المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 344 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 344 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه

‌الحديث الرابع

344 -

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، أنّ جاريةً وُجد رأسها مرضوضاً بين حَجَرين، فقيل: مَن فعل هذا بكِ؟ فلانٌ، فلانٌ، حتى ذُكر يهوديٌ فأومأت برأسها، فأُخذ اليهوديّ فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرضّ رأسه بين حجرين. (1)

ولمسلمٍ والنّسائيّ عن أنسٍ: أنَّ يهودياً قتل جاريةً على أوضاحٍ، فأقاده بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)

قوله: (أنّ جاريةً وجد رأسها مرضوضاً بين حجرين) في رواية لهما " أنَّ يهودياً رضَّ رأس جارية بين حجرين " الرّضّ بالضّاد المعجمة والرّضخ بمعنىً.

والجارية. يحتمل: أن تكون أمةً ، ويحتمل: أن تكون حرّة. لكن دون البلوغ ، وقد وقع في رواية هشام بن زيد عن أنس في البخاري "

(1) أخرجه البخاري (2282 ، 2592 ، 6482 ، 6490) ومسلم (1672) من طريق همام ، والبخاري (6491) من طريق سعيد كلاهما عن قتادة عن أنس رضي الله عنه ، أنَّ يهودياً رضَّ رأس جارية بين حجرين. الحديث.

تنبيه: لم أره بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف هنا. لا في الصحيحين ولا في غيرها.

وأخرجه البخاري (4989 ، 6483 ، 6485) ومسلم (1672) من طريق شعبة عن هشام بن زيد عن أنس رضي الله عنه. مثله.

ورواه مسلم (1672) من طريق أبي قلابة عن أنس نحوه.

(2)

أخرجه النسائي في " السنن "(4740) من طريق عبده عن سعيد عن قتادة عن أنس.

ولم يروه مسلم بهذا اللفظ كما نبّه عليه الزركشي في كتابه تصحيح العمدة (ص 65)

ص: 282

خرجت جاريةٌ عليها أوضاحٌ بالمدينة فرماها يهوديٌّ بحجرٍ ".

وله من هذا الوجه بلفظ " عدا يهوديّ على جارية فأخذ أوضاحاً كانت عليها ، ورضخ رأسها. وفيه. فأتى أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي في آخر رمقٍ.

وهذا لا يعيّن كونها حرّةً لاحتمال أن يراد بأهلها مواليها ، رقيقة كانت أو عتيقة.

ولَم أقف على اسمها ، لكن في بعض طرقه أنّها من الأنصار. (1)

ولا تنافي بين قوله " رضّ رأسها بين حجرين " وبين قوله " رماها بحجرٍ " وبين قوله " رضخ رأسها " لأنّه يجمع بينها. بأنّه رماها بحجرٍ فأصاب رأسها فسقطت على حجر آخر.

قوله: (فقيل: مَنْ فعل هذا بك؟ فلانٌ، فلانٌ) وللبخاري من طريق حبان عن همام عن قتادة عن أنس " فقيل لها: من فعل بك هذا. أفلانٌ أو فلانٌ؟ " وفي رواية الكشميهنيّ " فلان أو فلان؟ " بحذف الهمزة، وللبخاري من وجه آخر عن همّام " أفلان أفلان؟ " بالتّكرار بغير واو عطف.

وجاء بيان الذي خاطبها بذلك في رواية هشام بن زيد عن أنس بلفظ " فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلانٌ قتلك؟ " وبيَّن في رواية أبي قلابة عن أنس عند مسلم وأبي داود " فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

(1) وقعت هذه اللفظة في صحيح مسلم (1672) من طريق أبي قلابة عن أنس. كما تقدم.

ص: 283

فقال لها: مَن قتلك؟ ".

قوله: (حتّى ذُكر يهوديّ) في رواية همام " حتى سمي اليهودي " لَم أقف على اسمه.

قوله: (فأومأت برأسها) وقع في رواية هشام بن زيد في البخاري بيان الإيماء المذكور ، وأنّه كان تارة دإلَّا على النّفي ، وتارة دالاًّ على الإثبات بلفظ " فلان قتلكِ؟ فرفعت رأسها، فأعاد فقال: فلان قتلكِ؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثّالثة: فلان قتلكِ؟ فخفضت رأسها.

وهو مشعر بأنّ فلاناً الثّاني غير الأوّل، ووقع التّصريح بذلك في البخاري بلفظ " فأشارت برأسها أن لا، قال: ففلان؟ لرجلٍ آخر يعني - عن رجل آخر - فأشارت أن لا. قال: ففلان؟ لقاتِلِها. فأشارت أن نعم.

قال ابن بطّالٍ: ذهب الجمهور إلى أنّ الإشارة إذا كانت مفهمة تتنزّل منزلة النّطق، وخالفه الحنفيّة في بعض ذلك. انتهى

وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة.

فأمّا في حقوق الله ، فقالوا: يكفي ولو من القادر على النّطق.

وأمّا في حقوق الآدميّين كالعقود والإقرار والوصيّة ونحو ذلك ، فاختلف العلماء فيمن اعتقل لسانه.

ثالثها عن أبي حنيفة: إن كان مأيوساً من نطقه.

وعن بعض الحنابلة: إن اتّصل بالموت. ورجّحه الطّحاويّ.

ص: 284

وعن الأوزاعيّ: إن سبقه كلام، ونقل عن مكحول ، إن قال: فلان حرّ ثمّ أصمت فقيل له: وفلان؟. فأومأ صحّ.

وأمّا القادر على النّطق فلا تقوم إشارته مقام نطقه. عند الأكثرين.

واختلف هل يقوم مقام النّيّة؟ كما لو طلق امرأته ، فقيل له: كم طلقة؟ فأشار بإصبعه.

قوله: (فأخذ اليهوديّ فاعترف) في رواية همام عند البخاري " فلم يزل به حتّى أقرّ ". وفي رواية له أيضاً عنده " فجيء به فلم يعترف ، فلم يزل به حتّى اعترف ".

قال أبو مسعود: لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث: فاعترف ولا فأقرّ ، إلَّا همّام بن يحيى.

قال المُهلَّب: فيه أنّه ينبغي للحاكم أن يستدلّ على أهل الجنايات ثمّ يتلطّف بهم حتّى يقرّوا ليؤخذوا بإقرارهم، وهذا بخلاف ما إذا جاءوا تائبين فإنّه يعرض عمّن لَم يصرّح بالجناية فإنّه يجب إقامة الحدّ عليه إذا أقرّ، وسياق القصّة يقتضي أنّ اليهوديّ لَم تقم عليه بيّنة وإنّما أخذ بإقراره، وفيه أنّه تجب المطالبة بالدّم بمجرّد الشّكوى ، وبالإشارة.

قال: وفيه دليل على جواز وصيّة غير البالغ ، ودعواه بالدّين والدّم.

قلت: في هذا نظرٌ ، لأنّه لَم يتعيّن كون الجارية دون البلوغ.

قال المازري: واستَدل به بعضهم على التّدمية ، لأنّها لو لَم تعتبر لَم

ص: 285

يكن لسؤال الجارية فائدة، قال: ولا يصحّ اعتباره مجرّداً ، لأنّه خلاف الإجماع فلم يبق إلَّا أنّه يفيد القسامة.

وقال النّوويّ: ذهب مالك إلى ثبوت قتل المتّهم بمجرّد قول المجروح، واستدل بهذا الحديث، ولا دلالة فيه بل هو قول باطل ، لأنّ اليهوديّ اعترف كما وقع التّصريح به في بعض طرقه.

ونازعه بعض المالكيّة. فقال: لَم يقل مالكٌ ولا أحدٌ من أهل مذهبه بثبوت القتل على المتّهم بمجرّد قول المجروح، وإنّما قالوا: إنّ قول المحتضر عند موته فلانٌ قتلني لوثٌ يوجب القسامة فيقسم اثنان فصاعداً من عصبته بشرط الذّكوريّة، وقد وافق بعضُ المالكيّة الجمهور.

واحتجّ مَن قال بالتّدمية: أنّ دعوى من وصل إلى تلك الحالة ، وهي وقت إخلاصه وتوبته عند معاينة مفارقة الدّنيا يدلّ على أنّه لا يقول إلَّا حقّاً.

قالوا: وهي أقوى من قول الشّافعيّة: إنّ الوليّ يقسم إذا وجد قرب وليّه المقتول رجلاً معه سكّينٌ ، لجواز أن يكون القاتل غير من معه السّكّين.

قوله: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرضّ رأسه بين حجرين) في رواية همام " فرضّ رأسه بالحجارة " أي: دقّ، وفي رواية البخاري " فرضخ رأسه بين حجرين " وللبخاري في رواية حبّان ، أنّ همّاماً قال كُلاًّ من اللفظين.

ص: 286

وفي رواية هشام في الصحيحين " فقتله بين حجرين " وفي رواية أبي قلابة عند مسلم " فأمر به فرجم حتّى مات " لكن في رواية أبي داود من هذا الوجه " فقتل بين حجرين ".

قال عياض: رضخُه بين حجرين ، ورميُه بالحجارة ، ورجمُه بها بمعنىً، والجامع أنّه رمي بحجرٍ أو أكثر ورأسه على آخر.

واستدل به على وجوب القصاص على الذمّيّ.

وتعقّب: بأنّه ليس فيه تصريح بكونه ذمّيّاً ، فيحتمل أن يكون معاهداً أو مستأمناً. والله أعلم.

وفي الحديث.

وهو القول الأول: حجّة للجمهور أنّ القاتل يقتل بما قتل به.

وتمسّكوا بقوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} . وبقوله تعالى {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} .

القول الثاني: خالف الكوفيّون.

فاحتجّوا بحديث " لا قود إلَّا بالسّيف " وهو ضعيف. أخرجه البزّار وابن عديّ من حديث أبي بكرة.

وذكر البزّار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده.

وقال ابن عديّ: طرقه كلها ضعيفة.

وعلى تقدير ثبوته. فإنّه على خلاف قاعدتهم ، في أنّ السّنّة لا تنسخ الكتاب ولا تخصّصه، وبالنّهي عن المثلة وهو صحيح ، لكنّه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص جمعاً بين الدّليلين.

ص: 287

وقال ابن التّين: أجاب بعض الحنفيّة: بأنّ هذا الحديث لا دلالة فيه على المماثلة في القصاص، لأنّ المرأة كانت حيّة والقود لا يكون في حيّ، وتعقّبه ، بأنّه إنّما أمر بقتله بعد موتها ، لأنّ في الحديث " أفلان قتلك؟ " فدلَّ على أنّها ماتت حينئذٍ لأنّها كانت تجود بنفسها، فلمّا ماتت اقتصّ منه.

وادّعى ابن المرابط من المالكيّة: أنّ هذا الحكم كان في أوّل الإسلام ، وهو قبول قول القتيل، وأمّا ما جاء أنّه اعترف فهو في رواية قتادة ولَم يقله غيره وهذا ممّا عدّ عليه. انتهى.

ولا يخفى فساد هذه الدّعوى ، فقتادة حافظٌ زيادته مقبولة ، لأنّ غيره لَم يتعرّض لنفيها فلم يتعارضا، والنّسخ لا يثبت بالاحتمال.

قال ابن المنذر: قال الأكثر: إذا قتله بشيءٍ يقتل مثله غالباً فهو عمد.

وقال ابن أبي ليلى: إن قتل بالحجر أو العصا نُظر. إن كرّر ذلك فهو عمد ، وإلا فلا.

وقال عطاء وطاوسٌ: شرط العمد أن يكون بسلاحٍ.

وقال الحسن البصريّ والشّعبيّ والنّخعيّ والحكم وأبو حنيفة ومن تبعهم: شرطه أن يكون بحديدةٍ.

واختلف فيمن قتل بعصاً، فأقيد بالضّرب بالعصا فلم يَمُت. هل يكرّر عليه؟

فقيل: لَم يكرّر. وقيل: إن لَم يمت قتل بالسّيف ، وكذا فيمن قتل

ص: 288

بالتّجويع.

وقال ابن العربيّ: يستثنى من المماثلة ما كان فيه معصية كالخمر واللواط والتّحريق، وفي الثّالثة خلاف عند الشّافعيّة، والأوّلان بالاتّفاق، لكن قال بعضهم: يقتل بما يقوم مقام ذلك. انتهى.

ومن أدلة المانعين حديث المرأة التي رمتْ ضرّتها بعمود الفسطاط فقتلتها، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل فيها الدّية (1).

وفي حديث أنس في قصّة اليهوديّ.

وهو القول الأول: حجّة للجمهور. في أنّه لا يشترط في الإقرار بالقتل أن يتكرّر، وهو مأخوذ من إطلاق قوله " فأخذ اليهوديّ فاعترف " فإنّه لَم يذكر فيه عدداً والأصل عدمه.

القول الثاني: ذهب الكوفيّون: إلى اشتراط تكرار الإقرار بالقتل مرّتين قياساً على اشتراط تكرار الإقرار بالزّنا أربعاً. تبعاً لعدد الشّهود في الموضعين.

قوله: (على أوضاحٍ) فمعناه بسبب أوضاح - وهي بالضّاد المعجمة والحاء المهملة جمع وضحٍ - قال أبو عبيد: هي حليّ الفضّة.

ونقل عياض: أنّها حليّ من حجارة، ولعله أراد حجارة الفضّة احترازاً من الفضّة المضروبة أو المنقوشة.

قوله: (فأقاده بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أنّ العبد يقتل بالحرّ ، وأنّ الأنثى تقتل بالذّكر ويقتل بها. إلَّا أنّه ورد عن

(1) سيأتي إن شاء برقم (347).

ص: 289

بعض الصّحابة كعليٍّ ، والتّابعين كالحسن البصريّ ، أنّ الذّكر إذا قتل الأنثى فشاء أولياؤها قتله وجب عليهم نصف الدّية ، وإلَّا فلهم الدّية كاملة.

قال: ولا يثبت عن عليّ ، لكن هو قول عثمان البتّيّ أحد فقهاء البصرة، ويدلّ على التّكافؤ بين الذّكر والأنثى ، أنّهم اتّفقوا على أنّ مقطوع اليد والأعور لو قتله الصّحيح عمداً لوجب عليه القصاص. ولَم يجب له بسبب عينه أو يده دية. انتهى

قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ الرّجل يقتل بالمرأة والمرأة بالرّجل ، إلَّا رواية عن عليّ وعن الحسن وعطاء. وخالف الحنفيّة فيما دون النّفس.

واحتجّ بعضهم: بأنّ اليد الصّحيحة لا تقطع باليد الشّلاء بخلاف النّفس. فإنّ النّفس الصّحيحة تقاد بالمريضة اتّفاقاً.

وأجاب ابن القصّار: بأنّ اليد الشّلاء في حكم الميّتة والحيّ لا يقاد بالميّت.

وقال ابن المنذر: لَمَّا أجمعوا على القصاص في النّفس ، واختلفوا فيما دونها ، وجب ردّ المختلف إلى المتّفق.

وقال البخاري: وقال أهل العلم: يقتل الرّجل بالمرأة. انتهى.

المراد الجمهور، أو أطلق إشارةً إلى وهْيِ (1) الطّريق إلى عليّ. أو إلى أنّه من ندرة المخالف.

(1) من الوهاء. وهو الضعف.

ص: 290