الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من ينكر السنة
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 13/09/1426هـ
السؤال
لدي ثلاثة استفسارات. أولاً: ما الحكمة في إباحة تعدد الزوجات؟
ثانياً: لو أراد شخص ما الدخول في الإسلام، ما هي أقصر الطرق وأيسرها؟
ثالثاً: قال لي شخص مسلم: أنا لا أؤمن بكل ما جاء من أحاديث في قولكم هذا؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الواجب على كل مسلم ومسلمة الرضا بحكم الله، والتسليم بقدره، والعلم الجازم بأن الله عليم حكيم، عليم بخلقه حكيم في شرعه، لا يشرع لعباده إلا ما فيه صلاح أولاهم وأخراهم، وقد استفاد العلماء من قوله عز وجل لمريم لما سألت من الحمل:"قال كذلك قال ربك" فيكفي أن الله عز وجل قال، وفي هذا إرشاد إلى وجوب التسليم بحكم الله وقضائه.
ثم بيّن لها الحكمة من هذا الحمل بقوله "ولنجعله آية للناس"، ثم ختم الآية بالقضاء أيضاً، فقال:"وكان أمراً مقضياً"[مريم:21] ، فبدأ الآية بوجوب التسليم لحكم الله، ثم بين لها الحكمة، ثم ختمها بوجوب الرضا بقضاء الله جل وعلا.
وبعد هذا نقول للأخ السائل: إن أهل السنة والجماعة مجمعون على أنه لا يحق للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع نسوة، وأما من غير جمع فيمكن الزيادة على أربع، وقد حفظ لنا التاريخ من تزوج أكثر من مائة امرأة، كما في كتب التراجم، وأما عن الحكمة من تقييد الحد الأعلى للزوجات بأربع فلم أقف بخصوصه على كلام أحد من أهل العلم. ثم إن السؤال عن الحكمة من العدد أيًّا كان -غير مجدٍ، فصلاة الظهر مثلاً لماذا كانت أربع ركعات ولم تكن خمساً أو ثلاثاً، ومثلها باقي الصلوات؟ وكذلك الطواف لماذا كان سبعة أشواط، وغيرها من ذوات العدد.
ومن ذلك النكاح فلو قدر أن الله شرعه خمساً أو ستاً أو أقل أو أكثر فإن السؤال سيبقى قائماً ولا مصير حينئذٍ إلا إلى التسليم بعلم الله وحكمته وعدله، وأنه ما شرع هذا العدد إلا لما علمه في خلقه من الخصائص النفسية والاجتماعية والجنسية وغيرها التي لا تحتمل الزيادة على هذا العدد.
وأما سؤالك عن أقصر الطرق لمن أراد الدخول في الإسلام فهو النطق بكلمة التوحيد، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والعمل بما تقتضيه هذه الكلمة، فهذا هو أقصر الطرق وأوحدها للدخول في الإسلام.
وأما سؤالك عمّن لا يقبل من الأحاديث الصحيحة إلا بما يوافق العقل أو ما في ظاهر خير الإسلام من المسلمين فصاحب هذه المقالة على خطر عظيم، وما ضل من يسمون بالعقلانيين إلا بتقديم ما تستحسنه عقولهم ويوافق أهواءهم على أحكام الشرع، ابتداء بمعتزلة العصور الأولى وانتهاء بعقلانيي العصر، وهؤلاء إنما أُتوا من قبل أنفسهم والشيطان، وإلا فإن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح أبداً، ومن توهم ذلك فإن الغشاوة والغبش في عقله هو، وقد صنف الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله كتاباً حافلاً بين فيه -بجلاء- موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، سماه (تعارض العقل والنقل) ، ثم إن السنة وحي من الله "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"، والعقل وصاحبه مخلوقان لله، فكيف تعارض أحكام الله بأحد مخلوقاته؟.
ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: (إن للعقل حداً ينتهي إليه، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه) .
ولنذكر مثالاً على هذا قصة الحديبية التي أجاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطة قريش مع أن هذه الخطة في ظاهرها شر على المسلمين وهضم لحقوقهم، وقد كره بعض الصحابة بنود هذه الخطة، لكنهم أذعنوا وسلموا لحكم الله ورسوله، وكانت العاقبة أن جعله الله فتحاً للإسلام والمسلمين، والوقائع في هذا كثيرة.
وليعلم قائل هذه المقولة أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على الاستسلام والتسليم، وأن القصد الأسمى من التشريع -كما يقول الشاطبي رحمه الله:(إخراج المكلف عن داعية الهوى؛ حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به") .
ومن خذلان هؤلاء أنهم ربما عارضوا بعض الأحاديث الصحيحة بعقولهم -كحديث الذباب- لكن إذا أثبت الطب والعلم الحديث مصداق هذا المعنى أذعنوا وسلموا لتجارب البشر، وهذا من قلة التوفيق والحرمان وطاعة الهوى والشيطان، عصمنا الله وإياكم من الضلال بعد الهدى، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وصلى الله على نبينا محمد.