الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعوذة من نوع جديد
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 25/9/1422
السؤال
قد وصلتني اليوم هذه الرسالة، فأفيدونا بشرعيتها، قال -تعالى-:" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين "[الزمر: 66]، " فالذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " [الأعراف: 157] ، " لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لخلق الله ذلك الفور العظيم " [يونس: 64] ، " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " [إبراهيم: 27] .
تم إرسال هذه الآيات لتكون مجلبة الخير والفلاح، وقد تم توزيعها بدول العالم تسع مرات، وستجلب لك الخير والفلاح بعد أربعة أيام بإذن من وصلها إليك، وليس الأمر بدعة وكذب، أو اتخاذ بالآيات الكريمة هراء، بل سترى ما يصلك خلال أربعة أيام في البريد، فعليك أن ترسل هذه النسخة من الرسالة لمن من ذو بحاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل نقوداً، إياك إن تحتفظ بهذه الرسالة، بل يجب أن تتخلص منها بعد ست وستين ساعة من قراءتك لها، سبق أن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال، فوزعها فجاءت أخبار صفقة تجارية بسبعين دينار كويتي زيادة كما يتوقعه، ووصلت إلى أحد الأطباء فأهملها فلقي مصرعه بحادث سيارة أدت إلى تشويهه بالكامل أصبح جثة هامدة؛ لأنه كبر على خالقه وأبى توزيع الرسالة، فوجئ أحد المقاولين عندما قرأ الرسالة، وقام بتوزيع مائة وخمسين ألف دينار بحريني؛ لأنه تمهل توزيعها فتوفي ابنه الأكبر بحادث.
يرجى إرسال عدد خمس وثلاثين رسالة، فاستبشر بما يصلك في اليوم الرابع، وحيث إن هذه الرسالة مهمة الطواف حول العالم كله، يجب توزيعها خمس وثلاثين نسخة مطابقة إلى أصدقائك، ومعارفك، وأقربائك، وبعد أيام ستفاجأ بالنتيجة الطبية، والله الموفق.
الجواب
إن من رحمة الله بهذه الأمة أن أكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام ديناً، فليسوا بحاجة إلى من يتقدم بين يدي الله ورسوله باعتقاد جديد أو عمل محدث، أو كلام مبتدع.
قال الله -جل شأنه-: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إنَّ الله سميع عليم "[الحجرات] .
قال ابن جرير – رحمه الله: " يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله وبنبوة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم: " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله "، يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله فتقضوا بخلاف أمر الله ورسوله "(جامع البيان 26/116) .
وقال ابن القيم – عفا الله عنه -: " أي لا تقولوا حتى يقول، لا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه، والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو يفعل وقال –تعالى-:" يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ".
فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم، فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به، ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم " (إعلام الموقعين1/51) .
وقال أيضاً: " وقد توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي، وآداب الجماع، والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش، والكرسي، والملائكة، والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين، وعرفهم معبودهم وإلههم، أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم، وما جرى لهم، وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله، وعرفهم من أحوال الموت ما يكون بعده في البرزخ، وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرّف به نبي غيره.
وكذلك عرّفهم صلى الله عليه وسلم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده..وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة بُرمته ولم يحوجهم الله إلى حد سواه. فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس، أو حقيقة، أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده "إعلام الموقعين 4/375".
وقال العلامة ابن باز – غفر الله له -:" وقال –تعالى-:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " وهذه الآية تدل دلالة صريحة على أن الله –سبحانه- قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلّغ البلاغ المبين، وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح أنَّّ كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى الدين الإسلامي من أقوال وأعمال فكله بدعة مردودة على من أحدثها ولو حسن قصده (مجموع الفتاوى 1/224) .
قلت: وهذه الآيات التي ذكرها باعثوا هذه الرسائل، وما رتَّبوا عليها من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب إنما هو من قبيل الإرهاب الفكري، الضغط النفسي لإخضاع الناس لمزاعمهم وأباطيلهم، وإرغامهم على قبول البدع والمحدثات خوفاً من القادم المجهول!! وهي طريقة يلجأ إليها المفلسون حين تنفذ وسائل السيطرة على الآخرين بطريق الحوار والإقناع السليم بمصداقية ما يتبنونه من آراء ويعرضونه من فلسفات وأفكار.!!
ولا نشك طرفة عين أن ما ذكره هؤلاء الدجاجلة والمشعوذين إنما هو بدعة وضلالة، وافتيات على الشارع الحكيم، وتقدم بين يدي الله ورسوله بكل وقاحة وسذاجة، فضلاً عن كونها كهانة جديدة، وضرباً من العرافة البغيضة، وادعاء لعلم الغيب بكل صلف وغرور وبكل حماقة واستهتار، وما درى هؤلاء الأفاكون أنهم يسنون للناس سُنَّة سيئة يتحملون وزرها ووزر من عمل بها من بعدهم إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء كما جاء في الصحيحين وغيرهما، ومرتكبين في الوقت نفسه ناقضاً من نواقض الإسلام بادعائهم علم الغيب ضاربين بصريح القرآن عرض الحائط!! وإلا فكيف يستقيم لهم ما يزعمون، والله يقول:" قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله "، ويقول:" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو "، ويقول:" أم عندهم الغيب فهم يكتبون ".
وإننا ندعو –والله- ونحذر أنفسنا وإخواننا من تصديق هؤلاء المشعوذين أو الوقوع في شباك الكهنة والعرافين، فقد صحّ عنه –عليه الصلاة السلام- فيما رواه أحمد (16638) ، ومسلم (2230) واللفظ له، أنه عليه الصلاة والسلام قال:" من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وروى أحمد (9536) ، والبيهقي (1358)، والحاكم بسند صحيح أن نبينا – صلى الله عليه وسلم – قال:" من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – وصححه الحاكم والألباني في (صحيح الجامع 5815) ، والعراف، هو: من يدعي علم الغيب، وأمثاله من المنجمين، وقُرّاء الكف، والفنجان، وغيرها من الخزعبلات والأباطيل التي يلبسونها على الناس.
وقد عقد الإمام أبو بكر الطرطوشي – رحمه الله – في كتابه: (الحوادث والبدع) فصلاً بعنوان (في بيان الوجه الذي يدخل منه الفساد على عامة المسلمين) ثم أورد ما رواه الشيخان " أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
ثم قال: " فتدبر هذا الحديث فإنه يدل على أنه لا يؤت الناس قط من قبل علمائهم، وإنما يؤثون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم فيؤتى الناس من قبله، وقد روي عن مكحول أنه قال: " تفقهُ الرعاعِ فسادٌ الدنيا، وتفقه السفلة فسادُ الدين " ا. هـ.
فالله الله بالتزام السنة، والحذر من البدع والخرافات، والإقبال على العلم الشرعي الصحيح بمجالسة العلماء الربانيين، وطلبة العلم المخلصين العارفين، ومطالعة كتب السلف، وسؤال أهل العلم الراسخين عما أشكل فهمه، أو تعذر استيعابه، والحذر الحذر كذلك من النشرات المضللة، والرسائل، والكتب المجهولة المصادر، وأما من التبس عليه أمرها فلم يعرف حقها من باطلها، ونفعها من ضررها فليسأل أهل العلم الموثوق بهم، ولا يفوته قبل هذا وأثناءه وبعده أن يدعو الله، ويلح عليه أن يُبصَّره في دينه، ويُريه الحق حقاً ويرزقه اتباعه، ويريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه، ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.