المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثلاثون 334 - عن أبي ذرٍ رضي الله عنه ، - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثلاثون 334 - عن أبي ذرٍ رضي الله عنه ،

‌الحديث الثلاثون

334 -

عن أبي ذرٍ رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من رجلٍ ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلَّا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منّا، وليتبوّأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: يا عدوّ الله، وليس كذلك إلَّا حار عليه. كذا عند مسلم. (1)

وللبخاري نحوه (2).

قال المصنِّف: وحار: بمعنى رجع.

قوله: (عن أبي ذرٍ رضي الله عنه) هو جندب. وقيل: بريد ، ابن جنادة - بضم الجيم والنون الخفيفة - ابن سفيان ، وقيل: سَفير. ابن عبيد بن حرام - بالمهملتين - ابن غفار، وغفار من بني كنانة. (3)

(1) أخرجه البخاري (3317 ، 5698) ومسلم (61) من طريق حسين المعلم عن ابن بُريدة عن يحيى بن يعمر ، أنَّ أبا الأسود حدَّثه عن أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري في موضعين.

أمّا الأول ففي " المناقب "(3317) بلفظ " ليس من رجل ادعى لغير أبيه - وهو يعلمه - إلَّا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب، فليتبوأ مقعده من النار ".

والموضع الآخر في " الأدب "(5698) بلفظ " لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلَّا ارتدَّت عليه، إن لَم يكن صاحبه كذلك ".

أخرجه في الموضعين عن شيخه أبي معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين به

.

قال ابن حجر في الفتح: هو حديث واحدٌ فرّقه البخاري حديثين.

(3)

يقال: إنَّ إسلامه كان بعد أربعة ، وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومضت بدرٌ وأحدٌ ، ولم تتهيأ له الهجرة إلَّا بعد ذلك ، وكان طويلاً أسمر اللون نحيفاً.

وقال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: دخلت مسجد منى فإذا شيخ معروقُ آدم عليه حلة قطري فعرفتُ أنه أبو ذر بالنعت. وفي مسند يعقوب بن شيبة من رواية سلمة بن الأكوع: أنَّ أبا ذر كان طويلاً.

قال أبو إسحاق السبيعي: عن هانئ بن هانئ عن علي: أبو ذر وعاء مليء علماً ثم أوكىء عليه. أخرجه أبو داود بسند جيد. وأخرجه أبو داود أيضاً وأحمد عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أقلَّت الغبراء ، ولا أظلَّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر.

وفي الباب عن علي وأبي الدرداء وأبي هريرة وجابر وأبي ذر. ذكر طرقها ابن عساكر في ترجمته. وفاته بالربذة سنة 31. وقيل في التي بعدها. وعليه الأكثر ، ويقال: إنه صلَّى عليه عبد الله بن مسعود في قصة رويت بسند لا بأس به ، وقال المدائني: إنه صلَّى عليه ابن مسعود بالربذة ثم قدم المدينة فمات بعده بقليل. من الإصابة بتجوز.

ص: 179

قوله: (ليس من رجلٍ) من زائدة، والتّعبير بالرّجل للغالب وإلا فالمرأة كذلك حكمها.

قوله: (ادّعى لغير أبيه ، وهو يعلمه إلَّا كفر) وللبخاري " إلَّا كفر بالله " كذا وقع هنا كفر بالله ولَم يقع قوله: " بالله " في غير رواية أبي ذرّ (1) ، ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيليّ وهو أولى.

وإن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتّحريم.

وعلى الرّواية المشهورة فالمراد كفر النّعمة، وظاهر اللفظ غير مراد ، وإنّما ورد على سبيل التّغليظ والزّجر لفاعل ذلك.

أو المراد بإطلاق الكفر أنّ فاعله فعل فعلاً شبيهاً بفعل أهل الكفر ، خلافاً للخوارج الذين يكفّرون بالذّنوب.

ونصّ القرآن يردّ عليهم ، وهو قوله تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن

(1) هو عبد بن أحمد الهروي ، سبق ترجمته (1/ 114)

ص: 180

يشاء} فصيّر ما دون الشّرك تحت إمكان المغفرة ، والمراد بالشّرك في هذه الآية الكفر ، لأنّ من جحد نبوّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم مثلاً ، كان كافراً. ولو لَم يجعل مع الله إلهاً آخر ، والمغفرة منتفيةٌ عنه بلا خلافٍ ، وقد يرد الشّرك ، ويراد به ما هو أخصّ من الكفر كما في قوله تعالى {لَم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} .

تكملة: روى الشيخان عن أبي هريرة رفعه: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر. وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه عند أحمد " كفرٌ بالله تبرؤ من نَسَبٍ وإنْ دقَّ ". وله شاهد عن أبي بكر الصديق. أخرجه الطبراني.

قال ابن بطال: ليس معنى هذين الحديثين أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود، وإنما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالما عامداً مختاراً.

وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} وقوله سبحانه وتعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} فنسبَ كلَّ واحدٍ إلى أبيه الحقيقي ، وترك الانتساب إلى من تبنَّاه ، لكن بقي بعضهم مشهوراً بمن تبنَّاه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود، وليس الأسود أباه، وإنما كان تبناه. واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني، وكان أبوه حليف كندة فقيل له الكندي، ثم حالف هو

ص: 181

الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنى المقدادَ. فقيل له ابن الأسود. انتهى ملخصاً موضحاً.

وقوله: (ومن ادّعى ما ليس له فليس منّا) وللبخاري " ومن ادّعى قوماً ليس له فيهم نسب ".

ورواية مسلم أعمّ ممّا تدلّ عليه رواية البخاريّ، على أنّ لفظة " نسب " وقعت في رواية الكشميهنيّ دون غيره ، ومع حذفها يبقى متعلق الجارّ والمجرور محذوفاً فيحتاج إلى تقدير، ولفظ " نسب " أولى ما قُدّر لوروده في بعض الرّوايات.

قوله: (وليتبوّأ مقعده من النار) أي: ليتّخذ منزلاً من النّار، يقال: تبوّأ الرّجل المكان إذا اتّخذه سكناً وهو أمر بمعنى الخبر أيضاً، أو بمعنى التّهديد، أو بمعنى التّهكّم، أو دعاء على فاعل ذلك. أي: بوّأه الله ذلك.

ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي، وقد يعفى عنه، وقد يتوب فيسقط عنه.

وفي الحديث تحريم الانتفاء من النّسب المعروف والادّعاء إلى غيره، وقُيّد في الحديث بالعلم ، ولا بدّ منه في الحالتين إثباتاً ونفياً ، لأنّ الإثم إنّما يترتّب على العالم بالشّيء المتعمّد له.

وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزّجر كما قرّرناه.

ويؤخذ من رواية مسلم ، تحريم الدّعوى بشيء ليس هو للمدّعي، فيدخل فيه الدّعاوي الباطلة كلّها مالاً وعلماً وتعلماً ونسباً وحالاً

ص: 182

وصلاحاً ونعمة وولاء وغير ذلك، ويزداد التّحريم بزيادة المفسدة المترتّبة على ذلك.

واستدل به ابن دقيق العيد للمالكيّة ، في تصحيحهم الدّعوى على الغائب بغير مسخّر (1) لدخول المسخّر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنّه ليس له، والقاضي الذي يقيمه أيضاً يعلم أنّ دعواه باطلة.

قال: وليس هذا القانون منصوصاً في الشّرع حتّى يخصّ به عموم هذا الوعيد، وإنّما المقصود إيصال الحقّ لمستحقّه فترك مراعاة هذا القدر، وتحصيل المقصود من إيصال الحقّ لمستحقّه أولى من الدّخول تحت هذا الوعيد العظيم.

قوله: (ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: يا عدوّ الله، وليس كذلك إلَّا حار عليه) وللبخاري " لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر إلَّا ارتدّت عليه ، إن لَم يكن صاحبه كما قال "

وفي رواية للإسماعيليّ " إلَّا ارتدّت عليه " يعني رجعت عليه. و " حار " بمهملتين أي: رجع.

وهذا يقتضي أنّ مَن قال لآخر: أنت فاسق ، أو قال له: أنت كافر ، فإن كان ليس كما قال ، كان هو المستحقّ للوصف المذكور، وأنّه إذا كان كما قال ، لَم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال، ولكن لا يلزم

(1) قال في " معجم لغة الفقهاء "(1/ 428): المُسخَّر: بضم الميم وتشديد الخاء من سخَّر المكلّف بعمل بغير أجر مَن ينصبه القاضي وكيلاً عن الغائب للدفاع عنه. لتستقيم الخصومة.

ص: 183

من كونه لا يصير بذلك فاسقاً ولا كافراً أن لا يكون آثماً في صورة قوله له ، أنت فاسق.

بل في هذه الصّورة تفصيل: إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز، وإن قصد تعييره

وشهرته بذلك ومحض أذاه لَم يجز؛ لأنّه مأمور بالسّتر عليه وتعليمه وعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرّفق ، لا يجوز له أن يفعله بالعنف ، لأنّه قد يكون سبباً لإغرائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من النّاس من الأنفة، ولا سيّما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة.

ووقع في رواية مسلم بلفظ " ومن دعا رجلاً بالكفر ، أو قال عدوّ الله ، وليس كذلك إلَّا حار عليه ".

وقد أخرج البخاري هذا المتن من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر بلفظ " فقد باء بها أحدهما "(1) وهو بمعنى رجع أيضاً.

قال النّوويّ: اختلف في تأويل هذا الرّجوع.

فقيل: رجع عليه الكفر إن كان مستحلاً، وهذا بعيد من سياق الخبر.

وقيل: محمول على الخوارج ، لأنّهم يكفّرون المؤمنين. هكذا نقله عياض عن مالك وهو ضعيف. لأنّ الصّحيح عند الأكثرين ، أنّ

(1) ولفظه: أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما. زاد مسلم: إن كان كما قال وإلَّا رجعت إاليه. أخرجاه من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه.

ص: 184

الخوارج لا يكفرون ببدعتهم.

قلت: ولِما قاله مالك وجهٌ، وهو أنّ منهم من يكفّر كثيراً من الصّحابة ممّن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة وبالإيمان ، فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشّهادة المذكورة ، لا من مجرّد صدور التّكفير منهم بتأويل.

والتّحقيق: أنّ الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم.

وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به.

وقيل: يخشى عليه أن يئول به ذلك إلى الكفر كما قيل: المعاصي بريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصرّ عليها سوء الخاتمة.

وأرجح من الجميع ، أنّ مَن قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ، ولَم يقم له شبهة في زعمه أنّه كافر ، فإنّه يكفر بذلك. كما سيأتي تقريره.

فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالرّاجع التّكفير لا الكفر، فكأنّه كفَّر نفسه لكونه كفَّر مَن هو مثله، ومن لا يكفّره إلَّا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام.

ويؤيّده أنّ في بعض طرقه " وجب الكفر على أحدهما ". (1)

(1) أي طرق حديث ابن عمر في الصحيحين المذكور في الشرح. وليس حديث الباب.

وقد أخرجه بهذا اللفظ: أبو عوانة في " مستخرجه على مسلم "(53) والطحاوي في " شرح مشكل الآثار (855) والطبراني في " الأوسط " (111) وغيرهم من طريق بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر به.

وهو في صحيح مسلم (60) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع. بلفظ " باء بها .. " كما تقدَّم. وكذا أخرجاه من وجه آخر عن ابن عمر بهذا اللفظ. كما تقدَّم.

ص: 185

وقال القرطبيّ: حيث جاء الكفر في لسان الشّرع ، فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضّرورة الشّرعيّة، وقد ورد الكفر في الشّرع بمعنى جحد النّعم ، وترك شكر المنعم والقيام بحقّه كما تقدّم تقريره. (1)

قال: وقوله " باء بها أحدهما " أي: رجع بإثمها ولازم ذلك، وأصل البوء اللزوم، ومنه:" أبوء بنعمتك " أي: ألزمها نفسي وأقرّ بها.

قال: والهاء في قوله: " بها " راجع إلى التّكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدلّ عليها لفظ كافر، ويحتمل أن يعود إلى الكلمة.

والحاصل أنّ المقول له إن كان كافراً كفراً شرعيّاً فقد صدق القائل وذهب بها المقول له، وإن لَم يكن رجعت للقائل معرّة ذلك القول وإثمه.

كذا اقتصر على هذا التّأويل في رجع، وهو من أعدل الأجوبة.

وقد أخرج أبو داود عن أبي الدّرداء بسندٍ جيّد رفعه: إنّ العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السّماء، فتغلق أبواب السّماء دونها، ثمّ تهبط إلى الأرض فتأخذ يمنة ويسرة، فإن لَم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها.

(1) انظر حديث جابر في العيدين رقم (149) وجاء أيضاً في حديث أبي سعيد في البخاري (304).

ص: 186

وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسندٍ حسن ، وآخر عند أبي داود والتّرمذيّ عن ابن عبّاس. ورواته ثقات، ولكنّه أعل بالإرسال.

ص: 187