الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفظ أسماء الله الحسنى وتعيينها
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 2/5/1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو إفادتي عن كيفية الحصول على الأسماء الحسنى المضبوطة، حيث إنني وجدتها مختلفة في أكثر من كتاب، حيث تحتوي بعض الكتب على أسماء لا تحتوي عليها بعض الكتب الأخرى، كما أرجو تفسير سبب ذلك الاختلاف، وكيف نستطيع التحقق من صحة الأسماء؟ وهل كلها من أسماء الله الحسنى؟ وكيف أستطيع أن أحفظ تسعة وتسعين اسماً كما ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر".
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فأسأل الله تعالى أن يجزي الإخوة المشايخ الفضلاء القائمين على موقع (الإسلام اليوم) خير الجزاء على الجهد الجبار الذي يقومون به خدمة لدينهم وأداء للرسالة الملقاة على عواتقهم، وحيث إنهم قد أحسنوا بي الظن، ووجهوا إلي بعض الأسئلة العقدية الموجهة إليهم فقد رغبت في المساهمة معهم متلمساً قول الشاعر:
أسير خلف ركاب القوم ذا عرج *** مؤملاًَ كشف ما لاقيت من عوج
فإن ظفرت بهم من بعد ما سبقوا*** فكم لرب النوى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً *** فما على عَرَجٍ في ذاك من حرج
وخير منه قوله تعالى: كما في الحديث القدسي: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" البخاري (6408) ، ومسلم (2689) متوخياً الصواب فيما أقول راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد والعمل بالرشاد، وأن يستخدمنا لطاعته وفي مرضاته.
يقول السائل أرجو إفادتي عن كيفية الحصول على أسماء الله الحسنى المضبوطة
…
الجواب عليه: الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أسماء الله تعالى كلها حسنى، والحسنى صيغة مبالغة من الحسن، والأصل فيها قوله تعالى:"وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[الأعراف:180]، وقوله – صلى الله عليه وسلم:"إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة "وزاد همام عن أبي هريرة – رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم "إنه وتر يحب الوتر" متفق عليه البخاري (2736) ، ومسلم (2677) .
وقد انقسم الأئمة الأعلام في فهم الحديث السابق إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى أن الله عز وجل ليس له سوى هذا العدد من الأسماء، وأن الغرض من الحديث هو الحصر للأسماء بالعدد السابق تسعة وتسعين، ومن هؤلاء الإمام أبو محمد بن حزم وآخرون.
الفريق الثاني: يرى أن الله تعالى له أكثر من هذه الأسماء الوارد عددها في الحديث السابق، وأن المراد بالحديث ليس الحصر في هذا العدد، بل المراد بالحديث أن من أحصى هذه الأسماء دخل الجنة، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى-: قوله "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" رواه البخاري (2736) ، ومسلم (2677) ، فالكلام جملة واحدة وقوله ومن أحصاها دخل الجنة صفة لا خبر مستقبل، والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه) انظر: بدائع الفوائد (1/177) قوله: (فقوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" لا ينفي أن يكون له غيرها، والكلام جملة واحدة أي له أسماء موصوفة بهذه الصفة كما يقال لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد، وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن حزم فزعم أن أسماءه تنحصر في هذا العدد..) انظر شفاء العليل (2/277) .
وهذا الفريق انقسم أيضاً إلى قسمين:
القسم الأول: يرى جواز إطلاق أي اسم على الله تعالى شريطة أن يدل على الكمال، وشريطة أن لا يرد في الشرع ما يمنع من إطلاقه، كالموجود، والصانع، والذات، وهذا مذهب أهل الضلال من المبتدعة كالمعتزلة والكرامية والباقلاني من الأشاعرة، ولا شك في بطلانه لعموم قوله تعالى:"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ"[الأعراف:33] ، كما أن أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز أن نطلق عليه تعالى إلا ما ورد في الكتاب أو السنة.
القسم الثاني: يرى أنه لا يجوز أن نطلق على الله تعالى إلا ما ورد في الكتاب والسنة حتى لو كان معناه صحيحاً، فلا يقال (الموجد) بل يقال:(الخالق) لعدم ورود الأول وورود الثاني، ولا يقال (العاقل) ويقال (الحكيم) ولا يقال (السخي) ويقال (الكريم) ولا يقال (الشفيق) ويقال (الرحيم) وهكذا.
أما معنى من أحصاها دخل الجنة ففيها لأهل العلم تفصيل هو:
1.
أن المراد من الإحصاء هو: مجرد العد والحفظ، ودعاء الله تعالى بها كلها، ولم يقتصر في دعائه على بعضها مع الإيمان بها، لعموم قوله تعالى:"إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"[يّس:12] .
2.
أن المراد من الإحصاء هو: الإطاقة، كما قال تعالى:"علم أن لن تحصوه"[المزمل: 20] أي: لن تطيقوه، فمن أحصاها: أي من قام بحقها، فإذا قال:(الحكيم) سلم بجميع أوامره، وإذا قال (القدوس) نزهه عن كل النقائص، وإذا قال:(الرزَّاق) وثق من أن الرزق من عنده تعالى فلم يتملَّق للخلق
…
وهكذا.
3.
أن المراد من الإحصاء هو: الإحاطة، وهذا مأخوذ من قول العرب: فلان ذو حصاة، أي عقل ومعرفة، فعلى المسلم أن يبذل غاية جهده في الإحاطة بأسمائه تعالى من الكتاب والسنة المطهرة.
4.
أن المراد من الإحصاء هو: العمل بمقتضى هذه الأسماء، فما يسوغ الاقتداء بمعناه اقتدى به كالغفور، والرحيم، والكريم.
وما يختص به تعالى يقر العبد به ويخضع له، كالجبار، والمتكبر، والأحد.
وما كان فيه معنى الوعد رغب العبد فيه وتطلع إليه، كالوهاب، والولي، واللطيف، وما كان في معنى الوعيد خاف العبد منه وخشيه، كالمنتقم، العدل، والقهار. والذي يبدو لي أن معنى الإحصاء من هذا هو كل ما سبق لا واحداً منها.
أما كيفية الحصول عليها بطريق مأمونة فلا آمن من الكتاب والسنة، ويمكن تتبع هذه الأسماء من خلال الكتاب والسنة ومعرفتها، علماً أنه لم يرد في تحديدها عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم – حديثاً جامعاً لها، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في الفتاوى (22/482 – 484) (أن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة وحفاظ أهل الحديث يقولون هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجة، وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف، وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن، وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها، لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور، فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور ويمكن أن يكون من المحظور، وإن قيل لا تدعو إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة قيل هذا أكثر من تسعة وتسعين.
الوجه الثاني: أنه أعلى ما في حديث الترمذي مثلاً، ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث مثل اسم الرب فإنه ليس في حديث الترمذي، وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم كقول آدم "ربنا ظلمنا انفسنا" [الأعراف: 23] ، وقول نوح "رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" [هود: 47] ، وقول إبراهيم:"ربنا اغفر لي ولوالدي"[إبراهيم: 41]، وقول موسى "رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي" [القصص: 16] ، وقول المسيح "اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء" [المائدة: 114] ، وأمثال ذلك، حتى إنه يذكر عن مالك وغيره أنهم كرهوا أن يقال يا سيدي، بل يقال يا رب لأنه دعاء النبيين وغيرهم كما ذكر الله في القرآن، وكذلك اسم المنان، ففي الحديث الذي رواه أهل السنن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سمع داعياً يدعو اللهم إني أسألك بأن لك الملك وأنت الله المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي "لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى" وهذا رد لقول من زعم أنه لا يمكن في أسمائه المنان، وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه لرجل ودعه قل (يا دليل الحائرين دلني على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) ، وقد أنكر طائفة من أهل الكلام - كالقاضي أبي بكر وأبي الوفاء بن عقيل - أن يكون من أسمائه الدليل لأنهم ظنوا أن الدليل هو الدلالة التي يستدل بها، والصواب ما عليه الجمهور، لأن الدليل في الأصل هو المعرف للمدلول، ولو كان الدليل ما يستدل به فالعبد يستدل به أيضاً فهو دليل من الوجهين جميعاً، وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:"إن الله وتر يحب الوتر" البخاري (6410) ، ومسلم (2677) وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين، وثبت عنه في الصحيح أنه قال:"إن الله جميل يحب الجمال" مسلم (91) ، وليس هو فيها، وفي الترمذي (2799)، وغيره أنه قال:"إن الله نظيف يحب النظافة"
وليس فيها، وفي الصحيح عنه أنه قال:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" مسلم (1015) ، وليس هذا فيها، وتتبع هذا يطول، ولفظ التسعة والتسعين المشهورة عند الناس في الترمذي (3507) :"الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الأحد. ويروى الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المعطي المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه السبوح، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:"سبوح قدوس" انظر: مسلم (487)، واسمه الشافي كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول:"أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً" البخاري (5678) ، ومسلم (2191) ، وكذلك أسماؤه المضافة مثل أرحم الراحمين وخير الغافرين ورب العالمين ومالك يوم الدين وأحسن الخالقين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس من هذه التسعة والتسعين، الوجه الثالث ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود – رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن
اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً" قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال:"أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن" أحمد (3712) ، والحاكم (1/509-510) ، وابن حبان (972) ، وغيرهم.
وهذا الحديث الأخير مما استدل به العلماء على أن لله تعالى أكثر من تسعة وتسعين اسماً، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين والحمد لله رب العالمين.