المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع والعشرون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌الحديث الرابع والعشرون

‌الحديث الرابع والعشرون

328 -

عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنّ رجلاً رمى امرأته، وانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا، كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين. (1)

قوله: (أنّ رجلاً رمى امرأته ، وانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) وللبخاري من رواية يحيى بن بكير عن مالك عن نافع " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجلٍ وامرأته ، فانتفى من ولدها.

قال الطّيبيّ (2): الفاء سببيّة. أي: الملاعنة سبب الانتفاء، فإن أراد أنّ الملاعنة سبب ثبوت الانتفاء فجيّد، وإن أراد أنّ الملاعنة سبب وجود الانتفاء فليس كذلك، فإنّه إن لَم يتعرّض لنفي الولد في الملاعنة لَم ينتف.

والحديث في الموطّأ بلفظ " وانتفى " بالواو لا بالفاء.

وذكر ابن عبد البرّ. أنّ بعض الرّواة عن مالك ذكره بلفظ " وانتقل " يعني بقافٍ بدل الفاء ولامٍ آخره. وكأنّه تصحيف، وإن كان محفوظًا فمعناه قريب من الأوّل، وقوله " أنّ رجلاً رمى امرأته وانتفى من ولدها، فأمرهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاعنا " فوَضَحَ أنّ الانتفاء

(1) أخرجه البخاري (4471 ، 5001 ، 5007 ، 5008 ، 5009 ، 6367) ومسلم (1494) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.

(2)

هو الحسن بن محمد ، سبق ترجمته (1/ 23)

ص: 108

سبب الملاعنة لا العكس.

واستدل بهذا الحديث.

وهو القول الأول: على مشروعيّة اللعان لنفي الولد.

القول الثاني: عن أحمد: ينتفي الولد بمجرّد اللعان ، ولو لَم يتعرّض الرّجل لذكره في اللعان.

وفيه نظرٌ ، لأنّه لو استلحقه لحقه، وإنّما يؤثّر لعان الرّجل دفع حدّ القذف عنه ، وثبوت زنا المرأة ثمّ يرتفع عنها الحدّ بالتعانها.

القول الثالث: قال الشّافعيّ: إن نفى الولد في الملاعنة انتفى ، وإن لَم يتعرّض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة، وإن أمكنه الرّفع إلى الحاكم فأخّر بغير عذر حتّى ولدت لَم يكن له أن ينفيه كما في الشّفعة.

واستُدلّ به.

وهو القول الأول: على أنّه لا يشترط في نفي الحمل تصريح الرّجل بأنّها ولدت من زنًا، ولا أنّه استبرأها بحيضةٍ.

القول الثاني: عن المالكيّة يشترط ذلك.

واحتجّ بعض من خالفهم ، بأنّه نفى الحمل عنه من غير أن يتعرّض لذلك بخلاف اللعان النّاشئ عن قذفها.

واحتجّ الشّافعيّ ، بأنّ الحامل قد تحيض ، فلا معنى لاشتراط الاستبراء.

قال ابن العربيّ: ليس عن هذا جواب مقنع.

ص: 109

قوله: (فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا، كما قال الله تعالى) وللبخاري من رواية جويرية عن نافعٍ " أنّ رجلاً من الأنصار قذف امرأته، فأحلفهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم " والمراد بالإحلاف هنا ، النّطق بكلمات اللعان.

وقد تمسّك به مَن قال إنّ اللعان يمين، وهو قول مالك والشّافعيّ والجمهور

وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة ، وهو وجه للشّافعيّة.

وقيل: شهادة فيها شائبة اليمين.

وقيل بالعكس، ومن ثَمَّ قال بعض العلماء: ليس بيمينٍ ولا شهادة.

وانبنى على الخلاف ، أنّ اللعان يشرع بين كلّ زوجين مسلمين أو كافرين ، حرّين أو عبدين ، عدلين أو فاسقين بناء على أنّه يمين، فمن صحّ يمينه صحّ لعانه.

وقيل: لا يصحّ اللعان إلَّا من زوجين حرّين مسلمين، لأنّ اللعان شهادة ، ولا يصحّ من محدود في قذف.

وهذا الحديث حجّة للأوّلين لتسوية الرّاوي بين لاعن وحلف. ويؤيّده أنّ اليمين ما دلَّ على حثّ أو منع أو تحقيق خبر وهو هنا كذلك.

ويدلّ عليه ، قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث ابن عبّاس (1) " فقال

(1) حديث ابن عباس. أصله في صحيح البخاري كما تقدّم ذكره. في الحديث الماضي.

ص: 110

له: احلف بالله الذي لا إله إلَّا هو إنّي لصادق، يقول ذلك أربع مرّات " أخرجه الحاكم والبيهقيّ من رواية جرير بن حازم عن أيّوب عن عكرمة عنه. وقوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " (1).

واعتلَّ بعض الحنفيّة ، بأنّها لو كانت يمينًا لَمَا تكرّرت.

وأجيب: بأنّها خرجت عن القياس تغليظًا لحرمة الفروج ، كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس، وبأنّها لو كانت شهادة لَم تكرّر أيضًا.

والذي تحرّر لي أنّها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصّدق يمينٌ، لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظّنّ ، بل لا بدّ من وجود علم كلّ منهما بالأمرين ، علمًا يصحّ معه أن يشهد به.

ويؤيّد كونها يمينًا ، أنّ الشّخص لو قال: أشهد بالله لقد كان كذا لعدّ حالفًا.

وقد قال القفّال في " محاسن الشّريعة ": كرّرت أيمان اللعان ، لأنّها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحدّ، ومن ثَمَّ سمّيت شهادات.

قوله: (ثم قضى بالولد للمرأة) في رواية مالك عند الشيخين "

(1) أخرجه الإمام أحمد (4/ 33) وأبو داود في " السنن "(2256) من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس به. في قصة لعان هلال بن أُميَّة مع امرأته.

وأصل القصة في صحيح البخاري (4747) من طريق هشام بن حسان عن عكرمة به. نحوه ، لكن بلفظ " لولا ما مضى من كتاب الله. لكان لي ولها شأن.

ص: 111

ففرّق بينهما ، وألحق الولد ". قال الدّارقطنيّ: تفرّد مالك بهذه الزّيادة.

قال ابن عبد البرّ: ذكروا أنّ مالكًا تفرّد بهذه اللفظة في حديث ابن عمر.

وقد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد كما تقدّم من رواية يونس عن الزّهريّ عند أبي داود بلفظ " ثمّ خرجتْ حاملاً فكان الولد إلى أمّه ". ومن رواية الأوزاعيّ عن الزّهريّ " وكان الولد يُدعى إلى أمّه "(1)

وقد اختلف السّلف في معنى إلحاقه بأمّه ، مع اتّفاقهم على أنّه لا ميراث بينه وبين الذي نفاه.

القول الأول: جاء عن عليٍّ وابن مسعود ، أنّهما قالا في ابن الملاعنة: عصبته عصبة أمّه يرثهم ويرثونه. أخرجه ابن أبي شيبة.

وبه قال النّخعيّ والشّعبيّ.

القول الثاني: وجاء عن عليّ وابن مسعود ، أنّهما كانا يجعلان أمّه عصبةً وحْدها فتُعطَى المال كله، فإن ماتت أمّه قبله فماله لعصبتها.

وبه قال جماعةٌ ، منهم الحسن وابن سيرين ومكحول والثّوريّ وأحمد في رواية.

(1) تقدّم أن حديث سهل أخرجه الشيخان. وأنَّ ابن حجر صرّح بأنَّ حديث ابن عمر وسهل قصة واحدة. أمَّا رواية يونس التي عزاها الشارح لأبي داود فهي عند مسلم أيضاً من طريقه (1492) بلفظ: كانت حاملاً فكان ابنها يُدعى إلى أمه.

وللبخاري (4469) من رواية فليح عن الزهري: وكان ابنها يُدعى إليها.

ص: 112

القول الثالث: جاء عن عليّ ، أنّ ابن الملاعنة ترثه أمّه وإخوته منها ، فإن فضل شيءٌ فهو لبيت المال.

وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار.

قال مالك: وعلى هذا أدركت أهل العلم، وأخرج عن الشّعبيّ قال: بعث أهل الكوفة إلى الحجاز في زمن عثمان ، يسألون عن ميراث ابن الملاعنة ، فأخبروهم أنّه لأمّه وعصبتها، وجاء عن ابن عبّاس عن عليٍّ ، أنّه أعطى الملاعنة الميراث ، وجعلها عصبةً.

قال ابن عبد البرّ: الرّواية الأولى أشهر عند أهل الفرائض.

قال ابن بطّال: هذا الخلاف إنّما نشأ حديث حيث جاء فيه: وألحق الولد بالمرأة ، لأنّه لَمَّا أُلحق بها قطع نسب أبيه ، فصار كمن لَّا أب له من أولاد البغيّ. وتمسّك الآخرون: بأنّ معناه إقامتها مقام أبيه ، فجعلوا عصبة أمّه عصبة أبيه.

قلت: وقد جاء في المرفوع ما يقوّي القول الأوّل.

فأخرج أبو داود من رواية مكحول مرسلاً، ومن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لأمّه ولورثتها من بعدها. ولأصحاب السّنن الأربعة عن واثلة رفعه: تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه. ، قال البيهقيّ: ليس بثابتٍ.

قلت: وحسّنه التّرمذيّ وصحّحه الحاكم، وليس فيه سوى عمر بن رؤبة - بضمّ الرّاء وسكون الواو بعدها موحّدة - مختلف فيه، قال

ص: 113

البخاريّ: فيه نظرٌ، ووثّقه جماعة.

وله شاهدٌ من حديث ابن عمر. عند ابن المنذر ، ومن طريق داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجلٍ من أهل الشّام ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى به لأُمّه ، هي بمنزلة أبيه وأمّه. وفي رواية ، أنّ عبد الله بن عبيد كتب إلى صدّيق له من أهل المدينة ، يسأله عن ولد الملاعنة فكتب إليه: إنّي سألت ، فأُخبرت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى به لأمّه.

وهذه طرق يقوى بعضها ببعضٍ.

قال ابن بطّال: تمسّك بعضهم بالحديث الذي جاء أنّ الملاعنة بمنزلة أبيه وأمّه، وليس فيه حجّة ، لأنّ المراد أنّها بمنزلة أبيه وأمّه في تربيته وتأديبه وغير ذلك ممّا يتولاه أبوه، فأمّا الميراث فقد أجمعوا أنّ ابن الملاعنة لو لَم تلاعن أمّه وترك أمّه وأباه كان لأمّه السّدس، فلو كانت بمنزلة أبيه وأمّه لورثت سدسين فقط. سدس بالأمومة وسدس بالأبوّة.

كذا قال ، وفيه نظرٌ. تصويرًا واستدلالاً.

وحجّة الجمهور. ما أخرجه البخاري في رواية فليح عن الزّهريّ عن سهل في آخره " فكانت السّنّة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها " وأخرجه أبو داود. وحديث ابن عبّاس " فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ " فإنّه جعل ما فضل عن أهل الفرائض لعصبة الميّت دون عصبة أمّه، وإذا لَم يكن لولد الملاعنة عصبةٌ من قبل أبيه فالمسلمون عصبته.

وللبخاري من حديث أبي هريرة " ومن ترك مالا فليرثه عصبته من

ص: 114

كانوا ".

واستدل به على أنّ الولد المنفيّ باللعان ، لو كان بنتًا حلَّ للملاعن نكاحها، وهو وجه شاذّ لبعض الشّافعيّة.

والأصحّ كقول الجمهور أنّها تحرم ، لأنّها ربيبته في الجملة.

قوله: (وفرّق بين المتلاعنين) تمسّك به مَن قال ، إنّ الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتّى يوقعها الحاكم، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأتباعهما.

ورواية ابن جريجٍ عن الزهري عن سهل عند البخاري " فطلقها ثلاثًا، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التّلاعن، ففارقها عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ذاك تفريقٌ بين كل متلاعنين. قال ابن جريجٍ: قال ابن شهابٍ: فكانت السّنّة بعدهما أن يفرّق بين المتلاعنين " تؤيّد أنّ الفرقة تقع بنفس اللعان، وهو قول مالك والشافعي ومن تبعهما. وعن أحمد روايتان.

ولكنّ ظاهر سياقه أنّه من كلام الزّهريّ ، فيكون مرسلاً ، وعلى تقدير إرسالها ، فقد جاء عن ابن عمر بلفظه ، عند الدّارقطنيّ، ويتأيّد بذلك قول من حمل التّفريق في حديث الباب على أنّه بيان حكم لا إيقاع فرقة.

واحتجّوا أيضًا ، بقوله في الرّواية الأخرى " لا سبيل لك عليها ".

وتعقّب: بأنّ ذلك وقع جوابًا لسؤال الرّجل عن ماله الذي أخذته منه.

ص: 115

وأجيب: بأنّ العبرة بعموم اللفظ ، وهو نكرة في سياق النّفي ، فيشمل المال والبدن، ويقتضي نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه.

ووقع في آخر حديث ابن عبّاس عند أبي داود " وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى ، من أجل أنّهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفّى عنها " وهو ظاهر في أنّ الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان.

ويستفاد منه أنّ قوله في حديث سهل " فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها " أنّ الرّجل إنّما طلَّقها قبل أن يعلم أنّ الفرقة تقع بنفس اللعان ، فبادر إلى تطليقها لشدّة نفرته منها.

وذهب عثمان البتّيّ: أنّه لا تقع الفرقة حتّى يوقعها الزّوج، واعتلّ بأنّ الفرقة لَم تذكر في القرآن، ولأنّ ظاهر الأحاديث أنّ الزّوج هو الّذي طلّق ابتداء.

ويقال: إنّ عثمان تفرّد بذلك ، لكن نقل الطّبريّ عن أبي الشّعثاء جابر بن زيد البصريّ أحد أصحاب ابن عبّاس، من فقهاء التّابعين نحوه.

ومقابله قول أبي عبيد: أنّ الفرقة بين الزّوجين تقع بنفس القذف ، ولو لَم يقع اللّعان، وكأنّه مفرّع على وجوب اللّعان على من تحقّق ذلك من المرأة، فإذا أخلّ به عوقب بالفرقة تغليطًا عليه.

ص: 116