المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 346 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 346 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

‌الحديث السادس

346 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرةٍ عبدٍ أو أمةٍ. فقال: لتأتينّ بِمَن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة. (1)

قال المصنِّف: إملاص المرأة: أنْ تُلقي جنينها ميتاً.

قوله: (استشار الناس) قال ابن بطّال: لا يجوز للقاضي الحكم إلَّا بعد طلب حكم الحادثة من الكتاب أو السّنّة، فإن عدمه رجع إلى الإجماع. فإن لَم يجده. نَظَرَ هل يصحّ الحمل على بعض الأحكام المقرّرة لعلةٍ تجمع بينهما؟.

فإن وجد ذلك لزمه القياس عليها، إلَّا إن عارضتها عِلَّة أخرى

(1) أخرجه البخاري (6509) من طريق وهيب ، و (6511) من طريق زائدة ، و (6887) من طريق أبي معاوية كلهم عن هشام عن أبيه عن المغيرة عن عمر ، أنه استشارهم.

وأخرجه البخاري (6510) عن عبيد الله بن موسى عن هشام عن أبيه ، أن عمر .. دون ذِكْر المغيرة.

وتابعه حماد بن زيد وحماد بن سلمة. كما قال أبو داود في " السنن ".

قال الحافظ في " الفتح "(6/ 312): هذا صورته الإرسال ، لكنْ تبيَّن من الرواية السابقة واللاحقة أنَّ عروة حمله عن المغيرة وإن لَم يصرِّح به في هذه الرواية، وفي عدول البخاري عن رواية وكيع إشارة إلى ترجيح رواية مَن قال فيه: عن عروة عن المغيرة. وهُم الأكثر. انتهى

قلت: رواية وكيع. أخرجه مسلم (1689) من طريقه عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر. فذكره.

ص: 305

فيلزمه التّرجيح، فإن لَم يجد عِلَّة استدل بشواهد الأصول وغلبة الاشتباه، فإن لَم يتوجّه له شيء من ذلك رجع إلى حكم العقل.

قال: هذا قول ابن الطّيّب، يعني أبا بكر الباقلانيّ، ثمّ أشار إلى إنكار كلامه الأخير بقوله تعالى {ما فرّطنا في الكتاب من شيء} .

وقد علم الجميع بأنّ النّصوص لَم تحط بجميع الحوادث فعرفنا أنّ الله قد أبان حكمها بغير طريق النّصّ - وهو القياس - ويؤيّد ذلك قوله تعالى {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} لأنّ الاستنباط هو الاستخراج وهو بالقياس، لأنّ النّصّ ظاهر.

ثمّ ذكر في الرّدّ على منكري القياس وألزمهم التّناقض، لأنّ من أصلهم إذا لَم يوجد النّصّ الرّجوع إلى الإجماع.

قال: فيلزمهم أن يأتوا بالإجماع على ترك القول بالقياس ولا سبيل لهم إلى ذلك، فوضح أنّ القياس إنّما ينكر إذا استعمل مع وجود النّصّ أو الإجماع لا عند فقد النّصّ والإجماع. وبالله التّوفيق.

قوله: (في إملاص المرأة) في رواية البخاري من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبي عن المغيرة: سأل عمر بن الخطّاب في إملاص المرأة ، وهي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها ، فقال: أيّكم سمع من النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه شيئاً؟.

وهذا التّفسير أخصّ من قول أهل اللغة: إنّ الإملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة. أي: قبل حين الولادة، هكذا نقله أبو داود في " السّنن " عن أبي عبيد، وهو كذلك في الغريب له.

ص: 306

وقال الخليل: أملصت المرأة والنّاقة إذا رمت ولدها.

وقال ابن القطّاع: أملصت الحامل ألقت ولدها.

ووقع في بعض الرّوايات. ملاص بغير ألف كأنّه اسم فعل الولد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، أو اسم لتلك الولادة كالخداج.

ووقع عند الإسماعيليّ من رواية ابن جريجٍ عن هشام ، قال هشام: الملاص للجنين، وهذا يتخرّج أيضاً على الحذف.

وقال صاحب البارع: الإملاص الإسقاط، وإذا قبضت على شيء فسقط من يدك ، تقول أملص من يدي إملاصاً وملص ملصاً.

ووقع في رواية عبيد الله بن موسى عن هشام عند البخاري ، أنّ عمر نشد النّاس ، من سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى في السّقط.

قوله: (فقال المغيرة) وكذا في رواية عبيد الله بن موسى، وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي " فقام المغيرة بن شعبة فقال: بلى أنا يا أمير المؤمنين " وفيه تجريد. وكان السّياق يقتضي أن يقول: فقلت ، وقد وقع في رواية أبي معاوية المذكورة " فقلت: أنا ".

قوله: (قضى فيه بغرةٍ عبدٍ أو أمةٍ) وللبخاري " قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالغرّة ، عبد أو أمة " كذا في رواية عفّان عن وهيب باللام.

وهو يؤيّد رواية التّنوين وسائر الرّوايات بغرّةٍ ، ومنها رواية أبي معاوية بلفظ " سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: فيها غرّة عبد أو أمة ".

قوله: (لتأتينّ بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة)

ص: 307

وللبخاري " فشهد محمّد بن مسلمة أنّه شهدَ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى به " كذا في رواية وهيب عن هشام مختصراً ، وفي رواية ابن عيينة " فقال عمر: مَن يشهد معك؟ فقام محمّد فشهد بذلك ".

وفي رواية أبي معاوية " فقال: لا تبرح حتّى تجيء بالمخرج ممّا قلت ، قال: فخرجت فوجدتُ محمّد بن مسلمة فجئت به ، فشهد معي أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى به " وفي رواية عبيد الله عن هشام " ائت بمن يشهد " ، كذا للأكثر بصيغة فعل الأمر من الإتيان، وحُذِفت عند بعضهم الباء من قوله " بمن "

ووقع في رواية أبي ذرّ عن غير الكشميهنيّ - بألفٍ ممدودة ثمّ نون ثمّ مثنّاة - بصيغة استفهام المخاطب على إرادة الاستثبات. أي: أنت تشهد، ثمّ استفهمه ثانياً: من يشهد معك؟

قال ابن دقيق العيد: الحديث أصل في إثبات دية الجنين وأنّ الواجب فيه غرّة إمّا عبد وإمّا أمة، وذلك إذا ألقته ميّتاً بسبب الجناية، وتصرّف الفقهاء بالتّقييد في سنّ الغرّة ، وليس ذلك من مقتضى الحديث، واستشارة عمر في ذلك أصلٌ في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه ، أو كان عنده شكٌّ ، أو أراد الاستثبات.

وفيه أنّ الوقائع الخاصّة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من دونهم، وفي ذلك ردٌّ على المقلِّد إذا استدل عليه بخبرٍ يخالفه ، فيجيب لو كان صحيحاً لعلمه فلان مثلاً ، فإنّ ذلك إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر ، فخفاؤه عمّن بعده أجوز.

ص: 308

وقد تعلَّق بقول عمر " لتأتينّ بمن يشهد معك " مَن يرى اعتبار العدد في الرّواية ، ويشترط أنّه لا يقبل أقل من اثنين كما في غالب الشّهادات. وهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد، فإنّه قد ثبت قبول الفرد في عدّة مواطن، وطلب العدد في صورة جزئيّة لا يدلّ على اعتباره في كلّ واقعة ، لجواز المانع الخاصّ بتلك الصّورة أو وجود سبب يقتضي التّثبّت وزيادة الاستظهار ، ولا سيّما إذا قامت قرينة. وقريبٌ من هذا قصّة عمر مع أبي موسى في الاستئذان.

قلت: وقد صرّح عمر في قصّة أبي موسى بأنّه أراد الاستثبات (1).

وقوله " في إملاص المرأة " أصرح في وجوب الانفصال ميّتاً ، من قوله في حديث أبي هريرة " قضى في الجنين "(2).

(1) قصة أبي موسى مع عمر. أخرجها البخاري (6245) ومسلم (2153) من طرق ، أن أبا موسى جاء إلى عمر ، فقال: السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس، فلم يأذن له، فقال: السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعري، ثم انصرف، فقال: ردُّوا عليَّ، فجاء فقال: يا أبا موسى ما ردُّك؟ كنا في شغل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلَّا فارجع. قال: لتأتيني على هذا ببينة، وإلَّا فعلتُ وفعلتُ.

فذهب أبو موسى. قال عمر: إنْ وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية، وإن لَم يجد بينة فلم تجدوه، فلمَّا أنْ جاء بالعشي وجدوه، قال: يا أبا موسى، ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم، أُبي بن كعب، قال: عَدْل، قال: يا أبا الطفيل ما يقول هذا؟. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك يا ابن الخطاب. فلا تكوننَّ عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سبحان الله إنما سمعتُ شيئاً، فأحببتُ أن أتثبَّت .. واللفظ لمسلم

(2)

حديث أبي هريرة سيأتي الكلام عليه مستوفى إن شاء الله بعد هذا الحديث ، وفيه شرح لبعض الألفاظ التي لَم تشرح هنا.

ص: 309

وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرّة انفصال الجنين ميّتاً بسبب الجناية، فلو انفصل حيّاً ثمّ مات وجب فيه القود أو الدّية كاملة.

ولو ماتت الأمّ ولَم ينفصل الجنين ، لَم يجب شيء عند الشّافعيّة. لعدم تيقّن وجود الجنين.

وعلى هذا. هل المعتبر نفس الانفصال أو تحقّق حصول الجنين؟.

فيه وجهان: أصحّهما الثّاني.

ويظهر أثره فيما لو قُدّت نصفين أو شُقّ بطنها فشوهد الجنين، وأمّا إذا خرج رأس الجنين مثلاً بعدما ضرب وماتت الأمّ. ولَم ينفصل.

قال ابن دقيق العيد: ويحتاج مَن قال ذلك ، إلى تأويل الرّواية وحملها على أنّه انفصل وإن لَم يكن في اللفظ ما يدلّ عليه.

قلت: وقع في حديث ابن عبّاس عند أبي داود " فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميّتاً " فهذا صريح في الانفصال، ووقع مجموع ذلك في حديث الزّهريّ.

ففي رواية عبد الرّحمن بن خالد بن مسافر في البخاري " فأصاب بطنَها وهي حامل ، فقتل ولدها في بطنها ".

وفي رواية مالك عند البخاري " فطرحت جنينها "(1)

واستدل به على أنّ الحكم المذكور خاصّ بولد الحرّة ، لأنّ القصّة وردت في ذلك، وقوله " في إملاص المرأة " وإن كان فيه عموم ، لكنّ الرّاوي ذكر أنّه شهد واقعة مخصوصة.

(1) رواية عبد الرحمن بن خالد ومالك هما ضمن حديث أبي هريرة الآتي.

ص: 310

وقد تصرّف الفقهاء في ذلك.

فقال الشّافعيّة: الواجب في جنين الأمة عشر قيمة أمّه كما أنّ الواجب في جنين الحرّة عشر ديتها، وعلى أنّ الحكم المذكور خاصّ بمن يحكم بإسلامه. ولَم يتعرّض لجنينٍ محكوم بتهوّده أو تنصّره.

ومن الفقهاء من قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعاً. وليس هذا من الحديث.

وفيه أنّ القتل المذكور لا يجري مجرى العمد. والله أعلم.

ص: 311