الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل في هذا ما يقدح في عدالة الصحابة
؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو التكرم بشرح الحديث الذي في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال:"ألم أنهكم أن تلدوني؟ " قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال:"لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم". فإن الشيعة يستدلون به على لعن الصحابة-رضي الله عنهم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (4458)، ومسلم (2213) من حديث عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: لَدَدْنَا النبي صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:"أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ " قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ:"لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُم"ْ.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه (9754) وأحمد (27469) من حديث أسماء بنت عميس-رضي الله عنها قالت: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة-رضي الله عنها-فاشتد مرضه حتى أغمي عليه، قال: فتشاور نساؤه في لده فلدوه، فلما أفاق قال:"هذا فعل نساء جئن من هؤلاء - وأشار إلى أرض الحبشة - وكانت أسماء بنت عميس-رضي الله عنها فيهن قالوا: كنا نتهم بك ذات الجنب يا رسول الله، قال: "إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به لا يبقين في البيت أحد إلا التدَّ إلا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عباسا - فلقد التدت ميمونة-رضي الله عنها يومئذ وإنها لصائمة لعزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. [صحح إسناده الحافظ في الفتح (8/148) ] .
ومعنى الحديث ظاهر وهو أن بعض الصحابة-رضي الله عنهم ممن كان موجوداً عنده في مرضه أراد أن يداوي النبي صلى الله عليه وسلم-عن طريق اللد.
واللد معناه: أن يُجعل في جانب فم المريض دواء بغير اختياره.
وقد جاء في رواية أحمد في فضائل الصحابة (1754) أنهم أذابوا قسطاً بزيت فلدوه به.
وعند ابن سعد 2/235-236 من طريق الواقدي - وهو ضعيف -: قال: فبما لددتموني؟ ، قالوا بالعود الهندي وشيء من ورسٍ، وقطرات زيت، وذلك لأن الصحابة-رضي الله عنهم ظنوا أن به ذات الجنب، وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن، فلدوه بما يرونه ملائماً لدائه ومرضه، ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنه كان غير ملائم لمرضه، ولكنهم لم يستجيبوا، لحملهم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لهم على كراهية المريض للدواء، فأقدموا على لده، فعند ذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدبهم لتركهم امتثال نهيه صلى الله عليه وسلم.
وأما العباس رضي الله عنه فلم يشهد الموقف بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ"، فلذلك استثناه النبي صلى الله عليه وسلم.
وليس في الحديث غض من قدر الصحابة رضي الله عنهم فما فعلوه هو من تمام شفقتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكمال محبتهم له، حيث رغبوا أن يبذلوا ما يستطيعون من أسباب لكي يستعيد النبي صلى الله عليه وسلم عافيته، ولكن اجتهادهم حملهم على تأويل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأنه قال ذلك من باب كراهية المريض للدواء، وأن المريض ولو كره الدواء يلزم به ويحمل عليه، ولما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلد جميع من في البيت، بادروا إلى ذلك فلم يبق أحد في البيت إلا لد.
والصحابة رضي الله عنهم هم سادة الأمة فضلاً وعلماً ومنزلة، وكيف يستجيز أحدٌ سبهم والنيل منهم وهم خير القرون وأفضل الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" أخرجه البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ومن المعلوم أن الصحابة-رضي الله عنه كلهم عدول، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة، والطعن في عدالتهم وتنقصهم من سمات أهل الزندقة والضلال، قال أبو زرعة الرازي:(إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة-رضي الله عنهم، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى) .
وقال الخطيب: (عدالة الصحابة-رضي الله عنهم ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن، فمن ذلك قوله تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ". وقوله: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً". وقوله: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً". وقوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"، وقوله تعالى:"وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ". وقوله: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ". وقوله تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" في آيات يكثر إيرادها ويطول تعدادها
…
، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله -تعالى- له إلى تعديل أحدٍ من الخلق له، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله-صلى الله عليه وسلم فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيؤن من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء) [الكفاية في علم الرواية ص: 46-48، والإصابة في تميز الصحابة (1/ 11) ] .
وقال ابن الصلاح: (للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.