الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والعشرون
331 -
عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: أَلَم تري أنَّ مجزِّزاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيدٍ، فقال: إنّ بعض هذه الأقدام لمن بعضٍ. (1) وفي لفظ: وكان مجزِّزٌ قائفاً. (2)
قوله: (دخل عليّ مسروراً تبرق أسارير وجهه) الأسارير جمع أسرار ، وهي جمع سر ، وهي الخطوط التي تكون في الجبهة.
قوله: (أَلَم تري أنّ مجزّزاً) وللبخاري " فقال: أَلَم تري إلى مجزّز " والمراد من الرّؤية هنا الإخبار أو العلم.
وللبخاري في " مناقب زيد " من طريق ابن عيينة (3) عن الزّهريّ " أَلَم تسمعي ما قال المدلجيّ؟ ".
وله في " صفة النبي صلى الله عليه وسلم " من طريق إبراهيم بن محمد (4) عن
(1) أخرجه البخاري (3362 ، 3525 ، 6388 ، 6389) ومسلم (1459) من طرق عدّة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه مسلم (1459) من طريق يونس عن الزهري به.
(3)
كذا قال رحمه الله. والصواب أن البخاري أخرجه (3362) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ابن جريج عن الزهري به. بهذا اللفظ.
أمَّا رواية ابن عيينة فهي في كتاب الفرائض من البخاري (6771) بلفظ: ألم تري أنّ مجززاً المدلجي. وهي بين عَيْني الشارح ، لكن لم ينتبّه لها رحمه الله. لكن لعلَّه ظنَّ أنَّ البخاريَّ أورد الحديث في موضعين عن ابن عيينة.
(4)
وهذا وهمٌ أيضاً. فقد أخرجه البخاري (3731) في " مناقب زيد " من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري به. وليس في " صفة النبي صلى الله عليه وسلم "
وقوله هنا (بن محمد). خطأٌ لا أدري من الناسخ أم من الشارح.
الزّهريّ بلفظ " دخل عليّ قائفٌ. الحديث. وفيه. فسُرَّ بذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأعجبه ، وأخبر به عائشة ".
ولمسلمٍ من طريق معمر وابن جريجٍ عن الزّهريّ " وكان مجزّز قائفاً ". (1)
ومجزِّز بضمّ الميم وكسر الزّاي الثّقيلة.
وحكي: فتحها وبعدها زاي أخرى. هذا هو المشهور.
ومنهم مَن قال: بسكون الحاء المهملة وكسر الرّاء ثمّ زاي.
وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجيّ نسبة إلى مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن كنانة، وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد، والعرب تعترف لهم بذلك.
وليس ذلك خاصّاً بهم على الصّحيح.
وقد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسندٍ صحيحٍ إلى سعيد بن المسيّب ، أنّ عمر كان قائفاً. أورده في قصّته، وعمر قرشيّ ليس مدلجيّاً ولا أسديّاً لا أسد قريش ولا أسد خزيمة.
ومجزّز المذكور هو والد علقمة بن مجزّز، وذكر مصعب الزّبيريّ والواقديّ ، أنّه سُمّي مجزّزاً لأنّه كان إذا أخذ أسيراً في الجاهليّة جزّ
(1) الحديث أورده مسلم (1459) من طرق عن الزهري. ثم رواه من طريق معمر وابن جريج ويونس جميعاً. ثم قال مسلم: كلهم عن الزهري، بهذا الإسناد بمعنى حديثهم، وزاد في حديث يونس: وكان مجززٌ قائفاً.
فهذه الزيادة من رواية يونس فقط. كما نصَّ عليه أبو عوانة والبيهقي.
ناصيته وأطلقه، وهذا يدفع فتح الزّاي الأولى من اسمه، وعلى هذا فكان له اسم غير مجزّز. لكنّي لَم أر من ذكره. وكان مجزّز عارفاً بالقيافة، وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر ، وقال: لا أعلم له روايةً.
قوله: (نظر آنفاً) بالمدّ ويجوز القصر. أي: قريباً أو أقرب وقتٍ.
قوله: (إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد) في رواية سفيان عن الزهري في الصحيحين " دخل عليّ فرأى أسامة بن زيد وزيداً وعليهما قطيفةٌ ، قد غطّيا رءوسهما وبدت أقدامهما ".
وفي رواية إبراهيم بن سعد " وأسامة وزيد مضطجعان ". وفي هذه الزّيادة دفع توهّم من يقول: لعله حاباهما بذلك لِما عُرف من كونهم كانوا يطعنون في أسامة.
وزيد هو مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو من بني كلب أُسر في الجاهليّة ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمّته خديجة ، فاستوهبه النّبيّ صلى الله عليه وسلم منها، ذكر قصّته محمّد بن إسحاق في " السّيرة " ، وأنّ أباه وعمّته أتيا مكّة فوجداه ، فطلبا أن يفدياه فخيّره النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين أنّ يدفعه إليهما أو يثبت عنده ، فاختار أن يبقى عنده.
وقد أخرج ابن منده في " معرفة الصّحابة " وتمام في " فوائده " بإسنادٍ مستغرب عن آل بيت زيد بن حارثة ، أنّ حارثة أسلم يومئذٍ، وهو حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزّى الكلبيّ.
وأخرج التّرمذيّ من طريق جبلة بن حارثة قال: قلت: يا رسولَ
الله، ابعث معي أخي زيداً قال: إن انطلق معك لَم أمنعه، فقال زيد: يا رسولَ الله ، والله لا أختار عليك أحداً. واستشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة.
قوله: (وأسامة بن زيد) كانوا يسمّون أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بكسر المهملة. أي: محبوبه لِمَا يعرفون من منزلته عنده، لأنّه كان يحبّ أباه قبله حتّى تبنّاه ، فكان يقال له زيد ابن محمّد، وأمّه أمّ أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي أمّي بعد أمّي " (1).
وكان يجلسه على فخذه بعد أن كبر كما في البخاري عن أسامة بن زيد، رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.
مات أسامة بن زيد بالمدينة ، أو بوادي القرى سنة أربع وخمسين ، وقيل: قبل ذلك، وكان قد سكن المزّة من عمل دمشق مدّة.
قوله: (إنّ بعض هذه الأقدام لمن بعضٍ) في رواية لهما " إنَّ هذه الأقدام بعضها من بعض ".
(1) ذكره البخاري في " التاريخ الكبير "(2/ 192) أخبرنا سليمان بن أبي شيخ. فذكره. وهذا معضل.
وروى الطبراني في " الكبير "(24/ 351) وابن الجوزي في " العلل "(1/ 268) من حديث أنس ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قاله لفاطمة بنت أسد والدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وسنده ضعيف
قال أبو داود: نقل أحمد بن صالح عن أهل النّسب ، أنّهم كانوا في الجاهليّة يقدحون في نسب أسامة ، لأنّه كان أسود شديد السّواد ، وكان أبوه زيدٌ أبيض من القطن، فلمّا قال القائف ما قال مع اختلاف اللون ، سرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، لكونه كافّاً لهم عن الطّعن فيه لاعتقادهم ذلك.
وقد أخرج عبد الرّزّاق من طريق ابن سيرين، أنّ أمّ أسامة وهي أمّ أيمن مولاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانت سوداء فلهذا جاء أسامة أسود.
وقد وقع في الصّحيح عن ابن شهابٍ ، أنّ أمّ أيمن كانت حبشيّةً وصيفةً لعبد الله والد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ويقال: كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل، فصارت لعبد المطّلب فوهبها لعبد الله، وتزوّجت قبل زيدٍ عُبيداً الحبشيّ ، فولدت له أيمن فكنيت به واشتهرت بذلك، وكان يقال لها: أمّ الظّباء.
قال عياض: لو صحّ أنّ أمّ أيمن كانت سوداء ، لَم ينكروا سواد ابنها أسامة ، لأنّ السّوداء قد تلد من الأبيض أسود.
قلت: يحتمل أنّها كانت صافيةً ، فجاء أسامة شديد السّواد فوقع الإنكار لذلك.
وفي الحديث جواز الشّهادة على المنتقبة والاكتفاء بمعرفتها من غير رؤية الوجه، وجواز اضطجاع الرّجل مع ولده في شعار واحد، وقبول شهادة من يشهد قبل أن يستشهد عند عدم التّهمة.
وسرور الحاكم لظهور الحقّ لأحد الخصمين عند السّلامة من الهوى، وتقدّم حديث أبي هريرة (1) في قصّة الذي قال " إنّ امرأتي ولدت غلاماً أسود، وفيه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم " لعله نزعه عرقٌ "
تنْبيهٌ: وجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض (2) الرّدّ على من زعم أنّ القائف لا يعتبر قوله، فإنّ من اعتبر قوله فعمل به ، لزم منه حصول التّوارث بين الملحِق والملحَق به.
قوله: (وكان مجزِّزٌ قائفاً) هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر. سُمي بذلك ، لأنه يقفو الأشياء. أي: يتبعها فكأنه مقلوب من القافي.
قال الأصمعي: هو الذي يقفو الأثر ويقتافُه قفواً وقيافةً ، والجمع القافة. كذا وقع في الغريبين والنهاية.
(1) انظر الحديث الذي قبله.
(2)
أي: في صحيح البخاري. فأورده في كتاب الفرائض " باب القائف "