الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل هناك أحاديث صحيحة لم تصلنا
?!
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل كان في عصر الأئمة الأربعة أحاديث صحيحة لم تكتب ولم تصل إلينا استندوا إليها في فتواهم؟ أم أن جميع فتواهم استندوا فيها إلى أحاديث نعرفها الآن؟ وما مدى تأثير غزو التتار للبلاد الإسلامية على القضاء على كتب أحاديث لم تصل إلينا في هذا العصر؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فاعلم- أخي الكريم:
أولًا: ينبغي أن تعلم- وفقك الله- أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن في عصر أصحابه، رضي الله عنهم، وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة، كما ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، لأمرين:
أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك- كما ثبت في صحيح مسلم (3004) - خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: سعة حفظهم، وسيلان أذهانهم؛ ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار؛ لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض، ومنكري الأقدار.
فأول من جمع ذلك: الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة، إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف الإمام مالك (الموطأ) ، وتوخَّى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، وفتاوى التابعين، ومن بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندًا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندًا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم، فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من النبلاء، ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معًا كأبي بكر بن أبي شيبة، قال السيوطي: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع، كلهم من أبناء المائة الثانية، وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز. وأفاد الحافظ في الفتح أيضًا: أن أول من دوّن الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز- يرحمه الله- هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام، ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزهري، ولم يزل التأليف في الحديث متتابعًا إلى أن ظهر الإمام البخاري، وبرع في علم الحديث، وصار له فيه المنزلة التي ليس فوقها منزلة، فأراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حدة، ليخلص طالب الحديث من عناء البحث والسؤال، فألف كتابه المشهور وأورد فيه ما تبينت له صحته، وكانت الكتب قبله ممزوجًا فيها الصحيح بغيره، بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته، وغير ذلك مما هو معروف عند أهل الحديث، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث عنه، فإن لم يتيسر له ذلك بقي ذلك الحديث مجهول الحال عنده، واقتفى أثر الإمام البخاري في ذلك الإمام مسلم بن الحجاج، وكان من الآخذين عنه والمستفيدين منه، فألف كتابه المشهور الصحيح، ولُقِّب هذان الكتابان بالصحيحين، فعظم انتفاع الناس بهما، ورجعوا عند الاضطراب إليهما، وألفت بعدهما كتب لا تحصى، فمن أراد البحث عنها فليرجع إلى مظان ذكرها.
ثانيًا: اعلم- وفقك الله- أن الصحيحين كل ما فيهما مجمع على الأخذ به وتلقته الأمة بالقبول، وليس معنى ذلك أن غيرهما لا يوجد فيه أحاديث صحيحة، لذا ألف الحاكم المستدرك على الصحيحين، وقد تعقبه الذهبي، لكن الحديث إن كان في غيرهما فينبغي التحري والدقة والبحث في إسناده، والتحقق من رجاله، بخلاف الحديث الذي هو في الصحيحين.
ثالثًا: لقد حرص أهل العلم على نقل السنة، ونقد ما لم يصح منها، وقد بذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أوقاتهم وأموالهم، يقول ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة- يعني فتنة الخوارج- قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. ويقول عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. بل قد تعدى الأمر إلى التأليف في الأحاديث الموضوعة المكذوبة، لبيان عوجها.
رابعًا: أن علينا أن نعتقد أن السنة النبوية قد نقلت إلينا نقلًا كاملًا، ولا يوجد حديث يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مفقود، أو أن هناك حديثًا لم يتعرض العلماء له بالتصحيح أو التضعيف، أو أن هناك أحاديث صحيحة اختلطت بغيرها، فخفيت على الأمة، أو غير ذلك من الشبه والأباطيل، ذلك أن حفظ السنة هو حفظ لدين الأمة، والأمة معصومة من أن تضل شيئًا من أمر دينها، سواء بضياعه منها، أو عدم إبانته للناس، وإن الشك في ذلك لهو أمر خطير ينبغي الحذر منه، وإن فتنة التتار من الكوارث التي حلت بالمسلمين، يقول ابن الأثير في الكامل:(حادثة التتار من الحوادث العظمى، والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها إذ عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلقه الله لم يبل بمثلها. لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها، ومن أعظم ما يذكرون فعل بختنصر ببني إسرائيل ببيت المقدس، فما بيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من مدن الإسلام، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا من الأنام، فهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في الدنيا سير السحاب استدبرته الريح، فإن قومًا خرجوا من أطراف الصين فقصدوا كبار المدن والقرى، فتملكوا ملكها، وأبادوا أهلها، كل ذلك في أقل من سنة، أمر لم يسمع بمثله) . لكن مع ما حصل من التتار من شر وويلات، فلا يمكن أن يتخذ مثل ذلك ذريعة إلى الدس على السنة، أو التشكيك في صحتها؛ للأدلة الصريحة على حفظ الدين، ولعصمة الأمة من أن تضل شيئًا من أمر دينها، فعلماء الأمة الذين سكنوا العراق لهم طلاب وتلامذة، من العراق وغيرها، نقلوا عنهم العلم في صدورهم وكتبهم، وتوارثته الأمة قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل إلى يومنا هذا، ولله الحمد والمنّة.
وختامًا، أنصحك، أخي الكريم، بالاستزادة حول ما أثير حول السنة من شبه، والجواب عنها في كتاب (زوابع في طريق السنة) للشيخ صلاح الدين مقبول أحمد. والله أعلم.