يحتمل كلا من الأمرين) . [ينظر: نيل الأوطار (3/97) ] .
وخص بعض العلماء النهي في الحديث عن الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة، أما من كان شارعًا فيها قبل الإقامة فلا يشمله النهي، وله أن يتمها بشرط أن لا تفوته الجماعة، وبعضهم لم يشترط ذلك، واستدلوا بعموم قوله تعالى:(وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد: 33] . ويمكن الإجابة عن الآية بأنها عامة والحديث خاص، فيخصص ما تضمنه الحديث من عموم الآية، ثم إن سياق الآية يدل على أن المقصود بالإبطال المعصيةُ من الشرك وغيره الذي يؤدي إلى إبطال العمل.
والذي يظهر - والله أعلم - أن المصلي إذا كان في نافلة وسمع الإقامة فإن أمكنه أن يتمها خفيفة ويدرك أول الصلاة مع الإمام بحيث لا تفوته الركعة الأولى من الصلاة فله ذلك، وإذا قطعها أخذًا بعموم الحديث فلا حرج. والله أعلم. هذا والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.