المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌معنى حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

- ‌معنى حديث "ليبلغن هذا الدين

- ‌ربا العباس بن عبد المطلب

- ‌الملك العضوض والملك الجبري

- ‌حديث الأعمى (لا أجد لك رخصة) وتخلف المعذور عن الجماعة

- ‌معنى "حتى يحب لأخيه

- ‌معنى حديث "العبادة في الهرج كهجرة إلي

- ‌الجرس في البيت

- ‌هل الكراهية للحديث بعد العشاء مطلقة

- ‌حديث"رأيت ربي في أحسن صورة

- ‌هل يقتضي حديث: "سياحة أمتي الجهاد" تحريم السياحة للنزهة

- ‌شرح: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌هل في هذا ما يقدح في عدالة الصحابة

- ‌الحكمة في عدم الاسترقاء

- ‌معنى "من خاف أدلج

- ‌معنى حديث: "الأئمة من قريش

- ‌إن يك في أمتي محدثون فإنه عمر

- ‌معنى "يقادون إلى الجنة في السلاسل

- ‌مفهوم الولد في حديث "إذا مات ابن آدم انقطع عمله

- ‌شرح حديث "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات

- ‌هل في حديث "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" استهانة بهن

- ‌حديث الأخفياء الأتقياء

- ‌معنى "فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه

- ‌أفضل دينار ينفقه الرجل

- ‌حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة

- ‌حديث: "ستكون أمراء…" وحكام اليوم

- ‌هل الولد وماله لأبيه مطلقاً

- ‌حديث "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء

- ‌حديث الثقلين: كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معنى حديث التبايع، العِينة

- ‌معنى (وحق العباد على الله ألا يعذبهم

- ‌المقصود بموجبات الرحمة في "اللهم أسألك موجبات رحمتك

- ‌حديث: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم

- ‌ما جدوى العمل إذا كان "لا يدخل أحد الجنة بعمله

- ‌فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

- ‌المقصود بالكمأة وحكم التداوي بها

- ‌معنى: " ولا يسترقون

- ‌حديث من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره

- ‌معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌معنى: "اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد

- ‌صحة حديث: "لا ينظر الله لامرأة لا تشكر لزوجها

- ‌عندي إشكال في حديث "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً

- ‌كيف أجتنب المجاهرة بالمعصية وانتهاكها في السر

- ‌حديث "من عاشر قوماً أربعين يوماً

- ‌معنى حديث "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر

- ‌تساؤلات حول حديث الواهبة نفسها

- ‌الجمع بين حديث "من قُتل دون نفسه" وفتنة عثمان

- ‌صحة حديث: (العنوهن فإنهن ملعونات

- ‌مسائل متفرقة

- ‌تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي

- ‌الدعاء بطول العمر

- ‌التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلع وطلب الطلاق

- ‌هل الاحتلام من الشيطان

- ‌رفع اليدين عند قبر النبي

- ‌إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها

- ‌أحاديث الإفطار

- ‌حديث (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)

- ‌رد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌الأخذ بالحديث الحسن في العقائد

- ‌الحكمة من استحباب النوم على الشق الأيمن

- ‌لعن المخنثين

- ‌حكم من ينكر السنة

- ‌لماذا النساء أكثر أهل النار

- ‌خَلْق المرأة من ضلع أعوج

- ‌رواية الحديث بالمعنى

- ‌حديث: "إنما الشؤم في ثلاثة

- ‌هل هناك أحاديث صحيحة لم تصلنا

- ‌رواية نعيم بن حماد للفتن

- ‌التقرب بأوراد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تبادل التحايا مع غير المسلم

- ‌صحة نسبة كتاب النزول للدارقطني

- ‌العقائد والمذاهب الفكرية

- ‌الحكمة من خلق المخلوقات

- ‌توحيد الألوهية

- ‌في حق الله تعالى، هل يصح العشق

- ‌الجوهر الفرد

- ‌توحيد الربوبية

- ‌الحكمة في خلق السموات والأرض في ستة أيام

- ‌كيف خلق الله الكون

- ‌لماذا خلق الله الخلق لعبادته

- ‌الفرق بين الرب والإله

- ‌هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)

- ‌هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل

- ‌كيف أقنعها بوجود الله

- ‌خلق الكون في ستة أيام

- ‌هل الحنان والعطف من صفات الله

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌صفة الشم لله تعالى

- ‌هل هذا من التنجيم

- ‌حقيقة التجسيد عند السلفيين

- ‌الله نور السماوات والأرض

- ‌روح الله -تعالى

- ‌هل رؤية الله -تعالى- في الدنيا ممكنة

- ‌معنى: "بائن من خلقه

- ‌أول ما خلق الله

- ‌معنى: "قال الله ولا يزال قائلاً

- ‌القرب الحسي والمعنوي من الله تعالى

- ‌آخر وقت نزول المولى سبحانه

- ‌هل تحمل آيات الصفات هذه على المجاز

- ‌معنى: "إِلَاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ

- ‌أسماء الله الدالة على وصف متعدي وغير متعدي

- ‌الضابط في أسماء الله الحسنى

- ‌نقل أسماء الله وصفاته من الحقيقة إلى المجاز

- ‌الأسماء الإدريسية

- ‌حفظ أسماء الله الحسنى وتعيينها

- ‌هل من أسماء الله: الواجد والماجد

- ‌صيغة الجمع في القرآن

- ‌عبارة: (يا معين)

- ‌هل (الستير) من أسماء الله

- ‌معنى علو الله تعالى

- ‌ما الفرق بين أسماء الله وصفاته

- ‌معنى الله معنا

- ‌هل (القديم) من أسماء الله

- ‌التجسيم في الإسلام والنصرانية

- ‌الرد على مقولة: (الله وحده الموجود ولا شيء سواه)

- ‌حكم الذهاب إلى الرقاة

- ‌عدل الله مع الكفار

- ‌لوازم إثبات الصفات لله

- ‌أين الله

- ‌الكبرياء ردائي

- ‌عبارة: "الله يلوم من يلومك

- ‌أصابع الرحمن

- ‌هل يدعو الله بـ (يا سَتِير) أم بـ (يا ساتر)

- ‌استواء الله على عرشه

- ‌اسم الله الأعظم

- ‌هل (الفرد) من أسماء الله تعالى

- ‌هل يلزم من رؤية الله في الآخرة التجسيم

- ‌عبارة (اللهم لا تضر أبنائي)

- ‌صفة النفس لله تعالى

- ‌نزول الرب جل وعز واختلاف آخر الليل

- ‌رؤية المنافقين لله يوم القيامة

- ‌الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية

- ‌معنى حديث ذراع الجبار

- ‌هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل

- ‌هل في هذا الحديث تشبيه الخالق بالمخلوق

- ‌الصفات المشتركة بين الخالق والمخلوق

- ‌إثبات الأيدي لله في قوله "مما عملت أيدينا

- ‌استخدام الجنّ في العلاج

- ‌الإيمان بالملائكة والجن

- ‌كيف نثبت وجود الملائكة

- ‌الجن والشياطين سلالة من

- ‌هل الملائكة أجسام نورانية

- ‌تلبس الجن بالإنس

- ‌تكليف الجن بالعبادات

- ‌رؤية الجن والكلام معهم

- ‌مذهب أهل السنة في الملائكة والجان

- ‌دخول الملائكة للبيوت

- ‌هل للموت ملك أم ملائكة

- ‌الكروبيون

- ‌رجال الغيب

- ‌هل وجد الجن قبل الإنس

- ‌هل هاروت وماروت مطرودان من الجنة

- ‌كيف تموت الشياطين

- ‌مصير الجن يوم القيامة

- ‌رؤية الملائكة في الدنيا

- ‌الاستعانة بالجن للدلالة على المفقود

- ‌هل الذي يقبض الروح مَلَكُ الموت وحده

- ‌رؤية الملائكة لله تعالى

- ‌دواب الجن

- ‌هل آمن الجن بموسى عليه الصلاة والسلام

- ‌احتسى سُماً فمات

- ‌وظائف الملائكة

- ‌وظائف الملائكة الموكلين بالعباد

- ‌رؤية الملائكة

- ‌متى يؤجر المرء على الحنث في يمينه

- ‌الإيمان بالقدر

- ‌هل في هذين البيتين محظور شرعي

- ‌مواجهة المصائب

- ‌الجبر والاختيار

- ‌أسباب المصائب

- ‌معنى الخوض في القدر

- ‌لماذا العمل

- ‌عبارة: (قصف الآجال)

- ‌العلاقة بين قضاء الله وقدره وعمل الشيطان

- ‌تساؤلات حول القدر

- ‌هل هذا من حفظ الملك الموكل بالإنسان

- ‌عبارة: (يلعن أم الحالة)

- ‌وساوس خاصة بالعدالة الإلهية

- ‌الفرق بين الإرادة والمشيئة

- ‌الإنسان بين التسيير والتخيير

- ‌عبارة: (نجا من الموت بأعجوبة)

- ‌هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة

- ‌الاحتجاج على المعصية بالقدر والضعف البشري

- ‌هل أعتبر ساخطة على القدر

- ‌ما الواجب تجاه من يسبّ الله

- ‌ نواقض الإيمان

- ‌الفروق بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌رمي الودع (التنبؤ بالغيب)

- ‌الاستغاثة بالأموات شرك أصغر أم أكبر

- ‌الذبح في رجب لدفع أذى الجن

- ‌وصف الله بالظلم

- ‌ما يستوجب الكفر

- ‌الوليمة والذبح في الدار الجديدة

- ‌دفع مال للاستسقاء

- ‌هل تصح عبارة: (نحن أبناء الله، أو عيال الله)

- ‌التبرك بما يوضع على قبور الصالحين

- ‌شبهات في جواز دعاء الأموات

- ‌بيع الأحجار الكريمة لمن يصنع منها أصناماً

- ‌طلب العون من غير الله تعالى

- ‌الذبح في المقابر

- ‌طاعة ولي الأمر

- ‌الحكم بالقوانين الوضعية

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌الفرق بين الأنظمة الإدارية والقوانين الوضعية

- ‌اليمين الدستوري

- ‌تحاكم المسلم على القانون البريطاني

- ‌تحاكم المسلمين إلى المحاكم الوضعية

- ‌التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله

- ‌تولي المناصب السياسية في دول لا تحكم بالشريعة

- ‌التحاكم إلى المحاكم الوضعية إذا لم يجد غيرها

- ‌القول بتحريف القرآن

- ‌برج المولود

- ‌قتل الساحر

- ‌رقية أم شعوذة

- ‌هل هذا من التنجيم

- ‌الرقية بكتابة الآيات وشرب مائها

- ‌رجل يعالج باستخدام الجن

- ‌تناول الطعام للرقية

- ‌التنجيم

- ‌الرقية باللغة السريالية

- ‌شعوذة من نوع جديد

- ‌معالجة المسحور بالقرآن

- ‌هل الرقية موهبة وإلهام

- ‌شيوخ يخبرون بمكان المسروق

- ‌معالجة السحر

- ‌رقية الحساسية

- ‌حل السحر بالسحر

- ‌معالجة المسحور

- ‌قراءة الأبراج

- ‌هل هذه الرقية جائزة

- ‌لبس القلائد التي فيها ذكر الله

- ‌الجمع بين النهي عن الطيرة والاسترقاء

- ‌الذهاب للساحر وتعلم السحر

- ‌هل تجوز هذه التميمة

- ‌ماء الرقية للهداية

- ‌الرقية قبل أو بعد المرض

- ‌تعدي تأثير السحر إلى غير المسحور

- ‌حكم الساحر

- ‌ما يفعله العائن لإنقاذ المعين

- ‌استخدام الجن لفك السحر

- ‌حرز الجوشن الكبير

- ‌تحضير الأرواح (النورانية)

- ‌ما يقال للعائن لاتقاء عينه

- ‌هل من هجر القرآن عدم الاستشفاء به

- ‌استعانت بالسحرة لتصرِفَه عن غيرها ويتزوجها

- ‌التطهر لمس كتب السحر

- ‌الرقية الجماعية

- ‌معالجة روحانية أم كهانة

- ‌تحضير خدام القرآن من الجن

- ‌ترقي نفسها عن طريق سماع الأشرطة

- ‌كيفية إبطال السحر

- ‌هل هذه رقية شرعية

- ‌قبول توبة الساحر

- ‌تعليق ملصق "العهود السبع السليمانية

- ‌الوقاية من شر الساحر

- ‌الاستشفاء بأسماء الله الحسنى

- ‌ما ذنب المسحور

- ‌يقدم ألعاباً سحرية

- ‌كتابة الحرز، وتعليق التمائم

- ‌قراءة سورة يونس وطه للمبتلاة بإسقاط الجنين

- ‌جدتي تمارس الشعوذة

- ‌أرادت أن تعمل سحراً لوالدها

- ‌الاستعانة بالمشعوذين في فك السحر

- ‌هل النشرة سحر

- ‌تعلم القرآن لعلاج الجن

- ‌تأثير الساحر ماديًّا على المسحور

- ‌الاستعانة بالجن

- ‌الرقية بأدعية غير مأثورة

الفصل: ‌فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

‌فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم

عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية

التاريخ 17/03/1426هـ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحدثت مع أحد الشباب حول كون أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، ومضمون كلامه أن هناك أحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم أصبحت الآن غير صالحة للتطبيق؛ حيث إن الماديات قد تغيرت في ظل الحضارة الحديثة والتطور المادي، فيقول هو: إن حديث الأعرابي الذي بال في المسجد غير ممكن الحدوث اليوم؛ حيث إن المساجد أصبحت تختلف عمّا كان عليه الحال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ينطلق من هذا الأساس ليقول: إن هذا الحديث -على سبيل المثال- أصبح وجوده في مناهج التعليم وفي الكتب الأخرى مجرد حشو على حد تعبيره، كما أنه يقول: إن هناك أحاديث كثيرة على هذا النحو مما تغير الحال عما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن هي لا تحدث فهي لمجرد الحفظ فقط، أو لا داعي لتعليمها للجيل الجديد على حد زعمه. فما ردكم على ذلك؟. جزاكم الله خيراً.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله وحده، وبعد:

فهذا الذي جرى بينك وبينه جدال حول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أُتي في الحقيقة من جهله بالسنة، وما أكثر جنسه ولونه في هذا العصر!

وعلى سبيل المثال فحديث الأعرابي هذا، نظر إليه من حيث الشكل، وغفل عن المضمون، فالبناء وإن اختلف في شكله على مر العصور، ولكن المسجد يبقى هو المسجد في أحكامه، وما يجب له من حرمة، إلخ

علماً أن كثيراً من المساجد اليوم لاسيما الواقعة في البلاد الفقيرة أو في القرى والهجر، هي على الحال التي عليها المساجد القديمة من بنائها بالطين وفرشها بالحصباء، كما هو الحال في بعض البلاد الإفريقية وغيرها، فلماذا اختزل هذا الأخ المساجد كلها في أنحاء العالم في الواقع الذي يعيشه هو، أو تعيشه أكثر الدول؟

وعوداً على ذي بدء، أقول: لقد استنبط علماؤنا الأجلاء فوائد كثيرة جداً من حديث الأعرابي هذا، وقبل أن أسرد بعضاً من هذه الفوائد، فإني أسوق الحديث بنصه كما جاء في صحيح مسلم (285) :

عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ، مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تزرموه- يعني: اتركوه لا تقطعوا عليه بوله- دعوه"، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له:"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن". فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه عليه.

وفي لفظ للبخاري (220) : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "دعوه وهريقوا على بوله سَجْلاً -يعني: دلواً- من ماء، أو ذنوباً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".

هذا هو الحديث، وإليك بعض الفوائد المستقاة من هذا الحديث، والتي تفيد المسلم وتهمه في كل عصر:

ص: 61

فأولاً: فيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورأفته بالمتعلم ولطفه به، وهكذا ينبغي أن يكون المعلم والمربي والعالِم والمسؤول في كل عصر ومصر، ينبغي أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، وبالآداب الكريمة مع الناس، حتى ولو وقع منهم سلوك مشين، كما وقع من هذا الأعرابي.

وثانياً: فيه وجوب الرفق بالجاهل، وعدم التعنيف عليه، وأنه يجب التفريق في المعاملة بين من يقع في المنكر وهو عالم به مصر عليه، وبين من يقع فيه وهو جاهل به، وأن الداعية والعالم ينبغي أن يكون ميسراً لا معسراً، في حدود الشرع.

وثالثاً: فيه بيان تعظيم المساجد، ووجوب احترامها، وتنزيهها عن الأقذار، أيًّا كان بناؤها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر

". فلفظ (المساجد) هو من صيغ العموم؛ فتعم كل مسجد في القديم أو في الحاضر، فلا يجوز البول فيها، ولا تقذيرها بأي لون من ألوان القاذورات، سواء بالبصاق فيها - كما يفعله بعض الناس اليوم، حيث يبصق في ساحة المسجد الواقعة داخل السور- أو بإلقاء النفايات والمناديل داخل أروقة المسجد

إلخ.

والتعبير بالقذر في الحديث يشمل كل ما يتقذر منه الناس، ويخالف الذوق العام، وينافي حرمة المسجد.

ورابعاً: فيه دلالة على نجاسة بول الآدمي، وهو محل إجماع عند أهل العلم، كما حكاه الصنعاني في سبل السلام (1/25) ، وغيره.

وخامساً: فيه تقرير قاعدة عظيمة في الدين، وهي (دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين ترك هذا الأعرابي حتى يتم بوله، كان ذلك لأجل ألا يترتب على منعه أن يقوم فيلوِّث ثيابه وبدنه، ويلوِّث أجزاء أخرى من المسجد فيؤدي إلى انتشار النجاسة، وتنجيس مكان واحد أخف من تنجيس أماكن متفرقة من المسجد، وهذه القاعدة الشرعية أشار إليها المازري، وكما في شرح الزرقاني (1/190) ، ويتخرج على هذه القاعدة ما لا يحصى من النوازل الفقهية في باب السياسة الشرعية، وفي باب المعاملات المالية المعاصرة، وفي باب الطب الحديث، وغيرها من الأبواب، ومن ذلك على سبيل المثال نازلة رفع أجهزة الإنعاش عند الموت الدماغي في بعض صوره الجائزة، فالحاصل أن هذه القاعدة قد استنبطت من عدة نصوص، ومنها هذا الحديث النبوي الشريف.

وسادساً: فيه جواز التمسك بالعموم حتى يظهر دليل التخصيص، وهي مسألة أصولية مشهورة، ويترتب عليها فوائد كثيرة، ليس هذا الجواب محل بسطها.

وسابعاً: فيه وجوب إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأمره صلى الله عليه وسلم صحابته بصب الماء عند فراغه من البول.

وثامناً: فيه أن الماء أداة من أدوات التطهير، وأنه لا يشترط حفر الأرض إذا وقعت عليها النجاسة، خلافاً للحنفية.

وتاسعاً: فيه أنه لا ينبغي قطع البول على من شرع فيه؛ لما قد يؤدي إليه من مفاسد صحية، وربما جاء الطب الحديث بما يؤيد هذا، فقد اكتشف الطب الحديث علوماً كثيرة، كان قد ذكرها القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم أو أشار إليها قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة.

ومنها، وهي الفائدة العاشرة:

ص: 62

أنه لا يجوز البول في الأماكن التي يرتادها الناس، إما للعبادة كالمساجد - كما في هذا الحديث-، وإما للجلوس والراحة كمواطن الظل، وإما لاتخاذها طريقاً

ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللعانين.. الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم" أخرجه مسلم في صحيحه (269) .

وفي سنن أبي داود (26) وابن ماجه (328) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد - يعني موارد الماء- وقارعة الطريق، والظل".

وفي هذا يقول الدكتور علي البار: بعض الدول الإسلامية تشكو من داء البلهارسيا، وتنفق الدولة سنوياً ما يقارب المليار في حرب هذا المرض، فلم تستطع القضاء عليه، وفشلت فشلاً ذريعاً، بينما حديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الإشكال، ويقضي على البلهارسيا من أصلها، ويحل مشكلة عويصة جداً، لما تسببه من سرطان المثانة، وتعمل مضاعفات في الكلى، كل هذا يمكن تجنبه باتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما منع التبول والتغوط في الموارد، وقارعة الطريق

انتهى من (الإعجاز العلمي في السنة النبوية لمؤلفه صالح رضا 1/482) .

ولا شك أننا بهذه النصوص الشرعية، وبامتثالنا لهذه التوجيهات النبوية سنرتقي بأخلاقنا، ونسمو بمبادئنا وقيمنا، ونساهم في المحافظة على نظافة مجتمعنا من كل ما يكدر صفوه ظاهراً وباطناً، كما نساهم في المحافظة على البيئة من كل تلوث يؤدي إلى الأمراض والأسقام. والله -تعالى- أعلم.

ص: 63