المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌معنى حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

- ‌معنى حديث "ليبلغن هذا الدين

- ‌ربا العباس بن عبد المطلب

- ‌الملك العضوض والملك الجبري

- ‌حديث الأعمى (لا أجد لك رخصة) وتخلف المعذور عن الجماعة

- ‌معنى "حتى يحب لأخيه

- ‌معنى حديث "العبادة في الهرج كهجرة إلي

- ‌الجرس في البيت

- ‌هل الكراهية للحديث بعد العشاء مطلقة

- ‌حديث"رأيت ربي في أحسن صورة

- ‌هل يقتضي حديث: "سياحة أمتي الجهاد" تحريم السياحة للنزهة

- ‌شرح: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌هل في هذا ما يقدح في عدالة الصحابة

- ‌الحكمة في عدم الاسترقاء

- ‌معنى "من خاف أدلج

- ‌معنى حديث: "الأئمة من قريش

- ‌إن يك في أمتي محدثون فإنه عمر

- ‌معنى "يقادون إلى الجنة في السلاسل

- ‌مفهوم الولد في حديث "إذا مات ابن آدم انقطع عمله

- ‌شرح حديث "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات

- ‌هل في حديث "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" استهانة بهن

- ‌حديث الأخفياء الأتقياء

- ‌معنى "فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه

- ‌أفضل دينار ينفقه الرجل

- ‌حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة

- ‌حديث: "ستكون أمراء…" وحكام اليوم

- ‌هل الولد وماله لأبيه مطلقاً

- ‌حديث "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء

- ‌حديث الثقلين: كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معنى حديث التبايع، العِينة

- ‌معنى (وحق العباد على الله ألا يعذبهم

- ‌المقصود بموجبات الرحمة في "اللهم أسألك موجبات رحمتك

- ‌حديث: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم

- ‌ما جدوى العمل إذا كان "لا يدخل أحد الجنة بعمله

- ‌فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

- ‌المقصود بالكمأة وحكم التداوي بها

- ‌معنى: " ولا يسترقون

- ‌حديث من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره

- ‌معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌معنى: "اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد

- ‌صحة حديث: "لا ينظر الله لامرأة لا تشكر لزوجها

- ‌عندي إشكال في حديث "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً

- ‌كيف أجتنب المجاهرة بالمعصية وانتهاكها في السر

- ‌حديث "من عاشر قوماً أربعين يوماً

- ‌معنى حديث "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر

- ‌تساؤلات حول حديث الواهبة نفسها

- ‌الجمع بين حديث "من قُتل دون نفسه" وفتنة عثمان

- ‌صحة حديث: (العنوهن فإنهن ملعونات

- ‌مسائل متفرقة

- ‌تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي

- ‌الدعاء بطول العمر

- ‌التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلع وطلب الطلاق

- ‌هل الاحتلام من الشيطان

- ‌رفع اليدين عند قبر النبي

- ‌إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها

- ‌أحاديث الإفطار

- ‌حديث (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)

- ‌رد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌الأخذ بالحديث الحسن في العقائد

- ‌الحكمة من استحباب النوم على الشق الأيمن

- ‌لعن المخنثين

- ‌حكم من ينكر السنة

- ‌لماذا النساء أكثر أهل النار

- ‌خَلْق المرأة من ضلع أعوج

- ‌رواية الحديث بالمعنى

- ‌حديث: "إنما الشؤم في ثلاثة

- ‌هل هناك أحاديث صحيحة لم تصلنا

- ‌رواية نعيم بن حماد للفتن

- ‌التقرب بأوراد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تبادل التحايا مع غير المسلم

- ‌صحة نسبة كتاب النزول للدارقطني

- ‌العقائد والمذاهب الفكرية

- ‌الحكمة من خلق المخلوقات

- ‌توحيد الألوهية

- ‌في حق الله تعالى، هل يصح العشق

- ‌الجوهر الفرد

- ‌توحيد الربوبية

- ‌الحكمة في خلق السموات والأرض في ستة أيام

- ‌كيف خلق الله الكون

- ‌لماذا خلق الله الخلق لعبادته

- ‌الفرق بين الرب والإله

- ‌هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)

- ‌هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل

- ‌كيف أقنعها بوجود الله

- ‌خلق الكون في ستة أيام

- ‌هل الحنان والعطف من صفات الله

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌صفة الشم لله تعالى

- ‌هل هذا من التنجيم

- ‌حقيقة التجسيد عند السلفيين

- ‌الله نور السماوات والأرض

- ‌روح الله -تعالى

- ‌هل رؤية الله -تعالى- في الدنيا ممكنة

- ‌معنى: "بائن من خلقه

- ‌أول ما خلق الله

- ‌معنى: "قال الله ولا يزال قائلاً

- ‌القرب الحسي والمعنوي من الله تعالى

- ‌آخر وقت نزول المولى سبحانه

- ‌هل تحمل آيات الصفات هذه على المجاز

- ‌معنى: "إِلَاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ

- ‌أسماء الله الدالة على وصف متعدي وغير متعدي

- ‌الضابط في أسماء الله الحسنى

- ‌نقل أسماء الله وصفاته من الحقيقة إلى المجاز

- ‌الأسماء الإدريسية

- ‌حفظ أسماء الله الحسنى وتعيينها

- ‌هل من أسماء الله: الواجد والماجد

- ‌صيغة الجمع في القرآن

- ‌عبارة: (يا معين)

- ‌هل (الستير) من أسماء الله

- ‌معنى علو الله تعالى

- ‌ما الفرق بين أسماء الله وصفاته

- ‌معنى الله معنا

- ‌هل (القديم) من أسماء الله

- ‌التجسيم في الإسلام والنصرانية

- ‌الرد على مقولة: (الله وحده الموجود ولا شيء سواه)

- ‌حكم الذهاب إلى الرقاة

- ‌عدل الله مع الكفار

- ‌لوازم إثبات الصفات لله

- ‌أين الله

- ‌الكبرياء ردائي

- ‌عبارة: "الله يلوم من يلومك

- ‌أصابع الرحمن

- ‌هل يدعو الله بـ (يا سَتِير) أم بـ (يا ساتر)

- ‌استواء الله على عرشه

- ‌اسم الله الأعظم

- ‌هل (الفرد) من أسماء الله تعالى

- ‌هل يلزم من رؤية الله في الآخرة التجسيم

- ‌عبارة (اللهم لا تضر أبنائي)

- ‌صفة النفس لله تعالى

- ‌نزول الرب جل وعز واختلاف آخر الليل

- ‌رؤية المنافقين لله يوم القيامة

- ‌الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية

- ‌معنى حديث ذراع الجبار

- ‌هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل

- ‌هل في هذا الحديث تشبيه الخالق بالمخلوق

- ‌الصفات المشتركة بين الخالق والمخلوق

- ‌إثبات الأيدي لله في قوله "مما عملت أيدينا

- ‌استخدام الجنّ في العلاج

- ‌الإيمان بالملائكة والجن

- ‌كيف نثبت وجود الملائكة

- ‌الجن والشياطين سلالة من

- ‌هل الملائكة أجسام نورانية

- ‌تلبس الجن بالإنس

- ‌تكليف الجن بالعبادات

- ‌رؤية الجن والكلام معهم

- ‌مذهب أهل السنة في الملائكة والجان

- ‌دخول الملائكة للبيوت

- ‌هل للموت ملك أم ملائكة

- ‌الكروبيون

- ‌رجال الغيب

- ‌هل وجد الجن قبل الإنس

- ‌هل هاروت وماروت مطرودان من الجنة

- ‌كيف تموت الشياطين

- ‌مصير الجن يوم القيامة

- ‌رؤية الملائكة في الدنيا

- ‌الاستعانة بالجن للدلالة على المفقود

- ‌هل الذي يقبض الروح مَلَكُ الموت وحده

- ‌رؤية الملائكة لله تعالى

- ‌دواب الجن

- ‌هل آمن الجن بموسى عليه الصلاة والسلام

- ‌احتسى سُماً فمات

- ‌وظائف الملائكة

- ‌وظائف الملائكة الموكلين بالعباد

- ‌رؤية الملائكة

- ‌متى يؤجر المرء على الحنث في يمينه

- ‌الإيمان بالقدر

- ‌هل في هذين البيتين محظور شرعي

- ‌مواجهة المصائب

- ‌الجبر والاختيار

- ‌أسباب المصائب

- ‌معنى الخوض في القدر

- ‌لماذا العمل

- ‌عبارة: (قصف الآجال)

- ‌العلاقة بين قضاء الله وقدره وعمل الشيطان

- ‌تساؤلات حول القدر

- ‌هل هذا من حفظ الملك الموكل بالإنسان

- ‌عبارة: (يلعن أم الحالة)

- ‌وساوس خاصة بالعدالة الإلهية

- ‌الفرق بين الإرادة والمشيئة

- ‌الإنسان بين التسيير والتخيير

- ‌عبارة: (نجا من الموت بأعجوبة)

- ‌هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة

- ‌الاحتجاج على المعصية بالقدر والضعف البشري

- ‌هل أعتبر ساخطة على القدر

- ‌ما الواجب تجاه من يسبّ الله

- ‌ نواقض الإيمان

- ‌الفروق بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌رمي الودع (التنبؤ بالغيب)

- ‌الاستغاثة بالأموات شرك أصغر أم أكبر

- ‌الذبح في رجب لدفع أذى الجن

- ‌وصف الله بالظلم

- ‌ما يستوجب الكفر

- ‌الوليمة والذبح في الدار الجديدة

- ‌دفع مال للاستسقاء

- ‌هل تصح عبارة: (نحن أبناء الله، أو عيال الله)

- ‌التبرك بما يوضع على قبور الصالحين

- ‌شبهات في جواز دعاء الأموات

- ‌بيع الأحجار الكريمة لمن يصنع منها أصناماً

- ‌طلب العون من غير الله تعالى

- ‌الذبح في المقابر

- ‌طاعة ولي الأمر

- ‌الحكم بالقوانين الوضعية

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌الفرق بين الأنظمة الإدارية والقوانين الوضعية

- ‌اليمين الدستوري

- ‌تحاكم المسلم على القانون البريطاني

- ‌تحاكم المسلمين إلى المحاكم الوضعية

- ‌التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله

- ‌تولي المناصب السياسية في دول لا تحكم بالشريعة

- ‌التحاكم إلى المحاكم الوضعية إذا لم يجد غيرها

- ‌القول بتحريف القرآن

- ‌برج المولود

- ‌قتل الساحر

- ‌رقية أم شعوذة

- ‌هل هذا من التنجيم

- ‌الرقية بكتابة الآيات وشرب مائها

- ‌رجل يعالج باستخدام الجن

- ‌تناول الطعام للرقية

- ‌التنجيم

- ‌الرقية باللغة السريالية

- ‌شعوذة من نوع جديد

- ‌معالجة المسحور بالقرآن

- ‌هل الرقية موهبة وإلهام

- ‌شيوخ يخبرون بمكان المسروق

- ‌معالجة السحر

- ‌رقية الحساسية

- ‌حل السحر بالسحر

- ‌معالجة المسحور

- ‌قراءة الأبراج

- ‌هل هذه الرقية جائزة

- ‌لبس القلائد التي فيها ذكر الله

- ‌الجمع بين النهي عن الطيرة والاسترقاء

- ‌الذهاب للساحر وتعلم السحر

- ‌هل تجوز هذه التميمة

- ‌ماء الرقية للهداية

- ‌الرقية قبل أو بعد المرض

- ‌تعدي تأثير السحر إلى غير المسحور

- ‌حكم الساحر

- ‌ما يفعله العائن لإنقاذ المعين

- ‌استخدام الجن لفك السحر

- ‌حرز الجوشن الكبير

- ‌تحضير الأرواح (النورانية)

- ‌ما يقال للعائن لاتقاء عينه

- ‌هل من هجر القرآن عدم الاستشفاء به

- ‌استعانت بالسحرة لتصرِفَه عن غيرها ويتزوجها

- ‌التطهر لمس كتب السحر

- ‌الرقية الجماعية

- ‌معالجة روحانية أم كهانة

- ‌تحضير خدام القرآن من الجن

- ‌ترقي نفسها عن طريق سماع الأشرطة

- ‌كيفية إبطال السحر

- ‌هل هذه رقية شرعية

- ‌قبول توبة الساحر

- ‌تعليق ملصق "العهود السبع السليمانية

- ‌الوقاية من شر الساحر

- ‌الاستشفاء بأسماء الله الحسنى

- ‌ما ذنب المسحور

- ‌يقدم ألعاباً سحرية

- ‌كتابة الحرز، وتعليق التمائم

- ‌قراءة سورة يونس وطه للمبتلاة بإسقاط الجنين

- ‌جدتي تمارس الشعوذة

- ‌أرادت أن تعمل سحراً لوالدها

- ‌الاستعانة بالمشعوذين في فك السحر

- ‌هل النشرة سحر

- ‌تعلم القرآن لعلاج الجن

- ‌تأثير الساحر ماديًّا على المسحور

- ‌الاستعانة بالجن

- ‌الرقية بأدعية غير مأثورة

الفصل: ‌هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة

‌هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة

؟

المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر

التاريخ 18/05/1426هـ

السؤال

كيف نربط بين علم الله الأول بخلقه ورحمته وعدله وعذابه؟ وكيف نفسِّر رحمة الله وعدله، وهو إنما خلق العباد ليبتليهم، وهل الرحمة تعارض ابتلاء الخلق؟.

الجواب

يا أخي: ينبغي أن تعلم أصولاً في هذه المسألة:

الأول: أن كل ما يقع في هذا الكون من أفعال الله -تعالى-، ومن أفعال العباد، والتي هي بمشيئة الله -تعالى- جميع ذلك مرتبط بالحكمة التامة، فمشيئته تابعة لحكمته، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وهو يحكم لا معقب لحكمه.

الثاني: أن الله -تعالى- عدل يحب العدل، وعدله تعالى تام في أحكامه وأفعاله وقضائه، ولا يظلم ربك أحداً لكمال عدله سبحانه.

الثالث: أن أفعال الله -تعالى- لها غايات، وحكم، وعلل لا تعود إلى ذات المخلوق، ونظره وقياسه، بل هي عائدة وراجعة إلى علم الله -تعالى-، لم يوجب العباد عليه شيئاً، ولا يقاس الخالق بخلقه، لا قياس شمول ولا قياس تمثيل، وبالتالي فمنتهى رحمته هو منتهى علمه، قال تعالى:"ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً"[غافر:7] ،

ووجه رحمته كما يكون في من يثيبهم يكون أيضاً فيمن يعذبهم بعدله، ولا منافاة بين الرحمة والعدل، ألا ترى أن إيقاع العذاب والقصاص في الدنيا على من يستحقه هو عدل وكمال، وهو أيضاً رحمة له بالتطهير، ولغيره بكف شره، واستيفائهم حقهم منه، يقول ابن تيمية رحمه الله:(ومسألة غايات أفعال الله ونهاية حكمته مسألة عظيمة، لعلها أجل المسائل الإلهية) . منهاج السنة (3/39) .

ص: 345

ويقول ابن قتيبة –رحمه الله: (وعدل القول في القدر أن تعلم أن الله عدل لا يجور: كيف خلق؟ وكيف قدَّر؟ وكيف أعطى؟ وكيف منع؟ وأنه لا يخرج من قدرته شيء، ولا يكون في ملكوته من السماوات والأرض إلا ما أراد، وأنه لا دين لأحد عليه ولا حق لأحد قبله، فإن أعطى فبفضل، وإن منع فبعدل) .الاختلاف في النظر لابن قتيبة (ص 35) .

الرابع: أن منشأ ضلال الخائضين في القدر هو التسوية بين الإرادتين الكونية والشرعية، حيث اعتقدوا أن كل ما شاءه وقدَّره فقد أحبه ورضيه، فنفت الجبرية لذلك أفعال العباد، وسلبتهم الحرية والاختيار.

ونفت القدرية قدرة الله، وتقديره لأفعال العباد؛ لئلا يقع ويصدر منه تعالى الشرور والمعاصي التي هي أفعال العباد، وهذا غاية التحريف والانحراف في هذه المسألة الجليلة. وأهل السنة قاطبة على أنه تعالى خلق الأشياء كلها وقدَّرها، وأرادها، فأحب الطاعات والإيمان، والخير، وكره الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى:"إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم"[الزمر:7]، وقال:"هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن"[التغابن:2] .

الخامس: أن أصل ضلال الخلق هو طلب تعليل أفعال الرب بعلل وحكم راجعة إليهم يحكمونها بآرائهم وأقيستهم العقلية، فما يرونه مجانباً للعدل في عقولهم يعللون؟ بوجوبه على الله تعالى، وأن عليه أن يفعل الأصلح، ومن هنا صار عامة القدرية الخائضين في القدر على طريقة التعليل صاروا مشبهة في الأفعال، يقول ابن تيمية – رحمه الله في تائيته المشهورة:(وأصل ضلال الخلق من كل فرقة، هو الخوض في فعل الإله بعلّة) .

السادس: أن الحكمة تابعة للعلم والقدرة، فمن كان أعلم وأقدر كانت أفعاله أحكم وأكمل، والرب –تعالى- منفرد بكمال العلم والقدرة، فحكمته متعلِّقة بكل ما تعلّق به علمه وقدره، كما سبق ذلك في الأصل الأول.

ص: 346

السابع: أنه لا يلزم من أثبت تعليل أفعال الله بالحكم والمصالح أن يعلم علة كل فعل وأمر، بل عليه أن يعتقد أن لله –تعالى- في جميع أفعاله حكماً جليلة – ظهرت لنا أو خفيت- فالله –تعالى- لم يطلع خلقه على جميع حكمه، بل أعلمهم بما شاء، وما خفي عليهم أكثر مما علموه.

ومن هذه الأصول وغيرها يتبين لك – أخي- أنه لا تضاد بين علم الله وقدره، وبين رحمته وعدله، وكون هذا من الغيب أو لا – كما في سؤالك-، فأقول لك: رحمة الله وعدله آثارها وأسبابها ودلائلها ليست غيباً، بل هي معلومة لنا في القرآن والسنة، وهي داخلة ضمن ما أمرنا بتدبره، وكذلك أسماء الله وصفاته ما يتعلق بمعانيها ودلالاتها، ومعرفة الله وعبادته بمقتضاها هي من الوجه المعلوم لنا، والمذكور في دلائل القرآن والسنة.

ص: 347

أما الكيفيات لما سبق وتفاصيل الحكم والعلل والغايات، فهو ما لم نؤمر بمعرفته وتطلبه، بل بالعكس جاءت الأدلة بالمنع من ذلك، لا لأن العقل يحكم باستحالته وانتفائه وامتناعه، ولكن لأن العقل يحار فيه ولا يدركه ولا يطيقه، كما قال تعالى:"ولا يحيطون به علماً"[طه:110] ، فلا نحيط علماً بالله لا بذاته ولا بأسمائه، ولا بصفاته، ولا بأفعاله، ولا بأقداره، ولا بحكمه، يقول تعالى:"لا يُسأل عما يَفعل وهم يُسألون"[الأنبياء:23]، وجاء النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض بالقدر كما في قوله: "

وإذا ذكر القدر فأمسكوا" أخرجه الحارث بن أبي أسامة (742-بغية) والطبراني في الكبير (10448) ، وحسَّنه العراقي وابن حجر والسيوطي، وصحَّحه الألباني، ولما خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة رضي الله عنهم يوماً وجد بعضهم يتنازعون في القدر، غضب غضباً شديداً حتى احمرّ وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان فقال: "أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه" أخرجه الترمذي (2133) من حديث أبي هريرة، وحسَّنه الألباني، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ: "لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم" أخرجه أحمد (206) ، وأبو داود (4710) ، والحاكم (1/159) .

وهذه الأدلة وغيرها محمولة عند أهل العلم على النهي عن الخوض بالقدر بلا علم، وثانياً: على الاعتماد في معرفة أسرار القدر على العقل البشري، وثالثاً: على البحث عن الجانب الخفي في القدر الذي هو سر الله في خلقه، ورابعاً: على الأسئلة الاعتراضية التي دافعها التعنُّت والتحكم على الله تعالى.

ص: 348

وأخيراً: أسأل الله لي ولك العلم النافع، واليقين الصادق، ولعلك تقرأ مزيداً من ذلك في رسالة ابن تيمية:(أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة، والتعليل) ، وكتاب ابن القيم (شفاء العليل) ، والقضاء والقدر للمحمود، ومثله الدسوقي، وشرح تائية ابن تيمية وغيرها. وفقك الله.

ص: 349