المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث والعشرون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌الحديث الثالث والعشرون

‌الحديث الثالث والعشرون

327 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، أنّ فلان بن فلانٍ قال: يا رسولَ الله: أرأيتَ أن لو وجد أحدنا امرأتَه على فاحشةٍ، كيف يصنع؟ إن تكلَّم، تكلَّم بأمرٍ عظيمٍ، وإن سكتَ سكتَ على مثل ذلك، قال: فسكتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يُجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إنَّ الذي سألتك عنه قد ابتليتُ به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور {والذين يرمون أزواجهم} فتلاهنّ عليه، ووعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذابَ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، فقال: لا والذي بعثك بالحقّ نبياً، ما كذبت عليها، ثم دعاها، فوعظها، وأخبرها أنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا والذي بعثك بالحقّ إنه لكاذب.

فبدأ بالرجل فشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنّى بالمرأة، فشهِدت أربع شهادات بالله، إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرّق بينهما، ثم قال: الله يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ثلاثاً. (1)

وفي لفظ: لا سبيل لك عليها، فقال: يا رسولَ الله مالي؟ قال: لا مال لك، إن كنتَ صدقت عليها، فهو بما استحللت من فرجها، وإن

(1) أخرجه مسلم (1493) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

ص: 88

كنتَ كذبتَ عليها، فهو أبعد لك منها. (1)

قوله: (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه) أورده مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير. فزاد في أوّله " قال: لَم يفرّق المصعب - يعني ابن الزّبير - بين المتلاعنين، أي: حيث كان أميرًا على العراق، قال سعيد: فذكرت ذلك لابن عمر.

ومن وجه آخر عن سعيد: سئلت عن المتلاعنين ، في امرةِ مصعب بن الزّبير ، فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة .. الحديث. وفيه فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله، نعم، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان.

وعرف من قوله " بمكّة " أنّ في الرّواية التي قبلها حذفًا تقديره فسافرت إلى مكّة فذكرت ذلك لابن عمر.

ووقع في رواية عبد الرّزّاق عن معمر عن أيّوب عن سعيد بن جبير قال: كنّا بالكوفة نختلف في الملاعنة، يقول بعضنا: يفرّق بينهما ، ويقول بعضنا: لا يفرّق ".

ويؤخذ منه أنّ الخلاف في ذلك كان قديمًا، وقد استمرّ عثمان البتّيّ من فقهاء البصرة على أنّ اللعان لا يقتضي الفرقة. وكأنّه لَم يبلغه حديث ابن عمر.

قوله: (أنّ فلان بن فلانٍ) في رواية أيوب عن سعيد عند الشيخين

(1) أخرجه البخاري (5005 ، 5006 ، 5034 ، 5035) ومسلم (1493) من طريق أيوب وعمر بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر به.

ص: 89

" فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان ".

ووقع في رواية أبي أحمد الجرجانيّ " بين أحد بني العجلان " بحاءٍ ودال مهملتين. وهو تصحيف.

وجاء تسميتهما (1) في حديث سهل بن سعد من رواية مالك عن الزهري عنه ، أنّ عويمرًا العجلانيّ جاء إلى عاصم بن عديٍّ الأنصاريّ، فقال له: أرأيت يا عاصم لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله، فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك يا عاصمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)

وفي رواية القعنبيّ عن مالك " عويمر بن أشقر " وكذا أخرجه أبو داود وأبو عوانة من طريق عياض بن عبد الله الفهريّ عن الزّهريّ.

ووقع في " الاستيعاب " عويمر بن أبيض.

(1) صرّح الشارح رحمه الله أنَّ حديث سهل الآتي وحديث ابن عمر قصّة واحدة.

(2)

أخرجه البخاري (413 ، 4468، 4469، 4959، 5002، 5003، 6462، 6745، 6764، 7874) ومسلم (1492) من طرق عدّة عن الزهري عن سهل رضي الله عنه وتمامه: فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، حتى كبُر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها ، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فرغا من تلاعنهما، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلَّقها ثلاثاً، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.

ص: 90

وعند الخطيب في " المبهمات " عويمر بن الحارث، وهذا هو المعتمد. فإنّ الطّبريّ نسبه في " تهذيب الآثار " فقال: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن الجدّ بن عجلان، فلعلَّ أباه كان يلقّب أشقر أو أبيض، وفي الصّحابة ابن أشقر آخر وهو مازني. أخرج له ابن ماجه.

وللبخاري من رواية سفيان بن عيينة عن الزّهريّ قال: قال سهل بن سعد: شهدت المتلاعنَين وأنا ابن خمس عشرة سنة ".

ووقع في نسخة أبي اليمان عن شعيب عن الزّهريّ عن سهل بن سعد قال: توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا ابن خمس عشرة سنة.

فهذا يدلّ على أنّ قصّة اللعان كانت في السّنة الأخيرة من زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن جزم الطّبريّ وأبو حاتم وابن حبّان بأنّ اللعان كان في شعبان سنة تسع، وجزم به غير واحد من المتأخّرين.

ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الدّارقطنيّ ، أنّ قصّة اللعان كانت بمنصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهو قريبٌ من قول الطّبريّ، ومن وافقه، لكن في إسناده الواقديّ. فلا بدّ من تأويل أحد القولين، فإن أمكن وإلَّا فطريق شعيب أصحّ.

وممّا يوهن رواية الواقديّ ما اتّفق عليه أهل السّير ، أنّ التّوجّه إلى تبوك كان في رجب، وما ثبت في الصّحيحين ، أنّ هلال بن أُميَّة أحد الثّلاثة الذين تيب عليهم، وفي قصّته أنّ امرأته استأذنت له النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تخدمه ، فأذن لها بشرطٍ أن لا يقربها فقالت: إنّه لا حراك به، وفيه أنّ ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يومًا.

ص: 91

فكيف تقع قصّة اللعان في الشّهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ، ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من الشّغل بنفسه وهجران النّاس له وغير ذلك، وقد ثبت في حديث ابن عبّاس ، أنّ آية اللعان نزلت في حقّه، وكذا عند مسلم من حديث أنس ، أنّه أوّل من لاعن في الإسلام "؟.

ووقع في رواية عبّاد بن منصور في حديث ابن عبّاس عند أبي داود وأحمد " حتّى جاء هلال بن أُميَّة - وهو أحد الثّلاثة الذين تيب عليهم - فوجد عند أهله رجلاً .. الحديث ".

فهذا يدلّ على أنّ قصّة اللعان تأخّرت عن قصّة تبوك ، والذي يظهر أنّ القصّة كانت متأخّرة، ولعلَّها كانت في شعبان سنة عشر لا تسع، وكانت الوفاة النّبويّة في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة باتّفاقٍ، فيلتئم حينئذٍ مع حديث سهل بن سعد.

ووقع عند مسلم من حديث ابن مسعود: كنّا ليلة جمعة في المسجد ، إذ جاء رجل من الأنصار. فذكر القصّة في اللعان باختصار، فعيّن اليوم ، لكن لَم يعيّن الشّهر ولا السّنة.

وقوله " عاصم بن عديّ " أي: ابن الجدّ بن العجلان العجلانيّ، وهو ابن عمّ والد عويمر، وفي رواية الأوزاعيّ عن الزّهريّ في البخاري " وكان عاصم سيّد بني عجلان ".

والجدّ. بفتح الجيم وتشديد الدّال. والعجلان. بفتح المهملة وسكون الجيم ، هو ابن حارثة بن ضبيعة من بني بليّ بن عمرو بن

ص: 92

الحافّ بن قضاعة، وكان العجلان حالف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس من الأنصار في الجاهليّة ، وسكن المدينة فدخلوا في الأنصار.

وقد ذكر ابن الكلبيّ ، أنّ امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور ، وأنّ اسمها خولة.

وقال ابن منده في " كتاب الصّحابة " خولة بنت عاصم التي قذفها زوجها فلاعن النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما، لها ذِكرٌ ، ولا تعرف لها رواية، وتبعه أبو نعيمٍ، ولَم يذكرا سلفهما في ذلك ، وكأنّه ابن الكلبيّ.

وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبيّ ، أنّها خولة بنت قيس.

وذكر ابن مردويه ، أنّها بنت أخي عاصم، فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، أنّ عاصم بن عديّ لَمَّا نزلت {والذين يرمون المحصنات} ، قال: يا رسولَ الله. أين لأحدنا أربعة شهداء؟ فابتلي به في بنت أخيه. وفي سنده مع إرساله ضعف.

وأخرج ابن أبي حاتم في " التّفسير " عن مقاتل بن حيّان قال: لَمَّا سأل عاصم عن ذلك ابتلي به في أهل بيته، فأتاه ابن عمّه تحته ابنة عمّه ، رماها بابن عمّة المرأة ، والزّوج والحليل ثلاثتهم بنو عمّ عاصم ،

وعند ابن مردويه في مرسل ابن أبي ليلى المذكور ، أنّ الرّجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء.

وهو يشهد لصحّة هذه الرّواية لأنّه ابن عمّ عويمر، وكذا في مرسل مقاتل بن حيّان عند أبي حاتم، فقال الزّوج لعاصم: يا ابن عمّ

ص: 93

، أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها ، وإنّها لحبلى ، وما قربتها منذ أربعة أشهر.

وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الدّارقطنيّ: لاعن بين عويمر العجلانيّ وامرأته، فأنكر حملها الذي في بطنها ، وقال: هو لابن سحماء. ولا يمتنع أن يتّهم شريك بن سحماء بالمرأتين معًا.

وأمّا قول ابن الصّبّاغ في " الشّامل " أنّ المزنيّ ذكر في " المختصر " ، أنّ العجلانيّ قذف زوجته بشريك بن سحماء.

وهو سهو في النّقل، وإنّما القاذف بشريك هلال بن أُميَّة، فكأنّه لَم يعرف مستند المزنيّ في ذلك ، وإذا جاء الخبر من طرق متعدّدة ، فإنّ بعضها يعضّد بعضًا. والجمع ممكن فيتعيّن المصير إليه فهو أولى من التّغليط.

قوله: (يا رسولَ الله: أرأيت أن لو وجد أحدنا .. فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجبه) في حديث سهل " فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها. الحديث ".

وقوله " أيقتله فتقتلونه " أي: قصاصًا لتقدّم علمه بحكم القصاص ، لعموم قوله تعالى {النّفس بالنّفس} لكن في طرقه احتمال أن يخصّ من ذلك ما يقع بالسّبب الذي لا يقدر على الصّبر عليه غالبًا من الغيرة التي في طبع البشر، ولأجل هذا قال: أم كيف

ص: 94

يفعل.؟

وفي الصحيحين استشْكال سعد بن عبادة مثل ذلك. لقوله " لو رأيته لضربته بالسّيف غير مصفح " ، وفي البخاري. قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهلال بن أُميَّة لَمَّا سأله عن مثل ذلك " البيّنة، وإلَّا حدّ في ظهرك " وذلك كلّه قبل أن ينزل اللعان.

وقد اختلف العلماء. فيمن وجد مع امرأته رجلاً ، فتحقّق الأمر فقتله. هل يقتل به؟.

القول الأول: منع الجمهور الإقدام. وقالوا: يقتصّ منه ، إلَّا أن يأتي ببيّنة الزّنا ، أو على المقتول بالاعتراف ، أو يعترف به ورثته فلا يقتل القاتل به ، بشرط أن يكون المقتول محصنًا.

القول الثاني: يقتل به ، لأنّه ليس له أن يقيم الحدّ بغير إذن الإمام.

القول الثالث: لا يقتل أصلاً ، ويعزّر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه.

وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنّه قتله بسبب ذلك، ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكيّة، لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن.

قال القرطبيّ: ظاهر تقرير عويمر على ما قال يؤيّد قولهم، كذا قال. والله أعلم

وقوله " أم كيف يفعل "؟.

يحتمل: أن تكون " أم " متّصلة والتّقدير: أم يصبر على ما به من

ص: 95

المضض.

ويحتمل: أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب. أي: بل هناك حكم آخر لا يعرفه ويريد أن يطّلع عليه، فلذلك قال: سل لي يا عاصم.

وإنّما خصّ عاصمًا بذلك لِما تقدّم من أنّه كان كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه، ولعلَّه كان اطّلع على مخايل ما سأل عنه ، لكن لَم يتحقّقه فلذلك لَم يفصح به، أو اطّلع حقيقة لكن خشي إذا صرّح به من العقوبة التي تضمّنها من رمى المحصنة بغير بيّنة، أشار إلى ذلك ابن العربيّ ، قال:

ويحتمل: أن يكون لَم يقع له شيء من ذلك ، لكن اتّفق أنّه وقع في نفسه إرادة الاطّلاع على الحكم فابتلي به ، كما يقال البلاء موكّل بالمنطق، ومن ثَمَّ قال: إنّ الذي سألتك عنه قد ابتليت به.

وفي حديث ابن مسعود عند مسلم " إن تكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ ".

وهذه أتمّ الرّوايات في هذا المعنى.

قوله: (فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور {والذين يرمون أزواجهم}) في حديث سهل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك " ووقع في حديث ابن مسعود ، إنّ الرّجل لَمَّا قال: وإن سكت سكت على غيظ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اللهمّ افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان.

وهذا ظاهره أنّ الآية نزلت عقب السّؤال، لكن يحتمل أن يتخلل

ص: 96

بين الدّعاء والنّزول زمن بحيث يذهب عاصم ويعود عويمر.

وهذا كلّه ظاهر جدًّا في أنّ القصّة نزلت بسبب عويمر.

ويعارضه ما رواه البخاري من طريق هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عبّاس ، أنّ هلال بن أُميَّة قذف امرأته بشريك بن سحماء ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: البيّنة أو حدّ في ظهرك. فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إنّني لصادقٌ، ولينزلنّ الله فيّ ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل فأنزل عليه: والذين يرمون أزواجهم. الحديث.

وفي رواية عبّاد بن منصور عن عكرمة عن ابن عبّاس. في هذا الحديث عند أبي داود " فقال هلال: وإنّي لأرجو أن يجعل الله لي فرجًا. قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، إذ نزل عليه الوحي.

وفي حديث أنس عند مسلم " أنّ هلال بن أُميَّة قذف امرأته بشريك بن سحماء ، وكان أخا البراء بن مالك لأمّه، وكان أوّل رجلٍ لاعن في الإسلام ".

فهذا يدلّ على أنّ الآية نزلت بسبب هلال.

وقد اختلف الأئمّة في هذا الموضع:

فمنهم: من رجّح أنّها نزلت في شأن عويمرٍ.

ومنهم: من رجّح أنّها نزلت في شأن هلال.

ومنهم: من جمع بينهما. بأنّ أوّل من وقع له ذلك هلال ، وصادف مجيء عويمرٍ أيضًا فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد.

وقد جنح النّوويّ إلى هذا، وسبقه الخطيب. فقال: لعلهما اتّفق

ص: 97

كونهما جاءا في وقت واحد.

ويؤيّد التّعدّد: أنّ القائل في قصّة هلالٍ سعدُ بنُ عبادة. ما أخرجه أبو داود والطّبريّ من طريق عبّاد بن منصور عن عكرمة عن ابن عبّاس. مثل رواية هشام بن حسّان بزيادةٍ في أوّله " لَمَّا نزلت {والذين يرمون أزواجهم} الآية. قال سعد بن عبادة: لو رأيت لُكاعًا قد تفخّذها رجلٌ لَم يكن لي أن أهيّجه حتّى آتي أربعة شهداء، ما كنت لآتي بهم حتّى يفرغ من حاجته، قال: فما لبثوا إلَّا يسيرًا حتّى جاء هلال بن أُميَّة " الحديث.

وعند الطّبريّ من طريق أيّوب عن عكرمة مرسلاً فيه نحوه. وزاد " فلم يلبثوا أن جاء ابن عمّ له فرمى امرأته " الحديث. والقائل في قصّة عويمرٍ عاصم بن عديّ كما في حديث سهل بن سعد.

وأخرج الطّبريّ من طريق الشّعبيّ مرسلاً قال: لَمَّا نزلت {والذين يرمون أزواجهم} الآية. قال عاصم بن عديّ: إنْ أنا رأيتُ فتكلمت جُلدت، وإن سكتّ سكتّ على غيظٍ. الحديث.

ولا مانع أنْ تتعدّد القصص ويتّحد النّزول.

وروى البزّار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لو رأيتَ مع أمّ رومان رجلاً ما كنتَ فاعلاً به؟ قال: كنتُ فاعلاً به شرًّا. قال: فأنت يا عمر؟ قال: كنت أقول لعن الله الأبعد، قال: فنزلت.

ويحتمل: أنّ النّزول سبق بسبب هلال، فلمّا جاء عويمر ولَم يكن

ص: 98

علم بما وقع لهلالٍ أعلمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولهذا قال في قصّة هلال:" فنزل جبريل " وفي قصّة عويمرٍ " قد أنزل الله فيك ، فيؤوّل قوله: قد أنزل الله فيك ، أي: وفيمن كان مثلك ".

وبهذا أجاب ابن الصّبّاغ في الشّامل قال: نزلت الآية في هلال، وأمّا قوله لعويمرٍ:" قد نزل فيك وفي صاحبتك " فمعناه ما نزل في قصّة هلال.

ويؤيّده: أنّ في حديث أنس عند أبي يعلى قال: أوّل لعان كان في الإسلام ، أنّ شريك بن سحماء قذفه هلال بن أُميَّة بامرأته. الحديث.

وجنح القرطبيّ إلى تجويز نزول الآية مرّتين، قال: وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرّواة الحفّاظ ، وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن.

قال القرطبيّ: أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة - أخو المُهلَّب - وقال: هو خطأ، والصّحيح أنّه عويمر. وسبقه إلى نحو ذلك الطّبريّ

وقال ابن العربيّ: قال النّاس: هو وهْم من هشام بن حسّان، وعليه دار حديث ابن عبّاس وأنس بذلك.

وقال عياض في " المشارق ": كذا جاء من رواية هشام بن حسّان ، ولَم يقله غيره، وإنّما القصّة لعويمرٍ العجلانيّ، قال: ولكن وقع في " المدوّنة " في حديث العجلانيّ ذكر شريك.

وقال النّوويّ في مبهماته: اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال.

القول الأول: عويمر العجلانيّ.

ص: 99

القول الثاني: هلال بن أُميَّة.

القول الثالث: وعاصم بن عديّ.

ثمّ نقل عن الواحديّ ، أنّ أظهر هذه الأقوال أنّه عويمر.

وكلام الجميع متعقّب:

أمّا قول ابن أبي صفرة: فدعوى مجرّدة، وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصّحيحين مع إمكان الجمع؟ وما نسبه إلى الطّبريّ لَم أره في كلامه.

وأمّا قول ابن العربيّ: إنّ ذكرَ هلالٍ دار على هشام بن حسّان، وكذا جزم عياض ، بأنّه لَم يقله غيره، فمردود ، لأنّ هشام بن حسّان لَم ينفرد به، فقد وافقه عبّاد بن منصور كما قدّمته، وكذا جرير بن حازم عن أيّوب. أخرجه الطّبريّ وابن مردويه موصولاً قال: لَمَّا قذف هلال بن أُميَّة امرأته.

وأمّا قول النّوويّ تبعًا للواحديّ وجنوحه إلى التّرجيح: فمرجوحٌ ، لأنّ الجمع مع إمكانه أولى من التّرجيح.

ثمّ قوله: " وقيل عاصم بن عديّ " فيه نظرٌ ، لأنّه ليس لعاصمٍ فيه قصّة أنّه الذي لاعن امرأته، وإنّما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة. ولَمَّا روى ابن عبد البرّ في " التّمهيد " طريق جرير بن حازم ، تعقّبه بأن قال: قد رواه القاسم بن محمّد عن ابن عبّاس كما رواه النّاس.

وهو يوهم أنّ القاسم سمّى الملاعن عويمرًا، والذي في الصّحيح

ص: 100

" فأتاه رجلٌ من قومه " أي: من قوم عاصم، والنّسائيّ من هذا الوجه " لاعن بين العجلانيّ وامرأته " والعجلانيّ هو عويمر.

وظهر لي الآن احتمال: أن يكون عاصم سأل قبل النّزول ثمّ جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرّة الثّانية التي قال فيها " إنّ الذي سألتك عنه قد ابتليت به " فوجد الآية نزلت في شأن هلال، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأنّها نزلت فيه، يعني أنّها نزلت في كلّ من وقع له ذلك، لأنّ ذلك لا يختصّ بهلالٍ.

وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود ، يحتمل أنّه لَمَّا شرع يدعو بعد توجّه العجلانيّ ، جاء هلال فذكر قصّته فنزلت، فجاء عويمر ، فقال: قد نزل فيك وفي صاحبتك.

قوله: (فبدأ بالرجل).

القول الأول: فيه التصريح أنّ الرّجل يُقدّم قبل المرأة في الملاعنة. وبه قال الشّافعيّ ومن تبعه ، وأشهب من المالكيّة ، ورجّحه ابن العربيّ.

القول الثاني: قال ابن القاسم: لو ابتدأت به المرأة صحّ واعتدّ به. وهو قول أبي حنيفة.

واحتجّوا: بأنّ الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي التّرتيب.

واحتجّ للأوّلين ، بأنّ اللعان شرع لدفع الحدّ عن الرّجل.

ويؤيّده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال: البيّنة وإلَّا حدّ في ظهرك. فلو بُدئ بالمرأة لكان دفعًا لأمر لَم يثبت، وبأنّ الرّجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعنَ

ص: 101

فيندفع عن المرأة، بخلاف ما لو بدأت به المرأة.

قوله: (فشهد أربع .. إن كان من الصادقين) وحديث ابن مسعود نحوه ، لكن زاد فيه " فذهبت لتلتعن ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مه، فأبتْ، فالتعنت.

وفي حديث أنس عند أبي يعلى وأصله في مسلم: فدعاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: أتشهد بالله إنّك لمن الصّادقين فيما رميتها به من الزّنا؟ فشهد بذلك أربعًا ، ثمّ قال له في الخامسة: ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين؟ ففعل، ثمّ دعاها. فذكر نحوه، فلمّا كان في الخامسة ، سكتت سكتة حتّى ظنّوا أنّها ستعترف، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت على القول.

وفي حديث ابن عبّاس من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه عند أبي داود والنّسائيّ وابن أبي حاتم " فدعا الرّجل، فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين، فأمر به فأمسك على فيه، فوعظه ، فقال: كلّ شيء أهون عليك من لعنة الله. ثمّ أرسله ، فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. وقال في المرأة نحو ذلك.

وهذه الطّريق لَم يسمّ فيها الزّوج ولا الزّوجة، بخلاف حديث أنس ، فصرّح فيه بأنّها في قصّة هلال بن أُميَّة.

فإن كانت القصّة واحدة وقع الوهم في تسمية الملاعن كما جزم به غير واحد. فهذه زيادة من ثقة فتعتمد.

وإن كانت متعدّدة فقد ثبت بعضها في قصّه امرأة هلال.

ص: 102

قوله: (الله يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ) قال عياض: ظاهره أنّه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، فيؤخذ منه عرض التّوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال، وأنّه يلزم من كذبه التّوبة من ذلك.

وقال الدّاوديّ: قال ذلك قبل اللعان تحذيرًا لهما منه. والأوّل أظهر وأولى بسياق الكلام.

قلت: والذي قاله الدّاوديّ أولى من جهة أخرى ، وهي مشروعيّة الموعظة قبل الوقوع في المعصية، بل هو أحرى ممّا بعد الوقوع، وأمّا سياق الكلام فمحتمل في رواية ابن عمر للأمرين.

وأمّا حديث ابن عبّاس فسياقه ظاهر فيما قال الدّاوديّ.

ففي رواية جرير بن حازم عن أيّوب عن عكرمة عن ابن عبّاس عند الطّبريّ والحاكم والبيهقيّ في قصّة هلال بن أُميَّة ، قال: فدعاهما حين نزلت آية الملاعنة فقال: الله يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ فقال هلال: والله إنّي لصادق. الحديث.

وقد أخرج البخاري حديث ابن عبّاس من رواية عكرمة في قصّة غير القصّة التي في حديث سهل بن سعد وابن عمر، فيصحّ الأمران معًا باعتبار التّعدّد.

قوله: (أحدكما كاذب) فيه تغليب المذكّر على المؤنّث.

وقال عياض وتبعه النّوويّ: في " قوله أحدكما " ردّ على مَن قال من النّحاة إنّ لفظ أحد لا يستعمل إلَّا في النّفي، وعلى مَن قال منهم لا يستعمل إلَّا في الوصف، وأنّها لا توضع موضع واحد ولا توقع

ص: 103

موقعه. وقد أجازه المبرّد. وجاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي وبمعنىً واحد. انتهى.

قال الفاكهيّ: هذا من أعجب ما وقع للقاضي مع براعته وحذقه، فإنّ الذي قاله النّحاة إنّما هو في " أحد " التي للعموم نحو ما في الدّار من أحد. وما جاءني من أحد، وأمّا أحد بمعنى واحد فلا خلاف في استعمالها في الإثبات نحو (قل هو الله أحدٌ) ونحو (فشهادة أحدهم) ونحو " أحدكما كاذب ".

قوله: (فهل منكما تائبٌ) يحتمل أن يكون إرشادًا ، لا أنّه لَم يحصل منهما ، ولا من أحدهما اعتراف، ولأنّ الزّوج لو أكذب نفسه كانت توبة منه.

قوله: (وفي لفظ: لا سبيل لك عليها) أي: لا تسليط

قوله: (فقال: يا رسولَ الله مالي) وللبخاري " فقال الرجل: مالي ، قيل: لا مال لك " وقوله " مالي " فاعل فعل محذوف، كأنّه لَمَّا سمع لا سبيل لك عليها قال: أيذهب مالي؟ والمراد به الصّداق

قال ابن العربيّ: قوله " مالي " أي: الصّداق الذي دفعته إليها، فأجيب بأنّك استوفيته بدخولك عليها، وتمكينها لك من نفسها. ثمّ أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب ، فقال: إن كنت صادقًا فيما ادّعيته عليها ، فقد استوفيت حقّك منها قبل ذلك، وإن كنت كذبت عليها ، فذلك أبعد لك من مطالبتها ، لئلا تجمع عليها الظّلم في عرضها ومطالبتها بمالٍ قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقّه.

ص: 104

وعرف من هذه الرّواية اسم القائل " لا مال لك " حيث أبهم في رواية البخاري بلفظ " قيل: لا مال لك " مع أنّ النّسائيّ رواه عن زياد بن أيّوب عن ابن عليّة عن أيوب بلفظ " قال: لا مال لك ".

ويستفاد من قوله " فهو بما استحللت من فرجها " أنّ الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان وأقرّت بالزّنا وجب عليها الحدّ، لكن لا يسقط مهرها.

قوله: (إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها) وللبخاري " فقد دخلت بها ". وقد انعقد الإجماع على أنّ الملاعنه المدخول بها تستحقّ جميع الصداق.

واختلف في غير المدخول بها:

القول الأول: الجمهور على أنّ لها النّصف كغيرها من المطلقات قبل الدّخول

القول الثاني: بل لها جميعه ، قاله أبو الزّناد والحكم وحمّاد

القول الثالث: لا شيء لها أصلاً ، قاله الزّهريّ ، وروي عن مالك.

وقد تمسّك بقوله " فقد دخلتَ بها ".

وهو القول الأول: على أنّ من أغلق بابًا وأرخى سترًا على المرأة فقد وجب لها الصّداق وعليها العدّة.

وبذلك قال الليث والأوزاعيّ وأهل الكوفة وأحمد، وجاء ذلك عن عمر وعليّ وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر.

واحتجّوا أيضًا: بأنّ الغالب عند إغلاق الباب وإرخاء السّتر على

ص: 105

المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنّة مقام المئنّة ، لِمَا جبلت عليه النّفوس في تلك الحالة من عدم الصّبر عن الوقاع غالبًا لغلبة الشّهوة وتوفّر الدّاعية.

القول الثاني: قال الكوفيّون: الخلوة الصّحيحة يجب معها المهر كاملاً سواء وطئ أم لَم يطأ، إلَّا إن كان أحدهما مريضًا أو صائمًا أو محرمًا أو كانت حائضًا فلها النّصف. وعليها العدّة كاملة.

القول الثالث: ذهب الشّافعيّ وطائفة إلى أنّ المهر لا يجب كاملاً إلَّا بالجماع.

واحتجّ بقوله تعالى {وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم} وقال {ثمّ طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها} وجاء ذلك عن ابن مسعود وابن عبّاس وشريح والشّعبيّ وابن سيرين.

والجواب عن الحديث: أنّه ثبت في الرّواية الأخرى في حديث الباب " فهو بما استحللت من فرجها " فلم يكن في قوله " دخلت عليها " حجّة لمَن قال إنّ مجرّد الدّخول يكفي.

القول الرابع: قال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه، وإن دخل بها في بيتها صدق عليها، ونقله عن ابن المسيّب.

وعن مالك رواية أخرى كقول الكوفيّين.

قوله: (وإن كنتَ كذبتَ عليها، فهو أبعد لك منها) وللبخاري من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ " فذلك أبعد

ص: 106

وأبعد لك منها " وكرّر لفظ أبعد تأكيدًا.

قوله " ذلك " الإشارة إلى الكذب، لأنّه مع الصّدق يبعد عليه استحقاق إعادة المال ففي الكذب أبعد.

ص: 107