الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزول الرب جل وعز واختلاف آخر الليل
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
هل نزول ربنا عز وجل في السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل يحدث في ليل كل بلد؟ فإذا كان الوقت في بلدي ليلا وفي بلد أخرى نهاراً، فهل ربنا تبارك وتعالى بالنسبة لي في السماء الأولى وبالنسبة للبلد الثانية في السماء السابعة؟ وإذا كانت الدنيا بالنسبة للعرش صغيرة جداً كما ورد في الأحاديث فهل يدل ذلك أن استواء العرش بالنسبة للأرض يكون بصورة عمومية يفهم منها أن البلاد كلها في حيز واحد من السماء الدنيا أو السماء السابعة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله وبعد:
فقد صح الحديث في إثبات نزول الحق تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة. صحيح البخاري (1145) ، ومسلم (758) ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين صحابياً بل قد بلغ مجموع طرق الحديث حدَّ التواتر المفيد للعلم وقد نص العلماء على ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بذلك وهو لا يخبر إلا بحق فيجب التسليم ولو لم تدرك عقولنا ذلك.
وبثبوت الحديث ثبوتاً لا مطعن فيه تثبت صفة النزول لله كما يليق بجلاله سبحانه، لأن الله ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما دل عليه قوله تعالى:"ليس كمثله شئ وهو السميع البصير"[الشورى:11] . فنزوله لا يشبه نزول المخلوقات بأي وجه من الوجوه. ولا يجوز تكييف نزوله بكيفية معينة.
إن نزول الله تعالى لا يتنافى ولا يتعارض مع استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فهو في حال نزوله مستوٍ على عرشه ولا يخلو منه العرش. وما أتت الشبهة في السؤال إلا من تصور خلوّ العرش منه وهذا هو التكييف المذموم. ونزوله حق واستواؤه حق ولا تعارض بينهما فهو العلي في دنوه والقريب في علوه ليس كمثله شئ.
إن هذه اللوازم التي يذكرها بعض الناس على نزوله هي لوازم نزول المخلوق أما الخالق فشأنه أعظم وأجل من ذلك. وما يلزم على نزول المخلوق لا يلزم على نزول الخالق سبحانه للقطع بنفي المماثلة بين الخالق والمخلوق.
وكون البلاد تختلف في حصول ثلث الليل الآخر ولا تتفق بحيث يحصل الثلث في بلد فإذا انتهى حصل في غيره بحيث أن الأرض جميعاً لا تخلو من ثلث ليل، فهذا صحيح مشاهد، وكون هذا يلزم عليه استمرار النزول الإلهي فلا مانع يمنع من ذلك إذا علمنا أن نزوله سبحانه لا يلزم منه خلو العرش منه، لأن نزوله ليس كنزول المخلوق الذي يلزم منه حركة وانتقال وخلو مكان وما أتت هذه الشبهة إلا من قياس النزول الإلهي على النزول البشري، أما إذا علمنا انتفاء المماثلة بين النزولين فلا يلزم حينئذ على أحد النزولين ما يلزم على الآخر، فلكل نزوله اللائق به، فنزول المخلوق يلزم منه خلو المكان والانتقال من مكان إلى مكان، ونزول الخالق لا يلزم منه ذلك، فهو مع نزوله مستو على عرشه، والجميع حق على حقيقته، نؤمن به، ولا نكيفه، ولا نشبهه، ولا نعطله.
وإذا كان نزول الحق سبحانه لا يلزم منه خلو العرش فلا مانع من القول باستمرار النزول نظراً لأن الأرض لا تخلو من ثلث ليل، ويبقى بعد ذلك الفضل المترتب على النزول الإلهي خاصاً بمن أدركهم ثلث ليلهم دون من سواهم فيكون نزول الحق بحسب ثلث كل ليل نزولاً لائقاً بجلال الله وعظمته.