الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
356 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قطع في مِجنٍّ قيمته. وفي لفظ: ثمنه ثلاثة دراهم. (1)
قوله: (أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قطع) معناه أمر ، لأنّه صلى الله عليه وسلم لَم يكن يباشر القطع بنفسه.
وسيأتي أنّ بلالاً هو الذي باشر قطع يد المخزوميّة (2).
فيحتمل: أن يكون هو الذي كان موكلاً بذلك ، ويحتمل: غيره.
وقد اختلف في حقيقة اليد.
فقيل: أوّلها من المنكب؛ وقيل: من المرفق.
وقيل: من الكوع، وقيل: من أصول الأصابع.
فحجّة الأوّل: أنّ العرب تطلق الأيدي على ذلك، ومن الثّاني آية الوضوء ففيها {وأيديكم إلى المرافق} ومن الثّالث آية التّيمّم، ففي القرآن {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وبيّنت السّنّة كما تقدّم في بابه (3) أنّه صلى الله عليه وسلم مسح على كفّيه فقط.
(1) أخرجه البخاري (6411 ، 6412 ، 6413) ومسلم (1686) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
تنبيه: لفظ " قيمته " عند مسلم من طريق مالك عن نافع. وأردها البخاري عن الليث بن سعد معلّقاً. ووصلها مسلم.
(2)
حديث قصة المخزوميّة سيأتي بعد حديث في العمدة.
(3)
تقدّم الكلام عليه مستوفى في باب التيمم.
وأخذ بظاهر الأوّل ، بعض الخوارج ، ونقل عن سعيد بن المسيّب ، واستنكره جماعةٌ.
والثّاني: لا نعلم مَن قال به في السّرقة.
والثّالث: قول الجمهور ، ونقل بعضهم فيه الإجماع.
والرّابع: نقل عن عليٍّ ، واستحسنه أبو ثور.
ورُدّ بأنّه لا يسمّى مقطوع اليد ، لغةً ولا عرفًا ، بل مقطوع الأصابع.
وبحسب هذا الاختلاف ، وقع الخلف في محل القطع.
فقال بالأوّل الخوارج. وهم محجوجون بإجماع السّلف على خلاف قولهم.
وألزم ابنُ حزمٍ الحنفيّةَ ، بأن يقولوا بالقطع من المرفق ، قياسًا على الوضوء ، وكذا التّيمّم عندهم.
قال: وهو أولى من قياسهم قدر المهر على نصاب السّرقة.
ونقله عياض قولاً شاذًّاً.
وحجّة الجمهور: الأخذ بأقل ما ينطلق عليه الاسم ، لأنّ اليد قبل السّرقة كانت محترمة ، فلمّا جاء النّصّ بقطع اليد ، وكانت تطلق على هذه المعاني ، وجب أن لا يترك المتيقّن - وهو تحريمها - إلَّا بمتيقّنٍ وهو القطع من الكفّ.
وأمّا الأثر عن عليّ ، فأخرجه الدّارقطنيّ من طريق حجيّة بن عديّ ، أنّ عليًّا قطع من المفصل.
وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حيوة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل. وأورده أبو الشّيخ في كتاب " حدّ السّرقة " من وجه آخر عن رجاء عن عديّ رفعه مثله، ومن طريق وكيع عن سفيان عن أبي الزّبير عن جابر رفعه مثله.
وأخرج سعيد بن منصور عن حمّاد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: كان عمر يقطع من المفصل ، وعليّ يقطع من مشط القدم " وأخرج ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي حيوة ، أنّ عليًّا قطعه من المفصل.
وجاء عن عليّ ، أنّه قطع اليد من الأصابع ، والرّجل من مشط القدم. أخرجه عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة عنه ، وهو منقطع ، وإن كان رجال السّند من رجال الصّحيح، وقد أخرج عبد الرّزّاق من وجه آخر ، أنّ عليًّا كان يقطع الرّجل من الكعب.
وذكر الشّافعيّ في كتاب " اختلاف عليّ وابن مسعود " ، أنّ عليًّا كان يقطع من يد السّارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصّة ، ويقول: أستحيي من الله أن أتركه بلا عملٍ.
وهذا يحتمل: أن يكون بقي الإبهام والسّبّابة ، وقطع الكفّ والأصابع الثّلاثة.
ويحتمل: أن يكون بقي الكفّ أيضًا.
والأوّل أليق ، لأنّه موافق لِما نقل البخاريّ ، أنّه قطع من الكفّ، وقد وقع في بعض النّسخ بحذف " من " بلفظ " وقطع عليٌّ الكفّ ".
والأصل أنّ أوّل شيء يقطع من السّارق اليد اليمنى ، وهو قول
الجمهور، وقد قرأ ابن مسعود {فاقطعوا أيمانهما} . وأخرج سعيد بن منصور بسندٍ صحيحٍ عن إبراهيم ، قال: هي قراءتنا. يعني أصحاب ابن مسعود.
ونقل فيه عياض. الإجماع ، وتُعقّب.
نعم. قد شذّ مَن قال: إذا قطع الشّمال ، أجزأت مطلقًا ، كما هو ظاهر النّقل عن قتادة ، فقد أخرج عبد الرّزّاق عن معمر عنه ، أنّه سُئل عن سارق قُدّم ليقطع فقدّم شماله ، فقطعت؟ فقال: لا يزاد على ذلك ، قد أقيم عليه الحدّ.
وقال مالكٌ: إن كان عمدًا وجب القصاص على القاطع ووجب قطع اليمين، وإن كان خطأً وجبت الدّية ، ويجزئ عن السّارق، وكذا قال أبو حنيفة.
وعن الشّافعيّ وأحمد قولان في السّارق.
قوله: (في مِجنٍّ) المجنّ بكسر الميم وفتح الجيم ، مفعل من الاجتنان ، وهو الاستتار ممّا يحاذره المستتر ، وكسرت ميمه ، لأنّه آلة في ذلك.
ولأبي داود من رواية ابن جريجٍ أخبرني إسماعيل بن أُميَّة عن نافع. ولفظه " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل ، سرق ترسًا من صفّة (1) النّساء ، ثمنه ثلاثة دراهم ".
(1) وقع في مطبوع الفتح (صيغة) وهو خطأ ، والصواب ما أثبتّه ، وهو الموافق لروايات الحديث عند أبي داود والنسائي وأحمد والبيهقي وغيرهم.
وللبخاري من طريق عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخبرتني عائشة ، أنّ يد السّارق ، لَم تقطع على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، إلَّا في ثمن مجنٍّ حجفةٍ أو ترسٍ.
ووقع عند الإسماعيليّ من طريق هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان ، فيه زيادة قصّة في السّند. ولفظه عن هشام بن عروة ، أنّ رجلاً سرق قدحًا ، فأتي به عمر بن عبد العزيز ، فقال هشام بن عروة قال أَبِي: إنّ اليد لا تقطع في الشّيء التّافه. ثمّ قال: حدّثتني عائشة.
وهكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن عبدة بن سليمان، وهكذا رواه وكيع وغيره عن هشام ، لكن أرسله كلّه.
فأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنّفه " عن وكيع. ولفظه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان السّارق في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، يقطع في ثمن المجنّ ، وكان المجنّ يومئذٍ له ثمن ، ولَم يكن يقطع في الشّيء التّافه.
والحَجَفة بفتح المهملة والجيم ثمّ فاء ، هي الدّرقة ، وقد تكون من خشب أو عظم ، وتغلف بالجلد أو غيره، والتّرس مثله ، لكن يطارق فيه بين جلدين ، وقيل: هما بمعنىً واحد.
وعلى الأوّل " أو " في الخبر للشّكّ ، وهو المعتمد.
ويؤيّده رواية عبد الله بن المبارك عن هشام في البخاري بلفظ " في أدنى ثمن حجفة ، أو ترس ، كلّ واحد منهما ذو ثمن ". والتّنوين في قوله " ثمن " للتّكثير ، والمراد أنّه ثمن يرغب فيه، فأخرج الشّيء التّافه كما فهمه عروة راوي الخبر.
وليس المراد ترسًا بعينه ، ولا حجفة بعينها ، وإنّما المراد الجنس ، وأنّ القطع كان يقع في كلّ شيء يبلغ قدر ثمن المجنّ ، سواء كان ثمن المجنّ كثيرًا أو قليلاً، والاعتماد إنّما هو على الأقلّ ، فيكون نصابًا ، ولا يقطع فيما دونه.
قوله: (قيمته. وفي لفظ: ثمنه) قيمة الشّيء ما تنتهي إليه الرّغبة فيه، وأصله قومةٌ فأبدلت الواو ياءً لوقوعها بعد كسرةٍ، والثّمن ما يقابل به المبيع عند البيع.
والذي يظهر أنّ المراد هنا القيمة ، وأنّ من رواه بلفظ " الثّمن " إمّا تجوّزاً ، وإمّا أنّ القيمة والثّمن كانا حينئذٍ مستويين.
قال ابن دقيق العيد: القيمة والثّمن قد يختلفان. والمعتبر إنّما هو القيمة، ولعل التّعبير بالثّمن لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت في ظنّ الرّاوي أو باعتبار الغلبة. وقد تمسّك مالك. بحديث ابن عمر ، في اعتبار النّصاب بالفضّة.
وأجاب الشّافعيّة وسائر من خالفه: بأنّه ليس في طرقه أنّه لا يقطع في أقل من ذلك.
وأورد الطّحاويّ حديث سعدٍ الذي أخرجه مالك (1) أيضاً ، وسنده ضعيف ، ولفظه " لا يقطع السّارق إلَّا في المجنّ ".
(1) في مطبوع الفتح " ابن مالك " ولعل الصواب بحذف ابن. فقد أخرج مالك في الموطأ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن.
قال: فعلِمْنا أنّه لا يقطع في أقل من ثمن المجنّ، ولكن اختلف في ثمن المجنّ، ثمّ ساق حديث ابن عبّاس. قال: كان قيمة المجنّ الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عشرة دراهم.
قال: فالاحتياط أن لا يقطع إلَّا فيما اجتمعت فيه هذه الآثار وهو عشرة، ولا يقطع فيما دونها ، لوجود الاختلاف فيه.
وتُعقّب: بأنّه لو سلم في الدّراهم ، لَم يسلم في النّصّ الصّريح في ربع دينار. كما سيأتي إيضاحه، ودفع ما أعلَّه به.
والجمع بين ما اختلفت الرّوايات في ثمن المجنّ ممكن ، بالحمل على اختلاف الثّمن والقيمة ، أو على تعدّد المجانّ التي قطع فيها ، وهو أولى.
وقال ابن دقيق العيد: الاستدلال بقوله " قطع في مجنّ " على اعتبار النّصاب ضعيف ، لأنّه حكاية فعل ، ولا يلزم من القطع في هذا المقدار عدم القطع فيما دونه ، بخلاف قوله " يقطع في ربع دينار فصاعداً "(1) ، فإنّه بمنطوقه يدلّ على أنّه يقطع فيما إذا بلغه ، وكذا فيما زاد عليه، وبمفهومه على أنّه لا قطع فيما دون ذلك.
قال: واعتماد الشّافعيّ على حديث عائشة ، وهو قول أقوى في الاستدلال من الفعل المجرّد، وهو قويّ في الدّلالة على الحنفيّة ، لأنّه صريح في القطع في دون القدر الذي يقولون بجواز القطع فيه، ويدلّ على القطع فيما يقولون به بطريق الفحوى، وأمّا دلالته على عدم
(1) يعني حديث عائشة الآتي في العمدة.
القطع في دون ربع دينار ، فليس هو من حيث منطوقه ، بل من حيث مفهومه ، فلا يكون حجّة على من لا يقول بالمفهوم.
قلت: وقرّر الباجيّ طريق الأخذ بالمفهوم هنا فقال: دلَّ التّقويم على أنّ القطع يتعلق بقدرٍ معلوم ، وإلَّا فلا يكون لذكره فائدة، وحينئذٍ فالمعتمد ما ورد به النّصّ صريحاً مرفوعاً في اعتبار ربع دينار.
وقد خالف من المالكيّة في ذلك من القدماء ، ابن عبد الحكم ، وممّن بعدهم ابن العربيّ ، فقال: ذهب سفيان الثّوريّ مع جلالته في الحديث ، إلى أنّ القطع لا يكون إلَّا في عشرة دراهم.
وحجّته أنّ اليد محترمة بالإجماع ، فلا تستباح إلَّا بما أجمع عليه ، والعشرة متّفق على القطع فيها عند الجميع ، فيتمسّك به ما لَم يقع الاتّفاق على ما دون ذلك.
وتعقّب: بأنّ الآية دلَّت على القطع في كلّ قليل وكثير، وإذا اختلفت الرّوايات في النّصاب ، أخذ بأصحّ ما ورد في الأقلّ، ولَم يصحّ أقلّ من ربع دينار أو ثلاثة دراهم، فكان اعتبار ربع دينار أقوى من وجهين:
أحدهما: أنّه صريح في الحصر ، حيث ورد بلفظ " لا تقطع اليد إلَّا في ربع دينار فصاعداً " وسائر الأخبار الصّحيحة الواردة حكاية فعل ، لا عموم فيها.
الثّاني: أنّ المعوّل عليه في القيمة الذّهب ، لأنّه الأصل في جواهر الأرض كلّها.
ويؤيّده ما نقل الخطّابيّ ، استدلالاً على أنّ أصل النّقد في ذلك الزّمان الدّنانير ، بأنّ الصّكاك القديمة كان يكتب فيها عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل ، فعرفت الدّراهم بالدّنانير وحصرت بها. والله أعلم.
وحاصل المذاهب في القدر الذي يقطع السّارق فيه يقرب من عشرين مذهباً:
الأوّل: يقطع في كلّ قليل وكثير ، تافهاً كان أو غير تافه ، نقل عن أهل الظّاهر والخوارج ، ونقل عن الحسن البصريّ ، وبه قال أبو عبد الرّحمن بن بنت الشّافعيّ.
الثاني: مقابل هذا القول في الشّذوذ ، ما نقله عياض ومن تبعه عن إبراهيم النّخعيّ ، أنّ القطع لا يجب إلَّا في أربعين درهماً ، أو أربعة دنانير.
الثّالث: مثل الأوّل. إلَّا إن كان المسروق شيئاً تافهاً ، لحديث عروة الآتي " لَم يكن القطع في شيء من التّافه ، ولأنّ عثمان قطع في فخّارة خسيسة ، وقال لمن يسرق السّياط: لئن عدتم لأقطعنّ فيه. وقطع ابن الزّبير في نعلين. أخرجهما ابن أبي شيبة ، وعن عمر بن عبد العزيز ، أنّه قطع في مدٍّ أو مُدّين.
الرّابع: تقطع في درهم فصاعداً ، وهو قول عثمان البتّيّ ، بفتح الموحّدة وتشديد المثنّاة من فقهاء البصرة وربيعة من فقهاء المدينة.
ونسبه القرطبيّ إلى عثمان فأطلق ، ظنّاً منه أنّه الخليفة ، وليس
كذلك.
الخامس: في درهمين ، وهو قول الحسن البصريّ ، جزم به ابن المنذر عنه.
السّادس: فيما زاد على درهمين ، ولو لَم يبلغ الثّلاثة ، أخرجه ابن أبي شيبة بسندٍ قويّ عن أنس ، أنّ أبا بكر قطع في شيء ، ما يساوي درهمين. وفي لفظ: لا يساوي ثلاثة دراهم.
السّابع: في ثلاثة دراهم ، ويقوّم ما عداها بها ، ولو كان ذهباً.
وهي رواية عن أحمد، وحكاه الخطّابيّ. عن مالك.
الثّامن: مثله. لكن إن كان المسروق ذهباً فنصابه ربع دينار ، وإن كان غيرهما فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم ، قطع به ، وإن لَم تبلغ ، لَم يقطع ، ولو كان نصف دينار.
وهذا قول مالك المعروف عند أتباعه، وهي رواية عن أحمد.
واحتجّ له بما أخرجه أحمد من طريق محمّد بن راشد عن يحيى بن يحيى الغسّانيّ عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مرفوعاً: اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا في أدنى من ذلك. قالت: وكان ربع الدّينار قيمته يومئذٍ ثلاثة دراهم.
والمرفوع من هذه الرّواية نصٌّ في أنّ المعتمد والمعتبر في ذلك الذّهب، والموقوف منه ، يقتضي أنّ الذّهب يقوّم بالفضّة، وهذا يمكن تأويله فلا يرتفع به النّصّ الصّريح.
التّاسع: مثله. إلَّا إن كان المسروق غيرهما ، قطع به إذا بلغت قيمته
أحدهما، وهو المشهور عن أحمد ، ورواية عن إسحاق.
العاشر: مثله. لكن لا يكتفى بأحدهما إلَّا إذا كانا غالبين. فإن كان أحدهما غالباً فهو المعوّل عليه، وهو قول جماعة من المالكيّة. وهو الحادي عشر.
الثّاني عشر: ربع دينار أو ما يبلغ قيمته من فضّة أو عرض، وهو مذهب الشّافعيّ ، وقد تقدّم تقريره.
وهو قول عائشة وعمرة وأبي بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز والأوزاعيّ والليث ورواية عن إسحاق وعن داود.
ونقله الخطّابيّ وغيره عن عمر وعثمان وعليّ، وقد أخرجه ابن المنذر عن عمر بسندٍ منقطع ، أنّه قال: إذا أخذ السّارق ربع دينار قطع. ومن طريق عمرة: أتي عثمان بسارقٍ سرق أترجّة ، قوّمت بثلاثة دراهم من حساب الدّينار باثني عشر ، فقطع.
ومن طريق جعفر بن محمّد عن أبيه ، أنّ عليّاً قطع في ربع دينار ، كانت قيمته درهمين ونصفاً.
الثّالث عشر: أربعة دراهم ، نقله عياض عن بعض الصّحابة ، ونقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد.
الرّابع عشر: ثلث دينار ، حكاه ابن المنذر عن أبي جعفر الباقر.
الخامس عشر: خمسة دراهم ، وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى من فقهاء الكوفة ، ونقل عن الحسن البصريّ وعن سليمان بن يسار. أخرجه النّسائيّ.
وجاء عن عمر بن الخطّاب: لا تقطع الخَمْس، إلَّا في خمس. أخرجه ابن المنذر من طريق منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيّب عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله ، ونقله أبو زيد الدّبوسيّ عن مالك. وشذَّ بذلك.
السّادس عشر: عشرة دراهم ، أو ما بلغ قيمتها من ذهبٍ أو عرض، وهو قول أبي حنيفة والثّوريّ وأصحابهما.
السّابع عشر: دينار ، أو ما بلغ قيمته من فضّة أو عرض. حكاه ابن حزم عن طائفة، وجزم ابن المنذر ، بأنّه قول النّخعيّ.
الثّامن عشر: دينار ، أو عشرة دراهم ، أو ما يساوي أحدهما.
حكاه ابن حزم أيضاً، وأخرجه ابن المنذر عن عليّ. بسندٍ ضعيف ، وعن ابن مسعود. بسندٍ منقطع ، قال: وبه قال عطاء.
التّاسع عشر: ربع دينار فصاعداً من الذّهب ، على ما دلَّ عليه حديث عائشة ، ويقطع في القليل والكثير من الفضّة والعروض، وهو قول ابن حزم.
ونقل ابن عبد البرّ نحوَه عن داود.
واحتجّ: بأنّ التّحديد في الذّهب ثبت صريحاً في حديث عائشة ، ولَم يثبت التّحديد صريحاً في غيره ، فبقي عموم الآية على حاله ، فيقطع فيما قل أو كثر ، إلَّا إذا كان الشّيء تافهاً، وهو موافقٌ للشّافعيّ إلَّا في قياس أحد النّقدين على الآخر.
وقد أيّده الشّافعيّ. بأنّ الصّرف يومئذٍ كان موافقاً لذلك، واستدل: بأنّ الدّية على أهل الذّهب ألف دينار ، وعلى أهل الفضّة اثنا عشر ألف درهم، وتقدّم في قصّة الأترجّة قريباً ما يؤيّده.
ويُخرّج من تفصيل جماعة من المالكيّة ، أنّ التّقويم يكون بغالب نقد البلد ، إن ذهباً فبالذّهب ، وإن فضّة فبالفضّة. تمامُ العشرين مذهباً.
وقد ثبت في حديث ابن عمر ، أنّه صلى الله عليه وسلم قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم. وثبت ، لا قطع في أقل من ثمن المجنّ ، وأقلّ ما ورد في ثمن المجنّ ثلاثة دراهم ، وهي موافقة للنّصّ الصّريح في القطع في ربع دينار ، وإنّما ترك القول ، بأنّ الثّلاثة دراهم نصاب يقطع فيه مطلقاً ، لأنّ قيمة الفضّة بالذّهب تختلف ، فبقي الاعتبار بالذّهب كما تقدّم. والله أعلم.
واستُدل به على وجوب قطع السّارق. ولو لَم يسرق من حرز، وهو قول الظّاهريّة، وأبي عبيد الله البصريّ من المعتزلة.
وخالفهم الجمهور فقالوا: العامّ إذا خصّ منه شيء بدليلٍ ، بقي ما عداه على عمومه وحجّته ، سواء كان لفظه ينبئ عمّا ثبت في ذلك الحكم بعد التّخصيص ، أم لا ، لأنّ آية السّرقة عامّةٌ في كلّ من سرق ، فخصّ الجمهور منها ، مَن سرق مِن غير حرز فقالوا: لا يقطع، وليس في الآية ما ينبئ عن اشتراط الحرز.
وطرد البصريُّ أصلَه في الاشتراط المذكور ، فلم يشترط الحرز ليستمرّ الاحتجاج بالآية.
نعم. وزعم ابن بطّال ، أنّ شرط الحرز مأخوذ من معنى السّرقة ، فإن صحّ ما قال سقطت حجّة البصريّ أصلاً.
واستُدل به على أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب ، لأنّ آية السّرقة نزلت في سارق رداء صفوان أو سارق المجنّ ، وعمل بها الصّحابة في غيرهما من السّارقين.
واستدل بإطلاق ربع دينار على أنّ القطع يجب بما صدق عليه ذلك من الذّهب ، سواء كان مضروباً أو غير مضروب جيّداً كان أو رديئاً.
وقد اختلف فيه التّرجيح عند الشّافعيّة ، ونصّ الشّافعيّ في الزّكاة على ذلك. وأطلق في السّرقة ، فجزم الشّيخ أبو حامد وأتباعه بالتّعميم هنا.
وقال الإصطخريّ: لا يقع إلَّا في المضروب ، ورجّحه الرّافعيّ. وقيّد الشّيخ أبو حامد النّقل عن الإصطخريّ ، بالقدر الذي ينقص بالطّبع.
واستدل بالقطع في المجنّ. على مشروعيّة القطع في كلّ ما يتموّل قياساً.
واستثنى الحنفيّة. ما يسرع إليه الفساد ، وما أصله الإباحة ، كالحجارة واللبن والخشب والملح والتّراب والكلأ والطّير، وفيه رواية عن الحنابلة، والرّاجح عندهم في مثل السّرجين القطع ، تفريعاً على جواز بيعه.
وفي هذا تفاريع أخرى ، محلّ بسطها كتب الفقه. وبالله التّوفيق.
قوله: (ثلاثة دراهم) وللنّسائي من طريق مخلد بن يزيد عن حنظلة عن نافع " قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجنٍّ قيمته خمسة دراهم ".
وخالف الجميعَ ، فقال " خمسة دراهم " وقول الجماعة " ثلاثة دراهم " ، هو المحفوظ.