الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
349 -
عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ ، قال: حدثنا جندب رضي الله عنه في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندبٌ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرحٌ فجزع، فأخذ سكيناً فحزَّ بِها يده، فما رقأ الدّم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه، حرّمتُ عليه الجنة. (1)
قوله: (عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ) الإمام المشهور، وكان ولي قضاء البصرة مدة لطيفة ، ولَّاه أميرها عديُّ بن أرطاة، ومات الحسن سنة عشر ومائة.
قوله: (جندب رضي الله عنه) ابن عبد الله البجلي. (2)
قوله: (في هذا المسجد) هو مسجد البصرة.
قوله: (وما نسينا منه حديثاً) وللبخاري " وما نسينا منذ حدّثنا " أشار بذلك إلى تحقّقه لِمَا حدّث به وقرب عهده به واستمرار ذكره له.
قوله: (وما نخشى أن يكون جندبٌ كذب) فيه إشارة إلى أنّ الصّحابة عدول، وأنّ الكذب مأمون من قبلهم ، ولا سيّما على النّبيّ
(1) أخرجه البخاري (1298 ، 3276) ومسلم (113) من طريق جرير بن حازم ، ومسلم (113) من طريق شيبان كلاهما الحسن البصري به. والفظ للبخاري.
(2)
تقدّمت ترجمته رضي الله عنه في الصلاة رقم (148).
- صلى الله عليه وسلم.
قوله: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ) لَم أقف على اسمه.
قوله: (به جرح) بضمّ الجيم وسكون الرّاء بعدها مهملة، وفي رواية للبخاري بلفظ " به جراح " وهو بكسر الجيم.
وذكره بعضهم: بضمّ المعجمة وآخره جيم. وهو تصحيف.
ووقع في رواية مسلم " أنّ رجلاً خرجت به قرحة "(1) وهي بفتح القاف وسكون الرّاء: حبّة تخرج في البدن، وكأنّه كان به جرح ثمّ صار قرحة.
قوله: (فجزع) أي: فلم يصبر على أَلَم تلك القرحة.
قوله: (فأخذ سكّيناً فحزّ بها يده) السّكّين تذكّر وتؤنّث، وقوله " حزّ " بالحاء المهملة والزّاي هو القطع بغير إبانة.
ووقع في رواية مسلم " فلمّا آذته انتزع سهماً من كنانته فنكأها " وهو بالنّون والهمز. أي: نخس موضع الجرح.
ويمكن الجمع: بأن يكون فجر الجرح بذبابة السّهم فلم ينفعه فحزّ موضعه بالسّكّين.
ودلَّت رواية البخاريّ ، على أنّ الجرح كان في يده.
قوله: (فما رقأ الدّم) بالقاف والهمز ، أي: لَم ينقطع.
قوله: (قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه) وللبخاري "
(1) وفي روايةٍ لمسلم (113)" خراج " قال السيوطي: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء القرحة.
بادرني عبدي بنفسه " هو كناية عن استعجال المذكور الموت، وسيأتي البحث فيه.
قوله: (حرّمت عليه الجنّة) جارٍ مجرى التّعليل للعقوبة ، لأنّه لَمَّا استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختياراً عصى الله به ، فناسب أن يعاقبه. ودلَّ ذلك على أنّه حزّها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظّنّ الانتفاع بها.
وقد استشكل قوله " بادرني بنفسه " وقوله " حرّمت عليه الجنّة ". لأنّ الأوّل يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله ، لِمَا يوهمه سياق الحديث من أنّه لو لَم يقتل نفسه كان قد تأخّر عن ذلك الوقت وعاش، لكنّه بادر فتقدّم.
والثّاني يقتضي تخليد الموحّد في النّار.
والجواب عن الأوّل: أنّ المبادرة من حيث التّسبّب في ذلك والقصد له والاختيار، وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها، وإنّما استحقّ المعاقبة ، لأنّ الله لَم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحقّ المعاقبة لعصيانه.
وقال القاضي أبو بكر: قضاء الله مطلق ومقيّد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف، والمقيّد على الوجهين، مثاله. أن يقدّر لواحد أنّ يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه ، وثلاثين سنة إن لَم يقتل ، وهذا بالنّسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلاً. وأمّا بالنّسبة إلى علم الله فإنّه لا يقع إلَّا ما علمه ، ونظير ذلك الواجب المخيّر
فالواقع منه معلوم عند الله والعبد مخيّر في أيّ الخصال يفعل.
والجواب عن الثّاني من أوجه:
أحدها: أنّه كان استحلَّ ذلك الفعل فصار كافراً.
ثانيها: كان كافراً في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره.
ثالثها: أنّ المراد أنّ الجنّة حرّمت عليه في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السّابقون ، أو الوقت الذي يعذّب فيه الموحّدون في النّار ثمّ يخرجون.
رابعها: أنّ المراد جنّة معيّنة كالفردوس مثلاً.
خامسها: أنّ ذلك ورد على سبيل التّغليظ والتّخويف ، وظاهره غير مراد.
سادسها: أنّ التّقدير حرّمت عليه الجنّة إن شئت استمرار ذلك.
سابعها: قال النّوويّ: يحتمل أن يكون ذلك شرعُ مَن مضى أنّ أصحاب الكبائر يكفرون بفعلها.
وفي الحديث تحريم قتل النّفس. سواء كانت نفس القاتل أم غيره، وقتل الغير يؤخذ تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى.
وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه حيث حرّم عليهم قتل نفوسهم ، وأنّ الأنفس ملك الله.
وفيه التّحديث عن الأمم الماضية ، وفضيلة الصّبر على البلاء ، وترك التّضجّر من الآلام لئلا يفضي إلى أشدّ منها.
وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النّفس.
وفيه التّنبيه على أنّ حكم السّراية على ما يترتّب عليه ابتداء القتل.
وفيه الاحتياط في التّحديث ، وكيفيّة الضّبط له والتّحفّظ فيه بذكر المكان ، والإشارة إلى ضبط المحدّث لمن حدّثه ، ليركن السّامع لذلك، والله أعلم.