المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 351 - عن عبيد الله بن عبد الله بن - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 351 - عن عبيد الله بن عبد الله بن

‌الحديث الثاني

351 -

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ، عن أبي هريرة، وزيد بن خالدٍ الجهنيّ رضي الله عنهم أنهما قالا: إنّ رجلاً من الأعراب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسولَ الله، أنشدك الله إلَّا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل، قال: إنَّ ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أنّ على ابني الرّجم، فافتديت منه بمائة شاةٍ ووليدةٍ، فسألتُ أهل العلم: فأخبروني أنما على ابني جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، وأنّ على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردٌ عليك، وعلى ابنك جلد مائةٍ، وتغريب عامٍ، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفتْ فارجمها، فغدا عليها، فاعترفتْ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِمت. (1)

العسيف: الأجير.

قوله: (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ) المدني الهذلي. أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة.

(1) أخرجه البخاري (2190 ، 2506، 2549، 2575، 6258، 6440، 6443، 6444، 6446، 6451، 6467، 6770، 6831، 6832، 6850) ومسلم (1697) من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد.

اقتصر بعضهم على أبي هريرة وبعضهم على زيد بن خالد. والأكثر الجمع بينهما

ص: 364

قوله: (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) في رواية الحميديّ " عن زيد بن خالد الجهنيّ وأبي هريرة وشبل " وكذا قال أحمد وقتيبة عند النّسائيّ ، وهشام بن عمّار وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن الصّبّاح عند ابن ماجه ، وعمرو بن عليّ وعبد الجبّار بن العلاء والوليد بن شجاع وأبو خيثمة ويعقوب الدّورقيّ وإبراهيم بن سعيد الجوهريّ عند الإسماعيليّ ، وآخرون عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله.

وأخرجه التّرمذيّ عن نصر بن عليّ وغير واحد عن سفيان. ولفظه. سمعت من أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل ، أَنّهم كانوا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

قال التّرمذيّ: هذا وهمٌ من سفيان، وإنّما روى عن الزّهريّ بهذا السّند حديث " إذا زنت الأمة " فذكر فيه شبلاً، وروى حديث الباب بهذا السّند ليس فيه شبل فوهم سفيان في تسويته بين الحديثين.

قلت: وسقط ذِكْرُ شِبل من رواية الصّحيحين من طريقه لهذا الحديث.

وكذا أخرجاه من طرق عن الزّهريّ: منها عن مالك والليث وصالح بن كيسان، وللبخاريّ من رواية ابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة، ولمسلمٍ من رواية يونس بن يزيد ومعمر كلّهم عن الزّهريّ. ليس فيه شبل.

قال التّرمذيّ: وشبل لا صحبة له، والصّحيح ما روى الزّبيديّ

ص: 365

ويونس وابن أخي الزّهريّ فقالوا عن الزّهريّ: عن عبيد الله عن شبل بن خالد عن عبد الله بن مالك الأوسيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الأمة إذا زنت.

قلت: ورواية الزّبيديّ عند النّسائيّ، وكذا أخرجه من رواية يونس عن الزّهريّ، وليس هو في الكتب السّتّة من هذا الوجه إلَّا عند النّسائيّ، وليس فيه " كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ".

قوله: (إنّ رجلاً من الأعراب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم) في رواية سفيان " كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقام رجل " وفي رواية شعيب " بينما نحن عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم " وفي رواية ابن أبي ذئب " وهو جالس في المسجد ".

وفي رواية شعيب في البخاري " إذ قام رجل من الأعراب " ، وفي رواية مالك عند البخاري " أنّ رجلين اختصما ".

قوله: (فقال: يا رسولَ الله ، أنشدك الله) بفتح أوّله ونونٍ ساكنة وضمّ الشّين المعجمة. أي: أسألك بالله، وضمّن أنشدك معنى أذكّرك فحذف الباء ، أي: أذكّرك رافعاً نشدتي. أي: صوتي، هذا أصله ، ثمّ استعمل في كلّ مطلوب مؤكّد ، ولو لَم يكن هناك رفع صوت.

وبهذا التّقرير. يندفع إيراد من استشكل رفع الرّجل صوته عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، مع النّهي عنه ثمّ أجاب عنه: بأنّه لَم يبلغه النّهي لكونه أعرابيّاً، أو النّهي لمن يرفعه حيث يتكلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ظاهر الآية.

وذكر أبو عليّ الفارسيّ ، أنّ بعضهم رواه بضمّ الهمزة وكسر

ص: 366

المعجمة. وغلَّطه.

قوله: (إلَّا قضيت بيننا بكتاب الله) في رواية الليث " إلَّا قضيت لي بكتاب الله " قيل: فيه استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويل المصدر ، وإن لَم يكن فيه حرف مصدريّ لضرورة افتقار المعنى إليه، وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم ويراد به النّفي المحصور فيه المفعول، والمعنى هنا لا أسألك إلَّا القضاء بكتاب الله.

ويحتمل: أن تكون إلَّا جواب القسم لِمَا فيها من معنى الحصر ، وتقديره أسألك بالله لا تفعل شيئاً إلَّا القضاء، فالتّأكيد إنّما وقع لعدم التّشاغل بغيره لا لأنّ لقوله " بكتاب الله " مفهوماً.

وبهذا يندفع إيراد من استشكل فقال: لَم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحكم إلَّا بكتاب الله. فما فائدة السّؤال والتّأكيد في ذلك؟.

ثمّ أجاب: بأنّ ذلك من جفاة الأعراب ، والمراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده. وقيل: المراد القرآن ، وهو المتبادر.

وقال ابن دقيق العيد: الأوّل أولى لأنّ الرّجم والتّغريب ليسا مذكورين في القرآن إلَّا بواسطة أمر الله باتّباع رسوله، قيل: وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون المراد ما تضمّنه قوله تعالى {أو يجعل الله لهنّ سبيلاً} فبيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ السّبيل جلد البكر ونفيه ورجم الثّيّب.

قلت: وهذا أيضاً بواسطة التّبيين، ويحتمل: أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها. وهي " الشّيخ والشّيخة إذا زنيا

ص: 367

فارجموهما " (1).

(1) أخرج البخاري في " صحيحه "(6829) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألَا وإنَّ الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف - قال سفيان: كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.

قال الحافظ في " الفتح "(12/ 143): قوله " قال سفيان " هو موصول بالسند المذكور ، قوله " كذا حفظت " هذه جملة معترضة بين قوله " أو الاعتراف " وبين قوله " وقد رجم " وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله - شيخ البخاري فيه - فقال بعد قوله أو الاعتراف: وقد قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده " فسقط من رواية البخاري من قوله " وقرأ .. إلى قوله البتة ".

ولعلَّ البخاري هو الذي حذف ذلك عمداً ، فقد أخرجه النسائي (7118) عن محمد بن منصور عن سفيان. كرواية جعفر ، ثم قال: لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث " الشيخ والشيخة " غير سفيان ، وينبغي أن يكون وهِم في ذلك.

قلت (ابن حجر): وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحُفّاظ عن الزهري. فلم يذكروها.

وقد وقعت هذه الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطإ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ، قال: لَمَّا صَدَرَ عمر من الحج ، وقدم المدينة خطب الناس فقال: أيها الناس قد سُنّت لكم السنن وفُرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده. لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. قال مالك: الشيخ والشيخة الثيب والثيبة.

ووقع في " الحلية " في ترجمة داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن عمر " لكتبتها في آخر القرآن " ووقعتْ أيضاً في هذا الحديث في رواية أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه. عند البزار ، فقال متصلاً بقوله: قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده: ولولا أن يقولوا كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته ، قد قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.

وأخرج هذه الجملة النسائي ، وصححه الحاكم من حديث أُبي بن كعب قال: ولقد كان فيها. أي: سورة الأحزاب آية الرجم الشيخ. فذكر مثله ، ومن حديث زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة. مثله إلى قوله البتة.

ومن رواية أبي أسامة بن سهل ، أنَّ خالته أخبرته ، قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم. فذكره إلى قوله البتة ، وزاد (بما قضيا من اللذة).

وأخرج النسائي أيضاً ، أنَّ مروان بن الحكم ، قال لزيد بن ثابت: ألا تكتبها في المصحف؟ قال: لا. ألا ترى أنَّ الشابّين الثيبين يرجمان ، ولقد ذكرنا ذلك ، فقال عمر: أنا أكفيكم ، فقال: يا رسول الله أكتبني آية الرجم ، قال: لا أستطيع.

وروينا في " فضائل القرآن " لابن الضريس من طريق يعلى - وهو ابن حكيم - عن زيد بن أسلم ، أن عمر خطب الناس فقال: لا تشكوا في الرجم ، فإنه حق ، ولقد هممت أن أكتبه في المصحف ، فسألت أُبيَّ بنَ كعب فقال: أليس إنني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدفعت في صدري ، وقلت: أستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر. ورجاله ثقات.

وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهو الاختلاف.

وأخرج الحاكم من طريق كثير بن الصلت ، قال: كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان في المصحف فمرَّا على هذه الآية ، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ، فقال عمر: لَمَّا نزلت. أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: أكتبها؟ فكأنه كره ذلك ، فقال عمر: ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى ولَم يحصن جلد ، وأنَّ الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.

فيستفاد من هذا الحديث ، السبب في نسخ تلاوتها ، لكون العمل على غير الظاهر من عمومها " انتهى كلامه.

ص: 368

وبهذا أجاب البيضاويّ ، ويبقى عليه التّغريب.

وقيل: المراد بكتاب الله ما فيه من النّهي عن أكل المال بالباطل ، لأنّ خصمه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حقّ ، فلذلك قال " الغنم والوليدة ردٌّ عليك ".

والذي يترجّح ، أنّ المراد بكتاب الله ما يتعلق بجميع أفراد القصّة

ص: 369

ممّا وقع به الجواب الآتي ذكره، والعلم عند الله تعالى.

قوله: (فقال الخصم الآخر: وهو أفقه منه) في رواية سفيان " فقام خصمه ، وكان أفقه منه " وفي رواية مالك " فقال الآخر وهو أفقههما ".

قال شيخنا في " شرح التّرمذيّ ": يحتمل أن يكون الرّاوي كان عارفاً بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثّاني بأنّه أفقه من الأوّل ، إمّا مطلقاً ، وإمّا في هذه القصّة الخاصّة.

أو استدل بحسن أدبه في استئذانه وترك رفع صوته إن كان الأوّل رفعه وتأكيده السّؤال على فقهه، وقد ورد " أنّ حسن السّؤال نصف العلم " وأورده ابن السّنّيّ في كتاب " رياضة المتعلمين " حديثاً مرفوعاً بسندٍ ضعيف.

قوله: (نعم ، فاقض بيننا بكتاب الله) في رواية مالك " فقال: أجل " وفي رواية ابن أبي ذئب وشعيب " فقال: صدق. اقض له يا رسولَ الله بكتاب الله "

قوله: (وأذن لي) زاد ابن أبي شيبة عن سفيان " حتّى أقول " وفي رواية مالك " أن أتكلم ".

قوله: (فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قل) وفي رواية مالك " قال: تكلم ".

قوله: (قال) ظاهر السّياق أنّ القائل هو الثّاني.

وجزم الكرمانيّ بأنّ القائل هو الأوّل.

واستند في ذلك لِمَا وقع في البخاري عن آدم عن ابن أبي ذئب هنا

ص: 370

" فقال الأعرابيّ: إنّ ابني. بعد قوله في أوّل الحديث. جاء أعرابيّ، وفيه. فقال خصمه ".

وهذه الزّيادة شاذّة ، والمحفوظ ما في سائر الطّرق كما في رواية سفيان، وكذا في البخاري عن عاصم بن عليّ عن ابن أبي ذئب موافقاً للجماعة. ولفظه " فقال: صدق، اقض له يا رسولَ الله بكتاب الله، إنّ ابني إلخ .. " فالاختلاف فيه على ابن أبي ذئب.

وقد وافق آدمَ أبو بكرٍ الحنفيّ. عند أبي نعيم في " المستخرج " ووافق عاصماً يزيد بن هارون. عند الإسماعيليّ.

وهذا هو المعتمد، وأنّ قوله في رواية آدم " فقال الأعرابيّ " زيادة ، إلَّا إن كان كلٌّ من الخصمين متّصفاً بهذا الوصف، وليس ذلك ببعيدٍ، والله أعلم.

قوله: (إنّ ابني) في رواية سفيان عند البخاري " إنّ ابني هذا " فيه أنّ الابن كان حاضراً فأشار إليه، وخلا معظم الرّوايات عن هذه الإشارة.

قوله: (كان عسيفاً على هذا) هذه الإشارة الثّانية لخصم المتكلم - وهو زوج المرأة - زاد شعيب في روايته " والعسيف الأجير " وهذا التّفسير مدرج في الخبر، وكأنّه من قول الزّهريّ لِمَا عُرف من عادته أنّه كان يدخل كثيراً من التّفسير في أثناء الحديث. كما بيّنته في مقدّمة كتابي في المدرج.

وقد فصَلَه مالك فوقع في سياقه، " كان عسيفاً على هذا ". قال

ص: 371

مالك: والعسيف الأجير. وحذفها سائر الرّواة.

والعسيف - بمهملتين - الأجير وزنه ومعناه ، والجمع عسفاء كأجراء، ويطلق أيضاً على الخادم وعلى العبد وعلى السّائل.

وقيل: يطلق على من يستهان به، وفسّره عبد الملك بن حبيب بالغلام الذي لَم يحتلم، وإن ثبت ذلك فإطلاقه على صاحب هذه القصّة باعتبار حاله في ابتداء الاستئجار.

ووقع في رواية للنّسائيّ تعيين كونه أجيراً، ولفظه من طريق عمرو بن شعيب عن ابن شهاب " كان ابني أجيراً لامرأته ".

وسُمّي الأجير عسيفاً لأنّ المستأجر يعسفه في العمل والعسف الجور، أو هو بمعنى الفاعل لكونه يعسف الأرض بالتّردّد فيها، يقال: عسف الليل عسفاً إذا أكثر السّير فيه، ويطلق العسف أيضاً على الكفاية، والأجير يكفي المستأجر الأمر الذي أقامه فيه.

قوله: (على هذا) ضمّن على معنى عند بدليل رواية عمرو بن شعيب، وفي رواية محمّد بن يوسف عن ابن عيينة عند البخاري " عسيفاً في أهل هذا " وكأنّ الرّجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور ، فكان ذلك سبباً لِمَا وقع له معها.

قوله: (فزنَى بامرأته ، وإني أخبرت أنَّ على ابني الرّجم فافتديتُ) زاد الحميديّ عن سفيان " فزنى بامرأته فأخبروني أنّ على ابني الرّجم ، فافتديت " وقد ذكر عليّ بن المدينيّ رواية في آخره أنّ سفيان كان يشكّ في هذه الزّيادة فربّما تركها.

ص: 372

وغالب الرّواة عنه كأحمد ومحمّد بن يوسف وابن أبي شيبة لَم يذكروها ، وثبتت عند مالك والليث وابن أبي ذئب وشعيب وعمرو بن شعيب.

ووقع في رواية آدم " فقالوا لي: على ابنك الرّجم " وفي رواية الحميديّ " فأُخبرت " بضمّ الهمزة على البناء للمجهول، وفي رواية أبي بكر الحنفيّ " فقال لي " بالإفراد، وكذا عند أبي عوانة من رواية ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، فإن ثبتت ، فالضّمير في قوله " فافتديت منه " لخصمه، وكأنّهم ظنّوا أنّ ذلك حقٌّ له يستحقّ أن يعفو عنه على مال يأخذه، وهذا ظنٌّ باطل.

ووقع في رواية عمرو بن شعيب " فسألت من لا يعلم ، فأخبروني أنّ على ابني الرّجم ، فافتديت منه ".

قوله: (بمائة شاة ووليدة) في رواية سفيان " بمائة شاة وخادم " المراد بالخادم الجارية المعدّة للخدمة ، بدليل رواية مالك بلفظ " وجارية لي " وفي رواية ابن أبي ذئب وشعيب " بمائةٍ من الغنم ووليدة ".

والوليدة فعيلةٌ من الولادة بمعنى مفعولة.

قال الجوهريّ: هي الصّبية والأمة والجمع ولائد.

وقيل: إنّها اسم لغير أمّ الولد.

قوله: (فسألت أهل العلم: فأخبروني) في رواية سفيان " ثمّ سألتُ رجالاً من أهل العلم فأخبروني " لَم أقف على أسمائهم ، ولا

ص: 373

على عددهم ، ولا على اسم الخصمين ، ولا الابن ولا المرأة.

وفي رواية مالك وصالح بن كيسان وشعيب " ثمّ إنّي سألتُ أهل العلم فأخبروني ". ومثله لابن أبي ذئب ، لكن قال " فزعموا ".

وفي رواية معمر " ثمّ أخبرني أهل العلم " وفي رواية عمرو بن شعيب " ثمّ سألت من يعلم ".

قوله: (أنّما على ابني) في رواية سفيان " أنّ على ابني ".

قوله: (جلد مائة) بالإضافة للأكثر، وقرأه بعضهم بتنوين جلد مرفوع ، وتنوين مائة منصوب على التّمييز ، ولَم يثبت روايةً.

قوله: (وأن على امرأة هذا الرّجم) في رواية مالك والأكثر " وإنّما الرّجم على امرأته " وفي رواية عمرو بن شعيب " فأخبروني أن ليس على ابني الرّجم ".

قوله: (والذي نفسي بيده) في رواية مالك " أما والذي ". وهو قسمٌ كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقسم به ، والمعنى أنّ أمر نفوس العباد بيد الله. أي: بتقديره وتدبيره.

وقد وقع في حديث رفاعة بن عرابة عند بن ماجه والطّبرانيّ " كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا حلف ، قال: والذي نفسي بيده ".

ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخٍ عن أبي سعيدٍ " كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين ، قال: لا. والذي نفس أبي القاسم بيده ".

ولابن ماجه من وجهٍ آخر في هذا الحديث " كانت يمين رسول الله

ص: 374

- صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها ، أشهد عند الله والذي نفسي بيده "

قوله: (لأقضينّ) بتشديد النّون للتّأكيد.

قوله: (بينكما بكتاب الله) في رواية عمرو بن شعيب " بالحقّ " وهي ترجّح أوّل الاحتمالات الماضي ذكرها. وهذا يوهم أنّ الخطاب لهما وليس كذلك، وإنّما هو لوالد العسيف والذي استأجره لَمَّا تحاكما بسبب زنا العسيف بامرأة الذي استأجره.

قوله: (الوليدة والغنم ردٌ) في رواية سفيان " المائة شاة والخادم ردٌّ " وفي رواية الكشميهنيّ " عليك " وكذا في رواية مالك. ولفظه " أمّا غنمك وجاريتك فردٌّ عليك " أي: مردود. من إطلاق لفظ المصدر على اسم المفعول ، كقولهم ثوبٌ نسجٌ ، أي منسوجٌ.

ووقع في رواية صالح بن كيسان " أمّا الوليدة والغنم فردّها " وفي رواية عمرو بن شعيب " أمّا ما أعطيته فردٌّ عليك " فإن كان الضّمير في أعطيته لخصمه ، تأيّدت الرّواية الماضية ، وإن كان للعطاء فلا.

قوله: (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وافقه الأكثر، ووقع في رواية عمرو بن شعيب " وأمّا ابنك فنجلده مائة ونغرّبه سنة ".

وفي رواية مالك وصالح بن كيسان " وجلَدَ ابنه مائة وغرّبه عاماً " وهذا ظاهر في أنّ الذي صدر حينئذٍ كان حكماً لا فتوى، بخلاف رواية سفيان ومن وافقه.

قال النّوويّ: هو محمول على أنّه صلى الله عليه وسلم علم أنّ الابن كان بكراً وأنّه اعترف بالزّنا، ويحتمل: أن يكون أضمر اعترافه ، والتّقدير وعلى

ص: 375

ابنك إن اعترف.

والأوّل أليق. فإنّه كان في مقام الحكم، فلو كان في مقام الإفتاء لَم يكن فيه إشكال ، لأنّ التّقدير إن كان زنى وهو بكرٌ، وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه وسكوته عمّا نسبه إليه، وأمّا العلم بكونه بكراً فوقع صريحاً من كلام أبيه في رواية عمرو بن شعيب ، ولفظه " كان ابني أجيراً لامرأة هذا ، وابني لَم يحصن ".

قوله: (واغد يا أنيس) بنونٍ ومهملة مصغّر

قوله: (إلى امرأة هذا) زاد محمّد بن يوسف: فاسألها.

قال ابن السّكن في كتاب الصّحابة: لا أدري من هو ، ولا وجدت له رواية ، ولا ذكراً إلَّا في هذا الحديث.

وقال ابن عبد البرّ: هو ابن الضّحّاك الأسلميّ ، وقيل: ابن مرثد ، وقيل: ابن أبي مرثد، وزيّفوا الأخير بأنّ أنيس بن أبي مرثد ، صحابيّ مشهور وهو غنويّ - بالغين المعجمة والنّون - لا أسلميّ - وهو بفتحتين - لا التّصغير.

وغلط من زعم أيضاً أنّه أنس بن مالك ، وصُغِّر كما صُغِّر في رواية أخرى عند مسلم ، لأنّه أنصاريّ لا أسلميّ.

ووقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب " وأمّا أنت يا أنيس - لرجلٍ من أسلم - فاغد " وفي رواية مالك ويونس وصالح بن كيسان " وأمر أنيساً الأسلميّ ، أن يأتي امرأة الآخر " وفي رواية معمر " ثمّ قال لرجلٍ من أسلم ، يقال له أنيس: قم يا أنيس فسل امرأة هذا ".

ص: 376

وهذا يدلّ على أنّ المراد بالغدوّ الذّهاب والتّوجّه كما يطلق الرّواح على ذلك، وليس المراد حقيقة الغدوّ ، وهو التّأخير إلى أوّل النّهار كما لا يراد بالرّواح التّوجّه نصف النّهار.

وقد حكى عياض ، أنّ بعضهم استدل به على جواز تأخّر إقامة الحدّ عند ضيق الوقت ، واستضعفه بأنّه ليس في الخبر أنّ ذلك كان في آخر النّهار.

قوله: (فإن اعترفت فارجمها) في رواية يونس " وأمر أنيساً الأسلميّ أن يرجم امرأة الآخر إذ اعترفت ".

قوله: (فاعترفت ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجمت) كذا وقع في رواية الليث ، واختصره ابن أبي ذئب فقال " فغدا عليها فرجمها " ، ونحوه في رواية صالح ابن كيسان، وفي رواية عمرو بن شعيب " وأمّا امرأة هذا فترجم ".

وفي رواية سفيان " فغدا عليها فاعترفت فرجمها " كذا للأكثر ، ورواية الليث أتمّها ، لأنّها تشعر بأنّ أنيساً أعاد جوابها على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر حينئذٍ برجمها.

ويحتمل: أن يكون المراد أمره الأوّل المعلق على اعترافها ، فيتّحد مع رواية الأكثر ، وهو أولى.

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدّم.

الرّجوع إلى كتاب الله نصّاً أو استنباطاً، وجواز القسم على الأمر لتأكيده، والحلف بغير استحلاف، وحسن خلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحلمه

ص: 377

على من يخاطبه بما الأولى خلافه، وأنّ من تأسّى به من الحكّام في ذلك يحمد ، كمن لا ينزعج لقول الخصم مثلاً احكم بيننا بالحقّ.

وقال البيضاويّ: إنّما تواردا على سؤال الحكم بكتاب الله ، مع أنّهما يعلمان أنّه لا يحكم إلَّا بحكم الله ، ليحكم بينهما بالحقّ الصِّرف ، لا بالمصالحة ولا الأخذ بالأرفق، لأنّ للحاكم أنْ يفعل ذلك برضا الخصمين.

وفيه. أنّ حسن الأدب في مخاطبة الكبير يقتضي التّقديم في الخصومة ولو كان المذكور مسبوقاً، وأنّ للإمام أن يأذن لمن شاء من الخصمين في الدّعوى إذا جاءا معاً وأمكن أن كلاً منهما يدّعي.

واستحباب استئذان المدّعي والمستفتي الحاكم والعالم في الكلام، ويتأكّد ذلك إذا ظنّ أنّ له عذراً.

وفيه أنّ من أقرّ بالحدّ وجب على الإمام إقامته عليه. ولو لَم يعترف مشاركه في ذلك.

وفيه. أنّ من قذف غيره لا يقام عليه الحدّ إلَّا إن طلبه المقذوف، خلافاً لابن أبي ليلى فإنّه قال: يجب ولو لَم يطلب المقذوف.

قلت: وفي الاستدلال به نظر، لأنّ محلّ الخلاف إذا كان المقذوف حاضراً، وأمّا إذا كان غائباً كهذا ، فالظّاهر أنّ التّأخير لاستكشاف الحال. فإن ثبت في حقّ المقذوف فلا حدّ على القاذف كما في هذه القصّة.

وقد قال النّوويّ تبعاً لغيره: إنّ سبب بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنيساً للمرأة

ص: 378

ليعلمها بالقذف المذكور لتطالب بحدّ قاذفها إن أنكرت.

قال: هكذا أوّله العلماء من أصحابنا وغيرهم ، ولا بدّ منه ، لأنّ ظاهره أنّه بعث يطلب إقامة حدّ الزّنا ، وهو غير مراد ، لأنّ حدّ الزّنا لا يحتاط له بالتّجسّس والتّنقيب عنه ، بل يستحبّ تلقين المقرّ به ليرجع كما سيأتي في قصّة ماعز (1).

وكأنّ لقوله " فإن اعترفت " مقابلاً ، أي: وإن أنكرت فأعلمها أنّ لها طلب حدّ القذف ، فحُذف لوجود الاحتمال. فلو أنكرت وطلبت لأجيبت.

وقد أخرج أبو داود والنّسائيّ من طريق سعيد بن المسيّب عن ابن عبّاس ، أنّ رجلاً أقرّ بأنّه زنى بامرأةٍ فجلده النّبيّ صلى الله عليه وسلم مائة. ثمّ سأل المرأة ، فقالت: كذب ، فجلده حدّ الفرية ثمانين.

وقد سكت عليه أبو داود وصحّحه الحاكم ، واستنكره النّسائيّ.

وفيه. أنّ المُخدَّرة التي لا تعتاد البروز ، لا تُكلَّف الحضور لمجلس الحكم ، بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها، وقد ترجم النّسائيّ لذلك.

وفيه. أنّ السّائل يذكر كل ما وقع في القصّة ، لاحتمال أن يفهم المفتي أو الحاكم من ذلك ما يستدلّ به على خصوص الحكم في المسألة ، لقول السّائل " إنّ ابني كان عسيفاً على هذا "، وهو إنّما جاء يسأل عن حكم الزّنا، والسّرّ في ذلك ، أنّه أراد أن يقيم لابنه معذرةً ما ،

(1) سيأتي إن شاء الله الكلام عليه مستوفى. انظر الحديث الآتي برقم (353).

ص: 379

وأنّه لَم يكن مشهوراً بالعهر ، ولَم يهجم على المرأة مثلاً ، ولا استكرهها، وإنّما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التّأنيس والإدلال.

فيستفاد منه. الحثّ على إبعاد الأجنبيّ من الأجنبيّة مهما أمكن، لأنّ العشرة قد تفضي إلى الفساد ، ويتسوّر بها الشّيطان إلى الإفساد.

وفيه. جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، والرّدّ على من منع التّابعيّ أن يفتي مع وجود الصّحابيّ مثلاً.

وفيه. جواز الاكتفاء في الحكم بالأمر النّاشئ عن الظّنّ مع القدرة على اليقين، لكن إذا اختلفوا على المستفتي يرجع إلى ما يفيد القطع ، وإن كان في ذلك العصر الشّريف من يفتي بالظّنّ الذي لَم ينشأ عن أصل.

ويحتمل: أن يكون وقع ذلك من المنافقين ، أو من قرب عهده بالجاهليّة فأقدم على ذلك.

وفيه. أنّ الصّحابة كانوا يفتون في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي بلده، وقد عقد محمّد بن سعد في " الطّبقات " باباً لذلك.

وأخرج بأسانيد فيها الواقديّ ، أنّ منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وعبد الرّحمن بن عوف وأبيَّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت.

وفيه. أنّ الحكم المبنيّ على الظّنّ ينقض بما يفيد القطع.

وفيه أنّ الحدّ لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزّنا والسّرقة والحرابة وشرب المسكر.

ص: 380

واختلف في القذف. والصّحيح ، أنّه كغيره ، وإنّما يجري الفداء في البدن كالقصاص في النّفس والأطراف.

وفيه. أنّ الصّلح المبنيّ على غير الشّرع يردّ ، ويعاد المال المأخوذ فيه.

قال ابن دقيق العيد: وبذلك يتبيّن ضعف عذر من اعتذر من الفقهاء عن بعض العقود الفاسدة بأنّ المتعاوضين تراضيا وأذن كلّ منهما للآخر في التّصرّف، والحقّ أنّ الإذن في التّصرّف مقيّد بالعقود الصّحيحة.

وفيه جواز الاستنابة في إقامة الحدّ.

واستدل به على وجوب الإعذار والاكتفاء فيه بواحدٍ.

وأجاب عياض: باحتمال أن يكون ذلك ثبت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشهادة هذين الرّجلين.

كذا قال ، والذي تقبل شهادته من الثّلاثة ، والد العسيف فقط ، وأمّا العسيف والزّوج فلا.

وغفل بعض من تبع القاضي فقال: لا بدّ من هذا الحمل ، وإلا لزم الاكتفاء بشهادة واحد في الإقرار بالزّنا. ولا قائل به.

ويمكن الانفصال عن هذا: بأنّ أنيساً بُعث حاكماً ، فاستوفى شروط الحكم ، ثمّ استأذن في رجمها فأذن له في رجمها.

وكيف يتصوّر من الصّورة المذكورة إقامة الشّهادة عليها من غير تقدّم دعوى عليها ، ولا على وكيلها مع حضورها في البلد غير متوارية؟ إلَّا أن يقال إنّها شهادة حسبة.

ص: 381

ويجاب: بأنّه لَم يقع هناك صيغة الشّهادة المشروطة في ذلك.

قال محمّد بن الحسن: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقرّ عندي فلان بكذا لشيءٍ يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق، حتّى يشهد معه على ذلك غيره ، وادّعى أنّ مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاصّ بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم.

قال: وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبداً عدلان يسمعان من يقرّ ، ويشهدان على ذلك ، فينفذ الحكم بشهادتهما " نقله ابن بطّال.

وقال المُهلَّب: فيه حجّة لمالكٍ في جواز إنفاذ الحاكم رجلاً واحداً في الأعذار، وفي أن يتّخذ واحداً يثق به يكشف عن حال الشّهود في السّرّ، كما يجوز قبول الفرد فيما طريقه الخبر لا الشّهادة.

قال: وقد استدل به قوم في جواز تنفيذ الحكم دون إعذار إلى المحكوم عليه.

قال: وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنّ الإعذار يشترط فيما كان الحكم فيه بالبيّنة، لا ما كان بالإقرار كما في هذه القصّة، لقوله " فإن اعترفت ".

واستُدل به على جواز الحكم بإقرار الجاني من غير ضبط بشهادةٍ عليه، ولكنّها واقعة عينٍ فيحتمل أن يكون أنيس أشهد قبل رجمها.

قال عياض: احتجّ قوم بجواز حكم الحاكم في الحدود وغيرها ، بما أقرّ به الخصم عنده ، وهو أحد قولي الشّافعيّ ، وبه قال أبو ثور، وأبى ذلك الجمهور، والخلاف في غير الحدود أقوى.

قال: وقصّة أنيس يطرقها احتمال معنى الإعذار كما مضى، وأنّ

ص: 382

قوله " فارجمها " أي بعد إعلامي، أو أنّه فوّض الأمر إليه، فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهم تحكم، وقد دلَّ قوله " فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجمت " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو الذي حكم فيها ، بعد أن أعلمه أنيس باعترافها.

كذا قال، والذي يظهر ، أنّ أنيساً لَمَّا اعترفت ، أعلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم مبالغة في الاستثبات، مع كونه كان علق له رجمها على اعترافها.

واستدل به على أنّ حضور الإمام الرّجم ليس شرطاً. وفيه نظر لاحتمال أنّ أنيساً كان حاكماً ، وقد حضر بل باشر الرّجم لظاهر قوله " فرَجَمَها ".

وفيه الجمع بين الجلد والتّغريب، وللبخاري من طريق عروة ، أنَّ عمر غرّب ، ثم لَم تزل تلك السنة. زاد عبد الرّزّاق في روايته عن مالك " حتّى غرّب مروان ، ثمّ ترك النّاس ذلك ، يعني أهل المدينة ". وهو منقطع ، لأنّ عروة لَم يسمع من عمر.

لكنّه ثبت عن عمر من وجه آخر ، أخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ وصحّحه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب، وأنّ أبا بكر ضرب وغرّب، وأنّ عمر ضرب وغرّب " أخرجوه من رواية عبد الله بن إدريس عنه.

وذكر التّرمذيّ: أنّ أكثر أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه موقوفاً على أبي بكر وعمر.

ص: 383

ونقل محمّد بن نصر في " كتاب الإجماع ": الاتّفاقَ على نفي الزّاني إلَّا عن الكوفيّين. ووافق الجمهورَ منهم ابن أبي ليلى وأبو يوسف.

وادّعى الطّحاويّ أنّه منسوخ، كما سأذكره.

واختلف القائلون بالتّغريب.

فقال الشّافعيّ والثّوريّ وداود والطّبريّ: بالتّعميم.

وفي قول للشّافعيّ: لا ينفى الرّقيق.

وخصّ الأوزاعيّ النّفي بالذّكوريّة، وبه قال مالك. وقيّده بالحرّيّة، وبه قال إسحاق. وعن أحمد روايتان.

واحتجّ من شرط الحرّيّة: بأنّ في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدّة نفيه، وتصرّف الشّرع ، يقتضي أن لا يعاقب إلَّا الجاني، ومن ثَمّ سقط فرض الحجّ والجهاد عن العبد.

وقال ابن المنذر: أقسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قصّة العسيف أنّه يقضي فيه بكتاب الله ، ثمّ قال: إنّ عليه جلد مائة وتغريب عام " وهو المبيّن لكتاب الله. وخطب عمر بذلك على رءوس النّاس، وعمل به الخلفاء الرّاشدون فلم ينكره أحد فكان إجماعاً.

واختلف في المسافة التي ينفى إليها:

فقيل: هو إلى رأي الإمام، وقيل: يشترط مسافة القصر.

وقيل: إلى ثلاثة أيّام، وقيل: إلى يومين، وقيل: يوم وليلة.

وقيل: من عمل إلى عمل، وقيل: إلى ميل.

وقيل: إلى ما ينطلق عليه اسم نفي.

ص: 384

وشرط المالكيّة الحبسَ في المكان الذي ينفى إليه، وسيأتي البحث فيه. في الحديث الذي بعده.

ومن عجيب الاستدلال ، احتجاج الطّحاويّ لسقوط النّفي أصلاً ، بأنّ نفي الأمة ساقط بقوله " بيعوها " كما سيأتي تقريره (1).

قال: وإذا سقط عن الأمة سقط عن الحرّة لأنّها في معناها، ويتأكّد بحديث " لا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم ". (2)

قال: وإذا انتفى أن يكون على النّساء نفي ، انتفى أن يكون على الرّجال.

كذا قال. وهو مبنيّ على أنّ العموم إذا سقط خصّ الاستدلال به، وهو مذهب ضعيف جدّاً.

أمّا الجلد فثابت بكتاب الله، لقوله {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة .. الآية} وقام الإجماع ممّن يعتدّ به على اختصاصه بالبكر وهو غير المحصن. (3)

واختلفوا في كيفيّة الجلد.

القول الأول: عن مالك. يختصّ بالظّهر لقوله في حديث اللعان " البيّنة وإلا جلدٌ في ظهرك ".

القول الثاني: قال غيره: يفرّق على الأعضاء ، ويتّقى الوجه

(1) في شرح حديث أبي هريرة الآتي.

(2)

أخرجه البخاري (1862) ومسلم (1341) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

(3)

سيأتي إن شاء الله تعريف المحصن في حديث قصة ماعز برقم (353).

ص: 385

والرّأس، ويجلد في الزّنا والشّرب والتّعزير قائماً مجرّداً، والمرأة قاعدةً، وفي القذف وعليه ثيابه.

القول الثالث: قال أحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يُجرَّد أحدٌ في الحدّ.

وليس في الآية للنّفي ذِكْر ، فتمسّك به الحنفيّة ، فقالوا: لا يزاد على القرآن بخبر الواحد.

والجواب: أنّه مشهور لكثرة طرقه ومن عمل به من الصّحابة، وقد عملوا بمثله بل بدونه ، كنقض الوضوء بالقهقهة ، وجواز الوضوء بالنّبيذ ، وغير ذلك ممّا ليس في القرآن.

وقد أخرج مسلم من حديث عبادة بن الصّامت مرفوعاً " خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثّيّب بالثّيّب جلد مائة والرّجم ".

وأخرج الطّبرانيّ من حديث ابن عبّاس قال: كنّ يُحبسن في البيوت إن ماتت ماتت ، وإن عاشت عاشت: لَمَّا نزل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم ، فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلاً} حتّى نزلت {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة} .

وفيه الاكتفاء بالاعتراف بالمرّة الواحدة ، لأنّه لَم ينقل أنّ المرأة تكرّر اعترافها.

وفيه الاكتفاء بالرّجم من غير جلد ، لأنّه لَم ينقل في قصّتها أيضاً.

ص: 386

وفيه نظرٌ ، لأنّ الفعل لا عموم له فالتّرك أولى (1).

وفيه جواز استئجار الحرّ. وجواز إجارة الأب ولده الصّغير لمن يستخدمه إذا احتاج لذلك.

واستدل به على صحّة دعوى الأب لمحجوره ، ولو كان بالغاً ، لكون الولد كان حاضراً ولَم يتكلم إلَّا أبوه.

وتعقّب: باحتمال أن يكون وكيله ، أو لأنّ التّداعي لَم يقع إلَّا بسبب المال الذي وقع به الفداء ، فكأنّ والد العسيف ادّعى على زوج المرأة بما أخذه منه ، إمّا لنفسه ، وإمّا لامرأته بسبب ذلك حين أعلمه أهل العلم ، بأنّ ذلك الصّلح فاسد ليستعيده منه ، سواء كان من ماله أو من مال ولده، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم بردّ ذلك إليه، وأمّا ما وقع في القصّة من الحدّ ، فباعتراف العسيف ثمّ المرأة.

وفيه أنّ حال الزّانيين إذا اختلفا ، أقيم على كلّ واحد حدّه ، لأنّ العسيف جلد والمرأة رجمت، فكذا لو كان أحدهما حرّاً والآخر رقيقاً، وكذا لو زنى بالغ بصبيّةٍ ، أو عاقل بمجنونةٍ حدّ البالغ والعاقل دونهما، وكذا عكسه.

وفيه. أنّ من قذف ولده لا يحدّ له ، لأنّ الرّجل قال: إنّ ابني زنى " ولَم يثبت عليه حدّ القذف.

تكميل: أخرج البخاري عن يحيى بن بكيرٍ حدّثنا الليث عن عقيلٍ

(1) مسألة الاكتفاء بالاعتراف مرة ، وكذا الاكتفاء بالرجم دون الجلد. سيأتي إن شاء الله البحث فيهما مستوفى في قصة ماعز رضي الله عنه برقم (353).

ص: 387

عن ابن شهابٍ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ، ولَم يحصن بنفي عامٍ، بإقامة الحدّ عليه.

وقع في رواية النّسائيّ " أن يُنفى عاماً مع إقامة الحدّ عليه " وكذا أخرجه الإسماعيليّ من طريق حجّاج بن محمّد عن الليث.

وعُرف أنّ الباء في رواية يحيى بن بكير بمعنى مع. والمراد بإقامة الحدّ ، ما ذكر في رواية عبد العزيز جلد المائة ، وأطلق عليها الجلد لكونها بنصّ القرآن.

وقد تمسّك بهذه الرّواية ، من زعم أنّ النّفي تعزير ، وأنّه ليس جزءاً من الحدّ.

وأجيب: بأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً، وقد وقع التّصريح في قصّة العسيف من لفظ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّ عليه جلد مائة وتغريب عام. وهو ظاهر في كون الكلّ حدّه، ولَم يختلف على راويه في لفظه ، فهو أرجح من حكاية الصّحابيّ مع الاختلاف.

وممّا يؤيّد كون الحديثين واحداً مع أنّه اختلف على ابن شهاب في تابعيّه وصحابيّه ، أنّ الزّيادة التي عن عمر ، عند عبد العزيز (1) في

(1) أي: عبد العزيز بن عبد الله الماجشون. وروايته عند البخاري (6443) من طريقه أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجهني، قال: سمعت ، النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن: جلد مائة وتغريب عام.

قال ابن شهاب: وأخبرني عروة بن الزبير: أن عمر بن الخطاب، غرَّب، ثم لم تزل تلك السنة. وقد تقدَّم إعلال الشارح لها بالانقطاع بين عروة وعمر.

ص: 388

حديث زيد بن خالد ، وقعت عند عُقيل في حديث أبي هريرة، ففي آخر رواية حجّاج بن محمّد التي أشرت إليها عند الإسماعيليّ. " قال ابن شهاب: وكان عمر ينفي من المدينة إلى البصرة وإلى خيبر ".

وفيه إشارة إلى بعد المسافة ، وقربها في النّفي بحسب ما يراه الإمام ، وأنّ ذلك لا يتقيّد.

والذي تحرّر لي من هذا الاختلاف أنّ في حديثي الباب اختصاراً من قصّة العسيف ، وأنّ أصل الحديث كان عند عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد جميعاً ، فكان يحدّث به عنهما بتمامه ، وربّما حدّث عنه عن زيد بن خالد باختصارٍ، وكان عند سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة وحده باختصارٍ. والله أعلم.

وفي الحديث جواز الجمع بين الحدّ والتّعزير خلافاً للحنفيّة ، إن أُخِذ بظاهر قوله " مع إقامة الحدّ " ، وجواز الجمع بين الجلد والنّفي في حقّ الزّاني الذي لَم يحصن ، خلافاً لهم أيضاً ، إن قلنا إنّ الجميع حدٌّ.

واحتجّ بعضهم: بأنّ حديث عبادة الذي فيه النّفي منسوخ بآية النّور ، لأنّ فيها الجلد بغير نفي.

وتعقّب: بأنّه يحتاج إلى ثبوت التّاريخ، وبأنّ العكس أقرب ، فإنّ آية الجلد مطلقة في حقّ كلّ زانٍ ، فخصّ منها في حديث عبادة الثّيّب، ولا يلزم من خلوّ آية النّور عن النّفي عدم مشروعيّته ، كما لَم يلزم من خلوّها من الرّجم ذلك.

ص: 389

ومن الحجج القويّة: أنّ قصّة العسيف كانت بعد آية النّور ، لأنّه كانت في قصّة الإفك ، وهي متقدّمة على قصّة العسيف ، لأنّ أبا هريرة حضرها ، وإنّما هاجر بعد قصّة الإفك بزمانٍ.

تكميل آخر: قال البخاري (باب إذا رمى امرأتَه أو امرأةَ غيرِه بالزّنا عند الحاكم والنّاس ، هل على الحاكم أن يبعثَ إليها فيسألها عمّا رُميت به).

ذكر قصّة العسيف، والحكم المذكور ظاهر فيمن قذف امرأة غيره.

وأمّا من قذف امرأته ، فكأنّه أخذه من كون زوج المرأة كان حاضراً ولَم ينكر ذلك.

وأشار بقوله " هل على الإمام " إلى الخلاف في ذلك، والجمهور على أنّ ذلك بحسب ما يراه الإمام.

قال النّوويّ: الأصحّ عندنا وجوبه ، والحجّة فيه بعث أنيس إلى المرأة.

وتعقّب: بأنّه فعلٌ وقع في واقعة حال لا دلالة فيه على الوجوب ، لاحتمال أن يكون سبب البعث ما وقع بين زوجها وبين والد العسيف من الخصام والمصالحة على الحدّ واشتهار القصّة ، حتّى صرّح والد العسيف بما صرّح به ولَم ينكر عليه زوجها، فالإرسال إلى هذه ، يختصّ بمن كان على مثل حالها من التّهمة القويّة بالفجور، وإنّما علَّق على اعترافها ، لأنّ حدّ الزّنا لا يثبت في مثلها إلَّا بالإقرار لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك.

ص: 390

وقد تقدّم ذكر ما قيل من الحكمة في إرسال أنيس إلى المرأة المذكورة.

وفي الموطّأ " أنّ عمر أتاه رجلٌ ، فأخبره أنّه وجد مع امرأته رجلاً ، فبعث إليها أبا واقد فسألها عمّا قال زوجها ، وأعلمها أنّه لا يؤخذ بقوله فاعترفت، فأمر بها عمر فرُجمت.

قال ابن بطّال: أجمع العلماء على أنّ من قذف امرأته أو امرأة غيره بالزّنا ، فلم يأت على ذلك ببيّنةٍ أنّ عليه الحدّ، إلَّا إن أقرّ المقذوف، فلهذا يجب على الإمام أن يبعث إلى المرأة يسألها عن ذلك، ولو لَم تعترف المرأة في قصّة العسيف ، لوجب على والد العسيف حدّ القذف.

وممّا يتفرّع عن ذلك ، لو اعترف رجل بأنّه زنى بامرأةٍ معيّنة فأنكرت. هل يجب عليه حدّ الزّنا وحدّ القذف ، أو حدّ القذف فقط؟.

قال بالأوّل. مالك ، وبالثّاني. أبو حنيفة.

وقال الشّافعيّ وصاحبا أبي حنيفة: من أقرّ منهما فإنّما عليه حدّ الزّنا فقط، والحجّة فيه أنّه إن كان صدق في نفس الأمر فلا حدّ عليه لقذفها، وإن كان كذب. فليس بزانٍ وإنّما يجب عليه حدّ الزّنا ، لأنّ كلّ من أقرّ على نفسه وعلى غيره ، لزمه ما أقرّ به على نفسه ، وهو مدّعٍ فيما أقرّ به على غيره ، فيؤاخذ بإقراره على نفسه دون غيره.

ص: 391